كيف شطرت الثروة والتقنيات العائلة العربية
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
على سابقات السِّنين، عندما كُنَّا صِبية، لَمْ نكُنْ نحتاج لسوى عدم الالتحاق بمائدة العشاء كَيْ نعبِّرَ عن «زعلنا» أو عن شكوانا من أيِّ شيء، إذ كان المرحوم والدي يفتقد كُلَّ ابن أو بنت من أبنائه إذا لَمْ يحضر أو تحضر لمائدة العشاء التي كانت تجمعنا كافَّة (كأُسرة). لذا، تراه يسأل: «أين فلانة أو فلان؟» إذا لَمْ يحضر أحدهما إلى مائدة العشاء.
وكان ذلك «الطقس» يجسِّد وشيجة العائلة الواحدة الحقَّة التي لا تسمح لنفسها بالتفكُّك قط. هذه ظاهرة لَمْ أزَلْ أستذكرُها، كما هي الحال مع آخرين، بل وأستذكرُها بالكثير من العواطف الجيَّاشة، فقَدْ كانت رمزًا للأُسرة الواحدة أن نتشاركَ بذات الصحون والأطباق. ولكن هذا التشارك ما لبث أن فقَدَ لذَّاته مع تفكُّك الأُسَر حديثًا على الطريقة الغربيَّة، لبالغ الأسف!
ربَّما كانت طبيعة الحياة الحديثة وتنوُّع التزامات أبناء الأُسرة الواحدة وراء غياب أو تغييب تقاليد وحدة العائلة والمائدة الواحدة، تلك التقاليد التي جسَّدها اجتماع الكُلِّ على مائدة الغداء أو العشاء كُلَّ يوم: فكان هذا الاجتماع أشْبَه بمجلس عائلي يومي تُذكَر خلاله جميع المسائل والمشاكل العائليَّة إن وُجِدت!
لذا، على المرء العربي أن يلاحظَ ذلك، سويَّة مع ملاحظة الكيفيَّة التي بواسطتها شطَّرت الثروة والتقنيَّات الحديثة الأُسرة الواحدة، درجة أنَّنا نتشوَّق ليوم واحد نجتمع به، إخوانًا وأخوات مع والدينا، على مائدة واحدة: ربَّما لا يَحدُث هذا سوى أوَّل أيَّام الأعياد الدينيَّة تقليديًّا، حيث يذهب الأبناء والبنات (بعد زواجهم واستقلالهم) لتقديم تهاني العيد للوالدَيْنِ اللذَيْنِ غالبًا ما يقعان فريسة للوحدة وللفراغ حال خروج أبنائهما المتزوِّجين وبناتهما المتزوِّجات من «الدَّار الكبيرة» بعد نهاية طقس «المعايدة»، لبالغ الأسف.
كان التلفاز كذلك، يخدم موحِّدًا لأبناء الأُسرة: فلَمْ تكُنْ هناك (طوال عقود الخمسينيَّات والستينيَّات) سوى قناة واحدة تعرض البرامج والأفلام والمسلسلات التي تجمع أفراد الأُسرة لمتابعتها.
أمَّا الآن، فلا بُدَّ من رصد كيف يَعُودُ الأبناء والبنات من الجامعة والمدرسة ليضعوا ما يحتاجون إليه من «طبيخ»، فيتناول كُلُّ واحد مِنهم وجبته بمفرده، على حِدة! وإذ يأتي المساء يذهب كُلُّ ابن أو بنت إلى غُرف نومهم الخاصَّة، حيث يتوافر التلفاز والحاسوب «الكمبيوتر» في غرفة كُلِّ واحدة وواحد مِنهم: ولا حاجة لاجتماع الأُسرة كافَّة لمتابعة مسلسل من نَوْع «بنت الحتة» أو «خيال المآتة» المصريين.
كُلُّ فردٍ من أفراد الأُسرة يحافظ بفضل «فائض الثروة» و»التقنيَّة الرخيصة» على عالَم خاصٍّ به في غرفته الصغيرة، دُونَ الحاجة لتبادل أطراف الحديث والتعليقات بَيْنَ الآباء والأبناء، لبالغ الأسف: فهل أساءت فوائض الثروة والتقنيَّات الحديثة والرخيصة (ومنها الحواسيب والإنترنت) على تماسُك الأُسرة العربيَّة وتجانسها، مقارنة بما كان يحدث في خمسينيَّات وستينيَّات وسبعينيَّات القرن العشرين؟ ما الذي حدث، يا ترى؟
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
أعرق سلالة مالكة في العالم.. بعض أسرار العائلة الإمبراطورية اليابانية
تستمر أعرق عائلة حاكمة في العالم في سلطانها من دون أن تكون شرعيتها محل خلاف، بعيدا عن الاضطرابات ووفق قواعد صارمة وفي وضع فريد، حيث يعد الإمبراطور هو رمز وحدة الأمة اليابانية وجامعها.
هكذا افتتحت مجلة لوبوان تقريرا من مراسلتها في طوكيو كارين نيشيمورا قالت فيه إن عبارة "الجامع" هو المصطلح الذي يستخدمه جميع اليابانيين للمكان الذي يشغله تينو هيكا (جلالة الإمبراطور)، الذي يلعب دورا لا مثيل له بين ملوك العالم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع أميركي: الحملة الأمنية للسلطة الفلسطينية حماية للوطن أم لفصل عنصري صهيوني جديد؟list 2 of 2إيكونوميست تكشف تفاصيل عن برنامج أوكرانيا السري لإنتاج الصواريخend of listوتنص "المادة 1 من الدستور على أن الإمبراطور هو رمز وحدة الأمة، كما تنص المادة 9 على نبذ الحرب كوسيلة لحل النزاعات الدولية، وتمثل هاتان المادتان كلا لا غنى عنه" حسب المؤرخ تيتسو ياماوري.
ويوضح الملخص التالي المأخوذ من تقرير لوبوان الطويل بعضا مما يميز هذه العائلة فيبرز أولا أن الزوجين الإمبراطوريين الحاليين ناروهيتو وماساكو يستمران في ممارسة الحكم على خطى سلفيهما (أكيهيتو وميتشيكو) بما في ذلك زيارة الضحايا بعد الكوارث الطبيعية، لكن لا أحد في اليابان يمكنه أن يتخيل مشهدا مثل مشهد ملك وملكة إسبانيا وهما ملطخان بالطين بعد أن قذفهما به المتضررون من فيضانات فالنسيا للتعبير عن غضبهم.
رمز وحدة الأمة
وكان أكيهيتو (2019-1989)، إمبراطور عصر هيسي أي عصر "تحقيق السلام"، هو الذي أعطى جوهرا ملموسا لدور "رمز وحدة الأمة"، وفي عام 2016 بعد أن لم يعد يشعر بالقدرة البدنية على القيام بمهامه بالكامل، أعرب عن رغبته في التنازل عن العرش لابنه الأكبر ناروهيتو، وهو ما تم عام 2019 بموجب قانون استثنائي.
إعلانوتأتي هذه القواعد الإمبراطورية الصارمة بموجب تشريع يسمى كوشيتسو تينبان، وهو قانون الأسرة الإمبراطورية الذي تم اعتماده بعد الحرب جنبا إلى جنب مع الدستور، ولكل إمبراطور عصر مرتبط به، يكون بمثابة تقويم رسمي مطبق على الوثائق الإدارية، ويعد عام 2024 هو العام السادس من عصر ريوا.
غير أن الإمبراطور لا يملك أي سلطة سياسية، فهو ليس رئيس الدولة، لكن لديه صلاحيات قريبة منها، يفتتح جلسات البرلمان رسميا، ويصدر القوانين والمعاهدات، ويتلقى خطابات الاعتماد من السفراء الأجانب، ويضفي الطابع الرسمي على تعيين الوزراء، وعليه التوقيع على أكثر من ألف وثيقة سنويا، والمشاركة في العديد من الأحداث والامتثال للطقوس شبه الدينية (الشنتو) المتعلقة بوضعه.
وكما يشير الدستوري سوتا كيمورا، يتمتع أفراد العائلة الإمبراطورية بوضع فريد، فهم لا يستفيدون من أي من الحقوق الأساسية التي يعترف بها الدستور، فليس لديهم اسم عائلي ولا يحق لهم التصويت ولا يختارون الدين ولا مكان الإقامة أو المهنة، ولا حرية التنقل أو التعبير عن أنفسهم.
يقول الأمير فوميهيتو شقيق الإمبراطور "عندما يقوم أحد أفراد العائلة الإمبراطورية بزيارة دولة أجنبية فهذه ليست دبلوماسية، ولكنها نشاط للمحافظة على العلاقات الثنائية"، ولا يكاد الإمبراطور وشعبه يثيرون أي جدل حول شرعيتهم، حتى إن الشيوعيين أو الفوضويين الذين كانوا ضد النظام الإمبراطوري في السبعينيات، لم يعودوا يعارضونه.
إذا لم يبق وريث.. ماذا يحدث؟وترمز هذه العائلة المبجلة أيضا لشيخوخة اليابان، إذ إن نصف أعضاء العائلة الإمبراطورية الـ16 المتبقين يزيد عمر كل منهم عن 60 عاما ولا يوجد منهم قصر، لأن عمر أصغرهم سنا -وهو الأمير هيساهيتو، ابن شقيق الملك الحالي ناروهيتو- بلغ 18 عاما، ووجوده مصدر ارتياح كبير لأن بقاء السلالة الإمبراطورية يعتمد عليه.
إعلانولأن الخلافة الإمبراطورية أبوية كليا، فإن هيساهيتو هو الوحيد الذي يحتمل أن يكون وريثا لعرش الأقحوان، وربما "يأتي يوم لن يكون فيه للعائلة الحالية وريث. وعند هذه النقطة، لن يكون هناك سوى حلين، إما التخلي عن النظام الإمبراطوري أو إيجاد طريقة أخرى لتعيين الإمبراطور، والحلان غير مقبولين الآن"، وفق ما يشير الدستوري سوتا كيمورا، إلا إذا قبل السكان بوجود امرأة على العرش.
وتحترم وسائل الإعلام اليابانية الرئيسة الملوك كثيرا، وهي راضية عن المعلومات التي تقدمها وكالة كونايشو، وكالة البلاط الإمبراطوري، وهي كيان حكومي يعمل فيه أكثر من ألف مسؤول ويحكم كل ما يتعلق بالسلالة الإمبراطورية.
وإن كانت تنتشر أحيانا شائعات على الإنترنت حول أعضاء السلالة الإمبراطورية، لكن الشخص الوحيد الذي تم قبوله في العائلة من عامة الشعب هو كي كومورو، الشاب الذي انتهى به الأمر بعد العديد من المغامرات والفضائح والانتقادات، بالزواج من الأميرة ماكو، ابنة أخت الإمبراطور عام 2021.
وقد أرسلت لوبوان طلب إجراء مقابلة صحيفة إلى كونايشو، فقوبلت برد مهذب ولكنه سلبي، إذ أخبرها رئيس الوكالة أنه "ليس لدينا أحد قادر على الإجابة عن أسئلتكم"، خاصة أن الوكالة لا تستدعي غير الصحفيين من وسائل الإعلام اليابانية الكبرى المعتمدين لديها، وتستقبلهم في غرفة محددة في مبناها الواقع في حدائق القصر الإمبراطوري.
ويوضح أحد الزملاء المنتمين إلى هذا النادي الصغير أن الوكالة لا تثق بهم ويقول "في أغلب الأحيان لا نحصل إلا على المعلومات مسبقا ونبقى سريين حتى يتم رفع حظر النشر"، هذا هو الحال عندما يعاني أحد أفراد العائلة الإمبراطورية من مشكلة صحية، وعندما كان ناروهيتو وليا للعهد تدخل ليشرح حالة زوجته المكتئبة.
إقامة العائلةوخلال المؤتمرات الصحفية النادرة التي يعقدها الإمبراطور، يتعين على المرء عبور ممرات تحت الأرض للوصول من مبنى كونايشو إلى القصر، حيث يستقبل جلالته في مساحات واسعة، مذهبة ومفروشة برصانة شديدة.
إعلانويقيم الإمبراطور ناروهيتو وزوجته ماساكو وابنتهما أيكو في القصر الإمبراطوري، وهو عقار ضخم يقع في وسط طوكيو، أما الزوجان الإمبراطوريان المتقاعدان أكيهيتو وميتشيكو والأمير فوميهيتو والإمبراطور المستقبلي هيساهيتو، فيعيشون في قصر أكاساكا الذي يقع أيضا في وسط العاصمة.
ولا يُعرف سوى القليل عن حياتهم الخاصة، حتى لو كان كونيتشو ينشر الصور ومقاطع الفيديو على حساب إنستغرام منذ أبريل/نيسان 2024 خاصة عند الاحتفالات الرسمية والصور العائلية التقليدية للغاية.
وتعمل أيكو، ابنة الزوجين الإمبراطوريين، لدى الصليب الأحمر الياباني، تحت الحظر المفروض على أفراد العائلة الإمبراطورية من العمل من أجل الربح.
أما ولي العهد هيساهيتو، فهو في سنته الثالثة في المدرسة الثانوية، وهو شغوف بالعلوم الطبيعية ومن المتوقع أن يختار تخصصا جامعيا في هذا المجال، وقد أعلن والده الأمير فوميهيتو للتو قائلا "سأكون سعيدا لو تمكن من الحصول على خبرة حياتية في الخارج كطالب"، حسب تقرير لوبوان.