الثورة الرقمية للسياسات الإدارية فـي ظل الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
السِّياسات الإداريَّة هي مجموعة من التوجيهات والإرشادات والإجراءات المطبَّقة في إدارة المؤسَّسات والمنظَّمات والتي تُحدِّد السلوك المتوقَّع للموظفين، واتِّخاذ القرارات اليوميَّة في إطار محدَّد ومنسَّق، وتشمل السِّياسات الإداريَّة مجالات واسعة من أهمِّها سياسات الموارد البَشَريَّة، وإدارة الموارد والماليَّة، وسياسات العمل والسَّلامة، وسياسات الاتِّصال الداخلي والخارجي، وسياسات التكنولوجيا والمعلومات، والتي ساعدت على التأثير الإيجابي الملحوظ في تحقيق أهداف المؤسَّسات بالمرونة القادرة على التغيير، وفقًا للغايات والأهداف ممَّا أدَّى إلى زيادة الإنتاجيَّة بشكل عام وجذب جمهور المستفيدين، الأمْرُ الذي مكَّن المؤسَّسات من التوسُّع في مجال عملها، ممَّا انعكس ذلك على الموظفين وشعورهم بالرضا الوظيفي ومنحهم كافَّة المميّزات الخاصَّة بالموارد البَشَريَّة.
كما أثَّـرت الثَّورة الرقميَّة والتقدُّم التكنولوجي الذي شهدته كُلُّ المؤسَّسات، التي أصبحت تتعامل وفقًا للذَّكاء الاصطناعي الذي طُبِّق، في السِّياسات الإداريَّة، ولكنَّ هناك اختلافًا في النظريَّات التي تُشير إلى واقع الاستغناء عن العنصر البَشَري في ظلِّ الذَّكاء الاصطناعي أم يظلُّ كما هو؛ فالاتِّجاه الأوَّل يؤيِّد أنَّ الثورة الرقميَّة في ظلِّ الذَّكاء الاصطناعي واستخدام التكنولوجيا حلَّ محلَّ الموارد البَشَريَّة، والاتِّجاه الثاني يؤيِّد أنَّ الموارد البَشَريَّة تظلُّ كما هي وتصبح التكنولوجيا عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف وفقًا للسِّياسات الإداريَّة، ولكن تجدر الإشارة إلى هذا الاختلاف الذي تُحدِّده طبيعة عمل المؤسَّسة ووجهة نظرها التي تتبنَّاها في إطار هذا الموضوع؛ فهناك مؤسَّسات تعتمد السِّياسات الإداريَّة بشكلٍ رئيسٍ على الموارد البَشَريَّة وتطويرها وفقًا لاستراتيجيَّات الذَّكاء الاصطناعي، وأخرى تَعدُّها بديلًا عَنْها وتستغني عَنْها تمامًا وإحلال العنصر التقني التكنولوجي بدلًا من العنصر البَشَري؛ فتؤثِّر الثورة الرقميَّة على السِّياسات الإداريَّة من خلال إدخال الذَّكاء الاصطناعي ودمج تلك التكنولوجيا الرقميَّة في كافَّة أنشطة المؤسَّسات ومجالات أعمالها المختلفة، ولهذا أدَّى إلى إحداث تغييرات جذريَّة في طبيعة عمل المؤسَّسات من التعامل مع المستفيدين والاختلاف في تقديم الخدمات والاعتماد على التقييم المستمر؛ لضمان القِيَم المعنويَّة والتي تتمثل في المرونة في تلبية احتياجات المستفيدين المتغيِّرة باستمرار، والاعتماد على الابتكار؛ فيُمثل هذا التحوُّل الرَّقمي أهمِّية كبيرة في مجال السِّياسات الإداريَّة، وذلك في إمكان توظيف كافَّة الأنشطة والإجراءات التقنيَّة نَحْوَ العمليَّات؛ لضمان الحفاظ على القدرات التنافسيَّة تحت أيِّ ظرف؛ كتوظيف الذَّكاء الاصطناعي للتعرف على اتِّجاهات وأنماط المستفيدين، وتقديم توصيات واقتراحات للقرارات المستندة إلى بيانات وتحليلات محدَّدة مِثل الاستثمار وإدارة المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، كما يُمكِن توظيف الذَّكاء الاصطناعي في تنفيذ المهام الروتينيَّة والمكرَّرة باستخدام الروبوتات الذكيَّة في تنفيذ المهام الروتينيَّة، والواقع الافتراضي المُعزّز بالشخصيَّات الافتراضيَّة، ممَّا يُعزِّز العمليَّات الإداريَّة.
ولعلَّ من أكثر الفترات التي لفتَتْ انتباه العالَم بأكمله بأهمِّية التحوُّل الرَّقمي للسِّياسات الإداريَّة في ظلِّ الذَّكاء الاصطناعي هي فترة جائحة كورونا وذلك بالقدرة على تنفيذ الأهداف دُونَ اعتبار لهذه الظروف واستمرار استكمال العمل وتحقيق الأهداف للمؤسَّسات وتفادي أيِّ تحدِّيات مستقبليَّة؛ ففي ظلِّ هذه الثورة الرقميَّة للسِّياسات الإداريَّة تحتاج المؤسَّسات إلى توفير التدريب للموظفين؛ لاستخدام الذَّكاء الاصطناعي وتوصيل المعلومات لهم بسهولة، ممَّا ينعكس على الزيادة الإنتاجيَّة وخفض تكاليف التشغيل بشكلٍ ملحوظ، ولا بُدَّ من التفرقة بَيْنَ التحوُّل الرَّقمي والرَّقمنة؛ فمصطلح التحوُّل الرَّقمي واسع فقَدْ يشتمل على التغييرات الجذريَّة في العمليَّات ودمج الذَّكاء الاصطناعي في كافَّة مجالات الأعمال بما تضمُّ عمليَّات التخطيط والتنفيذ والتقييم عن بُعد باستخدام أساليب الذَّكاء الاصطناعي والتطبيقات الخاصَّة الإلكترونيَّة، أمَّا الرَّقمنة فهي عبارة عن تمثيل رقمي فقط للأشياء المادِّيَّة.
كما تساعد تقنيَّات الذَّكاء الاصطناعي العامل البَشَري على إنجاز المشروعات وفقًا للبيانات التي يوفِّرها الذَّكاء الاصطناعي وتحليلها والقدرة على اتِّخاذ القرارات، كما أنَّ الثورة الرقميَّة وأساليب الذَّكاء الاصطناعي كان لهما التأثير الأقوى على تغيير السِّياسات الإداريَّة من حيث القدرة على تحسين الخدمات والمنتجات المقدَّمة وتوقع للمشروع من خلال أساليب التحليل العميق للمشروعات السَّابقة أو المراحل السَّابقة للمشروع الحالي، والعمل على اكتشاف الأنماط الجديدة وهذا ما تختصُّ به استراتيجيَّات الذَّكاء الاصطناعي وأنظمته التي تساعد على إدخال أيِّ تعديلات وتطوُّرات، ومساعدة الجهات الإداريَّة في اكتشاف أيِّ مخاطر من البداية، والعمل على وضع حلول بديلة، وتسهيل عمليَّة اتِّخاذ القرارات بما يخدم المؤسَّسة والعمل على نجاحها ومواجهة المنافسين.
عـاطـف بن محمد الزدجالي
باحث بسلك الدكـتـوراه في العلوم الاقتصادية
مختبر الأبحاث في تدبير المؤسَّسات ـ قانون الأعمال والتنمية المستدامة (LARMODAD)
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
ذكاء Apple المتعثر.. هل فقدت الشركة سباق الذكاء الاصطناعي؟
يبدو أن Apple تواجه أزمة غير مسبوقة في سباق الذكاء الاصطناعي، بعد تأجيلها المتكرر لميزات Apple Intelligence التي روجت لها بقوة عند إطلاق سلسلة iPhone 16.
وبدلاً من أن تكون هذه الميزات نقلة نوعية في تجربة المستخدم؛ تحولت إلى مصدر إحباط للعديد من المستهلكين، مما أثار موجة من الانتقادات حتى بين أكثر معجبي الشركة ولاءً.
تأجيلات متكررة تضع Apple في مأزقكان من المفترض أن تقدم Apple Intelligence تحسينات غير مسبوقة، مثل مساعد ذكي متكامل مع Siri، وميزات متطورة لتحليل البيانات وإنشاء المحتوى.
لكن بعد تأخيرات متتالية؛ أعلنت Apple مؤخراً أن هذه الميزات لن ترى النور حتى عام 2026، أي بعد إطلاق iPhone 17، مما يعني أن مستخدمي iPhone 16 لن يحصلوا على ما وعدت به الشركة عند الشراء.
ولم ترتق الميزات التي تم طرحها، مثل تلخيص الإشعارات وتحرير الصور بالذكاء الاصطناعي، إلى مستوى المنافسين مثل Google وSamsung، بل جاءت بإمكانيات محدودة وأداء ضعيف.
ودفع هذا الفشل المديرين التنفيذيين داخل Apple، مثل كريج فيديريجي، إلى التعبير عن استيائهم من التأخيرات المتكررة، وسط قلق متزايد بشأن تأثير ذلك على سمعة الشركة.
هل Apple متأخرة في سباق الذكاء الاصطناعي؟في الوقت الذي تكافح فيه Apple لتحسين Apple Intelligence، تواصل شركات مثل Google وOpenAI وSamsung تطوير ميزات ذكاء اصطناعي متقدمة تدمجها بفعالية في أجهزتها.
وإذا استمرت Apple في هذا النهج المتأخر، فقد تجد نفسها في موقف صعب، حيث يصبح من الصعب عليها اللحاق بركب المنافسة في هذا المجال الحيوي.