إحتفالات عاشوراء تتحول إلى شكل جديد من الاحتجاج ضد حكومة إيران
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
عاشوراء، تلك المناسبة الدينية التي يسترجع خلالها المسلمين الشيعة في كل مكان حول العالم أحداث ووقائع مقتل الأمام الحسين، حفيد نبي الأسلام، وتحتفي بالهوية الشيعية، ترمز منذ فترة طويلة، كما يشير تقرير للنيويورك تايمز، إلى محاربة الظلم. لكن هذا العام تحولت أناشيد المشاركين إلي هتافات ضد الحكومة الإيرانية.
تجمع حشد كبير يرتدون ملابس سوداء ويضربون صدورهم بشكل متناغم، يحيون ذكرى عاشوراء، التي تعتبر أقدس طقوس الإسلام الشيعي، ويتم عرضهم سنويًا بضجة كبيرة في إيران كدليل على قوة الثيوقراطية الشيعية.
لكن عاشوراء بدت مختلفة هذا العام. اختلف المشيعون الذين تجمعوا في العديد من المدن في جميع أنحاء إيران بشكل غير متوقع عن السيناريو المحفوظ، ليستهدفوا حكام إيران من رجال الدين، ويحولوا أناشيدهم الدينية إلى أغاني احتجاجية حول معاناة الإيرانيين.
وبحسب مقاطع الفيديو، نشرته النيويورك تايمز، هتف الرجال قائلين أن المدينة في حالة خراب، وأصبح جميع الإيرانيين بالنسبة للحكومة مجرد رهائن، والأمهات حزينات، ودموع المهمشين تنهمر بلا توقف.
في كرمانشاه، وهي مدينة كردية في غرب إيران، وقف مطرب ديني في الشارع، وميكروفونًا في يده، وهو ينشد عن المسؤولين قائلا: يسرقون الموارد من الأشخاص المقفرين.
وفي دزفول، وهي مدينة صغيرة محافظة في الجنوب الغربي، ألقى مطرب مماثل خطبة لاذعة ضد الحكومة بينما سار الحشد في موكب طقسي. قال أحد الهتافات التي رددها المحتجون: يا بلادي، هل تعرفين لماذا أنا حزين؟ همهم الوحيد هو الحجاب. لا يرون الدم والفقر.
قال المغني إبراهيم نصرالحي: "إنهم يسرقون أموال الشعب، الآباء يخجلون والأمهات يعانون، كل ما نتمناه أن يروا فقرنا". وبدلاً من الترديد التقليدي الذي كان يقوله المشيعون؛ حسين يا حسين، رد الحشد: إيران، إيران، إيران.
كانت تلك الهتافات مفاجئة لفترة الحداد الديني خلال شهر محرم. هذا العام سينتهي محرم في 6 سبتمبر، بطقوس عامة كبيرة أخرى تسمى الأربعين والتي من المتوقع أن تصبح أيضًا فرصة للإيرانيين للاحتجاج.
عاشوراء، يوافق اليوم العاشر من شهر المحرم، قتل الإمام الحسين، حفيد النبي محمد، وقُطعت رأسه عام 680 في معركة كربلاء. قاد الإمام الحسين انتفاضة ضد خلافة الخليفة يزيد على أساس أن حكمه كان فسادًا وظلمًا، وفي كربلاء واجه أهل بيت الحسين وأصدقائه جيش يزيد الضخم وذُبحوا.
لقرون كانت عاشوراء أكثر من مجرد طقس ديني. من إيران إلى العراق وأفغانستان ولبنان وما وراءها، كان بمثابة احتفال بهوية المسلم الشيعي. حتى أن بعض العلمانيين يشاركون في طقوسهم المنمقة، بدءًا من المواكب في الشوارع، إلى إعادة التمثيل المسرحي والمعونات الغذائية التي تنظمها لجان الأحياء.
لطالما تأججت الحركات الاجتماعية والسياسية في العالم الإسلامي واستلهمت من قصة كربلاء، للكتابة عن المضطهدين الذين ينتفضون ضد الظالم. في إيران خلال ثورة 1979 التي أطاحت بالنظام الملكي، أصبح الاحتجاج الهائل على عاشوراء نقطة تحول ضد الشاه. خلال الحركة الخضراء في البلاد عام 2009، خرج المتظاهرون، ومعظمهم من الشباب والطبقة المتوسطة العليا، إلى الشوارع في عاشوراء للاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية. وفي ظل حكم صدام حسين، مُنع الشيعة العراقيون من الاحتفال علنًا بأعياد الحداد. أعلنت حكومة طالبان في أفغانستان مؤخرًا عن حظر مماثل.
لكن التسييس الواسع النطاق والملحوظ لعاشوراء الذي استهدف مباشرة حكام الجمهورية الإسلامية أزعج السلطات، التي حذرت من أن لهجة الاحتجاج "تجعل أعداءنا سعداء". كانت هناك تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي عن الاحتجاز لفترة وجيزة لبعض المطربين البارزين ومطالب من الحكومة بتخفيف حدة خطابهم.
قال محمد مهدي اسماعيلي وزير التوجيه والثقافة الإسلامية الإيراني "كان لدى العدو أحلام لمحرم هذا العام، لقد أرادوا تحويل محرم إلى ساحة المعركة الأخيرة، لكن شعبنا لم يستمع إليه على الإطلاق.
لكن المحللين قالوا إنه بدلاً من إصدار نفي خيالي، يجب على الحكومة أن تأخذ في الحسبان الحقيقة الصارخة المتمثلة في أن معارضة حكمها قد انتشرت الآن إلى بعض الإيرانيين المتدينين، الذين كانوا يعتبرون في يوم من الأيام قاعدة قوة موالية. يمثل التمرد المعروض تحديًا آخر لشرعية ثيوقراطية ترى نفسها على أنها الزعيم الروحي العالمي للمسلمين الشيعة.
قال محمد علي أهنجران، محلل ديني محافظ ونجل مداح بارز يؤدي عروضه في المناسبات الحكومية، في مقابلة من طهران إن العديد من الإيرانيين يستغلون كل فرصة، بما في ذلك عاشوراء، للتعبير عن معارضتهم للوضع الراهن.
قال أهنجران: شهدنا هذا العام الخطب والأغاني الدينية التي أصبحت مدفوعة أكثر من السنوات السابقة، مستهدفة الطريقة التي يحكم بها القادة إيران، والفساد المستشري في الجمهورية الإسلامية، والعقبات السياسية التي نواجهها".
قال أهنجران إن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، شجع مرارًا وتكرارًا احتفالات محرم على أن تكون أكثر سياسية وانحيازًا إلى جانب الحكومة، لكنه لم يتصور أبدًا أن ذلك سيتحول يومًا ما ضد القيادة بأكملها لإيران، بما في ذلك هو شخصيا.
منذ ما يقرب من عام، خرج الإيرانيون إلى الشوارع في احتجاجات عمت البلاد للمطالبة بإنهاء حكم رجال الدين. اندلعت الانتفاضة بعد وفاة محساء أميني البالغة من العمر 22 عامًا في عهدة شرطة الآداب، التي احتجزتها بسبب مزاعم انتهاك قانون الحجاب الإلزامي. ردت الحكومة بالعنف، فقتلت أكثر من 500 شخص، بينهم أطفال، واعتقلت عشرات الآلاف وأعدمت سبعة متظاهرين.
ارتدى بعض الإيرانيين اللون الأبيض، في تحد للزي الأسود المعتاد، وتوجهوا إلى المقابر لتكريم المتظاهرين الذين قتلوا. وأظهرت مقاطع فيديو في مدينة آمول الشمالية، أن فرقة دينية ترتدي الأبيض توجهت إلى منزل غزالة شيلافي، وهي رياضية تبلغ من العمر 33 عاما، أصيبت برصاصة في رأسها خلال احتجاجات سبتمبر الماضي.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
هل تتحول البوصلة الإيرانية من الشرق إلى الغرب؟
د. عبدالله باحجاج
هناك عدة مُسوِّغات كُبرى تجعلنا نطرح التساؤل الوارد في عنوان المقال، رغم أنَّ الاهتمامات التي تظهر فوق السطح تُشير إلى تركيز مفاوضات مسقط غير المباشرة بين إيران وأمريكا على الملف النووي الإيراني، وانفتاحها على عودة الاستقرار الإقليمي.
لكننا إذا ما أطلقنا التفكير في تداعيات ما يحدث في المنطقة والعالم، وانعكاساته على طهران في ضوء أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المعقدة جدًا، ومخاطرها الداخلية على مستقبلها، وخسائرها الجيوسياسية في سوريا ولبنان وغزة، تذهب استشرافاتنا إلى أنَّ طهران وواشنطن في حقبة صناعة تحولات كبرى في علاقاتهما من وزن مضمون العنوان أعلاه. وقد أصرَّت طهران على مسقط كوسيط دون غيرها؛ لأنها ذات ثقة وحيادية وخبرات متراكمة، ويكفي الاستدلال هنا بالاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة (5+1) قبل أن تنسحب منه واشنطن في عام 2018، فقد تمَّ إنجازه بسرية تامة آنذاك، ولم تتسرب من المفاوضات أي أخبار أو معلومات، حتى تم الكشف عن الاتفاق رسميًا؛ لذلك فالمفاوضات المتجددة بين طهران وواشنطن ليس لها إلّا مسقط التي تخرج منها الأحداث الكبرى والتي تدعم خيارات السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي. وقد اختُتِمت الجولة الأولى يوم السبت بعد ساعتين ونصف الساعة بتفاؤلٍ كبيرٍ، ومن المقرر أن تُستأنف المفاوضات يوم السبت المقبل. وقد أشاد الجميع بجهود سلطنة عُمان بُعيد الجولة الأولى، سواء الجانب الأمريكي أو الإيراني، كما رحبت دول الخليج ودول عربية بجهود الوساطة العُمانية، وبهذا تُنصِّب مسقط نفسها كمركز للوساطات الإقليمية في منطقة جيوسياسية تلتقي فيها مصالح كل دول العالم، ولن ينازعها فيها أي طرف آخر.
قضية التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن عبر مفاوضات مسقط غير المباشرة مسألة وقت قصير؛ فطهران تحت ضغوط قوية ومُتعددة؛ عسكرية واقتصادية واجتماعية وسيكولوجية، كما إنها تحت ضغوط موعد اقتراب انتهاء الاتفاق النووي بين الغرب وطهران المُبرم عام 2015؛ حيث سينتهي في 18 أكتوبر 2025، وستواجه إيران- في حالة فشل المفاوضات- ثلاثة إكراهات كلها قاسية؛ وهي: لجوء الاتحاد الأوربي- المُتمسِّك بالاتفاق- إلى تفعيل العقوبات الدولية التي كانت مفروضة قبل عام 2015، وفرض عقوبات أمريكية مُشدَّدة، واستعمال القوة أو الاكتفاء بالعقوبات المشددة في ظل الحرب التجارية الجديدة، والرهانات على إحداث فوضى داخلية عارمة في إيران، وهي الأخطر على طهران من أي خيارات أخرى؛ لأنها ستُحدث النتائج دون إطلاق رصاصة واحدة.
لذلك.. ليس أمام طهران من خياراتٍ سوى التفاوض ونجاحه، والتفوق على دول الخليج في سحرهم المالي والاقتصادي لترامب، والمؤشرات تُظهر أن طهران تلعبها ببراجماتية مثالية؛ إذ قبل مفاوضات مسقط، لوَّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بمقترح الاستثمار الأمريكي في بلاده؛ مما اعتُبِر بمثابة تحول ومرونة إيرانية تجاه واشنطن، في وقت تتسرب فيه أنباء عن صفقة تريليونية إيرانية لترامب، تشمل عودة شركات النفط والغاز الأمريكية لإيران، وفتح قطاع التكنولوجيا الإيراني لشركات التكنولوجيا الأمريكية، وهو سِحرٌ سيُساعد على نجاح مفاوضات مسقط عبر التوصل إلى اتفاق نووي مُشرِّف لطهران، وإقامة علاقات استراتيجية طويلة الأجل، خاصة وأن الصفقة الاقتصادية التي تُلوِّح بها طهران- كما ترى بعض المصادر- سترفع من مستوى معيشة الأمريكان وتوفِّر لهم ملايين من فرص العمل، وكذلك للإيرانيين والأوربيين.
ومن هنا عنْوَنَّا المقال بالتساؤل: هل ستتحول طهران من الشرق إلى الغرب؟ حيث إن الشرق لم يعد الشرق القوي الذي يُمكن الرهان عليه، خاصةً موسكو التي تركت أكبر حلفائها- كنظام بشار الأسد- يسقط بصورة دراماتيكية، ودخلت مع واشنطن في مساومات لصالح قضيتها مع أوكرانيا، ومن ثم لن تعتمد عليها طهران حصريًا، وهي الآن تحت مجموعة من الضغوط الوجودية، ولا بُد أن تقودها براجماتيتها إلى العودة إلى الغرب من بوابة الصفقات التريليونية التي يسيل لها لعاب ترامب، مع تسويات لقضايا برنامجها النووي وميلشياتها في الخارج؛ بما يضمن عودة حرية الملاحة البحرية والعبور الآمن في الممرات والمضائق المائية مجددًا؛ سواء عبر القضاء على مخاطر التهديد التي كانت طهران مُتهمة بصناعتها، أو قبولها بعملية اندماجها الداخلي في تسويات سياسية مع فرقائها في الداخل، مثل جماعة أنصار الله في اليمن، أو الحل العسكري، والذي تبدو مؤشراته الآن في الحالة اليمنية.
طهران تعلم جدية الشعار الذي يرفعه ترامب، ويُطبِّقه في ولايته الثانية على حلفاء بلاده وأعدائها، وهو "أمريكا أولًا" ويسير في تطبيقه بنهج راديكالي وبراجماتي في آنٍ واحد؛ فمُنذ تسلمه مقاليد الحكم في 20 يناير 2025 أعلن ترامب رغبته في ضم كندا وجزيرة جرينلاند الخاضعة للسيادة الدنماركية، إلى جانب فرض رسوم جمركية قاسية على كل الشركاء التجاريين وخاصة الصين، بما فيهم الكيان الصهيوني، مما يجعله الآن يعيش في أوضاع اجتماعية متوترة. أيضًا ترامب قلب الطاولة فوق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحلفائه الأوربيين، ويعمل على فتح صفحة جديدة في علاقته مع روسيا.. إلخ. لذا، قبلت طهران خيار التفاوض مدعومًا بالإغراء الاستثماري الذي يخدم مصالح ترامب وإدارته، بمن فيهم ستيف ويتكوف مبعوث ترامب في مباحثات مسقط، وهو ملياردير ومستثمر عقارات، وسينعكس الإغراء الإيراني كذلك على المجتمع الأمريكي، وبذلك يتحقق لترامب المنفعتان- الخاصة والعامة- بصورة مثالية.
يقينًا.. ترامب لن يفوت هاتين المنفعتين، وهو تاجر الصفقات الضخمة والمُربِحة، وهنا تبدو طهران قد عرفت كيف تتعامل مع ترامب، ليس كرئيس سياسي، وإنما كتاجر ورجل أعمال، بحسب وصف بعض التحليلات.
رابط مختصر