صراع من أجل البقاء بين القصف والجوع والعطش شمال غزة
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
غزة- يُطارد مشهد طفل رضيع -يبكي بشدة، بينما يؤدي مواطنون صلاة الجنازة على أمّه- الصحفي معاذ الكحلوت، المقيم في منطقة شمال قطاع غزة، الذي يتعرض منذ 9 أيام لعدوان إسرائيلي واسع.
شهِد الكحلوت هذا الموقف القاسي أثناء تغطيته لانتهاكات الاحتلال قبل عدة أيام. ويقول للجزيرة نت "لا أستطيع أن أنسى هذا الموقف، يطاردني، حتى إنني من هول ما رأيته نسيت أنني صحفي ولم أصوره.
وتحاصر قوات الاحتلال شمال القطاع وبخاصة منطقة مخيم وبلدة جباليا، منذ 9 أيام، وسط استمرار القصف المدفعي وقنص المواطنين عبر استهدافهم بالطائرات المسيّرة صغيرة الحجم.
ويخشى الفلسطينيون أن يكون هدف العدوان الحالي تطبيق ما يعرف بـ"خطة الجنرالات"، التي تسعى إلى تفريغ منطقة شمالي وادي غزة بالكامل من السكان.
وأضاف الصحفي الكحلوت أن الأوضاع في شمال القطاع تزداد سوءا "كل دقيقة"، و"بين الفينة والأخرى يتقدم الاحتلال من جهة معينة وخلال تقدمه يدمّر بنى تحتية ومنازل المواطنين ومنشآت ومساكن ومزارع، وهذا الأمر يشدد الخناق على الناس".
وذكر أن سكان الشمال يرفضون الانصياع لأوامر الاحتلال بالنزوح لمنطقة جنوبي وادي غزة، وينتقلون لمناطق أخرى داخل منطقة "الشمال" نفسها.
وعن الأوضاع المعيشية للسكان، يصف الكحلوت الحالة بالـ"مأساوية"، حيث لا تتوفر أدنى مقومات الحياة كالماء والطعام والخدمات الصحية. ويكمل "كل شيء متبقٍ من طعام وماء، على وشك النفاد".
وتحدث عن موصلة الاحتلال ارتكاب جرائمه في "كل لحظة، حيث يسقط الشهداء بشكل مستمر، وجُلهم من الأطفال".
وورد في تقرير سابق للجزيرة نت أن قوات الاحتلال فصلت شمال القطاع عن مدينة غزة بشكل كامل بالآليات العسكرية والطائرات المسيّرة، وأقامت سواتر ترابية ومنعت إدخال أي مساعدات.
من جانبه، يقول موسى سالم -من سكان بلدة بيت لاهيا– إنه شاهد كثيرا من جرائم الاحتلال التي ارتُكبت ضد سكان الشمال، خاصة الذين حاولوا النزوح إلى مدينة غزة.
وأضاف سالم للجزيرة نت "مع بدء العدوان والحصار حاولت الكثير من العائلات برفقة النساء والأطفال النزوح إلى مدينة غزة عبر دوار أبو شرخ الذي يفصل الشمال عن مدينة غزة، فتعمد قناصة الاحتلال قتلهم وإصابتهم".
ويروي "كان مشهدا فظيعا، نساء يحملن أطفالهن ورجال، الكل يركض ويحاول الاقتراب من الدوار للنزوح لغزة والهروب من الموت، وكان الاحتلال يتعمد قنص الناس بالطائرات المسيّرة والمدفعية.. مشاهد مؤلمة جدا".
وكشف سالم عن موقف آخر شاهده بعد أن قنصت طائرات من نوع "كواد كابتر" شابا هو وحيد أمه من الذكور، ورزقت به بعد سنوات طويلة، وجاءت والدته وشقيقاته كي ينتشلنه من الأرض وهو مضرج بدمائه وسط البكاء والصراخ، "كان مشهدا مؤلما".
إبادة ممنهجة
بدوره، يستذكر طارق الدقس، المقيم في مخيم جباليا، موقفا مؤلما شاهده في اليوم الخامس من العدوان، حين لجأت سيدة مع أسرتها إلى مستشفى "اليمن السعيد". ويضيف "الاحتلال لاحق السيدة -بعد ساعتين فقط من وصولها- وأطلق قنبلة حارقة على خيمتها في باحة المستشفى، مما أدى إلى استشهادها حرقا".
ويقول الدقس للجزيرة نت إن أصوات التفجيرات ونسف المنازل لا يتوقف، مؤكدا المعلومات التي تتحدث عن فصل الاحتلال لشمال القطاع بشكل كامل عن مدينة غزة.
وأضاف الدقس "ما يجري هو إبادة جماعية ممنهجة، مجازر بالجملة، الاحتلال يدمر البيوت والطرقات، ويقصف المخابز وآبار المياه ومحطات تحلية المياه، وكل مناحي الحياة في الشمال، يريد أن يجعل المنطقة أرضا صفراء قاحلة ليجبر السكان على النزوح للجنوب".
وهنا، أشار إلى إحراق الاحتلال للمخبز الوحيد المتبقي في الشمال، قبل عدة أيام، وهو مخبز "الشلفوح"، بالإضافة إلى تجريفه للآبار.
ولفت إلى خروج مستشفيي "الإندونيسي" و"العودة" عن الخدمة، في حين تبقى مستشفى واحد هو "كمال عدوان"، والذي يعمل بالحد الأدنى فقط، موضحا أن الأخير مكدس عن بكرة أبيه بالجرحى والنازحين.
من جانبه، يروي حسن الزعانين، أحد سكان مخيم جباليا، قصصا مروعة لما يرتكبه الاحتلال من مجازر في شمال القطاع. وكشف عن مأساة تعرضت لها سيدة لها 4 أبناء معاقين بسبب إصابتهم بمرض "ضمور الدماغ" وعاجزين عن الحركة، وحوصرت في منطقة بئر النعجة، وقال "كنا نتواصل معها، لكننا فقدنا الاتصال بها، ولا ندري حتى الآن ما مصيرها وأولادها".
ويضيف في حديثه للجزيرة نت "لا تزال عمليات النسف والقصف مستمرة داخل مخيم جباليا، وخاصة في المناطق الغربية الجنوبية منه". كما لفت إلى أن المدفعية والمسيّرات من نوع "كواد كابتر" تُطلق نيرانها بشكل "عشوائي وهمجي على كل من يوجَد في الأزقة والشوارع".
وأشار إلى أن مستشفى كمال عدوان يفتقد للكوادر الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية وهو ما يؤثر على قدرته على التعامل مع الجرحى الذين يصلون إليه.
وتسبب الحصار والعدوان بتوقف كامل للحركة التجارية والأسواق، وهو ما يعيق عملية تزوّد المواطنين بالمواد التموينية اللازمة.
ويضيف الزعانين "أوضاع الناس صعبة جدا لا يمكن وصفها، ولا توجد أي حركة بين المناطق، ومن ينتقل من منطقة لأخرى يتم استهدافه على الفور".
ولفت إلى أن العدوان لا يتيح انتشال جثامين الشهداء، حيث تعجز فرق الدفاع المدني عن الوصول للكثيرين منهم، وتبقى جثثهم ملقاة في الشوارع.
ويضيف "وصلت العديد من المناشدات لطواقم الدفاع المدني لانتشال شهداء على الأرض وفي الطرقات، ممن حاولوا الخروج من منازلهم ولكن لم تتمكن الطواقم من انتشالهم".
بدوره، حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان -في تقرير أصدره الأحد- من أن "الذي ينجو من القتل والقصف المباشر في شمال القطاع، يبقى مهددّا بالموت جوعا أو عطشا".
وأضاف أن السكان المحاصرين في منازلهم ومراكز الإيواء لا يستطيعون التحرك للبحث عن أي طعام في محيطهم.
وبيّن أنه رغم طلب جيش الاحتلال من السكان النزوح للجنوب عبر شارع "صلاح الدين"، فإنه يستهدفهم بمجرد خروجهم من منازلهم أو مراكز الإيواء التي يوجَدون فيها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات شمال القطاع مخیم جبالیا للجزیرة نت مدینة غزة
إقرأ أيضاً:
تهميش مشروع طريق "سيح برقة- مدينة النهضة"!
يوسف بن علي بن ناصر الجهضمي
يُعد الطريق الذي يربط بين ولاية دماء والطائيين بمحافظة شمال الشرقية وولاية العامرات بمحافظة مسقط من المشاريع الحيوية التي ساهمت في تقليل المسافة بين المحافظتين وتسهيل حركة النقل والتجارة والسياحة.
نقطة البداية للطريق من جهة دماء والطائيين هي بلدة "سيح برقة"، بينما يخرج من جهة العامرات عبر "مدينة النهضة"، ما يجعله طريقًا مثاليًا يختصر الزمن ويوفر مسارًا مباشرًا وآمنًا بين المناطق الشرقية والعاصمة.
وأُنشئ الطريق عام 2007، وكان له أثر إيجابي كبير في تقليل المسافة إلى 27 كم فقط؛ مما جعل زمن الرحلة يتراوح بين 14 إلى 20 دقيقة، مقارنة بالمسارات الأخرى التي تستغرق وقتًا أطول بكثير. وقد أدى ذلك إلى: تسهيل حركة المواطنين بين المحافظتين، خاصة الموظفين والطلاب، وتقليل تكاليف النقل والتجارة، مما دعم النشاط الاقتصادي، وعزز القطاع السياحي، حيث أصبح الطريق حلقة وصل بين المناطق السياحية في شمال الشرقية ومسقط.
ورغم النجاح الذي حققه الطريق، إلّا أنه تعرض للإهمال بعد إعصار "فيت"، ولم يتم تأهيله أو صيانته بالشكل المطلوب. ورغم المراجعات المستمرة لوزارة النقل، إلّا أنه لم يُعد تشغيل الطريق، ولم يتم تقديم أي تبريرات واضحة للمجتمع المحلي عن أسباب تجاهل المشروع.
ومع استمرار المتابعة، اتضح أن وزارة البيئة (آنذاك) اعترضت على إعادة تأهيل الطريق بحجة تمديد محمية السرين؛ مما أدى إلى وقف المشروع دون النظر إلى تأثير ذلك على المُواطنين والتجار والسياح.
وفي حين أن حماية البيئة أمر مهم، إلّا أن قرار تمديد محمية السرين على حساب طريق استراتيجي يثير العديد من التساؤلات: لماذا لم تتم دراسة تأثير التمديد على المواطنين والتجارة؟ وهل تم البحث عن بدائل هندسية للحفاظ على البيئة مع الإبقاء على الطريق؟ ولماذا يتم التضحية بمشروع يخدم آلاف الأشخاص دون إيجاد حلول وسط؟
وثمة تبعات سلبية لتعطيل الطريق، منها التأثير الاقتصادي، مثل: زيادة تكاليف النقل، مما يرفع الأسعار ويؤثر على التجار، وكذلك صعوبة وصول السلع والخدمات بين شمال الشرقية ومسقط.
ومن السلبيات أيضًا التأثير على المواطنين، من حيث زيادة الأعباء المالية على المواطنين بسبب استهلاك الوقود في الطرق البديلة، وصعوبة تنقل الموظفين والطلاب بين المحافظتين.
وهناك آثار سلبية على القطاع السياحي، من خلال تعطيل حركة السياح بين شمال الشرقية والعاصمة، وتراجع فرص الاستثمار السياحي بسبب عدم وجود طريق مباشر.
ولحل هذه المشكلة، ندعو الجهات المختصة النظر في جملة من الخيارات، منها: إعادة تأهيل الطريق مع وضع حلول بيئية مناسبة، وتقليص حدود محمية السرين بحيث لا تُعيق التنمية، وإنشاء مسار بديل للطريق يضمن تشغيله دون التأثير على المحمية، وفتح حوار مجتمعي لدراسة الحلول الممكنة.
ختامًا.. يجب أن يكون هناك توازن بين الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية، بحيث لا يتم تعطيل مشاريع استراتيجية تخدم المواطنين بحجة التوسع في المحميات، ولا شك أن إعادة تشغيل طريق سيح برقة- مدينة النهضة، ليست مجرد مطلب مجتمعي؛ بل ضرورة وطنية تعود بالنفع على الجميع؛ مما يستوجب إعادة دراسة القرار، وإيجاد حلول تضمن المصلحة العامة.