يميل الناس إلى مقارنة وتشبيه بعضهم بالحيوانات في الكثير من المناسبات، سواء في معرض المديح أو الذم. فعلى سبيل المثال، يوصف الجبان عادةً بأنه "دجاجة"، ويوصف الخبيث بأنه "ثعلب"، والعنيد بـ"البغل"، في حين يشبّه الشجاع بـ"الأسد".

لكن ما مدى دقة الأوصاف التي نربطها بالحيوانات؟ بحسب باحثين، فإن بعض الحيوانات لا تظهر الصفات نفسها التي نسندها إليها!

هل الثعالب ماكرة حقا؟

تُعرف الثعالب بقدراتها المعرفية وسلوكها الاجتماعي المتطور وقدرتها على التعلم من خبراتها السابقة، حسبما يقول خبير نظام الحياة البرية بالجامعة التقنية في درسدن الألمانية سفين هيرتسوغ.

ويضيف "إذا وقع فرد من مجموعة أسرية في فخ، فإن هذا الثعلب وأفراد أسرته سيتجنّبون هذا النوع من الفخاخ والهياكل المماثلة في المستقبل".

تُعرف الثعالب بقدراتها المعرفية وسلوكها الاجتماعي المتطور وقدرتها على التعلم من خبراتها السابقة (أدوبي ستوك)

وتتميز الثعالب بقدرتها على التكيف مع مجموعة متنوعة من البيئات، من الغابات إلى المناطق الحضرية. ويستطيع هذا الحيوان التنبؤ بالسلوك البشري من خلال مراقبتنا، مما يعني أنه يمكنه التفريق بين الصياد والشخص الذي يقوم بنزهة فقط. كما أن حاسة السمع لدى الثعالب قوية للغاية، حيث تمكنها من اكتشاف فريستها حتى تحت الثلوج الكثيفة.

وأوضح هيرتسوغ أن الثعالب يمكنها التكيف بسرعة، مما يتيح لها العيش في أماكن مختلفة. إضافة إلى ذلك، يُظهر سلوك الثعالب مستوى مرتفعًا من الذكاء الاجتماعي، حيث يقوم أفراد الأسرة بالصيد معاً في مجموعات صغيرة. هذه التفاعلات الاجتماعية تتطلب درجة معينة من التواصل والذكاء الاجتماعي، وهو ما يُظهر أن وصف الثعالب بالذكاء أكثر دقةً من وصفها بالمكر.

هل الكسلان بطيء فعلا؟

بحسب الصندوق العالمي للطبيعة، فإن الكسلان حيوان بطيء للغاية فعلاً، إذ لا يقطع إلا 8-10 أمتار في الدقيقة عندما يتحرك عبر الأشجار، مما يعني أنه يتحرك بسرعة أقل من كيلومتر في الساعة. يمكن أن يكون أبطأ عندما يتحرك على الأرض، حيث يصبح أكثر عرضة للخطر.

لا يقطع حيوان الكسلان إلا 8-10 أمتار في الدقيقة عندما يتحرك عبر الأشجار (أدوبي ستوك)

وعلاوة على ذلك، يحتاج الكسلان للنوم لمدة تصل إلى 18 ساعة يوميا. لكن ما يبدو لنا حياة هادئة وبطيئة للغاية هي في الحقيقة وسيلة ذكية لتوفير الطاقة. يتميز النظام الغذائي لحيوان الكسلان بقلة المواد الغذائية، ويتألف بصورة رئيسية من أوراق الأشجار وبعض الحيوانات الأصغر. هذا النظام الفقير بالطاقة يجبر الكسلان على الحفاظ على كل قدر ممكن من طاقته، ولذلك يكون تحركه بطيئا للغاية.

ومع ذلك، يمتلك الكسلان مهارة مدهشة في السباحة، حيث يستخدم هذه القدرة للتنقل عبر الأنهار والغابات الممطرة. كما أن جسمه مغطى بالطحالب التي تساعده على التمويه، مما يوفر له الحماية من الحيوانات المفترسة.

البغل عنيدٌ أم حذر؟

يُقال عادة إن البغل عنيد، لكن هذه الصفة ليست دقيقة تماما. إذ يقول خبراء الحيوانات إن البغال، التي تعيش عادة في المناطق الجبلية، تتسم بالحذر، إذ إن خطوة واحدة خاطئة قد تؤدي إلى نفوقها. لذلك، عندما يتوقف البغل فجأة، فهذا ليس بسبب عناده، بل لأنه لا يستطيع تقييم الموقف المحيط به بدقة، ويحتاج إلى وقت ليقرر.

والبغل هو مزيج بين الحصان والحمار، ويتميز بقوة تحمّل كبيرة تجعله مثاليا للعمل في المناطق الوعرة.

يقول خبراء الحيوانات إن البغال التي تعيش عادة في المناطق الجبلية تتسم بالحذر (أدوبي ستوك)

والحذر الذي يتسم به هذا الحيوان هو سمة تطورية لحمايته من المخاطر، ويظهر أن وصف البغل بالعناد غير عادل، بل يعكس حسا عاليًا بالبقاء والحذر من المخاطر البيئية.

وماذا عن النحل؟

يعد النحل من الحشرات المجتهدة، خاصة نحل العسل الذي تلعب فيه الأنثى الدور الأكبر. يقول خبراء في رابطة مربي النحل الألمانية إن النحلة الأنثى هي التي تقوم بمعظم العمل الشاق، خصوصا في البحث عن الطعام.

ويعتبر النحل كائنا اجتماعيا للغاية، إذ يتم توجيه أفراده باستخدام "رقصات الاهتزاز"، وهي لغة خاصة يستخدمها النحل لتوجيه بعضهم بعضا إلى مصادر الطعام. كما يعمل بصورة اقتصادية، حيث لا يعمل إلا عندما يعود العمل بالفائدة على المستعمرة بأكملها.

يعتبر النحل كائنا اجتماعيا للغاية إذ يتم توجيه أفراده باستخدام "رقصات الاهتزاز" (أدوبي ستوك)

في المحصلة، تظهر الدراسات العلمية أن العديد من الأوصاف التي نطلقها على الحيوانات قد لا تكون دقيقة، على الرغم من رسوخها في الثقافة الشعبية. فحتى وإن كانت بعض السمات مستندة إلى ملاحظات حقيقية، فإن الكثير منها يحتاج إلى مراجعة علمية لفهم الواقع بشكل أفضل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

محمد سليم العوا.. صورة من بعيد!

"نريد عودة العدل الضائع، أما الخلافة فلا نسعى إليها"..

هذه مقولة للدكتور محمد سليم العوا، المفكر المعروف، في حوار صحفي أجريته معه، وكان من الطبيعي أن تكون العنوان الرئيس لهذا الحوار؛ فهي عبارة لا تنقصها الإثارة والجاذبية، والذي كان في الأصل لمناقشة موقفه من الغزو العراقي للكويت. وقد تذكرته بمناسبة الحملة عليه بعد مقابلته مع رباب المهدي في قناتها على يوتيوب!

كنا في عام 1990، وقد كتب الدكتور العوا مجموعة مقالات ضد الغزو نُشرت على ما أتذكر في جريدة "الوفد"، حوّلها صاحب دار الزهراء للإعلام العربي أحمد رائف إلى كتاب (كتيب للدقة)، وهو كان بدوره متحمسا ضد الرئيس العراقي لفعلته، وقبل فعلته، وقد صدر من الدار بعد الغزو عشرات الكتب دفعة واحدة وفي وقت قصير، ذلك بأن الكتب ضد صدام حسين كانت جاهزة لديه تنتظر الإذن بالطباعة، وقبل الغزو كان النظام المصري يسبغ حمايته على الرئيس العراقي، لدرجة اعتقال مصري هارب من حزب البعث، وفكر أن يكتب كتابا عن مرحلة تجنيده، وهو الكتاب الذي صدر وسط هذا الطوفان وحمل عنوان "يوميات بعثي سابق"!

وبسبب الحماس فقد جمع رائف مقالات خالد محمد خالد المنشورة بجريدة "الأخبار" في كتاب طبعه بدون موافقته، والذي أبلغ السلطات لمصادرته، ورفض أي عرض من الزهراء للإعلام العربي لتسوية الموقف والاستمرار في توزيعه.

وكنت متحمسا مثله، فعرضت كثيرا من الكتب التي صدرت، ومنها "يوميات بعثي سابق"، والذي أجريت حوارا مع مؤلفه سليمان فرحات، لكن لم يكن مناسبا عرض كتاب الدكتور العوا، لأنها مقالات منشورة في وقت قريب في صحيفة شقيقة، فكان الحوار لمناقشته في الموقف، بجانب قضايا خاصة بالحركة الإسلامية وقضاياها في هذه الفترة!

العوا.. الفقيه الشاب

ما أتذكره من تقديم الناشر أحمد رائف للدكتور سليم العوا، أنه وصفه بـ"الفقيه الشاب"، وعندما قمت بالوقوف على عمره في ذلك الوقت وجدته (48) عاما، ولا يمكن أن يحسب في زماننا هذا أنه سن يوصف صاحبه بـ"الشاب"، لكنها كانت مرحلة حرق الأجيال، والأجيال التي قرأت اسمها في كتب التاريخ كانت لا تزال تعيش وتتمدد. وكانت الحكومة المصرية من المعمّرين، لذا فقد أطلق على فاروق حسني الوزير الشاب، وقد تجاوز عمره الأربعين عندما عُين وزيرا، وكان جمال الغيطاني قد تجاوز الخمسين، ومع ذلك هو أديب الشباب، وعندما يقارن عمرا بالجيل المعمر مثل نجيب محفوظ وغيره، فإن كرم هذا الجيل الحاتمي يتمثل في الإغداق عليه باللقب!

كان موقف الفقيه الشاب واضحا في الغزو، ومع تحرير الكويت بأي شكل كان، وكان هذا رأيي أيضا، وكان طبيعيا أن نتطرق لموقف الإخوان وكانوا ضد الاستعانة بالقوات الأجنبية في عملية التحرير، فإذا سألت ما العمل والعرب أضعف من هذه العملية؟ لا تستطيع أن تتبين منهم الإجابة!

وبعد نشر الحوار الذي تمدد على صفحة كاملة من القطع الكبير، اتصل بي القيادي بجماعة الإخوان المستشار مأمون الهضيبي، وطلب إجراء حوار معه للرد على ما أثاره الدكتور العوا. وفي دار الجماعة بالتوفيقية التقيته، وعندما قام لصلاة الظهر، نظرت إلى جهاز الكاسيت وكان وقت الحديث يقترب من النصف ساعة، ما يعني قلب الشريط على الناحية الأخرى، كانت المفاجأة أنني نسيت تشغيل الجهاز، فلم نسجل شيئا، وفي تاريخ كل صحفي في جيلنا والأجيال السابقة موقف حرج كهذا!

ولم يظهر على الهضيبي أي ازعاج لإهدار وقته عندما علم بما حدث، وواقف أن يبدأ الحوار من بدايته، فقد كان مهما الرد على ما أثاره الدكتور العوا، والذي كان مؤثرا رغم أنه لا يزال في ريعان الشباب (48 عاما)، وبالقياس بكل أعضاء مكتب الإرشاد آنذاك بمن فيهم المرشد العام الشيخ حامد أبو النصر، فإنه "من دور أبنائهم"، ويمكن أن يكون حفيدا للمرشد!

مناظرة مع فرج فودة

وقيمة العوا أنه متدفق إذا تحدث، سريع البديهة وحاضر الرد، قوي المنطق، متمكن في موضوعات تخصصه، سواء القانونية أو الفقهية. ولعل الناس لا يعلمون أن مناظرة أخرى مع الدكتور فرج فودة كانت في مقر إحدى النقابات المهنية في الإسكندرية بعد قليل من مناظرة معرض الكتاب الشهيرة، وقد تحدث في التوازن الذي افتقدته ندوة المعرض (كانون الثاني/ يناير 1992)، لأن كليهما يملك نفس القدرات تقريبا!

بيد أن هذه المناظرة على أهميتها، لم تحظ بالاهتمام اللائق، لأنها بعيدة عن العاصمة والاهتمام الإعلامي من ناحية، ولأنها الثانية ومن الطبيعي أن تحظى الأولى بالاهتمام، ولأن وجود المستشار الهضيبي في مناظرة معرض الكتاب كان سببا في أن يحشد الإخوان لها هذا الحشد الهائل، الذي عندما رأيته قلت إن فرج فودة لن يستطيع أن ينطق جملة مكتملة من هول الموقف!

في ندوة المعرض، لعب فرج فودة على التناقض في خطاب الدكتور محمد عمارة والشيخ محمد الغزالي، وكان جاهزا بالأرشيف من خلال مقولات للأخير في الصحف، والتي تتناقض مع ما يقوله الدكتور عمارة في المناظرة، مثل حديثه عن الحكم الإسلامي الممتد والذي حقق فتوحات ونجاحات في زمن الخلافة الإسلامية عندما كان الإسلام يحكم، وما جاء في حديث صحفي للشيخ الغزالي من أنه بعد حكم الخلفاء الراشدين انتفت عن الخلافة صفة الرشد!

في مناظرة الإسكندرية لم كن هناك مادة للتناقض، وخطاب الدكتور العوا ليس فيه أي اضطراب منذ أن كان فقيها شابا وإلى الآن، وإن تحفظت على مواقفه السياسية بعد الثورة، فلم أكن مع ترشحه للرئاسة، وإن كانت التجربة أثبتت أنه كان من أكثر الإسلاميين استحقاقا للموقع، لأنه الوحيد من بينهم الذي يمكن يقال عنه إنه رجل دولة، كما أن خطه الفكري يهدئ من روع الخائفين، كما تحفظت على موقفه بعد الانقلاب، ربما لأنه لم يكن بالحدة اللازمة، وحالة الاستقطاب السياسي في هذه الفترة كان لها تأثيرها على الجميع، فتجاهلنا أن كلا ميسر لما خلق له، وقد تجاوز مرحلة "الفقيه الشاب"، فليس من المنطق أن نطلب منه أن يحتفظ بصفاته ومن بينها "التمرد"!

دوره في الثورة:

بيد أني لا أنسى أن الرجل عندما قامت ثورة يناير كان في ميدان التحرير، وعندما وقعت موقعة الجمل في يوم الفزع، عندما أحيط بالثورة من كل جانب، كان في الميدان وكانت مداخلاته في قناة الجزيرة هي الأكثر ثباتا في هذا اليوم، وأكثر نفيرا، ولم تكن تقبل المساومة، بينما الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لمداخلات سياسيين محترفين استقر في وجدانهم أن نهاية الثورة هي مسألة وقت، وخلال سويعات سيكون نظام مبارك قد تمكن من الاستيلاء على ميدان التحرير!

وآفة هذا الزمان، أن كلا منا يريد أن يكون الآخر نسخة كربونية منه، وأن فكر التكفير والهجرة انتقل من ميدان التدين إلى مجال السياسة، فإن لم يكن للآخر نفس الموقف تماما فإنه يستباح على قواعد الاستحلال، وكأن دخول السجون هدف، وكأنه لا بد للجميع أن يهاجروا للخارج لإثبات البراءة السياسية، وإن كان كثير ممن يرفعون هذه القواعد ليسوا في السجن وليسوا في الخارج؛ إنهم نائمون على "فيسبوك"، بيد أن واحدا مثل الدكتور العوا مطلوب لذاته لجلسات التشهير والتشويه، وهي أزمة الإنسان المستقل! هذا فضلا عن أن هناك على منصات التواصل الاجتماعي من يرون أن من أهدافهم السامية تشويه كل رمز، واغتيال كل شخصية مهمة، واستباحة كل كبير، وهي فوضى صنعتها السوشيال ميديا حتى عشنا في زمن الرويبضة.. لكنه ليس واحدا.. فما أكثرهم!

مقابلة الدكتور سليم العوا في بودكاست رباب المهدي استمرت ساعة ونصف، بيد أن القوم لم يجدوا فيها إلا عبارة واحدة مارسوا بسببها استباحة الرجل، وهي قوله "السيسي تحمل ما لا يتحمله إنسان في السنتين بتوع حرب غزة"! وهي عبارة يمكن أن تتفق فيها مع العوا ويمكن لك أن تختلف، وقد يكون دافعك ما تعرضت له غزة من حصار وتجويع، وقد تلتمس العذر للنظام وقد قدم دفوعه في هذا الصدد، لكن لماذا لا نسلم في قضية المقاومة بما يقره المقاومون، فهم من يحددون بوصلتهم، وهم يقولون في النظام المصري فيما يختص بقضيتهم كلاما رائعا حتى في الجلسات الخاصة التي تجمعنا ببعض القيادات، ولا نرى بأسا فيما يقولون، فهذه شهادة ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. وهل نتجاهل أن النظام المصري رفض التهجير، والتقى حركة المقاومة، وكان وسيطا معقولا؟

وبعيدا عن هذا كله، فماذا في العبارة يمكن بها إدانة الدكتور العوا، ولا بد للنظام والحرب على حدوده، والحديث عن فرض التهجير، أن يشعر بالقلق؟ وليس في القول إنه تحمل ما لا يتحمله إنسان ما يعد نفاقا رخيصا! ولنفترض أن العبارة غير دقيقة، وأنها نتيجة اجتهاد خاطئ، فهل الأمر يستوجب اندفاع جماعات التكفير والهجرة للنيل من الرجل بهذه القسوة؟..

فماذا جرى لهذا كله؟!

x.com/selimazouz1

مقالات مشابهة

  • لماذا تُحِسُّ كلُّ الحيوانات ولن تُحِسَّ الآلةُ أبدًا؟
  • الميزان الأعور
  • التحريض الأمريكي ضد الإعلام اليمني.. من الإستهداف التقني إلى الإستهداف العسكري (تفاصيل ومعلومات هامة للغاية)
  • الكشف عن غش عسل النحل.. برنامج تدريبي بوزارة الزراعة
  • محمد سليم العوا.. صورة من بعيد!
  • النحل يقرأ حروف شفرات مورس.. كيف يُدرَك الزمن بعقول ميكروسكوبية؟
  • عندما يصمت العقل
  • بذور المشمش بين الفائدة والمخاطر.. ما الذي يقوله العلم؟
  • عندما يأتي المساء
  • وزارة الفلاحة: الوقف الفوري والنّهائي لحملات قتل الحيوانات الضالة