هل الثعالب ماكرة والبغال عنيدة حقا؟ هذا ما يقوله العلم
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
يميل الناس إلى مقارنة وتشبيه بعضهم بالحيوانات في الكثير من المناسبات، سواء في معرض المديح أو الذم. فعلى سبيل المثال، يوصف الجبان عادةً بأنه "دجاجة"، ويوصف الخبيث بأنه "ثعلب"، والعنيد بـ"البغل"، في حين يشبّه الشجاع بـ"الأسد".
لكن ما مدى دقة الأوصاف التي نربطها بالحيوانات؟ بحسب باحثين، فإن بعض الحيوانات لا تظهر الصفات نفسها التي نسندها إليها!
هل الثعالب ماكرة حقا؟تُعرف الثعالب بقدراتها المعرفية وسلوكها الاجتماعي المتطور وقدرتها على التعلم من خبراتها السابقة، حسبما يقول خبير نظام الحياة البرية بالجامعة التقنية في درسدن الألمانية سفين هيرتسوغ.
ويضيف "إذا وقع فرد من مجموعة أسرية في فخ، فإن هذا الثعلب وأفراد أسرته سيتجنّبون هذا النوع من الفخاخ والهياكل المماثلة في المستقبل".
وتتميز الثعالب بقدرتها على التكيف مع مجموعة متنوعة من البيئات، من الغابات إلى المناطق الحضرية. ويستطيع هذا الحيوان التنبؤ بالسلوك البشري من خلال مراقبتنا، مما يعني أنه يمكنه التفريق بين الصياد والشخص الذي يقوم بنزهة فقط. كما أن حاسة السمع لدى الثعالب قوية للغاية، حيث تمكنها من اكتشاف فريستها حتى تحت الثلوج الكثيفة.
وأوضح هيرتسوغ أن الثعالب يمكنها التكيف بسرعة، مما يتيح لها العيش في أماكن مختلفة. إضافة إلى ذلك، يُظهر سلوك الثعالب مستوى مرتفعًا من الذكاء الاجتماعي، حيث يقوم أفراد الأسرة بالصيد معاً في مجموعات صغيرة. هذه التفاعلات الاجتماعية تتطلب درجة معينة من التواصل والذكاء الاجتماعي، وهو ما يُظهر أن وصف الثعالب بالذكاء أكثر دقةً من وصفها بالمكر.
هل الكسلان بطيء فعلا؟بحسب الصندوق العالمي للطبيعة، فإن الكسلان حيوان بطيء للغاية فعلاً، إذ لا يقطع إلا 8-10 أمتار في الدقيقة عندما يتحرك عبر الأشجار، مما يعني أنه يتحرك بسرعة أقل من كيلومتر في الساعة. يمكن أن يكون أبطأ عندما يتحرك على الأرض، حيث يصبح أكثر عرضة للخطر.
وعلاوة على ذلك، يحتاج الكسلان للنوم لمدة تصل إلى 18 ساعة يوميا. لكن ما يبدو لنا حياة هادئة وبطيئة للغاية هي في الحقيقة وسيلة ذكية لتوفير الطاقة. يتميز النظام الغذائي لحيوان الكسلان بقلة المواد الغذائية، ويتألف بصورة رئيسية من أوراق الأشجار وبعض الحيوانات الأصغر. هذا النظام الفقير بالطاقة يجبر الكسلان على الحفاظ على كل قدر ممكن من طاقته، ولذلك يكون تحركه بطيئا للغاية.
ومع ذلك، يمتلك الكسلان مهارة مدهشة في السباحة، حيث يستخدم هذه القدرة للتنقل عبر الأنهار والغابات الممطرة. كما أن جسمه مغطى بالطحالب التي تساعده على التمويه، مما يوفر له الحماية من الحيوانات المفترسة.
البغل عنيدٌ أم حذر؟يُقال عادة إن البغل عنيد، لكن هذه الصفة ليست دقيقة تماما. إذ يقول خبراء الحيوانات إن البغال، التي تعيش عادة في المناطق الجبلية، تتسم بالحذر، إذ إن خطوة واحدة خاطئة قد تؤدي إلى نفوقها. لذلك، عندما يتوقف البغل فجأة، فهذا ليس بسبب عناده، بل لأنه لا يستطيع تقييم الموقف المحيط به بدقة، ويحتاج إلى وقت ليقرر.
والبغل هو مزيج بين الحصان والحمار، ويتميز بقوة تحمّل كبيرة تجعله مثاليا للعمل في المناطق الوعرة.
والحذر الذي يتسم به هذا الحيوان هو سمة تطورية لحمايته من المخاطر، ويظهر أن وصف البغل بالعناد غير عادل، بل يعكس حسا عاليًا بالبقاء والحذر من المخاطر البيئية.
وماذا عن النحل؟يعد النحل من الحشرات المجتهدة، خاصة نحل العسل الذي تلعب فيه الأنثى الدور الأكبر. يقول خبراء في رابطة مربي النحل الألمانية إن النحلة الأنثى هي التي تقوم بمعظم العمل الشاق، خصوصا في البحث عن الطعام.
ويعتبر النحل كائنا اجتماعيا للغاية، إذ يتم توجيه أفراده باستخدام "رقصات الاهتزاز"، وهي لغة خاصة يستخدمها النحل لتوجيه بعضهم بعضا إلى مصادر الطعام. كما يعمل بصورة اقتصادية، حيث لا يعمل إلا عندما يعود العمل بالفائدة على المستعمرة بأكملها.
في المحصلة، تظهر الدراسات العلمية أن العديد من الأوصاف التي نطلقها على الحيوانات قد لا تكون دقيقة، على الرغم من رسوخها في الثقافة الشعبية. فحتى وإن كانت بعض السمات مستندة إلى ملاحظات حقيقية، فإن الكثير منها يحتاج إلى مراجعة علمية لفهم الواقع بشكل أفضل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
مؤلفات العُمانيين في العلوم الرُّوحانية
محمد بن سليمان الحضرمي -
شاغلتني فكرة الكتابة عن مؤلفات العُمانيين المعنيَّة بالعلوم الرُّوحانية، وحين قرأت في هذا الجانب، رأيت أنَّ من له فيها كتاب، قد شغل نفسه بما لا طائل من ورائه، علوم صَنَعتْ لها الخيالات البشرية نسيجًا، ورغم تطور العلوم الحديثة في هذا العصر، إلا أن البعض لا يزال يتحدث عن تلك العلوم، باعتبارها أسرارا ومكاشفات، وليست خيالات وأوهاما.
في التراث الثقافي العُماني، مؤلفات كثيرة تتناول هذا الجانب، بعضها بأقلام مؤلفين كبار، لهم تاريخهم الثقافي والفقهي المرموق، أقْدَمُها كتاب «كشف الأسرار المخفية»، للشيخ عمر بن مسعود بن ساعد المنذري (ت: 1160هـ/ 1747م)، وهو فقيه وشاعر وطبيب وفلكي، عاش في عصر دولة اليعاربة، ولعل هناك كتب أخرى عُمانية، تعود إلى فترات سابقة، لكني لم أقف عليها.
من بينها بعض من مؤلفات الشيخ أبو نبهان جاعد بن خميس الخروصي (ت: 1237هـ/ 1822م)، له منظومات سلوكية تنحو منحى علم الأسرار، وتنسب له كتب عديدة في هذا الجانب، وكذلك كتاب «النواميس الرَّحمانية»، للشيخ المحقق سعيد بن خلفان الخليلي (ت: 1287هـ/ 1871م)، وغيرها كثير من المؤلفات، وأسماء أخرى انشغلت بهذا العلم، وفي هذه المقالة أعرض بعضًا من هذه الكتب المطبوعة والمخطوطة، لتقديم لمحة عن تلك الكتب التي تتناقلها أقلام النساخ، وانتشرت مصوَّرة عن آلات التصوير الورقي، ولا يزال بعضها يباع بأثمان باهظة، وقبل الحديث عنها، أعرِّج قليلا على رأي بعض المؤلفين الذين لهم إسهام في هذا العلم، فماذا قالوا عنه؟.
في الجزء الثاني من كتاب «مكنون الخزائن وعيون المعادن»، لمؤلفه الفقيه الشاعر موسى بن عيسى البشري (ق: 13هـ/ 19م)، الصادر عن وزارة التراث القومي والثقافة عام 1982م، مجموعة من الفتاوى الفقهية لمسائل تتناول علوم الروحانيات والأسرار، منها مسألة عن الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي (ت: 1262هـ/ 1847م)، تقول: هل يجوز الدعاء بالألفاظ التي لم يعرف الداعي «العازم» معناها، لأنها ألفاظ غير عربية، وكذلك كتابة «الطلاسم»؟، فكتب الشيخ ناصر ردًا طويلا منه: (وجدنا والدنا الشيخ العالم أبا نبهان، يكتب الطلسمات ويعزم العزايم، ونعلم أنه لا يعلم لغتها ولا معانيها!).
ومن جواب لفقيه آخر اسمه صالح بن سعيد: فيمن يتعلم شيئًا من علم الفلك، هل يجوز أن يعتقد في قلبه صحة هذه العلوم؟، فجاء الجواب منه: أما علم الفلك الذي تعده الناس في زماننا أنه علم فلك، فعندي أنه لا يجوز للإنسان أن يعتقد صحته على الحقيقة، وأنه لا يخطئ، وكذلك الذي تعده الناس اليوم «علم رَمْل»، لأن الكتب لا يؤمن أن يقع فيها تبديل من النسَّاخ، وأما العلم الذي أنزله الله تعالى، إن كان علم فلك أو رمل، فذلك واجب على الإنسان أن يعتقد صحته. وفي الأجزاء الأولى من كتاب «قاموس الشريعة» للشيخ جميِّل بن خميس السعدي (ق: 13هـ/ 19م)، فتاوى كثيرة ينقلها الشيخ ناصر عن والده جاعد بن خميس، وأنه ممن يقولون بعدم الفائدة من علم الفلك، أما علم الطب وعلم تأويل الرؤيا فقد أشاد بهما.
ويعد كتاب «كَشْف الأسرار المخفيَّة في علم الأجرام السماوية والرُّقوم الحَرْفيَّة»، من أضخم الكتب العُمانية، ألفه عمر بن مسعود المنذري بطلب من الإمام سلطان بن سيف بن سلطان بن سيف بن مالك اليعربي (حكم: 1711- 1719م)، وصدر عن وزارة التراث القومي والثقافة عام 1983م، مصورًا عن الأصل، في ستة مجلدات كبيرة، وكان صدوره آنذاك الوقت بمثابة هدية ثمينة للقارئ، فهذا الكتاب طبع بذات جودة الأصل وحجمه، وأعيد طبعه أكثر من مرَّة.
عاش المؤلف في قرية «السليف» بولاية عبري، ويُعَدُّ عَرَّابا لهذا العلم، ومن تجربته استفاد كل من جاء بعده من المؤلفين، وذات يوم زرت «حارة السليف» التي عاش فيها المؤلف، ووقفت على قبره في مقبرة العلماء المجاورة للحارة، وبالصدفة وقعَتْ عيني على حجرة بيضاوية الشكل، وُضِعَتْ على قبر الشيخ المنذري، محفور فيها اسمه وتاريخ وفاته، وكنت قد رأيتها مطبوعة في الجزء الأول من هذا الكتاب، المتضمن للكثير من الأدعية والعزايم والبرهتيات والأوفاق، وما يتبعها من أسرار فلكية ورقوم حرفية.
ومن الكتب التي راجت بين الناس، كتاب «النواميس الرَّحمانية في تسهل الطريق إلى العلوم الربانية»، لمؤلفه الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي -رحمه الله-، وهو فقيه وشاعر وسلوكي كبير، انتشر كتاب «النواميس» بين الناس مصوَّرًا عن مخطوطات قديمة، وكان يباع بأسعار غالية، حتى صدر مطبوعًا بطريقة التصوير في جزء واحد عام 2001م، عن مكتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للشؤون الدينية والتاريخية، طبع عن مخطوطة قديمة، كتبت بقلم الناسخ سالم بن راشد بن سالم، بتاريخ: الحادي من ربيع الأول، سنة 1293هـ.
وفي بداية الكتاب يتحفنا السيد محمد بن أحمد البوسعيدي (ت: 2012م)، بكتابة مقدمة تتناول بعضًا من الأسماء العمانية التي اشتغلت بهذا العلم، وكتب الشيخ مهنا بن خلفان الخروصي (ت: 2023م)، مقدمة طويلة تتناول شيئًا من سيرة المؤلف الخليلي، وحديث عن كتابه «النواميس»، والذي يفسره بمعنى: علم الأسرار.
«عسجدة المسكين»: كتاب للشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، صاحب النواميس، شَرَح فيه «القصيدة السليمانية» التي نظمها الشيخ أحمد بن مانع بن سليمان العقري النزوي (ق: 9هـ)، صدر الكتاب في طبعته الثانية عام 2015م، عن مكتب المستشار الخاص لجلالة السلطان للشؤون الدينية والتاريخية، كتب فيه السيد محمد مقدمة تعريفية بالمؤلف، وأشار إلى أن له مناظيم، ذكَرَتْها مدونات الشعر العماني.
وأشار في تقديمه، إلى أن الكتاب طبع عن مخطوطة وحيدة موجودة في مكتبته، وضمَّن مقدمته أرجوزة طويلة في معرفة «منازل القمر»، وأخرى لعبدالله بن خنبش في «سعود المنازل ونحوسها»، وتبدأ «القصيدة السليمانية» للشيخ أحمد بن مانع بهذا البيت: (يا خليليَّ اسمعا ثم انقلا .. عن مقال السرِّ والعلم الأجل)، وتقع القصيدة الطويلة في نحو 105 أبيات.
وفي المخطوطات، وقفت على كتاب مصوَّر، يحمل عنوان: «سراج الآفاق في وضع الأوفاق»، للشيخ ناصر بن جاعد بن خميس الخروصي، أثبته د. إبراهيم بن يحيى العبري محقق كتاب «الإخلاص بنور العلم والخلاص من الظُّلم» للمؤلف ذاته، وكذلك كتاب «مُنتهى الكرامات في أسرار الرياضيات»، و«الرسالة المضنونة في الأشكال المكنونة»، يقول محقق كتاب «الإخلاص»: إن الشيخ ناصر يرى شرف علم الحروف، ودلل على ذلك أن الله أقسم ببعض الحروف في فواتح بعض السور.
ولم يجاف النظم التعليمي العماني هذا العِلم، بل كُتِبَتْ فيه الكثير من المنظومات، وفي ديوان «أنوار الأسرار ومنار الأفكار»، للشاعر عامر بن علي بن مسعود العبادي النزوي (ت: ق13هـ) قصيدتان، الأولى في نظم سعود ونحوس الرمل وتثبيت أشكاله، والثانية في بيوت الرَّمل وطالبها ومطلوبها، وفي المقدمات التي كتبها السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، للكتب التي تصدر عن مكتبه ومكتبته، حديث عن بعض المنظومات العمانية في هذه العلوم، من بينها قصيدة نظمها عبدالله بن خنبش في سعود المنازل ونحوسها، كما أشار في تقديمه لكتاب النواميس، إلى أبيات منسوبة للشاعر عبدالله بن مبارك بن عمر الربخي (حي في عام: 1042هـ/ 1632م).
ويتناقل البعض مخطوطات مصورة، من بينها كتاب «السر المصون والجوهر المكنون، نور النور وسيف الله الماحق للطغيان والفجور»، ينسب إلى الناسخ سيف بن علي بن عامر الفرقاني النزوي (ق: 14هـ/ 20م)، وقد عُرِف بخطه الجميل، وفي المدخل الخاص به في «الموسوعة العمانية»، ذُكِرَ أن الشيخ عبدالله بن حميد السالمي (ت: 1914م)، كان يختار الفرقاني لكتابة مراسلاته ومصنفاته، التي ينوي إرسالها للطباعة خارج عُمان، وأنه كان ينهي بعض منسوخاته بعبارة «طُبعَ في المطبعة الفرقانية».
ومن بين المصورات المتبادلة كذلك كتاب «جواهر المنافع»، للشيخ سليمان بن إبراهيم العوفي النزوي (حي في عام: 1123هـ)، وهذا كتاب في الطب، يتناول تشخيص الأمراض وأدويتها، باستخدام العزايم والأوفاق والطلاسم!. إن التراث العُماني غني بمثل هذه المؤلفات والمُجرَّبات، يتداخل فيها التنجيم بالشعوذة، وعلم الفلك بالأسرار الحروفية، والعزايم بالطلاسم، تعكس صورة لذلك الإنسان الباحث عن الحقيقة.