خط وهمي غير مرسوم  يقسم برطعة العربية، بين سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية، لا يوجد سوى مجرى نهر جاف ودوار مزدحم تملأه السيارات التي تزاحم المتسوقين والباحثين عن بضائع بأسعار زهيدة.

الأمر أكثر تعقيدا على أرض الواقع فمن يأتون من الجانب الغربي من الخط هم مواطنون إسرائيليون، أما أولئك الذين يأتون من الجانب الفلسطيني فهم فلسطينيون ولا يمتعون بنفس حقوق من هم على الجانب الغربي من البلدة.



برطعة البلدة العربية الأصيلة تقع ضمن سلسلة جبال الخطاف، وتشرف على أراضي سهل مرج ابن عامر الجنوبية الغربية المجاورة لأراضي السهل الساحلي شمال غربي مدينة جنين وعلى مسافة 18 كم عنها وجنوبي مدينة حيفا، وتحيط بها قرى عرعرة ويعبد وطورة الغربية وطورة الشرقية، ومدينة أم الفحم وقراها، وتجاورها: قرى ظهر العبد وقفين وزبدة وأم القطف، والقرى المهجرة: وادي عارة وخربة عباس وعيون الأساور.


                             بلدة برطعة المقسمة.. المئذنة على اليسار في الجانب
                            الإسرائيلي والمئذنة على اليمين في الجانب الفلسطيني.

تقع في منطقة المثلث الشمالي، على الخط الأخضر الفاصل بين دولة الاحتلال والضفة الغربية. ونتيجة وقوعها على منخفض واسع تحيط بها السلاسل الجبلية والوديان .وهي بلدة حديثة نسبيا يعود تاريخها إلى نحو 300 عام تقريبا.

وتقدر مساحة أراضي برطعة بشقيها الشرقي والغربي بنحو 20499 دونم، منها 8673 دونم مساحة بلدة برطعة الغربية، ويبلغ عدد سكانها نحو 15 ألف نسمة. فيما يقدر عدد سكان الشرقية بنحو 6 آلاف نسمة.

وبرطعة بالفتح وسكون الراء يحتمل أن يكون الاسم تحريفا عن كلمة بارتا السريانية بمعنى نعجة، وقد تكون مشتقة من perta السريانية أيضا بمعنى الخصب. وقد عرفت القرية بعدة أسماء منها "واد الميه" و"الحنانة" و"رأس العين"، وسبب إطلاق هذه الأسماء الثلاثة هو نسبة إلى نبع الماء، وبما أن الوادي جار في الصيف والشتاء، تزداد غزارة مياهه عند هطول الأمطار شتاء، فيفصل الوادي القرية بسبب غزارة المياه، أطلق عليه "واد الميه".

ويروي سكان القرية أن تسمية برطعة نسبةً للشيخ محمد البرطعاوي وهو أحد رجال صلاح الدين الأيوبي الذي كان يحارب معه واستقر في مكان مرتفع بالقرية يسمى خربة برطعة، ليرصد تحركات الصليبيين على الساحل، وعند انتصار الجيوش الإسلامية كان ينزل إلى السهل في برطعة جيئة وذهابا من نشوة النصر وشدة الفرح، فدرج الناس على القول برطع الشيخ.

وبقيت برطعة قرية واحدة حتى عام النكبة، فما بين عامي 1949 و1967 أصبحت برطعة مقسمة بين الأردن ودولة الاحتلال.

وفي عام 1956 أقيم مركزا للجيش الأردني في القرية، ووقعت معركة في المكان حين دخلت القوات الإسرائيلية البلدة في القسم الغربي، مما دفع سكانها لإخلائها من السكان إلى الكهوف والمغاور شرقي القرية، ولم يبق في القرية سوى المسنين والمقاتلين من أبناء القرية وحرس البادية الأردني الذين تصدوا ببنادق خفيفة ورشاشات برين للعدو المدجج بالسلاح والمدفعية الثقيلة، لكن مع وصول الجيش الأردني من يعبد إلى برطعة بدأ الضرب المدفعي نحو مركز كتيبة الاحتلال الإسرائيل.

وبعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 سيطر الاحتلال على القرية بأكملها ومنع السكان بين الشطرين من التواصل والتلاقي فنشأ مجتمعان متمايزان، حيث قسم نبع المياه وأقيمت مدارس ومساجد تخص كل شطر من شطري القرية تتبع أنظمة مختلفة، في الشطر الشرقي كان هناك تواصل مع الوطن العربي والأردن تحديدا، أما الشطر الغربي فخضع للحكم العسكري الإسرائيلي، ورغم أن المنع بين الشطرين أوقف فيما بعد وأصبحت الحياة الاجتماعية تدريجيا تعود إلى ما كانت عليه، لكن بقيت سلطة الحكم على حالها، الشطر الشرقي خاضع للحكم العسكري الإسرائيلي، وفيما بعد السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو عام 1993، أما الشطر الغربي فهو خاضع للحكم الإسرائيلي.

وشرعت شرعت سلطات الاحتلال منذ عام 2002 ببناء جدار عازل بين أراضي الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 وباتت تقضم مزيدا من الأراضي المحيطة بخط الهدنة، وكانت قرية برطعة بشقيها الغربي والشرقي ضحية هذا الجدار ومصادرة أراضيها، ليضاف لمعاناة أبناء القرية الواحدة التي شطرها خط الهدنة لقسمين معاناة جديدة في العبور من وإلى الأراضي الزراعية في القريتين بعد أن تم توحيدها نظريا.

ومع أن موقع الجدار يتيح للسكان العبور بين قسمي القرية بكل حرية، إلا أنه يعرقل الدخول إلى مدن وقرى الضفة الغربية ولا تسمح السلطات الإسرائيلية لسكان الشطر الشرقي من الدخول إلى فلسطين المحتلة لمن لا يحمل الجنسية الإسرائيلية أو تصريح خاص، بالتالي يصعب على السكان فلسطينيي الجنسية الخروج من القرية إلى أي جهة.


                                     سوق مزدحم في الشارع الرئيسي في بلدة برطعة.

وفي عام 2023، أعلن الاحتلال بأنه سيضم قرية برطعة الشرقية في أعقاب تصويت الكنيست على قانون يوسع "السيادة" الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، ويشمل القانون ضم برطعة الشرقية، بالإضافة إلى 32 قرية أخرى.

بالطبع لم تسلم برطعة من عمليات الاقتحام الإسرائيلية والاعتقالات وإطلاق الرصاص وغيرها من الممارسات التي لم تنجو منها قرية أو بلدة فلسطينية وقعت تحت الاحتلال، والذي تصاعد بشكل لافت وخطير بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول /أكتوبر الماضي.

سكان القرية يعتبرون نفسهم في سجن كبير بعد أن تم بناء الجدار الأمني كما يسمونه من الجهة الشرقية للقرية، ولا يوجد إلا مدخل واحد للقرية وهو الحاجز العسكري الدائم الذي يعتبر معاناة الناس اليومية، وشغلهم الشاغل الذي لا يسمح لأحد بالدخول إلا بتصريح، وبعد تفتيش دقيق حيث مضطر الشخص أن ينتظر وقتا طويلا حتى يأتيه الدور ويسمح له بالدخول.

المصادر:

ـ مصطفى الدباغ، "بلادنا فلسطين، الجزء الثالث، في الديار النابلسية .
ـ "برطعة قرية فلسطينية تقع على الخط الأخضر بين الضفة الغربية وإسرائيل"، صحيفة القدس العربي، 4/6/2012.
ـ زياد كبها، كتاب "برطعة القلب المشطور"، 2003.
 ـ "القرى المغلقة" بجنين..سجون ببوابات"، وكالة صفا الإخبارية، 15/1/2015.
ـ موقع بلدية برطعة، موسوعة القرى الفلسطينية، الموسوعة الفلسطينية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير برطعة الفلسطينية فلسطين تاريخ هوية برطعة تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة

إقرأ أيضاً:

«الخارجية» الفلسطينية: 40 ألف مشرد شمال الضفة

رام الله (وكالات)

أخبار ذات صلة قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان مقتل 9 وإصابة آخرين بقصف إسرائيلي على غزة

أفادت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أمس، بتشريد ما يزيد على 40 ألف مواطن فلسطيني جراء جرائم هدم المنازل واسعة النطاق التي ترتكبها قوات الاحتلال في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، شمال الضفة الغربية. 
وقالت الوزارة، في بيان صحفي، إن جرائم هدم المنازل واسعة النطاق التي ترتكبها قوات الاحتلال في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس شمال الضفة الغربية المحتلة، وما يصاحبها من جريمة فرض النزوح القسري، وتشريد ما يزيد على 40 ألف مواطن فلسطيني، خاصة في الشهر الفضيل، ترتقي لمستوى جريمة التطهير العرقي والتهجير، وتندرج في إطار مخططات الاحتلال لتكريس سيطرته وضمه للضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.  وطالبت بتدخل دولي حقيقي وجدي لإجبار الاحتلال على وقف عدوانه، والانصياع لإرادة السلام الدولية، مشددة على أن الحل السياسي التفاوضي هو المدخل لحل الصراع، وأن الحلول العسكرية تزيد من تفاقم الأوضاع وتدهورها.

مقالات مشابهة

  • تعقب الفصائل الفلسطينية على استئناف الحرب على غزة
  • قرية النبي صالح في فلسطين.. موقع متميز وأراض خصبة ونضال لا يتوقف
  • قرية النبي صالح في فلسطين.. موقع متميز وأراضي خصبة ونضال لا يتوقف
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية شقبا غرب رام الله
  • الاحتلال الإسرائيلي يقتحم قرية النبي صالح شمال غرب رام الله
  • «الخارجية» الفلسطينية: 40 ألف مشرد شمال الضفة
  • الخارجية الفلسطينية تناشد المجتمع الدولي وقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية
  • الخارجية الفلسطينية تطالب بتحرّك دولي لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي في مخيمات شمال الضفة الغربية
  • الاحتلال يقتحم قرية الجانية غرب رام الله
  • آليات الاحتلال تطلق الرصاص تجاه مخيم الشابورة فى رفح الفلسطينية جنوب غزة