قمة بريكس المرتقبة في روسيا تواجه تحديات عدة
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
لم تختلف أجواء الاقتصاد العالمي الآن عما كانت عليه في أغسطس/آب 2023 عندما عُقدت قمة بريكس في جنوب أفريقيا، لكن الجديد في قمة روسيا 2024 المقرر تنظيمها من 22 إلى 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري هو اعتماد الولايات المتحدة خفض الفائدة وتوقعات باستمرار التيسير النقدي، إلى جانب تراجع أسعار النفط في الأشهر الماضية، وإن كانت ارتفعت بصورة طفيفة خلال الأسبوعين الماضيين بسبب حرب إسرائيل على غزة ولبنان والتداعيات المحتملة لضرب إيران.
وثمة أمر مهم في قراءة أداء مجموعة بريكس، وهو أن الإعلام الروسي من يقود الجوانب الإعلامية الخاصة ببريكس حاليا، ولكن الواقع أن بعض دول بريكس مثل الهند ليست لديها مشكلات على الصعيدين السياسي والاقتصادي مع أميركا، وكذلك البرازيل التي لوحظ من تصريحات رئيسها لولا دا سيلفا خلال قمة بريكس 2023 بجنوب أفريقيا أنها تحاول تخفيف حدة اللهجة التي تنتهجها روسيا، إذ صرح بأن "هدف بريكس ليس تحدي التحالفات الدولية الأخرى مثل مجموعة السبع أو مجموعة الـ20 ولا تحدي الولايات المتحدة"، إنما تسعى فقط إلى تنظيم ما يسمى "الجنوب العالمي".
ويلاحَظ أن لغة خطاب الرئيس البرازيلي تختلف تماما عما يتبناه المسؤولون الروس، وكذلك وسائل الإعلام التي تعبر عن روسيا، وإن كان الرئيس البرازيلي يتبنى نفس مطالب ضرورة وجود عملة موحدة لبريكس وأوضاع اقتصادية عالمية أكثر إنصافا للدول الصاعدة والنامية، وتركيزه في نهاية قمة جنوب أفريقيا بعد انضمام 5 أعضاء جدد على أن قمة "بريكس" بعد توسعة العضوية سيكون لها شأن أفضل من ذي قبل.
وفي انتظار ما ستسفر عنه قمة روسيا المقبلة لتجمّع بريكس، وسط تحديات لا زالت قائمة أمامها، وهي كالتالي:
تحدي وجود اتفاقيات موحدةيضم تجمّع بريكس خليطا من الاقتصاديات ذات المستويات المختلفة، فالصين تتقدم كافة اقتصاديات الدول الأعضاء بفارق كبير وتشكل قمة أداء هذه الدول، فضلا عن وجود أعضاء الدول الصاعدة مثل الهند والبرازيل وروسيا.
بالمقابل، ثمة دول أخرى اقتصادياتها متواضعة مقارنة بالصين أو الدول المتقدمة، مثل مصر وإثيوبيا وإيران، كما يضم التجمع من الدول النفطية السعودية والإمارات، وتتلخص مصادر القوة الاقتصادية لهما فقط في الموارد النفطية.
وتشير أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي للصين (صاحبة أكبر اقتصاد في بريكس) 17.7 تريليون دولار، في حين إثيوبيا -وهي أفقر دول التجمع- لديها ناتج محلي إجمالي بحدود 163 مليار دولار فقط.
ومنذ إنشاء تجمّع بريكس أو توسعة عضويته في 2023 لم يلاحظ الاتفاق بشأن اتفاقيات منظمة للتجارة البينية لأعضاء التجمع، أو وجود برامج تعمل على تقوية الأوضاع الاقتصادية لأعضائه، فما تم في معظمه إن لم يكن كله هو نتاج علاقات بينية بين كل دولتين وبعضهما بعضا، دون وجود آلية جماعية لأعضاء بريكس.
كما لم يُشرع في تكوين مؤسسات يمكن اعتبارها في إطار (كونفدرالي) تنسيقي على مستوى القطاعات أو السياسات لدول بريكس، سواء فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية أو التنموية أو القطاعية، وما وجد بخصوص بنك البنية الأساسية في الأصل هو مشروع صيني بامتياز، وإن كانت الصين وظفت أعضاء تجمّع بريكس بشكل جيد في إطلاقه.
وكأنه نابع عن رغبة جماعية لأعضاء بريكس، وبينما الواقع خلاف ذلك من خلال حصص رأس المال -التي تسيطر عليها الصين بنسبة 26%- فإن بقية الدول الأعضاء (نحو 56 دولة) تمتلك باقي حصص رأس المال.
لطالما حلم البعض بإصدار عملة موحدة لبريكس منذ انعقاد قمة جنوب أفريقيا في عام 2023، وكان البعض يتمنى أن تتبنى قمة روسيا 2024 أمر العملة الموحدة، ليبدأ تجمع بريكس أولى خطواته لإسقاط الدولار من عرش التسويات المالية والاقتصادية أو تراجع مكانته.
يذكر أن العملة الموحدة قد تم الترويج لها منذ شهور من قبل وسائل إعلام روسية بأنها ستطرح للدراسة في قمة روسيا 2024، لكن الأمر اتخذ اتجاها آخر بنفي المصادر الروسية نفسها أن يكون الأمر مدرجا في أجندة القمة.
وتنظر الكتابات العاطفية لأمر بريكس من دون الاعتبار للمعايير العلمية، فأمر العملة الموحدة تسبقه ترتيبات اقتصادية على مستوى السياسات التجارية، والاستثمار والتوظيف، والنقدية، والمالية، ثم تأتي العملة الموحدة بعد الانتهاء من هذه الخطوات، وهو أمر قد يستلزم سنوات عدة لا تقل عن 10 سنين فيما يخص أعضاء بريكس إذا ما توفرت الإرادة السياسية وجاهزية البرامج والأدوات.
مقارنات غير حقيقيةيحلو للبعض أن يعرض مقارنات بين أداء دول بريكس ومنظمات أخرى مثل مجموعة السبع الصناعية أو الاتحاد الأوروبي، وهي في الحقيقة مقارنات لم تُبن على أسس صحيحة، ففي حالة بريكس لا يعدو الأمر تجميع إحصاءات، ويعلن أن الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس بلغ قيمة كذا، أو يمثل نسبة كذا من الناتج المحلي العالمي، أو يتفوق على الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة ما، أو أن صادرات بريكس أو تجارتهم الخارجية تفوق أداء تجمع ما.
لكن الواقع في مجموعة السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي مختلف، فهما قائمان على وحدة السياسات كما هو الحال في الاتحاد، أو على الأقل وجود درجة عالية من التنسيق كما هو الحال في المجموعة.
المعضلة الكبرى التي تواجه تجمّع بريكس أنه لا يمتلك إلى الآن برامج للنهوض الجماعي للأعضاء أو لتحسين أوضاع الاقتصاد.
لكل شيء ثمن، وإن كانت الأمور فيما يتعلق بالمال والاقتصاد ينبغي أن تأخذ في إطار الدراسة والقدرة على تحمل المخاطر.
وإن كانت ثمة خطوات اتُّخذت على صعيد بنك البنية الأساسية أو تسوية قدر قليل من التجارة البينية عبر العملات المحلية لكن كل ذلك لا يرقى إلى مطالب بريكس بوجود بديل لنظام التسويات المالية (سويفت) الذي تتحكم به أميركا.
كما أن الحديث عن البحث لبديل للدولار لتسوية المعاملات التجارية والمالية على مستوى العالم لم يبنَ عليه عمل منذ سنوات، وبالتالي فأميركا والغرب لديهما شعور بأن تجمّع بريكس لا يمثل تهديدا كبيرا في ضوء أدائه الاقتصادي التعاوني، فضلا عن غياب أي صورة للتكامل الاقتصادي.
وفي قراءة تاريخية لأغلبية المؤسسات والهيئات التي قامت منذ خمسينيات القرن الماضي في مواجهة الاحتكار والاستعمار الاقتصادي الغربي والأميركي اقتصرت فقط على المطالبات، من دون الدخول في خطوات عملية تمكنها من إنجاز مؤسسات مقابلة للمؤسسات الغربية والأميركية، بحيث يكون ثمة تكافؤ في المنافسة وتفعيل لمطالب التغيير.
وختاما، قد يُنظر إلى تجمّع بريكس في ضوء وحدة التحديات التي يواجهها، في حين تغيب نظرة وحدة المصير والقدرة على المواجهة إذا ما استدعى الأمر ذلك مع الغرب وأميركا، فيلاحظ أن الصين تدير صراعها مع أميركا والغرب في ضوء ما يطلق عليه "الصبر الإستراتيجي"، فهي لا تبدأ بقرار أو مواجهة، وإنما تتبع سياسة المعاملة بالمثل، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، واستكمالا لإستراتيجيتها في تموضعها بخرائط القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية الدولية.
وثمة دول أخرى لديها من المشكلات ما يستدعي التحالف، لكن مستوى الترابط بين أعضاء بريكس لم يصل بعد إلى مستوى التمثيل الواحد، فكل من إيران وروسيا لديهما مشكلات سياسية وعسكرية قد يصل حلها لسنوات عدة إذا ما توفرت الإرادة السياسية، ومع ذلك لا توجد حالة من التلاحم بين أعضاء بريكس لتبني موقف كل من إيران وروسيا في مواجهة الغرب وأميركا.
وقد يكون الداعي لمتابعة وانتظار أداء بريكس الفترة القادمة هو أن الزمن معتبر في قيام وتطوير مثل هذه التجمعات أو التكتلات، ولعل الأيام القادمة تكشف لنا عن أدوات وأوراق قوة يمكن أن يتحرك في إطارها أو يمتلكها تجمّع بريكس.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العملة الموحدة الناتج المحلی جنوب أفریقیا أعضاء بریکس قمة روسیا دول بریکس بریکس فی وإن کانت
إقرأ أيضاً:
ترامب: هددت دول “بريكس” بفرض رسوم جمركية بنسبة 150% إذا حاولت تدمير الدولار
واشنطن – زعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه هدد دول مجموعة “بريكس” بأنه سيفرض رسوما جمركية بنسبة 150% على أي محاولة لخلق بديل للدولار الأمريكي، وأن هذا التهديد أتى بثماره.
وقال ترامب في كلمة ألقاها أمام جمعية حكام الولايات الجمهوريين في واشنطن امس الخميس: “كما تعلمون، كانت دول مجموعة بريكس تحاول تدمير الدولار الأمريكي، وكانت تريد خلق عملة جديدة”، مفترضا أن دول المجموعة ربما كانت تريد استخدام اليوان الصيني.
وأضاف: “لذا، كان أول ما قلته عند مجيئي (إلى البيت الأبيض)، هو أن أي دولة من دول بريكس إذا تحدثت عن تدمير الدولار ستفرض عليها رسوم جمركية بنسبة 150%.. نحن لسنا بحاجة لبضائعكم”.
وفي إشارة إلى “فعالية” تهديداته، ادعى الرئيس الأمريكي أن دول بريكس “فرط عقدها” وقال: “لا أدري ماذا حدث لهم.. لم نسمع من دول بريكس أي شىء مؤخرا”.
وفي وقت سابق أعلن ترامب أنه سيفرض رسوما جمركية بنسبة 100% على الواردات من دول “بريكس” إذا قررت إنشاء عملتها الخاصة أو التخلي عن الدولار، محذرا من أن أي دولة تحاول استبدال الدولار في إدارة التجارة الدولية “ستقول لها أمركا وداعا”.
وتوقعت صحيفة “وول ستريت جورنال” في وقت سابق أن “تهديد ترامب بشأن العملة المتخيلة (لدول بريكس)” يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الدولار الأمريكي، موضحة أن استخدام ترامب لسياسة “الحرب الاقتصادية” قد يؤدي في النهاية إلى تحفيز مبادرات دول أخرى لإيجاد عملة بديلة للدولار.
المصدر: RT