أكذوبة التمكين و حتمية الانهيار من الداخل
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
د. عبدالله عابدين
اننا اذ نسلط الأضواء على حشود الظلام التي رانت على بلادنا في “ثلاثينية” الانقاذ التي جثم فيها فلول الظلاميين على صدر شعبنا، نرمي الى يستوعبوا هم أنفسهم مدى الخطل الذي ولغوا فيه، و مدى الظلمة التي أحاطت بهم هم أنفسهم، فحاولوا متمادين أن لا يبصروا النور، الا قليلا منهم!! .. و تأكيدا لهذا المنحى المتمادي في الظلامية قامت سلطتهم التي أسموها زورا “بثورة الانقاذ” منذ بيانها الأول، بالكذب الصراح على الشعب السوداني باخفاء هويتها الاسلاموية.
بيد أن “الكذب عمره قصير” أو “الكذب حبله قصير”، كما يقول السودانيون، فما هي الا أيام أو تزيد، حتى انكشف للشعب السوداني مدى ايغال هذه الجماعة المتأسلمة، في الكذب و الخداع و التدليس، حين كشف بتبجحه المعهود عن مسرحيتهم الهزيلة تلك، زعيمهم آنذاك، الدكتور حسن الترابي، حيث قال قولته الفاضحة: “تذهب الى القصر رئيسا، و أذهب الى السجن حبيسا”!! .. فيالها من قولة تكشف عما يحويه ماعون “الانقاذ” المدعى، اذ “كل اناء بما فيه ينضح “، و انك، بالطبع، “لا تجني من الشوك العنب”!! ..
و ما تعنيه تلك المقولة “الترابية” المسجعة: “تذهب الى القصر رئيسا، و أذهب الى السجن حبيسا”، هو أنهم دبروا أمر الانقلاب العسكري، و ما يليه من ترتيبات بصورة تخفي الهوية الاسلاموية لمن وراءه. و من ثم جاء وضع الواجهة العسكرية، ممثلة في شخص المشيرعمر حسن أحمد البشير، بلباسه، و مظهره العسكري، و مخبره الاسلاموي، قائدا للانقلاب. على أن يقوم الأخير، في مسرح العبث الاسلاموي، بتمثيلية يقبض فيها على الدكتور حسن الترابي، عراب الانقلاب، و يودعه السجن، حتى تبدو المسألة، و كأنها انقلاب عسكري خالص، ليس للحركة الاسلاموية ناقة فيه، و لا جمل!! ..
بيد أن هذا الانقلاب الذي دبر بليل، للاطاحة بمحاولة الشعب السوداني الثالثة لاستعادة أركان تجربة ديموقراطية جديدة، لم يكن وليد لحظة، بل كان نتاجا لتخطيط تآمري طويل، يمتد من استغلال الجبهة القومية الاسلامية للمصالحة الوطنية، التي تمت مع نظام مايو بقيادة المشير جعفر النميري في العام ١٩٧٧، بل من قبل ذلك بكثير.
و اذا أردت أن تقف على جلية الأمر في هذا الشأن، فانظر كيف قام الاسلام السياسي في السودان ممثلا في هذه الجماعة بالتحول التكتيكي المحض، موظفا في ذلك ما أسماه ب”فقه الضرورة”، و مقولات أخرى كثيرة من قبيل “الحرب خدعة”. و من ثم تحول من عدو لدود لنظام مايو بقيادة المشير جعفر النميري، غير متورع عن رفع السلاح في وجهه، الى “مصالح” له، في ظاهر الأمر، أو قل الى عدو له، تخفى في ثوب صديق.
و ما لبث أن تكشف للشعب السوداني، أن الأمر ما هو الا محاولة لاختراق جسد هذا النظام، و من ثم العمل من داخله للتغلغل في مؤسسات الدولة، و الامساك بخيوط اللعبة، تجهيزا و اعدادا لما خطط له مسبقا من إنقلاب مستتر، عبر مرحلة حماية لهذا الإنقلاب، الى “تمكين”، مكتمل الأركان، للإسلام السياسي في السودان ..
و تمثلت معالم هذه الخطة – الخديعة في استمرار الاسلام السياسي ممثلا فيما عرف آن ذاك بالجبهة القومية الاسلامية، في تمثيل ذات الدور التغلغلي من لبس لبوس الديموقراطية، إبان العهد الديموقراطي الثالث، الذي جاء على أنقاض نظام مايو في أعقاب إنتفاضة الشعب السوداني في مارس-أبريل ١٩٨٥. و كان أن تواصلت مسرحية الإسلام السياسي داخل الحكم الديموقراطي. و كان أن تزيت جماعات الهوس الديني بأزياء المحاولة الديموقراطية الثالثة، و تبدت على المسرح السياسي بأقنعتها المصطنعة خصيصا لهذا الغرض، حتى اذا ما حانت الفرصة، انقضت عليها في صبيحة الثلاثين من يونيو 1989 مسجلة بذلك الانقلاب العسكري الثالث، و الأطول عمراً في سودان ما بعد الاستقلال.
ثم ماذا؟ سؤال، اذا تاملته ملياً، و قلبت وجوهه بروية، لا يتكشف الا عن نزعة لفئات الاسلام السياسي، تهوى التمادى ليس فقط في افساد أفرادها، و مؤسساتها، بل في تكثيف ظاهرة الافساد، عمداً، و تقصداً، لتشمل دوائر متداعية، من مجاميع أخرى متسعة النطاق على الدوام. و انك لتحار، في ذات السياق، في أمر من “تمكن” من بلد كالسودان، غني بموارده الطبيعية، و البشرية، لمدة خمسة و ثلاثين عاماً، كيف لا يحول هذا البلد الى جنة في الأرض، بل بالعكس تماماً، يحوله الى جحيم لا يطاق؟ كيف يمكن فهم هذه الظاهرة المجافية لمنطق الأشياء، و طبائعها؟!
الاجابة على هذه التساؤلات الحائرة ممكنة، و هي ببساطة شديدة، تتمثل في خطل مفهوم “التمكين” لدى هذه الجماعة، اذ لم يكن هذا التمكين الا فرية افتروها على الله و على الناس، و على أنفسهم، فانظر كيف يحكمون؟! أما المفهوم، التمكين، فهو في أصله مفهوم أخلاقي، يدفع صاحبه بوضوح الى خدمة الآخرين، و تقديم الخير لهم. و هؤلاء الآخرون هنا، هم بالطبع جموع الشعب السوداني، و لا شك أن خير هذا الشعب يتمثل في تنمية موارد بلده البشرية، و المادية، و ادارة تنوعه الثر الغزير بصورة حكيمة. و لكن على العكس من هذا الاتجاه الفطري في “تمكين” مجاميع الشعب السوداني، توجه الاسلام السياسي، ليس الى تمكين الشعب، بل الى تمكين المنظومة الاسلاموية التي تتمثل في أفراد الجماعة، و مؤسساتها، و شركاتها .. الخ .. فتحولت موارد السودان الى الحزب بوضع اليد، منفرداً في ذلك “لا شريك له”، بعد اقصاء الآخرين تماماً. و قد شمل هذا الاقصاء حتى أولئك الأعضاء في التنظيم، على قلتهم، الذين يظهرون اعتراضهم على هذا المنحى الواضح الخطل، الذي يهتم فقط بالتمكين من خلال تكريس تصور مادي و ذاتي لهذا المفهوم. في هذه البيئة الملوثة، التي تكرست بفعل التمادي في الفساد، و الافساد، المال القليل الذي يتم اخراجه من هذا المجرى الموغل في الذاتية، هو ذلك الذي يكرس في شراء ذمم الانتهازيين، و غيرهم من “المغفلين النافعين”. و من الواضح أن هذا المال، و غيره من “المال المجنب”، يتداعى بالنفس البشرية الى التمظهر بأسوء ما فيها من سخائم، فيضحى المآل الوخيم لمثل هذا المسار واضحاً، طال الزمن، أو قصر.
الأمر بين الآن، فهذه المجموعة المتاسلمة التي كانت قابضة على “لجام فرس السودان” أصرت على ادارة، و توجيه موارد هذا البلد الى جيوبها، و الى حسابات أفرادها الخاصة، دون توان أو ارعواء. عندئذن تطورت الأمور الى حد لا يمكن السيطرة عليها، ذلك بأن مثل هذا التمادي في السير في هذه الطريق الملتوية الوجهة، حتماً ينتهي الى الانقسامات الداخلية، و ظهور المجموعات، و التكتلات المتصارعة على “كعكة السودان”. و هذا بالضبط ما شهدناه في أخريات أيام هذا النظام، و ما نزال. و قد كانت بذرة هذا الصراع على السلطة و الثروة موجودة منذ البداية في بنية النظام، الا أنها كانت تعبر عن نفسها بوضوح أكثر كل يوم جديد. و ما عليك الا تواصل هذا الخط الى نهاياته المنطقية ليتضح لك أن أمر هذه الجماعة سوف “ينتهي فيما بينهم”، “كان على ربك حتماً مقضيا”!! ..
الوسومعبدالله عابدينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاسلام السیاسی الشعب السودانی هذه الجماعة
إقرأ أيضاً:
أوغندا.. ارتفاع عدد ضحايا الانهيار الأرضي إلى 40 شخصا
ذكر مسؤول أوغندى في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، اليوم السبت، بعد حوالي ثلاثة أسابيع من انهيار أرضي جارف في أوغندا إن عدد الوفيات المؤكدة ارتفع ليصل إلى 40.
وفي نهاية نوفمبر انطمر 40 منزلا أسفل الأوحال والطمي والحطام في منطقة بولامبولي شرقي أوغندا بعد هطول أمطار غزيرة.
وقالت فاهيرا مبالاني المفوضة المسؤولة عن بولامبولي لوكالة (د ب أ): "نعتقد أن ما يصل إلى 100 شخص دفنهم (الانهيار الأرضي) أحياء".
وأشارت إلى أن أعمال الإنقاذ مستمرة لكن الطرق والجسور المدمرة تعرقلها بشدة.
وأضافت مبالاني على الرغم من ذلك أن السلطات تفترض أنه لن يتم العثور على المزيد من الناجين.