السِّياسات الإداريَّة هي مجموعة من التوجيهات والإرشادات والإجراءات المطبَّقة في إدارة المؤسَّسات والمنظَّمات والتي تُحدِّد السلوك المتوقَّع للموظفين، واتِّخاذ القرارات اليوميَّة في إطار محدَّد ومنسَّق، وتشمل السِّياسات الإداريَّة مجالات واسعة من أهمِّها سياسات الموارد البَشَريَّة، وإدارة الموارد والماليَّة، وسياسات العمل والسَّلامة، وسياسات الاتِّصال الداخلي والخارجي، وسياسات التكنولوجيا والمعلومات، والتي ساعدت على التأثير الإيجابي الملحوظ في تحقيق أهداف المؤسَّسات بالمرونة القادرة على التغيير، وفقًا للغايات والأهداف ممَّا أدَّى إلى زيادة الإنتاجيَّة بشكل عام وجذب جمهور المستفيدين، الأمْرُ الذي مكَّن المؤسَّسات من التوسُّع في مجال عملها، ممَّا انعكس ذلك على الموظفين وشعورهم بالرضا الوظيفي ومنحهم كافَّة المميّزات الخاصَّة بالموارد البَشَريَّة.


كما أثَّـرت الثَّورة الرقميَّة والتقدُّم التكنولوجي الذي شهدته كُلُّ المؤسَّسات، التي أصبحت تتعامل وفقًا للذَّكاء الاصطناعي الذي طُبِّق، في السِّياسات الإداريَّة، ولكنَّ هناك اختلافًا في النظريَّات التي تُشير إلى واقع الاستغناء عن العنصر البَشَري في ظلِّ الذَّكاء الاصطناعي أم يظلُّ كما هو؛ فالاتِّجاه الأوَّل يؤيِّد أنَّ الثورة الرقميَّة في ظلِّ الذَّكاء الاصطناعي واستخدام التكنولوجيا حلَّ محلَّ الموارد البَشَريَّة، والاتِّجاه الثاني يؤيِّد أنَّ الموارد البَشَريَّة تظلُّ كما هي وتصبح التكنولوجيا عاملًا مساعدًا لتحقيق الأهداف وفقًا للسِّياسات الإداريَّة، ولكن تجدر الإشارة إلى هذا الاختلاف الذي تُحدِّده طبيعة عمل المؤسَّسة ووجهة نظرها التي تتبنَّاها في إطار هذا الموضوع؛ فهناك مؤسَّسات تعتمد السِّياسات الإداريَّة بشكلٍ رئيسٍ على الموارد البَشَريَّة وتطويرها وفقًا لاستراتيجيَّات الذَّكاء الاصطناعي، وأخرى تَعدُّها بديلًا عَنْها وتستغني عَنْها تمامًا وإحلال العنصر التقني التكنولوجي بدلًا من العنصر البَشَري؛ فتؤثِّر الثورة الرقميَّة على السِّياسات الإداريَّة من خلال إدخال الذَّكاء الاصطناعي ودمج تلك التكنولوجيا الرقميَّة في كافَّة أنشطة المؤسَّسات ومجالات أعمالها المختلفة، ولهذا أدَّى إلى إحداث تغييرات جذريَّة في طبيعة عمل المؤسَّسات من التعامل مع المستفيدين والاختلاف في تقديم الخدمات والاعتماد على التقييم المستمر؛ لضمان القِيَم المعنويَّة والتي تتمثل في المرونة في تلبية احتياجات المستفيدين المتغيِّرة باستمرار، والاعتماد على الابتكار؛ فيُمثل هذا التحوُّل الرَّقمي أهمِّية كبيرة في مجال السِّياسات الإداريَّة، وذلك في إمكان توظيف كافَّة الأنشطة والإجراءات التقنيَّة نَحْوَ العمليَّات؛ لضمان الحفاظ على القدرات التنافسيَّة تحت أيِّ ظرف؛ كتوظيف الذَّكاء الاصطناعي للتعرف على اتِّجاهات وأنماط المستفيدين، وتقديم توصيات واقتراحات للقرارات المستندة إلى بيانات وتحليلات محدَّدة مِثل الاستثمار وإدارة المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، كما يُمكِن توظيف الذَّكاء الاصطناعي في تنفيذ المهام الروتينيَّة والمكرَّرة باستخدام الروبوتات الذكيَّة في تنفيذ المهام الروتينيَّة، والواقع الافتراضي المُعزّز بالشخصيَّات الافتراضيَّة، ممَّا يُعزِّز العمليَّات الإداريَّة.
ولعلَّ من أكثر الفترات التي لفتَتْ انتباه العالَم بأكمله بأهمِّية التحوُّل الرَّقمي للسِّياسات الإداريَّة في ظلِّ الذَّكاء الاصطناعي هي فترة جائحة كورونا وذلك بالقدرة على تنفيذ الأهداف دُونَ اعتبار لهذه الظروف واستمرار استكمال العمل وتحقيق الأهداف للمؤسَّسات وتفادي أيِّ تحدِّيات مستقبليَّة؛ ففي ظلِّ هذه الثورة الرقميَّة للسِّياسات الإداريَّة تحتاج المؤسَّسات إلى توفير التدريب للموظفين؛ لاستخدام الذَّكاء الاصطناعي وتوصيل المعلومات لهم بسهولة، ممَّا ينعكس على الزيادة الإنتاجيَّة وخفض تكاليف التشغيل بشكلٍ ملحوظ، ولا بُدَّ من التفرقة بَيْنَ التحوُّل الرَّقمي والرَّقمنة؛ فمصطلح التحوُّل الرَّقمي واسع فقَدْ يشتمل على التغييرات الجذريَّة في العمليَّات ودمج الذَّكاء الاصطناعي في كافَّة مجالات الأعمال بما تضمُّ عمليَّات التخطيط والتنفيذ والتقييم عن بُعد باستخدام أساليب الذَّكاء الاصطناعي والتطبيقات الخاصَّة الإلكترونيَّة، أمَّا الرَّقمنة فهي عبارة عن تمثيل رقمي فقط للأشياء المادِّيَّة.
كما تساعد تقنيَّات الذَّكاء الاصطناعي العامل البَشَري على إنجاز المشروعات وفقًا للبيانات التي يوفِّرها الذَّكاء الاصطناعي وتحليلها والقدرة على اتِّخاذ القرارات، كما أنَّ الثورة الرقميَّة وأساليب الذَّكاء الاصطناعي كان لهما التأثير الأقوى على تغيير السِّياسات الإداريَّة من حيث القدرة على تحسين الخدمات والمنتجات المقدَّمة وتوقع للمشروع من خلال أساليب التحليل العميق للمشروعات السَّابقة أو المراحل السَّابقة للمشروع الحالي، والعمل على اكتشاف الأنماط الجديدة وهذا ما تختصُّ به استراتيجيَّات الذَّكاء الاصطناعي وأنظمته التي تساعد على إدخال أيِّ تعديلات وتطوُّرات، ومساعدة الجهات الإداريَّة في اكتشاف أيِّ مخاطر من البداية، والعمل على وضع حلول بديلة، وتسهيل عمليَّة اتِّخاذ القرارات بما يخدم المؤسَّسة والعمل على نجاحها ومواجهة المنافسين.
عـاطـف بن محمد الزدجالي
باحث بسلك الدكـتـوراه في العلوم الاقتصادية
مختبر الأبحاث في تدبير المؤسَّسات ـ قانون الأعمال والتنمية المستدامة (LARMODAD)

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يحد من استخدام المبيدات الحشرية

في حقل قطن بولاية كاليفورنيا الأميركية، تحت شمس حارقة ودرجات حرارة تتجاوز 30 مئوية، يعمل روبوت يعمل بالطاقة الشمسية على إزالة الأعشاب الضارة بواسطة ذراعين ميكانيكيتين، ضمن تجربة تكنولوجية تهدف إلى تقليل الاعتماد على المبيدات الحشرية ومعالجة نقص العمالة الزراعية.
الروبوت، المسمى «إليمنت» والذي تطوره شركة ناشئة تدعى «أيجن»، يستخدم كاميرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لرصد الأعشاب الضارة وتحديد مواقعها بدقة، قبل اقتلاعها بأدوات حفر دقيقة.

بديل مستدام
يقول كيني لي، الرئيس التنفيذي لشركة «أيجن»، إن الروبوت «يحاكي طريقة عمل البشر. عند غروب الشمس يتوقف، وفي صباح اليوم التالي يعود إلى العمل». ويضيف أن «أيجن» تسعى إلى توفير بديل عملي ومستدام للمواد الكيميائية، مع تعزيز كفاءة العمالة الزراعية من خلال تدريبها على استخدام الروبوتات ومعالجة الأعطال التقنية.
ويتابع لي: «لم يُبدِ أي مزارع يوماً حماساً لاستخدام المبيدات الكيميائية. إنهم يريدون حماية أرضهم، ونحن نقدم لهم وسيلة لفعل ذلك بطرق أكثر أماناً».

التفاعل مع البيئة
الروبوت الذي تبلغ تكلفته نحو 50 ألف دولار، قادر على إزالة الأعشاب من مساحة تصل إلى 13 هكتاراً، ويُستخدم حالياً في محاصيل القطن، الطماطم، والشمندر. وتطمح الشركة إلى توسيع استخدامه ليشمل مهاماً أخرى مثل رصد الآفات الزراعية أو بذر البذور، لكنها حالياً تركز على إتقان مهمة إزالة الأعشاب الضارة.
تعتمد شركة «أيجن»، التي يقع مقرها في ريدموند شمال غرب الولايات المتحدة، على نموذج الذكاء الاصطناعي المادي، وهي تقنية ناشئة تمكّن الأنظمة الذكية من التفاعل مباشرة مع بيئتها في مواقف معقدة ومتغيرة. وتُعد هذه التقنية وفقاً لجنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"، المرحلة التالية من تطور الذكاء الاصطناعي.

مبادرات مناخية
في يناير، أطلقت «إنفيديا» منصة «كوزموس» لتسريع تطوير الذكاء الاصطناعي المادي، مؤكدة أن المستقبل لا يقتصر على إنتاج المحتوى، بل يشمل فهم العالم الواقعي والتفاعل معه.
وتحظى «أيجن» بدعم من «أمازون ويب سيرفيسز»، التي اختارت الشركة ضمن برنامجها الخاص بالمبادرات المناخية الناشئة، موفرةً لها قدرات حوسبة ودعماً فنياً.
ليزبيث كوفمان، رئيسة قسم المناخ في «أمازون ويب سيرفيسز»، تتوقع أن تصبح «أيجن» من كبار اللاعبين في هذا القطاع الناشئ. أما الشريك المؤسس والمسؤول التقني في الشركة، ريتشارد وردن، فيقول إن «العمل في هذا المجال له مغزى حقيقي. نريد أن نُحدث فرقاً».

أخبار ذات صلة الأمم المتحدة تحذر من عسكرة الذكاء الاصطناعي "تم" تفوز بجائزة أفضل مشروع عن فئة الحكومة الإلكترونية ضمن جوائز عالمية المصدر: آ ف ب

مقالات مشابهة

  • 5 كتب ترسم ملامح القيادة بالمؤسسات في عصر الذكاء الاصطناعي
  • 5 حقائق عن عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي
  • نظرية أوركسترا الحمل المعرفي: دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التعلم
  • الذكاء الاصطناعي يحد من استخدام المبيدات الحشرية
  • غوتيريش يحذر من عسكرة الذكاء الاصطناعي
  • خمس حقائق قد لا تعرفها عن طريقة عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT
  • الذكاء الاصطناعي.. أمل اللغات المهددة
  • الروبوت المرافق.. هل يقترب الذكاء الاصطناعي من العاطفة الإنسانية؟
  • إلى كتبة الذكاء الاصطناعي: ارحمونا!
  • الذكاء الاصطناعي يزحف على المكاتب.. نصف الوظائف في خطر!