أندريه بوير يكتب: عملية العولمة أمريكا لم تكن على دراية بكل من أوروبا وآسيا
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
كانت هناك رغبة فى التوسع منذ القرن الثالث عشر، أو كانت مجرد رغبة فى فرض السلطة قد انتشرت أوروبا التى استخدمت المراقبة بشكل عملى لتطوير تقنياتها. وسيسمح ذلك لأوروبا باكتشاف وغزو العالم فى الوقت الذى كان بعض سكان الأرض لم يلتقوا عمليًا من قبل، فقد رأينا أن أمريكا لم تكن على دراية بكل من أوروبا وآسيا وأن المعلومات استغرقت فى المتوسط قرنين للانتقال من الصين إلى أوروبا.
كيف نستطيع تفسير ديناميكية أوروبا فى مواجهة الحضارات العربية والأفريقية والآسيوية والأمريكية؟ إن الحضارات الأخرى قوية وفى بعض الأحيان تشكل تهديدا، مثل الإمبراطورية التركية التى كانت آخر من هدد أوروبا حتى منتصف القرن السابع عشر ولكن المبادرة دائمًا ما تفوتها.
يمكن القول إنه كان هناك نوع من التفاؤل يسكن المجتمعات الأوروبية.. وبالفعل بدأ التوسع الأوروبى مع سيطرة القوى المسيحية على البحر الأبيض المتوسط بعد فتح مضيق جبل طارق فى عام ١٢٩١. وقد استخدم المستكشفون الأوروبيون علم المثلثات والبوصلة لتحديد مواقعهم من السواحل وكانت البوصلة معروفة جيدًا عند الصينيين الذين أهملوا تطبيقاتها العملية.
وفى الحقيقة، يوفر الصيد والتنقيب عن الملح الخبرة البحرية اللازمة وعندما منع الأتراك توسع الأوروبيين نحو الشرق، قام هؤلاء بتوجيه أنظارهم إلى الجنوب والغرب مما جعل من الممكن الوصول إلى الهند.
وعند التقاء المنطقتين البحريتين، نرى أن البرتغال وقشتالة تمتلكان التقنيات البحرية الأكثر تقدمًا ورست القوارب على طول سواحل أفريقيا حيث تم إنشاء منطقة مسيحية فى سبتة عام ١٤١٥.
كانت الجزر أول ما تم احتلاله حيث انطلقت رحلة واسعة ووصلت إلى الرأس الأخضر عام ١٤٤٤ وعبرت حتى سيراليون ثم وصلت إلى الكونجو حوالى عام ١٤٤٦. وولدت أحلام الوصول إلى آسيا عن طريق مباشر قد ولدت على الشواطيء الأفريقية.
كان الذهب من غانا يمول عمليات الاستكشاف التى أدت إلى اكتشاف طريق رأس الرجاء عام ١٤٨٢، ثم قام فاسكودا جاما بالدوران حول الأرض من عام ١٤٨٨ إلى عام ١٤٩٧ وكان هذا خبر مهم وغريب قد انتشر على الفور فى جميع أنحاء أوروبا. وحتى لو لم يتم عبور الأرض بالكامل حتى نهاية القرن الثامن عشر عن طريق البحر وفى نهاية القرن التاسع عشر عن طريق البر، فإن القرن السادس عشر يفتح حقبة جديدة ألا وهى فترة الإنسان الذى يوحد الكوكب.
وكان هذا هو وقت الاكتشافات وغزو العالم واقتحام مجموعات سكانية جديدة لم تكن على علم بوجودها.
ولم تكن هذه العملية بدون أضرار كبيرة.. تم ارتكاب إبادة جماعية هائلة فى أمريكا الجنوبية بينما كان من المنتظر أن تحدث نفس الأسباب نفس التأثيرات فى أمريكا الشمالية. ولا شك أن اكتشاف أمريكا هو ثمرة غير متوقعة لسلسلة من الأخطاء. وفى وقت استعادة غرناطة، اعتقد كريستوفر كولومبوس أنه استثمر فى مهمة «روحانية» وكان قد حصل على الوسائل بفضل إيزابيل دى كاستيل.
وعندما اكتشف أمريكا، لم يكن بقية العالم على دراية بوجود هذا الربع من الأراضى الناشئة التى أصبحت فخًا لخمسة وسبعين مليونًا من الهنود الحمر، أى سدس البشرية فى ذلك الوقت الذين أحرزوا خلال عزلتهم النسبية كثيرا من التقدم فى علم الفلك والحساب.
لقد كانت كثافة الماياس غير عادية حيث وصلت إلى خمسين نسمة لكل كيلومتر مربع بفضل زراعة الذرة وبعض المحاصيل. لكن الأمريكيين الأصليين لم يكونوا قادرين على مقاومة الغزاة الأوروبيين لأن وسائل الاتصال المحدودة لديهم لم تسهل تركيز القوات ونظامهم السياسى المعقد أعاق تعبئة الدفاع.
وخلال عشرين عامًا تمكن الغزاة من الاستيلاء على الجزر الأمريكية وبالكاد مرت عشرين عامًا أخرى حتى سيطروا على تسعين بالمائة من سكان أمريكا المتركزين فى ٢ كم من ٤٢ مليون كيلو متر مربع من القارة.. لقد حولهم الغزاة إلى قوة عاملة أسيرة تذوب كالثلج فى الشمس تحت الصدمة الميكروبية والفيروسية.
ووقع حدث فريد من نوعه فى تاريخ البشرية ألا وهو انخفاض إجمالى عدد سكان أمريكا بشكل حاد من حوالى خمسة وسبعين مليون نسمة فى عام ١٤٩٢ إلى اثنى عشر أوخمسة عشر مليونًا فى عام ١٥٥٠. تم إنقاذ بقية السكان من خلال المبشرين.
وفى عالم اليوم، يتم تقديس التغيير وإدانة الجمود فى حين أن التغيير يفرض نفسه على الإنسان دون الحاجة إلى التعجيل به. وبالنسبة لحضارات الأزتك والماياس والإنكا، فمن الواضح أن الوقت قد فات حيث تم تدمير كل شيء.. والسؤال الذى يطرح نفسه حاليا: ما هى الدروس التى يمكننا استخلاصها من هذا الموضوع لمستقبل البشرية؟
معلومات عن الكاتب:
أندريه بوير.. أستاذ جامعى، مهتم بقضايا التنمية البشرية والصحة العامة. يطرح، فى مقاله، رؤيته لعملية العولمة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أوروبا غزو العالم الصين لم تکن
إقرأ أيضاً:
مساعد وزير الخارجية: منطقة القرن الإفريقي امتداد طبيعي واستراتيجي للأمن القومي المصري
أكد السفير محمد كريم شريف مساعد وزير الخارجية المعين للشؤون الإفريقية على ما تمثله منطقة القرن الإفريقي من امتداد طبيعي واستراتيجي للأمن القومي المصري بحكم ارتباطه بمحوري البحر الأحمر وحوض النيل.
جاء ذلك خلال استقبال مساعد وزير الخارجية للمبعوث الفرنسي للسودان والقرن الإفريقي السفير بيرتراند كوشيري، حيث عقد الجانبان جولة مشاورات تناولت جوانب العلاقات بين البلدين اتصالا بالقارة الإفريقية عموماً والقرن الإفريقي خصوصاً، فضلاً عن تنسيق المواقف بشأن القضايا المتصلة بأمن البحر الأحمر وتقاطعاته مع الأوضاع في الصومال وإريتريا والسودان باعتبارها دول عربية وإفريقية مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن وامتداداته إلى دول القرن الإفريقي الأوسع، فضلا عن قضايا أمن المياه والطاقة وتعزيز التحول الأخضر والتعاون الاقتصادي ومقاربة هذه الموضوعات مع تحقيق الأمن والاستقرار.
وأكدت المباحثات التوافق المشترك بين البلدين حول أهمية تنسيق الجهود لتعزيز مؤسسات الدولة الصومالية ومواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة من خلال تعزيز القدرات الأمنية وتحقيق السلام والاستقرار بالبلاد ومعاونتها على إنجاح الانتخابات الرئاسية القادمة.
وأشار مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية إلى انتهاج مصر لمقاربة شاملة لإعادة التوازن الاستراتيجي في القرن الإفريقي عبر تفعيل أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، ومنها الاستجابة لطلب الصومال بالمشاركة بقوات عسكرية وشرطية ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة للدعم والاستقرار إلى جانب تعزيز التعاون مع جيبوتي وإريتريا وكينيا في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتحول الأخضر والري والمياه وتعزيز دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية وكذا مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام في ترسيخ الشراكات الاستراتيجية مع دول وشعوب القرن الإفريقي بما يعزز الأمن والتنمية والبيئة والاستقرار الإقليمي.
وفيما يتعلق بأمن البحر الأحمر، شدد السفير كريم شريف على أن منع أي تهديدات للملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وضمان استقراره يظل مسؤولية جماعية للدول العربية والإفريقية المشاطئة له.
كما أعاد التاكيد على رفض أي تحركات أحادية تهدد استقرار البحر الأحمر أو تتعارض مع قواعد القانون الدولي، وهو ما حدى بمصر إلى إطلاق مبادرة "ستريم" كرؤية مصرية متكاملة للحفاظ على أمن الملاحة وتنمية الموارد الاقتصادية المشتركة بين الدول المطلة على البحر الأحمر وكمبادرة مكملة للجهود الجارية لإطلاق مجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
واتفق الجانبان أيضا على ضرورة دعم وحدة الدولة السودانية ورفض أية كيانات موازية تهدد الأمن والاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي مع التأكيد على محورية رفع المعاناة الإنسانية عن الشعب السوداني وعن باقي شعوب المنطقة في مرحلة ما بعد النزاعات.
ويأتي انعقاد المشاورات بشأن القرن الإفريقي في إطار الزيارة التي يقوم بها المبعوث الفرنسي إلى مصر لتنسيق المواقف بين باريس والقاهرة في قضايا منطقة القرن الإفريقي وبحث سبل تعزيز التعاون المشترك ثنائيا وعبر آليات الاتحاد الإفريقي ذات الصلة للمعاونة في تحقيق الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات في ضوء ريادة مصر لهذا الملف وكذا استضافتها لمركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية.
كما تأتي الزيارة استكمالا للتنسيق الثنائي القائم بين البلدين في الموضوعات الإفريقية ومتابعة نتائج جولة المشاورات السياسية الأخيرة بباريس التي عقدت في يونيو 2024 انبثاقا من الزخم الذي تشهده العلاقات المصرية - الفرنسية في شتى المجالات.