ما قصة غضب ترامب من يهود أميركا وثنائه على مسيحييها؟
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
في مقال نشرته أمس الأحد، اعتبرت صحيفة لوموند أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب غيّر سلوكه وبات يعتبر أن المسيحيين يحبون إسرائيل أكثر من اليهود أنفسهم.
وقال البروفيسور بجامعات العلوم السياسية بفرنسا جون بيير فيليو، في مقال بالصحيفة، إن ترامب صعّد من موجة اتهاماته لمواطنيه اليهود بضعف "الولاء" تجاه إسرائيل وتجاه المعسكر الجمهوري.
ومع تزايد حدة حماسه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من الشهر المقبل، تصاعدت العدائية في خطاب ترامب الذي لم يستثنِ اليهود الأميركيين، قائلا إنه "يجب عليهم أن يخضعوا لفحص عقلي" إذا استمروا في عدم التصويت له.
وحسب المقال، أعطى أكثر من ثلاثة أرباع اليهود الأميركيين أصواتهم للمرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون عام 2016 وللرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن في 2020.
ويعتبر ترامب أن ما قام بها خلال ولايته من 2017 إلى 2021 لصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يجب أن تكسبه دعم اليهود الأميركيين دون شروط.
واستذكر فيليو حادثة في 2019، عندما أطلق ترامب على نتنياهو خلال كلمة أمام يهود جمهوريين مصطلح "رئيس وزرائكم"، لكنه تراجع اليوم عن هذا الحماس، معتبرا أن "المسيحيين يحبون إسرائيل أكثر من اليهود".
التاريخ الطويل للصهيونية المسيحيةوحسب ترامب، فإن هؤلاء "المسيحيين" الذين يدعمون إسرائيل، يشاركون أكثر من اليهود في "صهيونية مسيحية" ظهرت في البروتستانتية الأنغلوساكسونية بين 1840 و1850، أي نصف قرن قبل الصهيونية اليهودية الحقيقية.
وبينما تسعى الصهيونية اليهودية إلى بناء الشعب اليهودي كأمة في مواجهة معاداة السامية الأوروبية، تتطور الصهيونية المسيحية بناء على قراءة تسمى "إنجيلية" للعهد القديم، وهي الخلاص للمؤمنين المسيحيين، ويعتمد في هذا المعتقد الإنجيلي، على "استعادة" الشعب اليهودي "أرض إسرائيل"، وهي "استعادة" تشكل شرطا مسبقا لإقامة ملكوت الله، حسب معتقدهم.
وقال الكاتب إن مدينة شيكاغو استضافت عام 1890 أي قبل 7 سنوات من المؤتمر التأسيسي للصهيونية اليهودية في بازل، مؤتمرا ينظمه واعظ إنجيلي ينادي بـ"إعادة فلسطين إلى اليهود".
ويدعم المنتخبون من الحركة الإنجيلية بنفس الحماس القيود المفروضة بين 1921 و1924 على الهجرة، وخاصة اليهودية، إلى الولايات المتحدة، وإقامة "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني.
ويرى فيليو أن هذه الصهيونية المسيحية، التي تم تعزيزها بالفعل بإنشاء إسرائيل في 1948، أصبحت أكثر قوة بعد احتلال إسرائيل في عام 1967 للقدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.
ويرى الإنجيليون الأميركيون في هذا الاحتلال تحقيقا للنبوات، بينما تظل الجالية اليهودية غالبا ملتزمة بتسوية تفاوضية قائمة على مبدأ "الأرض مقابل السلام".
وعلى عكس ذلك، يرفض الصهاينة المسيحيون بشدة أي تنازل إقليمي، مما دفع في عام 1995، إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، المنخرط في عملية سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية، إلى إدانة "الضغوط في الكونغرس الأميركي ضد الحكومة الإسرائيلية المنتخبة ديمقراطيا".
وبعد فترة وجيزة، اغتيل رابين على يد متطرف يهودي وإسرائيلي، واعتبره جون هاجي، مؤسس حركة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل في تكساس، "مسرعا للنبوة التوراتية".
انتهاكات متزايدة لمعاداة الساميةواعتمد نتنياهو -الذي كان في السلطة بإسرائيل من عام 1996 إلى 1999، ثم من 2009 إلى 2021، ومرة أخرى منذ ما يقرب من عامين- في الولايات المتحدة على الصهاينة المسيحيين بدلا من الجالية اليهودية، التي اعتبرها تقدمية ونقدية للغاية. في المقابل، يقدم له المحافظون الإنجيليون دعما غير مشروط لأنه يستند على الإيمان وليس على المنطق.
وتوجت مثل هذه التحالفات تحت رئاسة ترامب الذي نفذ بين عامي 2018 و2019 سلسلة من الخطوات أضرت بالشرعية الدولية في المنطقة، لكن ذلك لاقى استحسانا كبيرا لدى نتنياهو، وهي:
نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس (وهو إجراء لم يتبعه سوى غواتيمالا وهندوراس وكوسوفو وبابوا غينيا الجديدة). انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني، مما أبطله فعلا. تعليق التمويلات الأميركية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة منذ 1967. قام نتنياهو بإطلاق اسم "ترامب" على مستوطنة جديدة في الجولان.ومنذ مغادرة ترامب البيت الأبيض عام 2021، لم يتوقف عن تعزيز خطابه التآمري، إلى درجة جعل مواطنيه اليهود مسؤولين عن هزيمته المحتملة في الانتخابات المقبلة، حسب فيليو.
ومع ذلك، يضيف الكاتب، فإن مثل هذه الانحرافات الخطيرة لا ينبغي أن تكون مفاجئة عندما نعلم المصير المخصص لليهود في نهاية الزمان وفقًا للصهاينة المسيحيين (سيتم إبادة ثلثي اليهود وسيكون ثلث واحد فقط قادرا على البقاء بفضل تحوله إلى المسيحية).
ويختم فيليو مقاله بالقول إن هؤلاء الأصوليين الأميركيين يرون حرفيا "هرمجدون" المواجهة الأبوكاليبتية (النهائية) في مجدو، شمال غربي مدينة جنين الفلسطينية (شمال إسرائيل). ومن ثم فإن مثل هذه النبوءات تتردد بطريقة مشؤومة بشكل خاص في هذه الأوقات من المزايدات الانتخابية في الولايات المتحدة والتصعيد الجامح في المنطقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة أکثر من
إقرأ أيضاً:
المسألة اليهودية بين الحلين: النازي والصهيوني
ضاقت أوروبا ذرعاً بالوجود اليهودي خلال القرون الثلاثة الأخيرة، ضاقت إلى الحد الذي بات ينظر إلى هذا الوجود على أنه معضلة، معضلة حقيقية: دينية وسياسية واقتصادية وثقافية، معضلة تحتاج إلى حل، وكما تنوعت أوجه هذه المشكلة، تعددت الحلول، وخاض في المشكلة وفي الحل فلاسفة ومفكرون، سياسيون واقتصاديون، صحافيون وكتاب، وظهرت عناوين ونحتت مصطلحات من مثل: "المسألة اليهودية أو المشكلة اليهودية" و"معاداة السامية" و"الحل النهائي للمسألة اليهودية" و"الغيتو اليهودي" أو "الحي اليهودي" وصولاً إلى "معسكرات الاعتقالـ" و"الهولوكوست" و"الحل النازي" ثم فكرة "الوطن القومي لليهود "، و"الحل الصهيوني".
وخاض الكثير في طرق حل هذه المشكلة التي بدا أنها مشكلة أوروبية خالصة، إذ لم يكن الوجود اليهودي يعد مشكلة في البلدان العربية والإسلامية، ولا في الأندلس التي عانى اليهود بعد سقوطها من ويلات محاكم التفتيش الإسبانية، كما عانى المسلمون، وكانت الحلول متفاوتة ما بين التخلص من اليهود، بنفيهم داخلياً بالفصل العنصري بينهم وعامة المجتمع المسيحي، وعزلهم في "الحي اليهودي" الذي تحول إلى "غيتو" منعزل تماماً عن بقية المجتمع ثقافياً واجتماعياً وقانونياً وأمنيا، وتجسد حل آخر في النفي خارج الحدود، بنزع الجنسية عنهم، ورفض أوروبيتهم، واعتبارهم أجانب غرباء ووافدين على القارة، ومصدر شر وكيد ودسائس ومؤامرة، كما عكست ذلك أعمال كثير من الأدباء والكتاب والشعراء والفنانين، إلى أن ابتكرت "الصهيونية بشقيها المسيحي واليهودي" فكرة "الوطن القومي لليهود" وفي إطار هذا الحل طرحت العديد من الخيارات في أمريكا اللاتينية وأفريقيا والبلاد العربية، لإقامة هذا الوطن الذي كانت فكرته نابعة من الرغبة في التخلص من "المشكلة اليهودية" أكثر من كونها رغبة في إنصاف اليهود وتحقيق مصالحهم.
وقد ظل "الحل الصهيوني" يتكامل تدريجياً، في انتظار اللحظة التاريخية الحاسمة التي يعلن فيها عن ميلاد "الوطن القومي اليهودي" وتمثلت تلك اللحظة في سنوات "الهولوكوست" أو "الشواء" أو "المحرقة" التي كانت الحل النازي الذي وظفه "الحل الصهيوني" للمشكلة الفلسطينية، في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
كان الفيلسوف اللاهوتي الألماني برونو باور يرى أن اليهود مسؤولون عما جرى لهم من معاملة من طرف المجتمعات التي عاشوا فيها، وفي كتابه "المسألة اليهودية" رأى أن تحقيق اليهود لذاتهم السياسية يتطلب تخليهم عن الدين، وفي ذلك إشارة إلى أن المشكلة اليهودية هي مشكلة دينية، والمشكلة الدينية تتمثل في المعتقد، وهو المعتقد الذي اختصر اليهودية/الدين في اليهودية الجين، حيث بولغ في تقديس العرق على حساب الديانة، حتى أن الانتساب للديانة أصبح محصوراً في أولئك الذين يمتلكون النسب، وحتى أصبح هؤلاء الذين يمتلكون النسب هم "شعب الله المختار" وكانت تلك إحدى أهم المعضلات التي وقفت حجر عثرة أمام اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية وغيرها، حسب باور وغيره، حيث لم تكن منظومة "الغيتو" أو "الحي اليهودي" ناتجة عن أن المجتمعات التي عاش فيها اليهود مارست نوعاً من "العزل" عليهم وحسب، ولكن المعتقدات اليهودية أسهمت كذلك في عزل معتنقيها إلى حد كبير، إذ يسهم الشعور بالتميز في عزل "المتميزين" عن بقية شرائح المجتمع، حتى أنهم "جعلوا أعشاشهم في مسام المجتمع البرجوازي وفراغاته" منعزلين عن عموم الناس، حسب تعبير باور.
وفي حين يرجع باور عزلة اليهود إلى العوامل الدينية والثقافية، فإن كارل ماركس، في كتابه "نصوص حول المسألة اليهودية" يرجع ذلك إلى الرأسمالية التي رآها الأساس المادي لليهودية، وهو ما يعني أن العوامل الاقتصادية هي المؤثرة في هذه العزلة، وبما أن اليهود أصحاب مال فإن ذلك دفعهم لشيء من العزلة، كأي رأسمالي يريد أن يعيش بعيداً عن الآخرين، على طريقة ماركس في تغليب العوامل المادية على العوامل الروحية والثقافية في تفسير حركة التاريخ والمجتمع.
وأياً ما تكن أسباب العزلة فإنه مع العزل تخرج الانطباعات المغلوطة والتصورات المسبقة والصور النمطية التي غالباً ما تكون سلبية، ومع الصورة السلبية يحدث استهداف الأشخاص والمجتمعات، وأما إذا ابتليت الطوائف المنمطة بقيادات تعمل على تكريس هذه الصور عن مجتمعاتها فإن تلك القيادات تضع في يد من يريد استهداف تلك الشرائح أو الطوائف مبررات الاستهداف، وهذا ما حصل، عندما اتخذت النازية تصرفات "الرأسمالية اليهودية" مبرراً للجرائم البشعة التي نفذتها ضد اليهود، تماماً، كما يرتفع منسوب "معاداة السامية" حول العالم بسبب جرائم حكومة اليمين الإسرائيلي التي تربط بين الصهيونية واليهودية.
وإذ قيل ما قيل، فإن ما سبق قوله عن "المسألة اليهودية" أو "المشكلة اليهودية" أو "الحل النهائي للمشكلة اليهودية" كل ذلك كان شأناً أوروبياً، ولم يكن اليهود يوماً ما مشكلة في الوطن العربي والعالم الإسلامي، بل كانوا مشكلة أوروبية، حتى أن "معاداة السامية" هي عنوان أوروبي وغربي، لا عربي ولا إسلامي.
يتحدث المؤرخ اليهودي الإسرائيلي البريطاني من أصل عراقي عن "تاريخ طويل من التسامح الديني والتعايش بين مختلف الأقليات" في البلدان العربية، ويشير في أحد لقاءاته المتلفزة إلى أن "التعايش المسلم اليهودي في البلدان العربية لم يكن عبارة عن فكرة مجردة، ولكنه كان واقعاً ملموساً، بشكل يومي".
ويستذكر حياته في بغداد، ويقول إن "العراق لم يكن لديه مشكلة يهودية، بل هي أوروبا التي كان لديها مشكلة يهودية، وإن اليهود في أوروبا كانوا هم (الآخر) المطلوب منه الوقوف بعيداً" وهو الذي يشير إلى أن "معاداة السامية كانت مرضاً أوروبياً" وأنها "ولدت في أوروبا، في العصور الوسطى…وتم تصديرها من أوروبا إلى الشرق الأوسط".
وبما أن "المشكلة اليهودية" لم تكن مشكلة عربية إسلامية، رأى الباحثون عن حلول أن "الحل النهائي" لهذه المشكلة يجب أن يكون في المناطق التي لم تولد فيها تلك المشكلة، وذلك بعد أن تم الاتفاق على أن "الحل الصهيوني" في إقامة "وطن قومي" هو الحل الأنسب أوروبياً، حيث اتفق طرفا الصهيونية المسيحية واليهودية على ذلك الحل، وتم الاتفاق لاحقاً على أن يكون هذا الوطن في فلسطين.
لكن، ومع مرور السنوات يتكشف لليهود قبل غيرهم أن "الحل الصهيوني" ليس الحل الأنسب، ذلك أن دولة إسرائيل كانت وليدة الحركة الصهيونية، والصهيونية ليست حركة تحرر وطني، كما روج لها زعماؤها، ولكنها امتداد للاستعمار الغربي، وكما رحل المستعمرون عن تلك الأرض، فإن كثيراً من المفكرين يتحدثون بشكل مستمر عن أن الاحتلال سيسقط، وأن المشروع الصهيوني برمته سينهار، وقد أثبتت الحرب الأخيرة على غزة هشاشة هذا المشروع، كما يرى الحبيب شوباني في كتابه "المسألة اليهودية في عصر الطوفان" حيث أثبتت هذه الحرب أن هذا المشروع برمته هو مشروع استعماري غربي، وأنه لم يكن ليستمر لولا الدعم الغربي الكبير لهذا المشروع الذي نجح في التدثر بعباءة اليهودية، الأمر الذي جعل "المشكلة اليهودية" أكثر التباساً، وحلها أكثر تعقيدا.
القدس العربي