مثلت عودة الدفء إلى العلاقات الهندية الأفغانية مفاجأة للبعض، خصوصا أنها جاءت خلال حكم حزب الشعب الهندي (حزب بهاراتيا جاناتا) ذي الاتجاهات الأصولية الهندوسية، الذي يمكن أن يُنظر إليه على أنه نقيض لحركة طالبان الأصولية الإسلامية، لكن الواقع أثبت أن الطرفين يمكن أن يتمتعا بكثير من البراغماتية، عندما يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية.

تُعد العلاقة بين الهند وأفغانستان تاريخيا ضرورة إستراتيجية للبلدين، وقد سعت نيودلهي منذ الاستقلال عام 1947، إلى تعزيز العلاقة مع كابل لأسباب جيوستراتيجية واقتصادية، بغض النظر عن نظام الحكم فيها.

ووقع الجانبان "معاهدة الصداقة الهندية الأفغانية" عام 1950، التي تعتبر نقطة مهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وجاءت ضمن جهود الهند لبناء علاقات مع جيرانها.

واستمرت العلاقة بين الهند وأفغانستان منذ العهد الملكي ثم الجمهوري ثم النظام الشيوعي التابع لموسكو، ونظام ما بعد حركة طالبان في فترتي كل من الرئيس حامد كرازي والرئيس أشرف غني، لكنها شهدت انقطاعا بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابل أغسطس/آب 2021 حين أنهت نيودلهي وجودها الدبلوماسي، وسحبت بعثتها مع انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، ولم تعترف بحكومة طالبان رسميا حتى الآن.

أشرف غني (يسار) يلتقي رئيس الوزراء الهندي مودي في أثناء زيارة الأول إلى الهند (شترستوك) طالبان أمر واقع

بعد عام من سيطرة طالبان على الحكم وصلت الهند إلى قناعة أن نظام طالبان أصبح أمرا واقعا، فاتجهت إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات معها، وبعد أن كانت العلاقات مقتصرة على إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية، قررت نيودلهي التواصل مع الحكومة الأفغانية الجديدة لمحاولة إعادة العلاقات الدبلوماسية.

وبهذا الصدد صرح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد بأن العلاقة مع الهند في القطاع الاقتصادي والتجاري تسير بشكل جيد، ولكنه أشار إلى بعض العوائق في المجال الدبلوماسي.

واعتُبر اللقاء الذي عقد بين وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي ووفد هندي برئاسة سكرتير الخارجية الهندية جي بي سينغ في كابل، يونيو/حزيران 2022، بداية لعودة العلاقات بين الطرفين.

خلال اللقاء، طلب متقي من نيودلهي استئناف مشاريعها المتوقفة وإعادة فتح سفارتها، وهو ما حدث بالفعل، ووصف اللقاء بأنه بداية جيدة لاستئناف العلاقات، وبالطبع لم يكن هذا هو اللقاء الأول بين الطرفين، إذ سبق هذا اللقاء فتح قنوات اتصال سرية بعد توقيع اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير/شباط 2020، كما عُقد لقاء بين رئيس المكتب السياسي لطالبان آنذاك، المُلا عبد الغني برادر، ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال في الدوحة.

عقب تلك اللقاءات، تسلمت الحكومة الهندية مقر السفارة الأفغانية في نيودلهي بعد أن أعلن فريد ماموندزاي، السفير الأفغاني التابع لنظام أشرف غني، تعليق أنشطة السفارة بشكل نهائي نهاية سبتمبر/أيلول 2023، وأشار إلى أن الحكومة الهندية رفضت تمديد تأشيرات الدبلوماسيين الذين عينتهم حكومة غني.

وبعد شهرين من هذا الإعلان في نوفمبر/ تشرين الثاني، تم افتتاح السفارة والقنصلية تحت إشراف القائم بالأعمال الأفغاني التابع لحكومة طالبان، وتقديم الخدمات للمواطنين.

فوق القطيعة ودون الاعتراف

اعتبرت هذه التحركات اعترافا ضمنيا من الهند بحركة طالبان، وقبولا مستقبليا للتعامل معها خاصة في الملفات المشتركة الأمنية والإستراتيجية، كما أنها تُمثل تغيرا في نظرة الهند إلى طالبان، بعد أن كانت نيودلهي تدعم الفصائل المناهضة لها عقب وصولها للسلطة أول مرة عام 1996، والتي عرفت بـ"تحالف الشمال".

شكل تعامل طالبان الجديد مع الهند تحولا إستراتيجيا كبيرا، إذ عملت الحركة خلال فترة الاحتلال الأميركي على استهداف المصالح الهندية في البلاد بشكل مباشر أو عن طريق حلفائها عدة مرات، فقد سبق أن فجرت عام 2008 السفارة الهندية في كابل، عن طريق شبكة "حقاني" التابعة للحركة.

لم يلق هذا الانفتاح الكثير من الارتياح من حلفاء الماضي، فكتب وزير التعليم الأفغاني السابق مير ويس بلخي ينتقد هذه السياسة، لأنها من وجهة نظره سوف تعمل على "تمكين نظام طالبان، وسينتج عن ذلك تعزيز الأصولية في المنطقة كلها، واشتعال نار الإرهاب التي ستمس الهند عاجلا أو آجلا".

كما لم تخف الإدارة الأميركية انزعاجها من هذا التقارب، وسط اتهاماتها نظام طالبان بانتهاك حقوق الإنسان بمنعه الفتيات من التعليم، وفرض الحجاب، وعدم تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة تمثل الشعب الأفغاني بكل فئاته.

وحث الممثل الأميركي الخاص لأفغانستان توماس ويست وكيل وزارة الخارجية الهندي فيناي كواترا على تطوير "نهج دبلوماسي موحد لدعم المصالح الجماعية في أفغانستان"، غير أن الهند، التي أزعجها الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان الذي لم يأخذ مصالحها بالحسبان، لديها الكثير مما تخشاه إذا آثرت التردد والتريث، خصوصا خسارتها لاستثماراتها وعلاقاتها على مدى عقود لصالح التمدد الصيني، وبالطبع النفوذ الباكستاني.

باكستان من جانبها، التي طالما أبدت انزعاجها من دعم الهند للحركات الانفصالية الباكستانية البلوشية والبشتونية، لا بد أن هذا التقارب قد أثار قلقها، وخصوصا تصريحات وزير الدفاع الأفغاني الملا محمد يعقوب -لمحطة التلفزيون الهندية "نيوز 18"- التي أعرب فيها عن عدم ممانعته تدريب قوات الجيش الأفغاني في الهند.

وهاجم بشكل غير مباشر في تلك التصريحات باكستان، وقال "إن من يزرع يحصد"، منتقدا سياسة إسلام آباد بإبعاد مئات آلاف اللاجئين الأفغان عن باكستان.

غير أن لهذا التقارب أوجها حسنة فيما يبدو، خصوصا تلك المتعلقة بإمكانية التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث وعلى رأسها مشروع خط الغاز الدولي المسمى "تابي" الذي يهدف إلى نقل الغاز من تركمانستان عبر كل من أفغانستان وباكستان إلى الهند.

معضلة كشمير

تتمتع العلاقة مع أفغانستان باعتبارات جيوستراتيجية بالنسبة للهند، التي ترى نفسها محاصرة بين خصمين لها تربط بينهما علاقة متينة وتحالف حقيقي، هما الصين وباكستان، مما جعلها تقدم الأهداف الجيوسياسية في مسألة إعادة العلاقات مع أفغانستان تحت نظام طالبان.

ووفق الرواية الرسمية الهندية فإن أفغانستان هي دولة جوار، ومدخل الهند بالتالي إلى وسط آسيا، على الطرف الآخر من كشمير الخاضع لسيطرة باكستان.

ولا تحمل قضية كشمير للهند الفرص وحسب، بل يمكن أن تحمل تهديدات أمنية جدية، متمثلة بالحركات الانفصالية الكشميرية، مثل "جيش محمد" و"لشكر طيبة"، وهي تخشى أن تحظى هذه الحركات بدعم حركة طالبان وقواعد في أفغانستان تنطلق منها إلى الجزء الذي تحكمه الهند من كشمير، مما يسبب لها كثيرا من المتاعب.

من أجل ذلك، فإن الهند على قناعة أن التقارب مع حكومة طالبان سيمكنها من التفاهم مع الحركة، خصوصا في هذا الوقت الحرج الذي تحتاج فيه أفغانستان إلى الدعم الإنساني والتنمية والاعتراف الدولي.

وقد تعهد وزير الدفاع بحكومة طالبان ملا يعقوب، في مقابلة مع قناة إخبارية هندية، بألا تسمح حركته بتعرض الهند للهجوم من الأراضي الأفغانية، فضلا عن صمت حركة طالبان تجاه الإجراءات التي تتخذها الحكومة الهندية تجاه إقليم كشمير وسكانه.

تعزيز القوة الناعمة

استثمرت الهند على مدار سنوات عن طريق المساعدات الإنسانية والتنموية والبنية التحتية والتعليم وغيرها في أفغانستان، وكان أبرز تلك المشاريع بناء سد "سَلما" للطاقة الكهرومائية "المعروف أيضا بسد الصداقة الهندية الأفغانية"، الذي افتتح عام 2016 في إقليم هرات شمال غرب البلاد.

وبعد سيطرة طالبان على السلطة في البلاد، ركزت نيودلهي بشكل رئيسي جهودها على تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني، خاصة مع الأزمة الاقتصادية والإنسانية بسبب توقف المساعدات الدولية وتجميد الولايات المتحدة الأميركية للأصول الأفغانية.

كما أنها أبدت رغبتها في استئناف بعض المشاريع التنموية التي توقفت بعد سيطرة طالبان، خاصة مشروع السد، وأشارت تقارير إعلامية هندية إلى أن فريقا من الفنيين الهنود زار أفغانستان لتفقد السد، مما قد يشير إلى بداية استئناف التعاون التقني على الأقل.

وتسعى الهند إلى تعزيز أمنها الطاقي من خلال تنويع مصادر الحصول على الليثيوم الذي يدخل في صناعة البطاريات، من خلال الشراكة مع أفغانستان التي تحتوي على احتياطات هائلة منه، إذ تعتمد الهند حاليا على الصين التي تربطها بها علاقات غير مستقرة، بالحصول على هذه المادة.

ولطالما سعت الهند إلى إيجاد طريق للتجارة إلى وسط آسيا وروسيا لا يمر من باكستان، فأنشأت ومولت الطريق الذي يمر عبر أفغانستان وصولا إلى ميناء تشابهار الإيراني المطل على خليج عُمان، وتتقاطع في ذلك مع المصلحة الأفغانية التي تحاول الحد من الاعتماد على الموانئ الباكستانية.

وتسعى الحكومة الأفغانية لتطوير الميناء من خلال مفاوضات مع إيران ليكون ميناء للصادرات والواردات الأفغانية، خاصة إلى الهند، وعدم الاعتماد كليا على الموانئ الباكستانية التي كانت تغلق بسبب التوترات السياسة بين البلدين، كما يتهمها رجال الأعمال الأفغان بمحاولة عرقلة عمليات التصدير والاستيراد عبر ميناء كراتشي.

وقال المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد إنه، مع زيادة الطاقة الاستيعابية في الميناء وتفعيل خطة السكة الحديدية بين أفغانستان وإيران، سيتم حل مشاكل رجال الأعمال الأفغان إلى حد كبير، "وسنتمكن من تصدير أكبر كمية من البضائع الأفغانية، ولا ينبغي لتجارنا الاعتماد على طريقة واحدة للتصدير"، في إشارة إلى باكستان.

تحاول الهند انتهاج سياسة أكثر استقلالية عن الموقف الأميركي في أفغانستان وألا تكون مستنسخة منه، والظهور كقوة مهيمنة على جنوب آسيا، لأن مصالحها الإستراتيجية مرتبطة ارتباطا كبيرا بالعلاقة مع أفغانستان، ويبدو أن هذه السياسة مصلحة قومية هندية لا تتغير بتغير الحكومة في نيودلهي، أو تلك التي تحكم كابل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحکومة الأفغانیة فی أفغانستان مع أفغانستان حکومة طالبان حرکة طالبان العلاقة مع الهند إلى

إقرأ أيضاً:

كيف يبدو قطاع الاتصالات في أفغانستان؟

كابل- في ظل ظروف معقدة تعيشها أفغانستان منذ تسلّم حركة طالبان الحكم في أغسطس/آب 2021، يبرز قطاع الاتصالات كواحد من القطاعات القليلة التي تحقق تطورًا نسبيا رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العميقة.

وبينما تتقلص قطاعات حيوية مثل المصارف والتجارة والتعليم، يواصل قطاع الاتصالات نموه، إذ أُضيف أكثر من 150 برجًا جديدًا خلال عام 2024، وبلغ عدد المشتركين 22 مليونًا.

ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الإنترنت، والرقابة المشددة، والعقوبات الدولية، تمثل عقبات حقيقية أمام استدامة هذا النمو.

فهل يمكن لهذا القطاع أن يتحول إلى محرك حيوي للتنمية الرقمية في البلاد؟

بدايات من رحم الحرب

نشأ قطاع الاتصالات في أفغانستان وسط أتون الحروب في تسعينيات القرن الماضي، حين كان الهاتف المحمول والإنترنت رفاهية تقتصر على فئات ضيقة من الطبقة السياسية والدبلوماسية.

ومع نهاية التسعينيات، ظهرت أولى شبكات الهاتف المحمول، لتشكل وسيلة تواصل بين المدن والولايات الأفغانية المتباعدة في بلد يعاني ضعف البنية التحتية وصعوبة التنقل.

وخلال فترة حكم طالبان الأولى (1996-2001)، فُرضت قيود مشددة على استخدام وسائل الاتصال، خاصة الإنترنت الذي لم يكن متاحًا سوى عبر قنوات ضيقة.

إعلان

ومع سقوط نظام طالبان عام 2001، بدأ القطاع يشهد انطلاقة جديدة بدعم من المجتمع الدولي، إذ أُسست شركات اتصالات خاصة، واستُحدثت شبكات الجيل الثالث والرابع في بعض الولايات.

أحد محال بيع الشرائح المحمولة في ولاية هرات غربي أفغانستان حيث يشهد السوق إقبالًا متزايدًا من الأفغان (الجزيرة) نمو وسط انكماش اقتصادي

وتشير بيانات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية إلى أن عدد مستخدمي خدمات الهاتف المحمول تجاوز 22 مليونًا، بينما بلغ عدد مستخدمي الإنترنت أكثر من 9 ملايين شخص بحلول عام 2024، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 40 مليون نسمة.

والمفارقة أن هذا النمو حدث في ظل انكماش اقتصادي خانق، فقد توقفت أغلب المشاريع الاستثمارية الأجنبية، وتراجعت قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. ومع ذلك، استمر توسع الشبكات بدعم من الحكومة والشركات الخاصة، إذ رُكّب أكثر من 150 برجًا جديدًا لتحسين التغطية، خاصة في المناطق الريفية.

وفي مطلع 2025، قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية، المولوي نجيب الله حيات حقاني، في تصريح لوسائل إعلام محلية "نعمل على إيجاد بدائل للتكنولوجيا الغربية"، مشيرًا إلى توقيع اتفاق مع كازاخستان لمد كابل ألياف ضوئية يربط أفغانستان بالشبكات الإقليمية ويدعم استقلال البنية التحتية. وأضاف "تمكنا من إيصال الإنترنت إلى 23 ولاية أفغانية، ونعتزم تعميم الخدمة لتشمل جميع ولايات البلاد قريبًا".

كما دعمت الوزارة إطلاق موقع 4جي جديد في قلات مركز ولاية زابل عبر شركة "أتوما" في 2025، وهو مشروع يعزز الوصول الرقمي في المناطق النائية. وفي فبراير/شباط 2025، نفى الوزير شائعات حول اختراق أنظمة الوزارة، مؤكدًا أن البنية الرقمية "مؤمنة بالكامل ولا تتعرض لهجمات سيبرانية خارجية".

تحديات التمويل والكوادر

ورغم مظاهر التوسع، يواجه القطاع تحديات داخلية، أبرزها نقص الكوادر التقنية وهجرة الخبرات.

إعلان

ويقول سيد أحمد شاه سادات، وكيل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية السابق، للجزيرة نت "العديد من المهندسين المؤهلين غادروا البلاد بعد 2021، وقد أحدث ذلك فجوة كبيرة في إدارة الشبكات وتشغيلها".

ويضيف أن "استيراد الأجهزة الحديثة مكلف ويخضع لتعقيدات جمركية، في ظل العقوبات الدولية ونقص بوابات الدفع الإلكتروني".

كما يؤكد مسؤول سابق في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، للجزيرة نت، أنه "قبل عام 2021 كان قطاع الاتصالات يعتمد اعتمادا كبيرا على الاستثمارات الأجنبية والشراكات مع شركات غربية، وذلك ما سمح بتطوير شبكات الجيل الثالث والرابع في المدن الرئيسية.

لكن العقوبات الدولية الحالية أوقفت هذه الشراكات، وأصبح استيراد المعدات التقنية يعتمد على وسطاء في دول مجاورة، وذلك ما يرفع التكاليف بنسبة تصل إلى 30%. ويوضح المتحدث "هذا الوضع يحد من قدرة القطاع على تحديث البنية التحتية وتلبية الطلب المتزايد على الإنترنت، خاصة في المناطق الريفية".

ورغم الجهود الحالية لتوسيع التغطية، فإن نقص الكوادر المتخصصة الناتج عن هجرة الخبراء يظل تحديًا رئيسيا يتطلب استثمارًا طويل الأمد في التدريب المحلي، كما يضيف المتحدث ذاته.

ولمواجهة هذه الفجوة، افتتحت الوزارة مراكز تدريب محلية، أبرزها مركز التدريب التقني في ولاية بغلان شمالي أفغانستان، حيث تخرّج 72 متدربًا في يناير/كانون الثاني 2025، وفقًا لتصريح مدير المركز.

وتهدف هذه المبادرات إلى بناء قدرات محلية، لكنها لا تعوض النقص الكبير في الخبرات التقنية المطلوبة.

أبراج اتصالات حديثة ترتفع في سماء هرات ضمن جهود توسيع شبكات الاتصال وتحسين تغطية الإنترنت في غرب أفغانستان (الجزيرة) أسعار الإنترنت الأغلى إقليميا

رغم وجود 4 شركات اتصالات كبرى في أفغانستان، فإن أسعار الإنترنت تبقى من الأعلى إقليميا. ففي حين يبلغ سعر الغيغابايت في إيران نحو 0.5 دولار، يراوح السعر في أفغانستان بين 2.3 و2.7 دولار.

إعلان

وفي عام 2022، أعلنت الوزارة خفض السعر إلى 1.41 دولار، لكن الأسعار ارتفعت مجددًا بحلول عام 2024 بسبب تكاليف الاستيراد وتقلبات الاقتصاد.

ويقول عبد الرؤوف نوابي، وهو موظف في بنك خاص بولاية هرات غربي أفغانستان، إن "راتبي الشهري لا يتجاوز 150 دولارًا، لكنني أضطر إلى إنفاق نحو 70 دولارًا على الإنترنت لأنه ضروري للعمل والتواصل، وهذا يشكل عبئًا كبيرًا".

ويضيف في حديث للجزيرة نت "نستخدم أحيانًا نقاط واي فاي مجانية في المقاهي والجامعات، لكن الخدمة بطيئة وغير مستقرة".

الرقابة على الإنترنت

ومنذ أغسطس/آب 2021، شددت السلطات الأفغانية الرقابة على المحتوى الرقمي. فقد حظرت منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب"، وأُلزم مزودو الإنترنت بحجب المواقع "المخالفة للقيم الإسلامية والثقافة الأفغانية"، وفق تعميم رسمي صدر عن وزارة الإعلام في مارس/آذار 2025.

وفي عام 2022، طُبّق نظام تسجيل شرائح الهواتف عبر بطاقة الهوية، فأثار ذلك قلق الناشطين والمهتمين بحرية التعبير.

ووفقًا لتقرير "فريدم هاوس" لعام 2024، تراجعت حرية الإنترنت في أفغانستان بشكل ملحوظ. ويقول ناشط رقمي، تحفظ على نشر اسمه، للجزيرة نت، إن "الرقابة لم تعد فقط لمنع المحتوى غير الأخلاقي، بل طالت الصفحات الإخبارية والتدوينات النقدية، والنشر أصبح مخاطرة في حد ذاته".

العقوبات الدولية سلاح ضد التطوير

وتُعدّ العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أبرز العوائق أمام تطوير القطاع. فشركات الاتصالات المحلية تجد صعوبة في شراء أجهزة حديثة أو تحديث أنظمة الأمان بسبب توقف التعاملات البنكية الدولية، وعدم القدرة على استخدام منصات الدفع مثل "بيبال" و"فيزا".

ويقول مدير في شركة اتصالات محلية "نحتاج إلى ترخيص برامج حماية للشبكات، لكن أغلب الشركات العالمية ترفض البيع لأفغانستان، أو تشترط وسطاء في بلدان أخرى، وذلك يضاعف التكاليف. هذه القيود تزيد من تكاليف الاستيراد من دول مثل باكستان وإيران، وتؤخر عمليات تحديث البنية التحتية الرقمية".

سعر الغيغابايت من الإنترنت في أفغانستان يراوح بين 2.3 و2.7 دولار (الجزيرة)

ومنذ انسحاب القوات الأجنبية في 2021 انسحبت معظم الشركات الغربية من القطاع، ولم يعد هناك استثمار مباشر من الخارج. وتحاول الحكومة الأفغانية تعويض ذلك عبر تعزيز التعاون مع دول آسيوية مثل الصين وكازاخستان.

إعلان

ووفقًا لمسؤولين، أجريت محادثات أولية مع شركة "هواوي" الصينية لدعم تطوير شبكات الجيل الخامس.

كما يعزز التعاون مع كازاخستان، الذي أُعلن عنه في عام 2025، البنية التحتية الرقمية في البلاد. ومع ذلك، يرى الخبراء أن هذه الشراكات لا يمكن أن تحل مكان الاستثمارات الغربية، خاصة أن كثيرًا من المعدات التقنية المتقدمة لا تصنعها سوى شركات في أوروبا وأميركا الشمالية.

آمال القطاع وتحدياته

ورغم التحديات، يُنظر إلى قطاع الاتصالات كبصيص أمل في بلد يعاني من عزلة سياسية واقتصادية خانقة. وتراهن الحكومة على تطوير قانون جديد ينظم الإنترنت ويشجع الاستثمار المحلي، وفق ما أفاد به مستشار في وزارة الاتصالات الذي قال للجزيرة نت إن "التوجه العام هو نحو الانفتاح بضوابط أخلاقية".

جهود الحكومة الحالية

حسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الأفغانية عناية الله الكوزي للجزيرة نت، فإن الحكومة الأفغانية أنجزت عددا من المشاريع البارزة لتطوير قطاع الاتصالات، من بينها:

مدّ أكثر من 1800 كيلومتر من كابلات الألياف الضوئية بينها 488 كلم خلال عام 2024 فقط. تفعيل 869 برجا للاتصالات وتوسيع خدمات الإنترنت في المناطق الريفية بما في ذلك تنفيذ مشاريع جديدة بولاية فارياب. إطلاق خطة لتخفيض أسعار المكالمات والإنترنت اعتبارا من يناير 2025. توزيع أكثر من 33 مليون بطاقة SIM نشطة ووصول عدد مستخدمي الإنترنت إلى نحو 13 مليونا. تنفيذ مشاريع بنية تحتية تشمل بناء 450 موقعا للاتصالات في 18 ولاية بميزانية 1.89 مليار أفغاني. رفع الناتج المحلي

ويؤكد تقرير حديث للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) أن تحسين البنية التحتية الرقمية قد يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 1.5% سنويا، إذا تم تحرير القطاع، ورفع العقوبات، وتوفير التدريب والتجهيزات اللازمة. كما أن الشباب، الذين يشكلون أكثر من 60% من السكان، يمثلون قوة دافعة للطلب المتزايد على الخدمات الرقمية.

إعلان

ويمثل قطاع الاتصالات في أفغانستان نموذجًا لقطاع ينمو رغم الأزمات، لكنه يواجه حدودًا يصعب تجاوزها دون بيئة سياسية واقتصادية داعمة.

فمن أبراج جديدة واتفاقيات إقليمية ومراكز تدريب، إلى رقابة مشددة وعقوبات دولية، تتقاطع فرص هذا القطاع وتحدياته في مشهد معقد.

وبينما يحاول المواطن الأفغاني العادي تصفح الإنترنت وسط أعباء مالية مرهقة، تسعى الحكومة الأفغانية لتحقيق استقلال رقمي.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع أفغانستان تحويل هذا القطاع إلى محرك للنمو الرقمي والاقتصادي، أم ستبقى رهينة القيود الداخلية والخارجية؟

مقالات مشابهة

  • آسيا الوسطى تسعى لتوسيع أسواقها وأفغانستان تبحث عن بديل تجاري
  • منفذو مجزة كشمير الهندية داخل باكستان.. نائب الرئيس الأمريكي يعلق ويوجه دعوة
  • تجدد إطلاق النار في كشمير مع إجراء البحرية الهندية تدريبات عسكرية في بحر العرب
  • قيادي بحركة فتح: الاستيطان الإسرائيلي دمر حل الدولتين بالكامل
  • قيادي بحركة فتح: مصر تتحمل مسئولية تاريخية تجاه القضية الفلسطينية
  • كيف يبدو قطاع الاتصالات في أفغانستان؟
  • باكستان: نرفض الاتهامات الهندية بشأن اعتداء بهلغام ونطالب بتحقيق دولي شفاف
  • وزير خارجية أفغانستان للجزيرة: لن نكون ساحة للتنافس السلبي بين القوى الكبرى
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الهند تستعد للحرب.. ماذا يحدث في كشمير المسلمة؟