مجافلات طوفان الأقصى كثيرة.. منها أنّ رئيس وزراء إسرائيل غير اسم معركته من السيوف الحديدية إلى "حرب القيامة"، وكان أولها انجفال إسرائيل من طوفان الأقصى، ومن نفخة الغزيين في السور الواقي، وإن إسرائيل بقيت يومين مذهولة حائرة من قرى صغيرة محاصرة تغزوها بالدراجات والمشاة وبضعة طائرات شراعية، فهي جفلة القرن، إن لم تكن جفلة القرون الآخرة.
تقول تصريحات قادة حماس أنهم فوجئوا بنجاح الطوفان وصُعقوا بضعف إسرائيل التي أكلت دابَّةُ الْأَرْضِ مِنسَأَتَها، وإن لم تكن حماس فوجئت بالنجاح، فقد فوجئت بردّ إسرائيل المدمر والذي كان يزداد تدميرا يوما بعد يوم، غير عابئة بأسراها، وفيهم ضباط كبار، وكانت تظنُّ ونحن معها في الظنِّ أن إسرائيل ستحافظ على أسراها وتقايض بهم آلاف الأسرى الفلسطينيين. وكان الأسير "العملة" هو شاليط، شاليط واحد مقابل ألف ومائتي أسير فلسطيني، وقد شطح الخيال بمحللين أو حالمين أن حماس ستطالب بالإفراج حتى عن معتقليها في الدول العربية!
وفوجئ الناس في أدنى المعمورة وأقصاها بصمود أهل غزة وصبرهم، تحت النار والجوع والحرب والمرض، وفوجئوا بعجز المؤسسات الدولية، وصمت العالم "الحر"، وإن ظهرت أصوات أعلام وشخصيات ليس أولهم الأمين العام للأمم المتحدة الممنوع من زيارة إسرائيل، وكأنَّ رئيس وزراء إسرائيل أعلى رتبة من الأمين الأمم المتحدة، أو هو الأمين العام للأمة اليهودية القوية، وإن إسرائيل حولته إلى ناشط سياسي يقف على معبر رفح مستغيثا مستنجدا مثل الزعماء العرب!
فوجئ الناس في أدنى المعمورة وأقصاها بصمود أهل غزة وصبرهم، تحت النار والجوع والحرب والمرض، وفوجئوا بعجز المؤسسات الدولية، وصمت العالم "الحر"
وفوجئنا بأن الغرب ظاهرة صوتية فيما يخص أمر إسرائيل والعرب، وأنها صورية، وأن القوانين الدولية ليست سوى حبر على ورق.
كما فوجئ كثير من الخلق بردّ حزب الله، الذي يجد له محللون عذرا، وهو تحوله عن جبهة المشاركة في الأشهر الأولى للمعركة، إلى جبهة المشاغلة والمشاغبة والإسناد.
وفوجئوا بخطاب حسن نصر الله الصامت في فيديو "الإصبع" الشهير الذي خرج فيه مهددا في الشهر الثاني من الحرب، ووضع إصبعه على الخريطة، ثم غاب، ثم فوجئوا بتحوله إلى جبهة الإسناد بدلا من وحدة الساحات.
كما فوجئ جمهور حزب الله قبل خصومه بمعركة البيجر المرعبة والخبيثة، وفوجئوا أيضا بمقتل أمين عام الحزب و"إمامه"، ومقتل قادته من الصف الأول.
ثم ما لبثوا أن فوجئوا بغياب القائد الثاني، الذي لم "يهنأ" بالمنصب، صهر قاسم سليماني، وابن خالة الأمين العام الراحل، السيد صفي الدين هاشم، ولم يخطب بعد خطاب ولاية الحزب وأمانته العامة.
وفوجئنا بتحليلات أكثر محللي الحزب، الذين نراهم على الفضائيات، وقد أخبرونا بأن المسّ بسماحة السيد يعني أن مفاعل ديمونا سيكون هو ديّة الثأر، بل إن الأمين العالم المقتول بثمانين طنا من القنابل لم يحظ بجنازة تليق بتاريخه. ووصفه محلل من محللي الحزب على الجزيرة، بالشهيد الأقدس! وهذه صفة مبالغة لا تليق إلا بالأنبياء، وتفوق وصف الحسين نفسه! وفوجئنا بارتداد المحللين الذين باتوا يقبلون بوقف إطلاق النار، بل فوجئنا بإعلان نائب سابق من نواب الحزب في البرلمان اللبناني بقوله إنَّ الأولوية لوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، دون ربطه بوقفه في غزة!
وفوجئنا بنزوح جموع من الشعب اللبناني، المجفول إلى سوريا، وكان قسم منهم يشمتون بالشعب السوري، ويظلمونه ويضربونه، بل ويقتلونه، ولم نعتد على العظة والاعتبار بهذه السرعة في تصاريف الأقدار!
وفوجئنا بنسيان أمر حسن نصر الله، أو أنَّ الرد على قتله لم يكن يليق بوزنه ومثابته لدى راعيته إيران، ولدى محبيه ومناصريه! وأن اسم الحزب يرد مرفوعا دائما في التحليلات السياسية، مبنيا غير معرب، فهو "حزبُ الله" بالنصب والجر، وجميع حالات الإعراب.
وإن تحليلات غير قليلة تقول إنّ الحزب قد أوهن، فقد قُتل معظم قادته. وقيل في التفسير والتحليل إن هذه نتيجة الصبر الاستراتيجي في عصر السرعة والخوارزميات والمفاجآت، فالعدو لا يبالي بقواعد الحرب، وإن سبب كسرة حزب الله هو أنه تمدد كثيرا، واحتل سوريا، وبات مكشوفا للعدو، وإن الحزب انشغل بالغنائم والحفاظ على تحالفاته وعلى أصدقائه في الداخل اللبناني.
فوجئنا بردّ حزب الله بالطائرات المسيّرة أمس على عكا وحيفا وهرتلسيا، والناس ينتظرون مفاجآت أخرى قادمة، مثل تحوّل المعركة إلى حرب عالمية كبرى، لأن طفلة مثل غزة قالت للملك: الملك عريان
وفوجئنا بردود إيران، فهو يهدد على لسان قادته ساعة، ويهادن ساعة! وفوجئنا بإفلاس الغرب أخلاقيا، فليس هناك سوى أصوات ضائعة، وبقلق قادة المجتمع الدولي، وأقوال زعمائه: حان الوقت لوقف إطلاق النار، إن يقولون إلا كذبا!
الأمر الوحيد الذي لم نفاجأ به، هو صمت الحملان العربي، وما لا يغفل عنه هو تمدد الحرب، فإسرائيل غاضبة، جريحة وتريد الثأر لكبريائها الجريح، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وفوجئنا بحرمان رئيس وزراء إسرائيل الأمينَ العام للأم المتحدة من زيارة إسرائيل، وليس بطرد إسرائيل من الأمم المتحدة، وفوجئنا بتحول الغرب في الشأن الفلسطيني إلى ظاهرة صوتية، وإن زعماء الدول اللاتينية والغربية مثل جنوب أفريقيا وأيرلندا وإسبانيا وفنزويلا ونيكاراغوا؛ أظهروا شجاعة أكثر من أشجع زعماء الدول العربية الصامتة الصامدة وجبنها الاستراتيجي. وفوجئنا بصمت الرئيس السوري "الاستراتيجي"، أحد أبطال محور المقاومة!
وفوجئنا بمظاهرات طلاب الجامعات في أمريكا وبسالتهم، وإجبارهم جامعاتهم على قطع العلاقات البحثية والأكاديمية مع إسرائيل، وبحرق ثلاثة أمريكيين أنفسهم احتجاجا على مشاركة حكومة دولتهم في الحرب على شعب بريء أعزل.
وفوجئنا بردود المجتمع الدولي على قصف إسرائيل لقوات اليونيفل، وبأثر قرارات محكمة العدل الدولية، التي كانت خبرا في الشهر الأول، وقد نُسيت، فليس قضاتها أكثر من عباءات سوداء وقلنسوات، وإن محكمتهم ليست سوى عرض مسرحي..
وفوجئنا بردّ حزب الله بالطائرات المسيّرة أمس على عكا وحيفا وهرتلسيا، والناس ينتظرون مفاجآت أخرى قادمة، مثل تحوّل المعركة إلى حرب عالمية كبرى، لأن طفلة مثل غزة قالت للملك: الملك عريان.
جفلنا والمجافلات تترى!
x.com/OmarImaromar
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل حزب الله المقاومة إسرائيل نتنياهو حزب الله المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل تحقق إسرائيل ما تريد عبر سياسة الاغتيالات في لبنان؟
بيروت- صعَّدت إسرائيل عملياتها العسكرية على لبنان، ووسعت رقعة الاستهداف لتطال مجددا قيادات في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي قلب مدينة صيدا (عاصمة الجنوب اللبناني)، وذلك بعد أيام من استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت.
وفي عملية اغتيال جديدة، استهدفت مسيَّرة إسرائيلية، فجر اليوم الجمعة، القائد بكتائب عز الدين القسام -الجناح المسلح لحركة حماس- حسن فرحات "أبو ياسر"، ونجليه حمزة وحنين، داخل شقة سكنية بحي الزهور، الأكثر "اكتظاظا" في صيدا، وأدت الغارة التي استخدم بها صاروخان -حسب مصادرة أمنية للجزيرة نت- لاندلاع حريق كبير في الشقة المستهدفة امتد لمنازل مجاورة وأحدث رعبا بين السكان.
ويعد هذا الاغتيال الثاني الذي تنفذه إسرائيل داخل صيدا منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إذ اغتالت يوم 17 فبراير/شباط 2025 القيادي بالقسام محمد شاهين بواسطة طائرة مسيرة عند المدخل الشمالي للمدينة.
وتكشف المعلومات أن الشهيد حسن فرحات عم الشهيد محمد بشاشة، صهر القيادي البارز في حماس الشهيد صالح العاروري، اللذان اغتالتهما إسرائيل في الضاحية الجنوبية مطلع يناير/كانون الثاني 2024، كما أن الشهيد فرحات هو شقيق الشهيدة هيام فرحات زيدان وخال ابنها الشهيد الطفل عمر زيدان اللذين استهدفتهما غارة جوية في بلدة الوردانية بجبل لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وجاءت الغارة الإسرائيلية على صيدا في سياق تصعيد سياسي وأمني متسارع تشهده الساحة اللبنانية. فعلى المستوى السياسي، تتزامن العملية مع زيارة نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس إلى بيروت مساء اليوم الجمعة، حاملة في جعبتها مقترحات، يقول خبراء إنها ترتبط بنزع سلاح حزب الله، في وقت يتمسك فيه لبنان الرسمي بالقرار 1701 ويؤكد التزامه الكامل به، مقابل خروقات إسرائيلية متواصلة.
أما على المستوى الأمني، فقد نفذت إسرائيل خلال الأيام الماضية غارتين على الضاحية الجنوبية لبيروت، الأولى بزعم استهداف مستودع للطائرات المُسيَّرة عقب إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني، والثانية فجر الثلاثاء الماضي، حين استهدفت قياديا في حزب الله يدعى حسن علي بدير، وأدى ذلك لاستشهاد 3 أشخاص وإصابة 7 آخرين بجروح متفاوتة.
إعلانوهكذا، يتضح أن إسرائيل تمضي في سياسة الاغتيالات والتصعيد المنهجي متجاوزة الخطوط الحمراء ومجازفة بدفع لبنان لمواجهة مفتوحة، في وقت يسود فيه الترقب الحذر داخليا، وتتكثف المساعي الدبلوماسية لوقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة.
الأمر الواقعيقول المحلل السياسي إبراهيم حيدر إن ما يجري يعكس مرحلة جديدة تنذر باحتمالات خطيرة ستترك تداعياتها على اتفاق وقف إطلاق النار، سواء في لبنان أو غزة، حيث استأنف الاحتلال حربه كاشفا عن خطته لتهجير سكان القطاع وتدمير ما تبقى من مظاهر الحياة فيه.
ويضيف حيدر للجزيرة نت أن الاعتداءات الإسرائيلية يوم 28 مارس/آذار التي طالت الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق شمال خط الليطاني، ثم اغتيال القيادي في حزب الله حسن بدير بالأول من أبريل/نيسان بقلب الضاحية، تلتها عملية صيدا، مما يؤكد أن إسرائيل تجاوزت خطوط وقف إطلاق النار، خاصة أنها قصفت الضاحية للمرة الأولى منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مما شكّل تحولا نوعيا في مسار التصعيد.
وتسعى إسرائيل -وفق حيدر- لفرض أمر واقع جديد عبر تعديل اتفاق وقف إطلاق النار من خلال وضع شروط جديدة تستند إلى تفسيراتها الخاصة، مستفيدة من ضمانات أميركية غير معلنة، تتيح لها حرية التحرك لضرب أهداف تزعم أنها تهدد أمنها.
كما أن الضربات الإسرائيلية المتواصلة وما رافقها من خروقات تعكس وجود خطة تحظى بتغطية من الإدارة الأميركية، هدفها زيادة الضغط على لبنان ونزع سلاح حزب الله عبر تثبيت احتلال النقاط الخمس في الجنوب، وإبقاء المنطقة الحدودية غير قابلة للحياة، ومنع أي إعادة إعمار قبل فرض شروطها التي تتضمن التوصل لاتفاق شامل يتيح لإسرائيل مواصلة تحكمها وإطلاق يدها بلبنان والمنطقة.
إعلانويتابع حيدر أن هذه "الاندفاعة" الإسرائيلية لا تستهدف حزب الله وحماس فحسب، بل مرشحة لمزيد من التصعيد، ولها امتدادات إقليمية واضحة، خصوصا في سوريا، إذ تعمل إسرائيل على احتلال مواقع إستراتيجية بالجنوب السوري قرب أبواب دمشق، وربطها بجبل الشيخ وصولا للحدود اللبنانية.
ويرى أن تصريحات نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط التي اعتبرت فيها أن الحكومة اللبنانية "مسؤولة عن نزع سلاح حزب الله" تعكس المسار الذي تسعى إليه أميركا اليوم، ويتمثل في الدفع نحو مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل، تسبقها عملية نزع شامل لسلاح الحزب الذي تعتبره واشنطن تهديدا لاستقرار لبنان والمنطقة.
رسائل الاغتيال
من جانبه، يعتقد الباحث والسياسي الفلسطيني محمد أبو ليلى أن "هذه الاغتيالات تعكس مأزقا إستراتيجيا يعيشه الكيان الصهيوني، الذي بات يخشى حتى ظلال المقاومين خارج حدود فلسطين، وتمثل تجاوزا خطيرا لكل الخطوط الحمراء، وتعكس استعداد الاحتلال -بدعم غربي واضح- لخرق سيادة الدول من أجل تنفيذ أجنداته الأمنية".
ويؤكد أبو ليلى للجزيرة نت أنه "بدلا من أن تُضعف هذه السياسات المقاومة، فإنها تزيدها شرعية وقوة وحضورا وثباتا وتماسكا".
ويبعث الاحتلال -وفق أبو ليلى- رسائل بأكثر من اتجاه عبر هذه الاغتيالات، أولها، للمقاومة: بأنه قادر على الوصول إلى أي شخص، بأي وقت ومكان، ويحاول فرض معادلة أمنية جديدة بتعامله مع حركات المقاومة بالمنطقة.
ورسالة أخرى للجبهة الشمالية في لبنان: بأنه مستعد لتوسيع دائرة المواجهة والذهاب إلى أقصى درجات التصعيد، خاصة بعد استهدافه أحد قادة حزب الله بقلب الضاحية الجنوبية قبل أيام، واستمراره بسياسة الاغتيال بحق كل من يرتبط بخيار المقاومة.
ويشدد أبو ليلى على أن المقاومة الفلسطينية لا تضعف باستشهاد قادتها، بل تزداد صلابة وتماسكا، ويرى أن "العدو يظن أن اغتيال الأفراد قد يوقف المشروع المقاوم، لكن التجربة تثبت العكس؛ فكل شهيد يخلّف طاقة جديدة، ودماء القادة لا تذهب سدى، بل تروي طريق التحرير وتعمّق الإصرار على العودة إلى فلسطين".
إعلان