جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-20@01:59:40 GMT

كيف تُنقذ زواجك من الانهيار؟!

تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT

كيف تُنقذ زواجك من الانهيار؟!

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

يُواجه الكثير من الأزواج تحديات كبيرة في الحفاظ على استقرار حياتهم الزوجية، وغالبًا ما يلجؤون إلى طلب الطلاق والانفصال عند أبسط المواقف السلبية التي تطرأ على حياتهم الزوجية، ويعود ذلك في كثير من الأحيان إلى نقص حاد في الوعي والإدراك بأهمية المسؤولية الأسرية والاجتماعية المُلقاة على عاتقهم.

من الضروري بناء الحياة الزوجية السليمة الخالية من المُعوقات والسلبيات، لضمان استمرار الحياة الزوجية، ومن أجل تحقيق ذلك، لابد من الاهتمام بدراسة شؤون الحياة الزوجية قبل دخولها أو الإقدام عليها، وهنا يوصي المتخصصون في علم الأسرة بضرورة الاستفادة من حضور الدورات التأهيلية التي تؤسس لحياة زوجية هانئة بعيدة عن المنغصات، بالإضافة إلى التزود بالقراءة المركزة حول أهمية الحياة الزوجية، ومع ذلك على الزوجين أن يسألا نفسيهما دائمًا: كيف ننقذ زواجنا من الانهيار؟

وهنا إذا أردنا الإجابة على ذلك لابد أن نعلم أن الزوجين لابد لهما من الالتفات والتركيز والاهتمام إلى ما سنذكره في مقالنا هذا، فإذا أراد الزوجان فعلاً حماية زواجهما من الانهيار، والسير نحو حياة أفضل وأجمل، فما عليهما سوى تطبيق الآتي:

أولًا: يجب على الزوجين أن يتخذا قراراً واضحًا وهو الالتزام بثقافة الاهتمام بالحوار بإيجابية مستمرة، وتجاهل السلبيات مهما كان حجمها وعددها وتفاصيلها وعدم الاهتمام بها، أو حتى النظر إلى جزئياتها، وذلك أن ديننا العظيم يريد منَّا أن نعيش حياتنا الزوجية ونحن مؤمنين ومسلمين بالإيمان المطلق بأهمية التجاهل والتغافل عن التوافه التي قد تصيب الحياة الزوجية، وكما قال أمير المؤمنين الإمام علي في كلمته الذهبية "مَنْ لَمْ يتغافل ولا يَغُض عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ تنغصت عيشته." وما أجمل أن يقوم الزوجان بكتابة هذا الحديث ولصقه داخل غرفة نومهما حتى يتذكرا دائمًا أهمية التغافل عن التفاهات في حل العديد من المشاكل الزوجية التي قد تطرأ على حياتهما الزوجية. ثانيًا: يجب أن يُدرك الزوجان أهمية التغيير في حياتهما الزوجية، فليس من الصحيح والسليم البقاء على نفس الروتين المعروف، والزوجان الواعيان هما اللذان يقومان بتجديد حياتهما باستمرار وذلك عن طريق السفر، واستعادة الذكريات، ومُمارسة الهوايات، واللعب معاً، والإعداد لعشاء رومانسي، ومُمارسة الرياضة، وزيارة الحدائق بين فترة وأخرى، وتبادل الهدايا في أعياد الميلاد وغيرها. ثالثًا: يجب على الزوجين تجنب اللجوء إلى خيار الطلاق في حياتهما الزوجية، فليس من الحكمة التفكير بالانفصال منذ اللحظة الأولى لحدوث مشكلة بينهما، فلا يوجد منزل يخلو من المشاكل، وعليهما أن يدركا أنَّ هناك العديد من الحلول المتاحة، لذا يتوجب عليهما البحث عنها وإيجادها وتطبيقها. وكما قال حفيد الرسول الأعظم الإمام جعفر الصادق: "مَا مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّهُ اَللَّهُ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ اَلطَّلاَقِ ." رابعًا: طلب المساعدة من أهل الحكمة والدراية، فقد يواجه الزوجان مشاكل طارئة في حياتهما الزوجية ولا يجدان لها حلاً مما يؤثر على حياتهما سلبا، فما عليهما إلا التوجه إلى الأخصائيين الموثوقين في علم الأسرة واستشارتهم والاستفادة من خبراتهم العلمية والحياتية في حل النزاعات الزوجية، ومن المهم جداً أن يكون الزوجان عازمين على حل مشاكلهما وعدم التعنت أو التفكير في من سيكون المُنتصر، فذلك في حد ذاته تفكير سلبي لا ينبغي التعامل به بين الأزواج. خامسًا: الحفاظ على السرية التامة في الأمور الأسرية وعدم إفشائها خارج نطاق الأسرة، حيث لا يُستحسن للزوجين إفشاء تفاصيل حياتهما الزوجية للأصدقاء والمعارف، قال أمير المؤمنين الإمام علي: "صَدْرُ اَلْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ"، وقال في موضع آخر: "لاَ تُودِعْ سَرَّكَ إِلاَّ عِنْدَ كُلِّ ثِقَةٍ ." سادسًا: تعزيز تبادل ثقافة الحب والمودة بين الزوجين لما لها من أهمية بالغة في سير الحياة الزوجية على أفضل نحو مُمكن، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "قَوْلُ اَلرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ: إِنِّي أُحِبُّكِ، لاَ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَدًا". سابعًا: يجب على الزوجين الاهتمام البالغ بحل المشاكل التي تقع في حياتهما الزوجية في وقت وقوعها وعدم تأجيلها أو إهمالها حتى لا تتراكم المشاكل بينهما بحيث يصعب حلها بعد ذلك لكثرتها. ثامنًا: ترسيخ ثقافة الاحترام والتقدير والإجلال بين الزوجين، ليس فقط داخل نطاق الأسرة، بل أيضًا بين الناس خارج الحياة الزوجية، ذلك أن الاحترام المتبادل بين الزوجين يبني العلاقات الزوجية ويجعل من الزوجين لهما القدرة الكافية على حل المشاكل التي قد تطرأ بينهما بشكل أفضل، وذلك لصناعة حياة زوجية ناجحة مبنية على الوعي.

وأخيرًا.. وإضافة إلى ما سبق، لا بُد من  معرفة الحقوق والواجبات وهي من أهم الموارد الضرورية التي يجب أن تكون حاضرة في الحياة الزوجية بين الزوجين، إذ لابد من الزوجين أن يكونا على قدر عالٍ من معرفة دورهما تجاه بعضهما البعض، وذلك لا يكون إلا من خلال ملء الحياة الزوجية بالحنان والعطف والرأفة والحوار الهادئ المبني على المودة بينهما، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21) صدق الله العلي العظيم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حكم التأمين على الحياة.. الإفتاء توضح

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة: "ما حكم الشرع في التأمين على الحياة؟ وما مدى توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية الغَرَّاء؟". 

لترد دار الإفتاء موضحة: ان التأمين على الحياة أمرٌ جائزٌ شرعًا، وهو في جملته تكاتُفٌ وتكافُلٌ وتعاوُنٌ على البِر والإيثار، وجارٍ على أصول مكارم الأخلاق التي تتلاقى معانيها ومقاصدها معَ ما وردت به الشريعة الإسلامية من مواقف وتوجيهات تَجلَّى فيها روح التعاون والمواساة عند توقع الخطر والتماس طرق الوقاية منه.

حث الشرع الشريف المسلمين على التعاون والترابط

حثَّ الشرعُ الشريفُ المسلمين على التراحمِ والترابطِ والتعاون فيما بينهم، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه مِن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، إلى غير ذلك مِن النصوص الواردة في هذا الباب، و"فائدة التعاون: تيسير العمل، وتوفير المصالح، وإظهار الاتحاد والتَّنَاصُر حتى يُصبح ذلك خُلُقًا للأُمَّة"، كما قال شيخ الإسلام الطاهر بن عَاشُور في "التحرير والتنوير" (6/ 88، ط. الدار التونسية).

وقد وضعَ الشرعُ للناسِ نظامًا اجتماعيًّا قويمًا، يُسهِمُ في سدِّ حوائجِ المحتاجين وتفريجِ كرباتهم، فأوجبَ الزكاة مثلًا وجعلَهَا مِن أركانِ الدِّين، وحثَّ على الصدقات وبيَّن أنها مِن أعظمِ أبوابِ الخيرِ وأفضل صور التكافل والتعاون.

بيان المراد بالتأمين
من صور التكافل والتعاون في عصرنا الحاضر: ما يُعرف بـ"التأمين"، وهو عبارةٌ عن "عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغًا من المال، أو إيرادًا مرتبًا، أو أي عِوَضٍ ماليٍّ آخر، في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المُبَيَّن بالعقد، وذلك في نظير قسطٍ أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له للمؤمِّن"، كما عَرَّفَتْهُ المادة (747) من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م.

حكم التأمين على الحياة والأدلة على ذلك
من جملة أنواع التأمين: ما يُعرف بـ"التأمين على الحياة"، والتكييف الفقهي المختار لهذا النوع أنه عقدُ تبرُّعٍ قائمٌ على التكافل الاجتماعي والتعاون على البِرِّ، وليس بعقدِ معاوَضة، حيث يتبرع المُؤَمَّن له بالقسط المدفوع، في مقابل تبرع المؤمِّن بقيمة التأمين.

والتأمين على الحياة بهذا الوصف عقدٌ جائزٌ شرعًا بعموم الأدلة الشرعية من الكتاب والسُّنة:

أمَّا الكتاب فقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وكلمة "العقود" عامةٌ تشمل كلَّ عقد، ومنها عقد التأمين على الحياة وغيره، ومن المقرر أن الأصل في العقود والمعاملات الإباحةُ، ما لم يأتِ دليلٌ شرعيٌّ على التحريم، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي (23/ 92، ط. دار المعرفة)، و"حاشية الإمام الدُّسُوقِي المالكي على الشرح الكبير" (2/ 217، ط. دار الفكر)، و"كفاية النبيه" للإمام ابن الرِّفْعَة الشافعي (9/ 311، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح منتهى الإرادات" للإمام أَبِي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (2/ 56، ط. عالم الكتب).

وهذا الأصل هو ما يتوافق مع مقاصد الشرع الشريف مِن تحقيق مصالح العباد والتيسير عليهم ورفع الحرج عنهم، ولا فرق بين كون هذه العقود موروثةً منصوصًا عليها، كالبيع والشراء والإجارة وغيرها، أو كونها مستحدَثَةً لم تتناولها النصوص بالذكر والتفصيل على جهة الخصوص كما في عقد التأمين، ما دامت تلك العقود خالية من الضرر والغرر، وتُحقق مصالح أطرافها.

وأمَّا السُّنة: فقد روي عن عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ الضَّمْرِيِّ قال: شهدتُ خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمِنًى، وكان فيما خَطَب: «وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، والدارقطني والبيهقي في "السنن".

فجَعَل سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم طريقَ حِلِّ المال أن تسمح به نفسُ باذِلِهِ من خلال التراضي، والتأمين يتراضى فيه الطرفان على أخذ مالٍ بطريقٍ مخصوصٍ لا غرر فيه ولا ضرر، فيكون حلالًا.

وقد جرى العرف على التعامل بهذا النوع من العقود، وكما هو مقرر أن العرف معتبرٌ شرعًا ومصدر من مصادر التشريع، قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199]، ولما ورد في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند"، والطبراني في "المعجم الأوسط"، والحاكم في "المستدرك".

كما أن عقد التأمين ليس من عقود الغرر المُحرَّمة؛ لأنَّ مبناه على التبرع ابتداءً وانتهاءً، فالمؤمَّن له يتبرع ابتداءً بالأقساط التي يدفعها، والمؤمِّن يتبرع انتهاءً بقيمة مبلغ التأمين الذي ارتضاه بالعقد ابتداءً، ويترتب على ذلك ثبوت حقِّ الوفاء بالالتزام على المؤمِّن تجاه المؤمَّن له، والمُؤَمَّن له تجاه المُؤَمِّن؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» أخرجه الأئمة: الحاكم في "المستدرك"، والدارقطني والبيهقي في "السنن" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ومِن المقرر شرعًا أن عقود التبرعات يُتهاوَن فيها عن الغرر الكثير، بخلاف عقود المعاوضات فإنه لا يقبل فيها إلا الغرر اليسير، كما في "الفروق" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (1/ 151، ط. دار إحياء الكتب)، و"القواعد" للإمام الحافظ ابن رَجَب (ص: 233، ط. دار الكتب العلمية، القاعدة الخامسة بعد المائة).

على أن الغرر يُتصوَّر حينما تكون الحقوق والالتزامات في العقد مُبهَمَةً، أما وقد صار كلُّ طرف في عقد التأمين يعرف مقدَّمًا مقدارَ ما سيدفعه ومقدارَ ما سيحصل عليه، فحينئذٍ لا يتصور وجود الغرر الفاحش المنهي عنه أصلًا.

كما لا يوجد في عقد التامين شُبهة القمار؛ لأن المقامَرَة تقوم على الحظ، في حين أن التأمين يقوم على أسسٍ وقواعد منضبطةٍ وحساباتٍ مدروسةٍ ومحسوبةٍ مِن جهة، وعلى عقدٍ مبرَمٍ من جهة أخرى.

يضاف إلى ذلك: أنَّ التأمين بصوره المتعددة قد صار ضرورةً اجتماعيةً تُحَتِّمُها ظروف الحياة، ويَتحقق به التكافُلُ والتضامُنُ والتعاوُنُ في رفع ما يصيب الأفراد من أضرار الحوادث والكوارث، فهو على هذا النحو ليس ضريبةً تُحَصَّل بالقوة، وإنما هو تكاتُفٌ وتعاوُنٌ على البِر والإيثار المأمور بهما في الإسلام.

وهو جارٍ بذلك على أصول مكارم الأخلاق التي تتلاقى معانيها ومقاصدها معَ ما وردت به السُّنَّة النبوية المطهرة من مواقف تَجلَّى فيها روح التعاون والمواساة عند توقع الخطر والتماس طرق الوقاية منه، كأن يُجمع ما لدى الرفقاء من مالٍ أو طعامٍ من أجل إباحة بعضهم بعضًا بموجوده، وإنفاقه بينهم شراكةً وقَسْمًا، كلٌّ بحسب حاجته وكفايته، على الرغم مِن أنَّ في هذه الرُّفقة مَن لم تكن له بقية طعام وليس لديه مالٌ، فيما يُعرف بالتَّنَاهُد، وهو تخارُجُ الطَّعَام وَالشرَاب على قَدْرٍ فِي الرُّفْقَة، كما أفاده العلامة ابن سِيدَه في "المحكم والمحيط الأعظم" (4/ 266، ط. دار الكتب العلمية).

قال العلامة محمد أنور الكَشْمِيرِي في "فيض الباري" (4/ 4، ط. دار الكتب العلمية): [النَّهدُ: أن يَنْثُرَ الرُّفقةُ زادَهم على سُفْرةٍ واحدةٍ ليأكلوا جميعًا بدون تقسيم، ففيه شَرِكةٌ أوَّلًا، وتقسيمٌ آخِرًا، ولا ريبَ أنه تقسيمٌ على المجازفةِ لا غير، مع التَّفاوُتِ في الأَكلِ.. وقد مَرَّ معنا الجواب أنها ليست من باب المعاوضات التي تجري فيها المُمَاكَسَةُ، أو تدخلُ تحت الحُكْم، وإنَّما هي من باب التسامح والتعامل] اهـ.

ومِن جملة ما جاءت به السُّنَّةُ النبوية المطهرة في ذلك: ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوا بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، وَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» متفقٌ عليه.

قال الإمام شرف الدين النَّوَوِي في "شرحه على صحيح الإمام مسلم" (16/ 62، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي هذا الحديث: فضيلة الأشعريين، وفضيلة الإيثار والمواساة، وفضيلة خَلْط الأزواد في السَّفَر، وفضيلة جَمْعِهَا في شيءٍ عند قِلَّتِها في الحَضر ثم يُقسم، وليس المراد بهذا القسمة المعروفة في كتب الفقه بشروطها ومَنْعها في الرِّبويات، واشتراط المواساة وغيرها، وإنما المراد هنا: إباحة بعضهم بعضًا، ومواساتهم بالموجود] اهـ.

ومما يجدر التنبيه عليه: أن إقدام المكلَّف على أيِّ تصرفٍ حال حياته يفيد ورثتَه أو مَن هُم في نفقته بَعد وفاته يُعد من الأمور التي رغَّب الشرعُ الشريفُ فيها، بل قد يَفضُل الصدقةَ إذا قصد به أن يترك لهم من المال ما يُغنِيهم مِن بَعده عن تكفُّف الناس والاحتياج إلى صدقاتهم، ويَفضُل كذلك وصيَّتَه بشيءٍ من ماله لغيرهم إن كان ما يتركه من المال قليلًا، وهو مَلْمَحٌ شرعيٌّ أشار إليه سيدُنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله لسعد بن أبي وَقَّاص رضي الله عنه: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» متفق عليه.

وعن سيدنا عليٍّ أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه دخل على رجل من بني هاشم يَعُودُهُ، فأراد أن يوصي، فنهاه، وقال: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ [البقرة: 180]، وَإِنَّكَ لَمْ تَدَعْ مَالًا، فَدَعْهُ لِعِيَالِكَ" أخرجه الإمام ابن أبي شيبة في "المصنف".

وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال لها رجلٌ: إني أريد أن أوصي، قالت: "كَمْ مَالُكَ؟" قال: ثلاثة آلاف، قالت: "كَمْ عِيَالُكَ؟" قال: أربعة، فقالت: "قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ [البقرة: 180]، وَإِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يَسِيرٌ، فَاتْرُكْهُ لِعِيَالِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ" أخرجه الإمامان: ابن أبي شيبة في "المصنف"، والبيهقي في "السنن الكبرى" واللفظ له.

قال الإمام أبو الحسن بن بَطَّال في "شرح صحيح الإمام البخاري" (8/ 144-145، ط. مكتبة الرشد): [ولم يكن لسَعْدٍ إلا ابنة واحدة كما ذكر في هذا الحديث، فدَلَّ هذا أنَّ تَرْكَ المال للورثة خيرٌ من الصدقة به، وأنَّ النفقة على الأهل من الأعمال الصالحة... قال ابن المُنْذِر: فدَلَّت هذه الآثارُ على أنَّ مَن تَرَك مالًا قليلًا، فالاختيار له تَرْكُ الوصية وإبقاؤه للورثة] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن التأمين على الحياة أمرٌ جائزٌ شرعًا، وهو في جملته تكاتُفٌ وتكافُلٌ وتعاوُنٌ على البِر والإيثار، وجارٍ على أصول مكارم الأخلاق التي تتلاقى معانيها ومقاصدها معَ ما وردت به الشريعة الإسلامية من مواقف وتوجيهات تَجلَّى فيها روح التعاون والمواساة عند توقع الخطر والتماس طرق الوقاية منه.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الروسية: محادثات الرياض بداية لحل المشاكل العالمية التي خلقتها إدارة بايدن
  • إصلاحات خط همايوني.. محاولة إنقاذ الدولة العثمانية من الانهيار.. ماذا حدث؟
  • أدلة جديدة على وجود الحياة في المريخ.. كيف فقد الماء؟
  • براءة شاب وفتاة من تهمة الخيانة الزوجية رغم ضبطهما بفراش واحد
  • قبل انطلاق المحادثات بين البلدين.. مسؤول روسي يصف ترامب بأنه حلال المشاكل
  • مسؤول روسي يصف ترامب بـحلال المشاكل قبل انطلاق محادثات بين البلدين
  • حكم التأمين على الحياة.. الإفتاء توضح
  • مسار التدمير الذاتي: كيف وصلت المحكمة الجنائية الدولية إلى حافة الانهيار؟
  • تفاصيل تأجيل معاقبة أحد الزوجين لحين الإفراج عن الآخر بالإجراءات الجنائية
  • ماذا يحدث عند تناول القرفة قبل العلاقة الزوجية؟