بالنسبة لفرنسا ودبلوماسيتها وخاصة رئيسها، فإن الأزمة الحالية فى النيجر هى نكسة دولية جديدة بعد العديد من الأزمات السابقة والمتكررة. بطبيعة الحال، فإن الانقلاب الأخير فى نيامى سيفيد روسيا مرة أخرى. ومع ذلك، عندما نوسع التركيز الجغرافى السياسى، فإن دخول الأمريكيين فى هذه القضية يظهر بوضوح أن الأمريكيين يسعون أيضًا إلى لعب دور سيكون بالتأكيد أكثر سلبية من دور الروس لـ«حلفائهم» الفرنسيين والأوروبيين، وأيضا تجاه الأفارقة.

. فى هذا الجزء الأول من المقال نتطرق إلى مسئوليات فرنسا فى هذه المنطقة.
ليست هناك حاجة للعودة إلى الأسباب العميقة والمتعددة للأزمة الحالية فى النيجر.. لقد شرحها متخصصون بارزون فى أفريقيا (لكن لم يتم الاستماع إلى آرائهم سوى عدد قليل فى الإليزيه ووزارة الخارجية.. وبين هؤلاء المتخصصين، على سبيل المثال، مديرة منظمة IVERIS ليزلى فارين، التى طرحت مؤخرا تحليلا حديثا ورائعًا وأيضا المحلل المختص بالشأن الأفريقى أوليفييه دوزون.. حتى أن البعض من هؤلاء المحللين أعلن عن هذه الأزمة فى مارس الماضى، مثل برنارد لوجان، أحد أفضل الأفارقة الفرنسيين، لكن تم نبذه أيضًا لأسباب أيديولوجية أساسًا.
وأيا كانت الأحداث، اليوم فى النيجر وأمس فى مالى وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو.. وفرنسا، القوات الفرنسية والشركات الفرنسية، مرفوضة!
ومع ذلك، كما كتبت فى مارس ٢٠٢٣ فى تحليل بعنوان «نحو نهاية ما قبل الساحة الفرنسية فى أفريقيا» وبعد الإهانات التى لا تعد ولا تحصى للرئيس الفرنسى خلال جولاته الأفريقية الأخيرة وكما ذكرنا فى عموده الأسبوعى يوم النائب السابق لو ديالوج جوليان أوبير، عندما قال إن «المسئولية (عن هذه النتيجة) هى أولًا وقبل كل شيء مسئولية الرئيس ماكرون، مستهدفة بشكل صريح ولا يمكن لباريس أن تلوم نفسها إلا إذا سارت فى القارة الأفريقية بنفس النظرة الساذجة مثل تان تان، الصحفى الكرتونى الشهير فى مجلة Petit-Vingtième، منذ ستين عامًا».
فى الواقع، يمكن تفسير هذه الانتكاسة الجديدة للمقيم فى الإليزيه وفريقه بكلمتين: عدم الكفاءة الفاضحة والأيديولوجية!
وفى الحقيقة، عدم كفاءة الرئيس وحاشيته، جعلهم منفصلين تماما عن حقائق إفريقيا والعالم بشكل عام.
أولًا، باعتباره صورة فرنسا، فإن إيمانويل ماكرون بعيد عن الواقع ولا يعرف على الإطلاق قواعد العلاقات الإنسانية، وقد فقد مصداقيته بشكل مثير للشفقة مع الأفارقة والزعماء والشعوب أيضًا؛ بغطرسته ومواقفه وأساليبه غير اللائقة فى كثير من الأحيان، وحدوده غير اللائقة، حتى أنه أثار رفضًا حقيقيًا حتى ازدراءً بغيضًا فى هذا الجزء من العالم الذى لا يزال يحترم القوة والرجولة.
بالإضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعى التى تساعد والشباب الأفريقى على الإلمام التام بالأخبار الفرنسية، كيف يمكن للأفارقة أن يحترموا رئيسًا وحكومته، دائمًا ما يكونون أقوياء مع الضعفاء وضعفاء مع الأقوياء.. هؤلاء الذى أظهروا مرة أخرى افتقارهم للحزم فى مواجهة أعمال الشغب الأخيرة التى ضربت فرنسا فى يونيو الماضى والتى لم تتوقف إلا بعد الحظر المفروض على أباطرة المخدرات فى الضواحى والجمعيات المجتمعية؟
كيف يمكن أن يقبلوا الدروس الأخلاقية الأبدية حول الديمقراطية والحكم الرشيد فى حين نرى الفساد من جانب بعض المسئولين فى النظام «الماكرونى» الذى احتفظ على مدى ست سنوات من الرئاسة بسجل تاريخى فى عصر الجمهورية الخامسة فى مجال «القضايا"؛ بـ١٨ إدانة و٨ لوائح اتهام موجهة ضد عدد من المسئولين و١٣ تحقيقًا يجرى حاليا؟
ويرحب البعض اليوم بنهاية حقبة فرنسا أفريقيا Françafrique بالأمس ولكن الآن تم استبدالها بـ"روسيا – أفريقيا» أو «الصين – أفريقيا"ّ!.
ومن المسلم به أن شبكات فوكارت وباسكوا كانت تعانى، ولكن فى ذلك الوقت، كانت فرنسا على الأقل يتم احترامها.. الاحترام الذى هو أساس أى سياسة خارجية فعالة وأضاف جوليان أوبير فى مقاله أنه «حيث عمل فوكارت مع ٦٠ مساعدًا فى وحدة إفريقيا – إضافة إلى المراسلين غير الرسميين - وأجرى حوارًا مباشرًا مع رؤساء الدول، فإن باريس اليوم تدعم شخصين فى نفس الوقت؛ فكيف يمكننا أن نأمل فى الحصول على نفس الجودة الاستراتيجية؟ إذا كان علينا البحث عن مذنب حقيقى، فهو عدم القدرة على التعامل المعلومات والتصرف بشكل وقائى، وليس أن نتصرف دائما كرد فعل على الأحداث».


وبالفعل، يشير النائب السابق أيضا إلى أن «رئيس الجمهورية ليس مشهورًا عنه الاستماع إلى جميع الآراء ويحب أن يحيط نفسه بالمدنيين الذين يعرفون فقط السفارات والمراكز الثقافية فى القارة ويتضح هذا من خلال الإصلاح الداخلى للمديرية العامة للأمن الداخلى فى يوليو ٢٠٢٢ الذى أراده (وفرضه) ماكرون: فقد أدى إلى إلغاء مديرية المخابرات ومكاتبها القطاعية (لا سيما مكتب غرب أفريقيا) والتى كان يديرها عسكريون بالجيش وتم إنشاء «مراكز مهمات» (بما فى ذلك مركز لمنطقة الساحل) يقودها دبلوماسيون يهتمون بقضايا الديمقراطية والأقليات وملفات المرأة أكثر من اهتمامهم بالجغرافيا السياسية «.
وعلى سبيل المثال، علينا أن نتذكر أن الكاميرون قد احتجت مؤخرًا فى يونيو الماضى على وصول «السفير الفرنسى لحقوق المثليين والمثليات ومزدوجى الميول الجنسية والمتحولين جنسيا» والذى كان سيشارك فى «مناقشة مؤتمر» حول تعريفات النوع والتوجه والهوية الجنسية فى فرنسا فى معهد الكاميرون (IFC) فى ياوندى وبعد ذلك يشارك فى عرض فنى لبعض الفنانين المتعاطفين مع هذا الملف».
وبعد الانقلاب فى النيجر، وفقًا لصحيفة لوكانار إنشينيه Le Canard enchaîné، خلال مجلس الدفاع الأخير، كان الرئيس الفرنسى غاضبًا من رئيس المخابرات الخارجية DGSE الذى لم تتوقع فرقه أى شيء مما حدث؛ لكن هذا غير صحيح، فبفضل بعض التسريبات، نعلم الآن أن الجيش الفرنسى والخدمات الخاصة قد نبهت بالفعل السياسيين والدبلوماسيين إلى خطر حدوث انقلاب فى النيجر من خلال ملاحظات تم «تجاهلها» من قبل وزارة الخارجية والإليزيه.
وفى فترة غضبه من أجهزته، تخلى المقيم فى الإليزيه عن مسؤولياته، كما يفعل المديرون السيئون! نعم، يبدو أننا، فى الأماكن المرتفعة، نفضل القلق بشأن حقوق الإنسان أو حقوق المثليين أو نظرية النوع فى العالم أكثر من الاهتمام بالاستراتيجية والأمن الفرنسية!
لا يمكننى أبدا أن أكرر هذه الجملة دائما: العلاقات الدولية ليست مجرد اتصالات (وهذا اعتقاد خاطئ!) أو توقيع العقود التجارية أو حتى أيديولوجية! إنها قبل كل شيء مسألة علم نفس وطريقة التعامل مع الآخر!.
باختصار وباعادة استخدام كلمات برنارد لوجان: إذا كان كبار موظفى الخدمة المدنية الحاليين و«المتخصصين» عندنا قاموا بتطبيق المزيد من نظريات «الإثنولوجيا» (علم فهم الأعراق والأصول المختلفة والمسائل العرقية) أكثر من «الأيديولوجيا» وأيضا إذا قرأوا أصحاب الفكر والمؤلفين القدامى؛ فإن كل ذلك سيمنعنا بالتأكيد من الاستمرار فى أخطاء التحليل والتنبؤ وفوق كل شيء منع فرنسا من أن تصل لمثل ما وصلت إليه اليوم.. فلم يحدث ذلك على مدار التاريخ بأن تصبح باريس بعيدة تمامًا عن إفريقيا والشرق الأوسط.
معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق الأوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر»..يتناول، فى افتتاحية العدد، الأزمة المستعرة فى النيجر.

 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: النيجر فى النیجر رئیس ا

إقرأ أيضاً:

احتفاء إسرائيلي برسالة الإنجيليين الأمريكيين لترامب حول ضمّ الضفة الغربية

في الوقت الذي يواصل فيه اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة ممارسة تأثيره على إدارة الرئيس دونالد ترامب، لإصدار المزيد من القرارات المؤيدة للاحتلال عملت منظمة تمثل ملايين المسيحيين الأميركيين على مناشدته للاعتراف بمزاعم "حق الشعب اليهودي في الضفة الغربية تمهيدا لضمّها".

وقال الكاتب في صحيفة "معاريف" مائير أوزييل إنه "فيما يواصل العالم بث كراهيته لإسرائيل ودون قدرة على وقف الاحتجاجات التي تضجّ بها الشوارع الغربية، وتصاعد حملات المقاطعة لها من قبل الهيئات الدولية القوية، ووصول معاداة السامية لمستويات لم تكن موجودة من قبل، لكن هناك من لا زال يدعم إسرائيل ويواصل تأثيره ونفوذه لدى البيت الأبيض، عبر مخاطبة مئات القادة المسيحيين الأمريكيين، للرئيس ترامب قبل أسبوعين، وطالبوه بالاعتراف بحق الشعب اليهودي في الضفة الغربية".


وأضاف أوزييل في مقال ترجمته "عربي21" أن "نائب رئيس السفارة المسيحية الدولية، ديفيد بارسونز، المقيم في القدس، أكد أنه حان الوقت لنهج جديد ننضم فيه كمسيحيين إلى الشعب اليهودي، ونشجعه على استعادة سيادته وحقه في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وقد يجادل البعض بأن هذا يعني مطالبة إسرائيل بالضمّ، لكن هذا غير صحيح، لأنه من الناحية القانونية لا يمكنك ضم شيء هو ملكك أصلا".

وأشار إلى أن "هذا النداء المثير الموجه للرئيس ترامب أطلقه منظمة القادة المسيحيين الأمريكيين من أجل إسرائيل (ACLI)، وهي تضم عشرات المنظمات المسيحية الداعمة لإسرائيل، وقد صاغت الرسالة د. سوزان مايكل، مديرة المنظمة، ورئيسة فرع الولايات المتحدة للسفارة المسيحية الدولية".

وجاء في هذه الرسالة أن "مؤتمر هيئات البث الديني الوطنية (NRB) المنعقد في دالاس بولاية تكساس في 25 شباط/ فبراير 2025، أكد على حقّ الشعب اليهودي في أراضي إسرائيل التوراتية المسمّاة يهودا والسامرة".


وكشف أن "هذه المنظمة التي تضم ثلاثة آلاف قس وقائد مسيحي من جميع أنحاء الولايات المتحدة، اجتمعوا لتوقيع هذه الوثيقة المهمة، بزعم أنهم يمثلون ملايين المسيحيين الأميركيين الداعمين لإسرائيل وفرض سيطرتها على الضفة الغربية، وندرك أن ترامب يستعد للإدلاء ببيان هام بشأنها قريبًا".

ورأى الكاتب أن "هذا البيان الذي يمثل ذروة الدعم المسيحي الأمريكي لإسرائيل، لكنه في الوقت ذاته يخيف العديد من الإسرائيليين الذين يعتبرون موضوع ضمّ الضفة الغربية فوق طاقتهم، لأنه قد يسفر عن تطورات أمنية وسياسية صعبة للغاية".

مقالات مشابهة

  • الأزمة تتصاعد..الجزائر ترفض استقبال مطرودين من فرنسا
  • لام شمسية الحلقة 2.. القبض على أحمد السعدني ودخول محمد شاهين المستشفى
  • روسيا تكشف تفاصيل رسالة يمنية جديدة للولايات المتحدة بعد التصعيد الأخير
  • تقرير رسمي: المغاربة رابع أكثر شعوب العالم تحدثاً باللغة الفرنسية
  • 5 أيام راحة سلبية لبيراميدز
  • في روسيا..مقتل عامل بعد انفجار في مصفاة نفط
  • فرنسا تؤكد التزامها الكامل تجاه تعافي لبنان وسيادته
  • لأول مرة في التاريخ.. أكثر من نصف الديمقراطيين في أمريكا يؤيدون فلسطين ضد إسرائيل
  • الجامعة العربية: روسيا داعمة لحل الأزمة الليبية
  • احتفاء إسرائيلي برسالة الإنجيليين الأمريكيين لترامب حول ضمّ الضفة الغربية