ألكسندر ديل فال يكتب: المواجهة الكبرى.. الأهداف الروسية فى أوكرانيا.. والاستراتيجية الغربية المضادة
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
فى بداية «العملية العسكرية الخاصة» الروسية وغزوأوكرانيا، كانت الأهداف الاستراتيجية لروسيا فى أوكرانيا هى، أولًا، حرمان الجيش الأوكرانى من قدرته على ضرب دونباس (وحتى شبه جزيرة القرم) التى كانت فى فبراير ٢٠٢٢ تقريبًا. مهاجمتها واستعادتها من قبل كييف، التى كانت تقصف سكانها الروس الأوكرانيين مرة أخرى بشكل مكثف منذ عام ٢٠٢١، فى انتهاك لاتفاقات مينسك، وقصفتها بكثافة منذ عام ٢٠١٤ ثم لمدة ثمانى سنوات (ما بين ١٠٠٠٠ و١٤٠٠٠ قتيل)؛ ثانيًا، لإنشاء تواصل إقليمى بين شبه جزيرة القرم فى الجنوب، والذى يعد أمرا استراتيجيا للغاية فى البحر الأسود، ودونباس إلى الشرق والشمال الشرقي؛ ثالثًا، القضاء على العناصر الأكثر قومية معادية لروسيا فى الجيش والسلطة الأوكرانيين ("نزع السلاح» و«نزع النازية")، ثم منع الغربيين والقادة الأوكرانيين، من خلال الصراع المستمر، من ضم أوكرانيا إلى الناتو، خاصة أنه لا يمكن دمج دولة فى حالة حرب مع نزاع إقليمى خطير لم يتم حله.
وبعد بضعة أشهر، وقبل النجاحات الأولى للهجوم الأوكرانى المضاد فى ربيع عام ٢٠٢٢، يبدو أنه تمت إضافة هدف إضافى، أقل أولوية ومن المرجح أن يتطور ويعمل كورقة مساومة اعتمادًا على توازن القوى: حرمان أوكرانيا من الوصول إلى البحر من خلال السيطرة على كل جنوب أوكرانيا ("نوفو روسيا» أو «روسيا الجديدة"). كما رأينا منذ ربيع عام ٢٠٢٢، بينما تخلى الجيش الروسى عن المدن الشمالية الغربية (وليس فقط «الاستيلاء» عليها من قبل القوات الأوكرانية)، كانت أهداف الحرب للكرملين والجيش فى أوكرانيا تتمثل فى تعزيز دونباس. وتحديدا فى ماريوبول فى الجنوب وحتى نهر دنيبر فى الغرب وفى الوسط، ثم فى محاولة لحرمان أوكرانيا من الوصول إلى البحر عن طريق التقاطع بين دونباس وترانسنيستريا، عبر ماريوبول وشبه جزيرة القرم وأوديسا.. وما زال الجيش الروسى يقصف هذه المنطقة حتى وقت كتابة هذا التقرير. فى حين أنه لا يمكن إنكار أنه - تحت ستار الدفاع عن «الروس» فى شرق أوكرانيا الذين هاجمتهم كييف - كان الجيش الأوكرانى يستعد لاستعادة دونباس، التى تعرضت للقصف منذ عام ٢٠١٤ (عدد القتلى من ١٠ إلى ١٤٠٠٠ قتيل بما فى ذلك الغالبية العظمى من الموالية لروسيا)، من خلال هذه «العملية العسكرية الخاصة»، كما أن موسكو- التى لاحظت أن الغرب لن يتوقف أبدًا عن توسيع الناتو إلى «الخارج القريب»، وتوسيع أنظمة وقواعد الدفاع المضادة للصواريخ فى أوروبا الشرقية - من خلال الاندفاع المتهور عن طريق زيادة «الكتلة الحرجة» للدولة الروسية، وعن طريق غزو الأراضى السوفيتية الروسية السابقة التى يسكنها متحدثون روس أو مؤيدون لروسيا فى جميع أنحاء جنوب البلاد وشرق نهر دنيبر. وفى الحقيقة، من المحتمل أن الجيش الروسى لم يكن هدفه فى البداية هو غزو أوكرانيا بأكملها، لذلك يبدوأن الجبهة الشمالية الغربية كانت أكثر من مجرد تحويل لجذب القوات الأوكرانية هناك وتحويلها عن الشرق فى نفس الوقت. إنها مرحلة أولية لتدمير البنى التحتية الأوكرانية، تمهيدية للهدف الحقيقى المتمثل فى الغزو الدائم للشرق والجنوب. ومع ذلك، فإن أهداف حرب بوتين تتطور باستمرار وفقًا لتوازن القوى والسياق، بما فى ذلك فى سياق القيادة الفردية من أجل الحصول على هوامش تفاوضية، حيث يمثل البحر الأسود وأوديسا قطعتين محوريتين فى اللغز.
«نوفو روسيا».. أهم هدف روسى غير مقبول للغرب والأوكرانيين!
المنطقة الجنوبية والشرقية الشاسعة من أوكرانيا الناطقة بالروسية، والتى كانت تسيطر عليها روسيا حتى عام ١٧٧٠، والتى تمتد من دونباس (الروسية حتى لينين) إلى ترانسنيستريا، أطلق عليها الاستراتيجيون الروس والقيصريون الجدد اسم «نوفوروسيا»، أو"نيو روسيا «Новороссия وفى الواقع ستحرم هذه السيطرة الروسية أوكرانيا من الوصول إلى البحر الأسود، وهو أمر غير مقبول من الناحية الوجودية بالنسبة للأوكرانيين، وكذلك لحلفائهم الأنجلوساكسونيين وحلف شمال الأطلسى، الغارقين فى كتابات الاستراتيجيين الأنجلو أمريكيين الماهرين فى «القوة البحرية» «التى تدعونا لتطويق قلب روسيا. وطبقا لوجهة نظر هؤلاء، أوكرانيا هى المسرح الحربى لعداء قديم وواسع النطاق بين الإمبراطوريتين الروسية والأنجلوسكسونية. ويجب أن نتذكر منطقة «نوفوروسيا» عبارة عن سهل شاسع إلى الشرق والجنوب الشرقى والجنوب والذى يضم معظم الصناعات الأوكرانية وروسيا السوفيتية السابقة (الفحم والصلب والأسلحة والغاز الطبيعى، إلخ) بالإضافة إلى موانئ التصدير استراتيجية ماريوبول وأوديسا. لا شلك أن أهداف الحرب الروسية هذه، إذا تم تحقيقها، ستحول أوكرانيا إلى دولة زراعية تعتمد كليًا على الاتحاد الأوروبى أو تابعة لروسيا، وهو خيار يبدو مستحيلًا اليوم، لأن الغزو الروسى يجب فقط أن يجعل المتحدثين الأوكرانيين والروسيين خاصة بالنسبة للأوكرانيين! وهذا يعنى التخلى عن ٤٠٪ من أراضى الدولة الأوكرانية؛ لذا فإن هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة للغربيين والأمريكيين والإنجليز. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الطموح الروسى فى حد ذاته يمنع أى اتفاق سلام فى المستقبل. من وجهة النظر هذه، فإن احتلال مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية، التى تسيطر على بحر آزوف، استولى عليها الأوكرانيون من الروس فى عام ٢٠١٤، واستولت عليها روسيا مرة أخرى فى ربيع عام ٢٠٢٢، ولو كانت هذه الأخبار صحيحة فإن ذلك يعد بمثابة «انتصار» للجيش الروسى، لأنه من خلال السيطرة على المنطقة الواقعة بين خليج القرم حتى الحدود الروسية الحالية، ستحصل روسيا على سيطرة كاملة على بحر آزوف وبالتالى ستكون قادرة على إمداد الجيش ميناء من سيفاستوبول من الجسر الحالى فوق مضيق كيرتش ومن دونباس.
ومن هنا فإن حقيقة أن الهجوم المضاد الأوكرانى، الذى يتقدم بالتأكيد بشكل أبطأ بكثير مما كان متوقعًا، فى وقت كتابة هذه السطور، يبدو أنه يهدف بشكل متزايد إلى استعادة شبه جزيرة القرم، وهو الخيار الذى يفضله تسليم الصواريخ لفترة طويلة- النطاق، مثل برج الثور الألمانى، الذى على وشك أن يتم إلغاء حظره منذ أن تم رفع اعتراضات الأحزاب السياسية الألمانية الرئيسية. وقد يتحول مسار الحرب بشكل مختلف خاصة أنه يمكن للجانب الروسى أن يذهب إلى أبعد من ذلك وينفذ خيار ترانسنيستريا، وبالتالى فتح جبهة أخرى فى الغرب، مع العلم أنه فى حالة استمرار توسع الناتو نحو الشرق، لن يتم أبدًا قبول انضمام مولدوفا إلى الناتو. ويمكن أن تمتد الحرب الأوكرانية الروسية إلى ترانسنيستريا، فى حالة إصرار الغرب على «عدم إغلاق باب» الناتو أمام الدول المجاورة لروسيا. جمهورية مولدوفا المستقلة الناطقة بالروسية، ترانسنيستريا، الواقعة غرب أوديسا، التى يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا منذ التسعينيات ويحتلها الجيش الروسى، يمكن أن تكون أيضًا جزءًا من هدف الحرب الروسية فى بعدها الأقصى.. ومن المسلم به أن كل ذلك ليس مجديًا فى الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن مدينة أوديسا الاستراتيجية والناطقة بالروسية تظل عنصرًا مركزيًا فى نوفوروسيا أوروسيا الجديدة نظرًا لموقعها الاستراتيجى على البحر وأيضا الاستفادة منها لتصدير البضائع والمواد الخام الأوكرانية عن طريق البحر ووصول الجيوش إلى المضائق التركية والبحر الأبيض المتوسط.
ومن الواضح أن الدعم الأنجلو أمريكى والبولندى والألمانى والأطلسى للأوكرانيين سيبذل قصارى جهده لمنع هذه السيناريوهات حول «نوفو روسيا»، وهى غير مقبولة تمامًا، وليس فقط فيما يتعلق بمسألة تصدير القمح والمنتجات الأوكرانية الأخرى منعه الرفض الروسى (نهاية يوليو٢٠٢٣) لتجديد اتفاقية الحبوب المبرمة مع تركيا وأوكرانيا تحت رعاية الأمم المتحدة. لا يمكن لدول الناتو بأى حال من الأحوال السماح للجزء الشمالى من بحر الشمال بأن يصبح «بحيرة روسية» وأن يتحول بحر الشمال إلى بحيرة «روسية تركية». ولهذا السبب، فإن هدف الدول الغربية هو استنفاد القوات التقليدية الروسية قدر الإمكان من خلال الإفراط فى تسليح الجيوش والميليشيات الأوكرانية، طالما أن هذا لا يزال ممكنًا بالطبع، وعلى الرغم من وجود علامات تدل على وجود علامات تدل على وجودها منذ أغسطس ٢٠٢٣. كما أن التباطؤ وانخفاض التأييد للرأى العام أمران واضحان من الجانب الأمريكى على وجه الخصوص.
ومع ذلك، فإن الدعم الغربى الهائل الحالى - والذى يتمثل فى توفير المزيد والمزيد من الأسلحة الهجومية المتطورة للأوكرانيين، بما فى ذلك الصواريخ بعيدة المدى، مثل Taurus الألمانية، والطائرات بدون طيار (American Reapers، على وجه الخصوص) وطائرات المقاتلات (F١٦) التى يمكنها ضرب أهداف فى روسيا وشبه جزيرة القرم، على وجه الخصوص - يمكن أن تساعد فى تطوير الحرب الروسية الأوكرانية إلى صراع روسى غربى مباشر، لأن روسيا أعلنت أن أنظمة الأسلحة الغربية هذه، إذا تم استخدامها ضد الأراضى الروسية أوالمبانى العسكرية البحرية الروسية أوشبه جزيرة القرم، سيتم استيعابهم فى هجمات دول الناتو.. دعونا نتذكر أن حقيقة ضرب الأراضى الروسية مباشرة بأسلحة بعيدة المدى، مثل F١٦ أوTaurus، تشكل بالفعل بحد ذاتها تجاوزًا لـ «الخط الأحمر». ومع ذلك، فإن هذا الخط الأحمر هو فى الواقع أكثر مرونة وأقل احترامًا كما يفسره الأوكرانيون ورعاتهم الغربيون الذين يراهنون على خدعة التهديدات والتحذيرات الروسية. وبالتالى، فإن الحرب الروسية الأوكرانية تخاطر أكثر بالإضافة إلى الانجراف نحو المسارح الأقرب إلى دول الناتو: البحر الأسود، ومولدوفا ورومانيا، وبولندا بالطبع، التى تشعر بالتهديد من التدريبات الروسية البيلاروسية ومجموعة فاجنر. أخيرًا، يعد الهجوم على شبه جزيرة القرم بحد ذاته خطًا أحمر من المرجح أن يزيد من تطرف موسكو ويرفع من حدة الصدام بين الغرب وحلف شمال الأطلسى وروسيا درجة أعلى.
وهنا يجب أن نتحدث أيضا عن خطر هجوم نووى روسى على الأراضى الأوكرانية، والذى، كما حذرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى من أن هذا الهجوم إذا تم سيتم معاقبة روسيا بتدمير أسطولها فى البحر الأسود (٣٢ سفينة)، أو حتى كل أو جزء من الجيش الروسى فى الأراضى الأوكرانية المحتلة؛ لكن مثل هذا السيناريو من الإجراءات العقابية يشكل كابوسًا حقيقيًا وصداعًا استراتيجيًا لأنه لا يمكن للمرء أن يعرف ماذا سيكون «الرد» الروسى على العقاب الغربى التقليدى الهائل.
فى الحقيقة، إذا استمر الغرب فى تسليح الأوكرانيين على نطاق واسع فى عام ٢٠٢٤ ومع مرور الوقت (و هو أمر غير مؤكد، خاصة مع الانتخابات الأمريكية ومن هنا جاء اختيار الروس لإطالة أمد الحرب)، لا يستطيع فلاديمير بوتين سوى تكثيف «العملية العسكرية الخاصة»، مدركًا أنه فى سياق التعبئة العامة التى يفضلها فى ظل تزايد الهجمات الأوكرانية على الأراضى الروسية وفى شبه جزيرة القرم ثم على السفن الروسية فى البحر الأسود، يمكن لروسيا أن تستنفذ قدرات القوات الأوكرانية بملايين الجنود الروس الذين لم يتم حشدهم على نطاق واسع بعد.
الحرب بين إمبراطوريتين ونموذجين متناقضين تمامًا
يتجاوز الهدف الروسى فى أوكرانيا هذا المسرح البسيط للحرب بالوكالة والذى يعارض فى الواقع، كما يظهر سباق التسلح الجديد، إمبراطوريتين معاديتين تاريخيًا وبنيويًا، الإمبراطورية الإقليمية والقارية ("هارتلاند") لروسيا «إلى» القديمة «.، والإمبراطورية البحرية الأطلسية والأنجلوساكسونية، التى تهيمن على الاتحاد الأوروبى وتريد السيطرة على «ريملاند» الأوراسي. الكرملين لن يتراجع. وستستخدم عمليًا جميع الوسائل الممكنة للحفاظ على السيطرة على الأراضى الشرقية والجنوبية لأوكرانيا، بما فى ذلك الوصول إلى البحر الأسود والموانئ الاستراتيجية للغاية - عسكريًا واقتصاديًا - فى ماريوبول وأوديسا (بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم). هذه الخطة الروسية، التى ليست جديدة تمامًا، لم يكن من الممكن تصورها بالنسبة للإمبراطورية الأنجلوساكسونية والغرب، بما فى ذلك فرنسا (حرب القرم الأنجلو-فرنسية عام ١٨٥٣ ضد روسيا). لمدة قرن ونصف، عمل الاستراتيجيون الإنجليز (ماكيندر) والأمريكيون (سبيكمان، ماهان) فى الماضى، مثل أولئك الذين أثروا على القادة الأمريكيين أثناء وبعد الحرب الباردة، من زبيغنيوبريجنسكى إلى جورج فريدمان، دائمًا لمنع دخول روسيا إلى روسيا. الشمال (البلطيق)، من الغرب (رومانيا، أوكرانيا، بولندا)، والجنوب (القرم، البحر الأسود). وهكذا كتب بريجنسكى، فى عام ١٩٩٧، فى عمله الرئيسى «الخزانة الكبرى»، «بدون أوكرانيا، لم تعد روسيا إمبراطورية».
وفى الحقيقة، تعد تلك الرؤية هى أحد المفاتيح لشرح الاستثمار السياسى والإعلامى والمالى ثم الأيديولوجى والعسكرى الهائل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى أوكرانيا منذ عام ٢٠٠٤. ولا شك أن عرقلة الإمبراطورية الروسية القيصرية، السوفيتية أو البوتينية «ما بعد السوفيتية» فى الأسود البحر وشمال المضائق التركية، وحرمانها من السيطرة على أوكرانيا و«ما يمنع الأوكرانيين من التواصل مع العالم الخارجي»، هو اتجاه ثابت وله ثقله الحقيقى فى التاريخ والجغرافيا.. وبالمثل، على العكس من ذلك، كانت الإمبراطورية الروسية تتوسع دائمًا شرقا مع السعى لزيادة عمقها الاستراتيجى شمالا وغربا وجنوبا. بشكل عام، أوكرانيا، جورجيا (٢٠٠٨-)، ترانسنيستريا (مولدوفا)، القوقاز (أرمينيا/ ناجورنو كاراباخ / جورجيا / أذربيجان)، وحتى آسيا الوسطى السوفيتية السابقة (قيرغيزستان، كازاخستان، أوزبكستان، إلخ)، مناطق مليئة الطاقات والموارد الأخرى، هى ساحات للتنافس عن طريق التداخل بين الإمبراطورية الروسية ما بعد السوفيتية والإمبراطورية الغربية الأمريكية الأطلسية. كما يتم استخدام السكان الأوكرانيين فى نهاية المطاف من قبل الجانبين كساحة معركة، وإذا كان الكرملين كريمًا فى التضحية بالأرواح، سواء الروس أو الأوكرانيين، فإن الغربيين ليسوا أقل كرمًا وبالنسبة لهم التضحية حتى «آخر شخص من الأوكرانيين"!
كما أظهر الاستراتيجى الأمريكى لستراتفور (انظر أعلاه)، «ظل وكالة المخابرات المركزية»، جورج فريدمان، بسخرية واقعية فى مؤتمر فى معهد شيكاغو العالمى (انظر أعلاه)، ميزة الإمبراطورية الأنجلوساكسونية وطريقتها Imperandi منذ المستعمرات البريطانية، يقوم على مبدأ عدم المواجهة المباشرة، وdivide et impera (منع أى وحدة قارية أوراسية)، وبالتالى الهيمنة ومن ثم الصراع غير المباشر أو المفوض. على العكس من ذلك، تكمن القوة المباشرة للإمبراطورية الإقليمية الروسية، ولكنها نقطة ضعف طويلة الأمد، فى صعوبة الحفاظ على أرض يسكنها سكان أصبحوا معاديين تحت نير الاحتلال المباشر والمادي. وبالتالى، فإن التحدى الذى يواجه الولايات المتحدة هو أن تفعل كل شيء لتعطيل الروس فى أوكرانيا، حتى لوكان ذلك يعنى دفعهم إلى ارتكاب أسوأ الانتهاكات من أجل جعل المتحدثين الروس فى أوكرانيا «يفقدون قلوب» المحتلين الروس / الإخوة الكبار. على المدى الطويل. الأنجلو ساكسون وجميع القادة الغربيين مقتنعون بأن مساعداتهم الاقتصادية والعسكرية الضخمة للأوكرانيين ستمكن الجيش الروسى فى النهاية من طرده بشكل نهائى من شبه جزيرة القرم ودونباس وجميع الأراضى التى استولى عليها الجيش الأحمر. فى الواقع، نقص الأفراد العسكريين الأوكرانيين المؤهلين للتعامل مع الأسلحة المتطورة بشكل متزايد من قبل الأنجلو ساكسون ودول الناتو الأخرى إلى القوات الأوكرانية، ومن ثم الضعف الكبير للقوات البشرية الأوكرانية والبنية التحتية للبلد (بما فى ذلك الموانئ) والمطارات منذ يونيو٢٠٢٣) يشجع الخبراء العسكريين على الشك فى حتمية مثل هذا السيناريو المتفائل... لكن من الواضح أنه لا يمكن استبعاد أى سيناريو. صحيح أنه إذا كان الفوز فى الحرب ممكنًا بالنسبة للكرملين، فسيكون الفوز فى معركة إعادة البناء الاقتصادى وخاصةً فى قلوب أوكرانيا التى تعرضت للهجوم أكثر صعوبة.
بقية العالم. لم تتحمل روسيا حتى الآن العبء الأكبر من العواقب المدمرة للعقوبات والحظر، ولن تتسبب عملية إزالة الدولار التى ترغب فى تسريعها، ولكنها ستكون بطيئة، بالضرورة فى إحداث تأثير دومينو مدمر لأن الصناعة الأمريكية يمكن إعادة توطينها وإحيائها بسهولة أكبر. مع انخفاض الدولار بسبب إزالة الدولار.
ومع ذلك، فإن الضعف الرئيسى للغرب يكمن فى ضعف نزعة قادة الديمقراطيات الليبرالية لخدمة المصالح القومية والحضارية لدولهم والاستماع إلى الاستراتيجيين الأكفاء، لصالح المنطق الانتخابى قصير المدى أو الديماغوجية التى تتكون من ركوب الأمواج. حول المشاعر التى تنقلها وسائل الإعلام وجماعات الضغط المرتبطة بالمصالح العابرة للحدود. يمكننا بالطبع أن نذكر أيضًا جماعات الضغط الأمريكية للأسلحة والغاز الصخرى، والتى دفعت إدارة بايدن (نائب الرئيس الأمريكى كامالا هاريس ليست سوى زوجة عضو اللوبى السابق لشركة الأسلحة لوكيد مارتن)، للسماح بشروط حرب دائمة فى أوكرانيا من أجل استمرار مبيعات الأسلحة الأمريكية فى أوروبا لتحل محل «السوق» فى أفغانستان بانسحاب الجيش الأمريكى فى عام ٢٠٢٠. هذه ليست أخبارًا جيدة للسلام لأن صناعات الأسلحة الأمريكية الغربية - وبالتالى الناتو- ليس لديهم مصلحة فى الترويج لحل سلمى حقيقى فى أوكرانيا فى الوقت الحالى، وبالتالى لا يتوقفون بشكل خاص عن تطويق روسيا من الشرق والجنوب والشمال، من خلال توسيع حلف شمال الأطلسى، الذى يكسب واشنطن عملاء جدد من مشترى الأسلحة الأمريكية. لكن هذا الحلزون الجهنمية لا يمكن إلا أن يدفع الدب الروسى الجريح إلى أن يصبح أكثر صعوبة للتنبؤ به ويرتكب ما لا يمكن إصلاحه...
لا شك أن حل هذا الصراع والمسارات التى سيتم استكشافها فى المستقبل لمنع إشعال الجبهات الأخرى فى «المناطق الحمراء» المجاورة الأخرى لن تكون قادرة على تجنب مسألة الامتداد الإمبريالى الجديد. من الحلف الأطلسى والمؤسسات الغربية والمؤسسات النماذج السياسية الروسية «فى الخارج القريب». كما أن أى صيغة رابحة للسلام يجب أن تقدم لدول مختلفة فى القارة الأوروبية بنية أمنية عالمية جديدة أقل عدوانية من تلك التى أحدثها الناتو حصريًا، والتى تعتبر فى حد ذاتها آلة لإدارة صناعات الأسلحة الأمريكية فى مواجهة التهديد الروسي.. نحن بعيدون عن هذا المنظور الحكيم الذى يهدف إلى الأخذ فى الاعتبار فى المستقبل الحصار الروسى البركاني. ونتيجة لذلك، فإن التدخل المعزز لحلف شمال الأطلسى، منذ الغزو الروسى لأوكرانيا، إلى جانب التبشير الغربى والرغبة الأمريكية فى تقليص العمق الاستراتيجى الروسى فى أوروبا وبالتالى إضعافه وجوديًا ولا ننسى أيضا الإمبريالية الجديدة للكرملين الروسى، أحد الأسباب الجذرية الرئيسية للحرب فى أوكرانيا، التى يدفع شعبها، الذى تحتجزه وتسيطر عليه هاتان الإمبراطوريتان، أغلى ثمن بشري!
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر ديل فال.. كاتب وصحفى ومحلل سياسى فرنسى. مدير تحرير موقع «أتالنتيكو». تركزت مجالات اهتمامه على التطرف الإسلامى، التهديدات الجيوسياسية الجديدة، الصراعات الحضارية، والإرهاب، بالإضافة إلى قضايا البحر المتوسط إلى جانب اهتمامه بالعلاقات الدولية.. يعرض وجهة نظره فى أهداف روسيا فى أوكرانيا واسترتيجية الغرب فى مواجهة تلك الأهداف.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أوكرانيا الجيش الأوكراني الأسلحة الأمریکیة القوات الأوکرانیة شبه جزیرة القرم الحرب الروسیة البحر الأسود بالإضافة إلى السیطرة على أوکرانیا من أنه لا یمکن الروسى فى روسیا فى عن طریق ومع ذلک منذ عام من خلال فى عام من قبل
إقرأ أيضاً:
ماجد صفوت يكتب: رسائل إلى الله «1»
فى حى السيدة زينب، حيث يقع ضريح أم العواجز، تبدو المشاهد أكثر حيوية. مئات الزوار يتدفقون يوميًا إلى الضريح حاملين أحلامهم وآمالهم. السيدة زينب، التى تُلقب بأم العواجز، تُعتبر من أكثر الأولياء ارتباطًا بقلوب المصريين. الزوار يتركون طلباتهم بجوار الضريح، من بينها دعوات للرزق، أو النجاح، أو الزواج. أحد الرجال الذين تحدثنا إليهم قال: إنه يزور الضريح بانتظام منذ سنوات، وأنه ترك اليوم رسالة يطلب فيها بركة السيدة زينب لتيسير أموره المالية. فى زاوية أخرى من الضريح، جلست أم محمود، وهى امرأة مسنة، تكتب على ورقة صغيرة دعوة لابنها المغترب أن يحفظه الله ويعيده إلى الوطن سالمًا.
فى حى الخليفة، يجذب ضريح السيدة نفيسة، المعروف بلقب “كريمة الدارين”، الزوار من كل حدب وصوب. السيدة نفيسة، حفيدة الإمام الحسن، تُعد من الأولياء الذين يحظون بمكانة خاصة لدى المصريين. الزوار يأتون إلى الضريح حاملين أمانيهم، من شفاء المرضى إلى النجاح فى العمل. إحدى السيدات التى تحدثنا إليها جاءت من حى المطرية، قالت: إنها تركت رسالة عند الضريح تطلب من الله أن يُسهل زواج ابنتها التى تأخر زواجها لسنوات. هذه الزيارة، كما تقول، تمنحها شعورًا بالطمأنينة وتزيد من يقينها بأن الله سيستجيب لدعائها فى منطقة الدرب الأحمر، يقف ضريح السيدة فاطمة النبوية، ابنة الإمام الحسين، كوجهة للباحثين عن البركة والسكينة. الضريح، رغم بساطته، يشهد يوميًا تدفقًا مستمرًا من الزوار الذين يأتون حاملين دعواتهم. إحدى السيدات التى التقيناها، وهى أم لطفلين، قالت: إنها كتبت على ورقة صغيرة طلبًا من الله أن يحمى أطفالها ويوفقهم فى دراستهم.