إن فقه ماهية المعيارية يؤدي إلى فهم أعمق لماهية التنافسية؛ فعندما تستطيع المؤسسة أن تُوجد لها مكانة ومقدار بين نظيرتها على المستوى المحلي أو الدولي في ضوء بلوغ الدرجة القياسية أو ما نسميها بالجودة التي تكمن في المخرج أو المنتج أو مستوى الخدمة المقدمة، وهذا لا ينبري على مؤسسات بعينها ولا نشاط بعينه.
ونرى أن التنافسية تزداد أهميتها في خضم التنامي الذي أحاط بالاقتصاديات بتنوعاتها المختلفة، ومن ثم تُشير التنافسية إلى قدرة المؤسسة على صياغة وتطبيق الاستراتيجيات التي تجعلها في مركز أفضل بالنسبة للمؤسسات الأخرى العاملة في نفس النشاط وتحقق الميزة التنافسية من خلال الاستغلال الأفضل للإمكانات والموارد الفنية والمادية، والمالية، والتنظيمية، والمعلوماتية.

وإذا ما أردنا أن نتناول ماهية التنافسية في الاقتصاد الوطني، نجد أنها تحدد بالدرجة التي يستطيع بلد ما من إنتاج السلع والخدمات التي تواجه أذواق الأسواق الدولية، وفي نفس الوقت تؤدي إلى المحافظة على توسيع الدخول الحقيقية لمواطنيها على المدى الطويل، وهنا تصبح التنافسية رهن توافر الأسواق الحرة والعادلة.
وعلينا أن نعي ضرورة ارتباط الميزة التنافسية ببعدين أساسيين تتمثلان في القيمة المدركة لدى العميل؛ وقدرة المؤسسة على تحقيق التميز، وهذا يتطلب أن يتوافر لدى المؤسسة مجموعة من القدرات والكفاءات وغيرها من الإمكانات التي تتمتع بها هذه المؤسسة، والتي تمكنها من تصميم وتطبيق استراتيجياتها التنافسية.
وندرك أن الدولة المصرية دشنت رؤيتها في ضوء ماهية التنافسية التي تشمل الاقتصاد وشتى المجالات التنموية والخدمية؛ لتضمن تحقيق نهضتها الشاملة، وعند مطالعة غاياتها الاستراتيجية نرصد عزيمة الدولة نحو المضي تجاه تحقيق نمو اقتصادي قائم على المعرفة، مستغلًا التحول الرقمي، من أجل رفع درجة مرونة وتنافسية هذا الاقتصاد، بما يسهم في زيادة معدلات التشغيل، وخلق فرص العمل اللائق، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال.
ونؤمن بأن التقدم يصعب أن يحدث بعيدًا عن القدرة على إنتاج المعرفة وتوظيفها لتصبح العامل الرئيس في التنمية الشاملة التي تتوج بمميزات تحقق ماهية التنافسية والريادة، وبدون شك تتوافر البيئة المواتية التي يكتسب من خلالها الفرد القدرة على الابتكار وتوليد الأفكار الجديدة وتنمية خبراته.
ونود التنبيه إلى أن ريادة الأعمال تُشير إلى المبادرة في تصميم وتنظيم المشروعات التي تتسم بالتفرد؛ بهدف سد الاحتياجات واكتشاف الفرص والعمل على استغلالها بغية تحقيق الربح وزيادة الإنتاجية، بما يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي الشامل بشتى القطاعات؛ لذا حرصت الدولة المصرية من خلال مؤسساتها على تنمية ريادة الأعمال بصورة وظيفية.
وثمة ضرورة للتوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة والذي يعتمد في كليته على الإنفاق في المجال البحثي، ويركز على تحويل الابتكارات لمنتجات فعلية، وهنا يأتي ضرورة الاهتمام بالتدريب المستمر للعنصر البشري؛ حيث يستطيع أن يوظف الفرد شبكة المعلومات الدولية في تسيير العملية الاقتصادية، ومن ثم يؤكد على الميزة التنافسية فيما يقدمه من منتجات.
وهنالك جهود تبذل حيال تعزيز مقومات الاقتصاد القائم على المعرفة لدى أفراد المجتمع؛ حيث اهتمت الدولة بإنشاء الكليات والمدارس التقنية التي تسهم في إعداد أجيال تمتلك المهارات التقنية في عمليات الإنتاج؛ لإحداث طفرة هائلة في التطوير التقني، وزيادة معدلات الإنتاج وفق الميزة التنافسية التي تقدمه بها على المدى القريب والبعيد.
وفي إطار الاهتمام بالتنافسية جاء ممارسات الدولة مؤكدة على ذلك من خلال تدشين حاضنات الابتكار من خلال المؤسسات المتخصصة، كونها متطلبًا رئيسًا للتقدم نحو الاقتصاد، وركيزة اعتمادها تقوم على البحث والتطوير بما يؤدي إلى اكتشاف وتطوير طرق جديدة في عملية الإنتاج؛ حيث نوقن بأنه كلما زاد من يمتلكون مهارات البحث والإنتاج، ساهم ذلك في تنمية الاستثمار البشري، الذي يساعد في النهوض نحو اقتصاد المعرفة.
والأمر لم يتوقف عند حد الإعداد والتجهيز؛ فقد تبنت الدولة إطارًا مؤسسيًا؛ حيث دعمت متطلبات اقتصاد المعرفة بسياسة تشريعية تحفز وتشجع على الاستثمار والإنتاج من خلال مشروعات تحصل على الإعفاء الضريبي والتسهيلات الإدارية والجمركية التي تساعد في استيراد التقنيات والآلات والمعدات اللازمة لهذه المشروعات؛ مما يحفز على زيادة  الاستثمار الأجنبي المباشر.
إن غايات جمهوريتنا الجديدة يتوجب أن تقوم على فلسفة الاقتصاد التنافسي المشار إليه صراحة في رؤيتها (2030) لأن ذلك يعود لتوافر المناخ الداعم؛ حيث الموقع الجغرافي الذي تتميز به البلاد، وتوافر رأس المال البشري الريادي، وتحركها نحو بناء البنية التحتية التي تسمح بإقامة المشروعات بتنوعاتها، وامتلاكها لمجموعة التشريعات الداعمة للاستثمار؛ بالإضافة لتوافر الأمن والأمان الذي أسهم بالفعل في استضافة الشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة والمتعددة الجنسيات في وطننا الحبيب.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

الحكومة الجديدة تعتمدها.. هل تُنقذ الخصخصة الاقتصاد السوري؟

تتعامل حكومة تسيير الأعمال السورية التي يترأسها محمد البشير منذ سقوط النظام السابق وتكليفها رسميا مع "الخصخصة" كأداة لإصلاح وإنقاذ الاقتصاد السوري شبه المدمر.

وتجلى ذلك، في تكرار التصريحات الحكومية عن "الخصخصة" وآخرها إعلان وزير الخارجية، أسعد الشيباني، عن توجه دمشق نحو خصخصة الموانئ والمصانع المملوكة للدولة بهدف "إنقاذ الاقتصاد السوري المتهالك".

ويذكر أن الخصخصة تعني تحويل ملكية الأصول والشركات العامة المملوكة للدولة إلى ملكية خاصة بشكل كلي أو جزئي (تشاركية).

توجه حكومي مبرر
بحسب تقديرات اقتصادية، فإن الوضع الاقتصادي والمالي الذي يُحكم البلاد، وخاصة لجهة "إفلاس" الخزينة العامة، تبدو "الخصخصة" أقرب إلى الحل الوحيد، وذلك لضمان إنعاش الحالة الاقتصادية في سوريا.

ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري يحيى السيد عمر، إن الخصخصة كنمط أو اتجاه اقتصادي، له سلبيات وإيجابيات، وبشكل عام تحظى الخصخصة بسمعة ليست جيدة في الدول النامية، والسبب لبس بها بحد ذاتها، بل بأسلوب التنفيذ الذي في حالات كثيرة يشوبه الفساد الإداري والمالي.

ويوضح لـ"عربي21" أن كل ذلك جعل الخصخصة تحقق مصالح المستثمرين وفئة محددة من مسؤولي الدولة، معتبرا أن "الخلل هنا ليس في الخصخصة، بل في آلية التطبيق، وعموماً تعد الخصخصة كنظام اقتصادي شائع في غالبية دول الغرب، وبالفعل حققت نتائج إيجابية".


وتركيزا على سوريا، يقول السيد عمر "بالفعل هناك توجه حكومي للاعتماد على الخصخصة، وهذا يعد مبرراَ خاصة أن غالبية المؤسسات العامة في الدولة خاسرة، وإعادة هيكلتها الإدارية والمالية قد يستغرق الوقت الطويل والتكلفة الكبيرة".

ويرى أن "الخصخصة إحدى الحلول المطروحة وذلك كونها تتيح الاستفادة من المرونة العالية للقطاع الخاص، ما يعني إمكانية تعزيز كفاءة هذه المؤسسات في وقت قصر نسبياً"، قائلا: "الخصخصة بالتأكيد ليست حلاً بحد ذاتها، لا بد من دراسة العديد من التجارب الدولية والاستفادة من الإيجابيات وتجنب السلبيات، وهو ما يعزز من فرص نجاح التجربة في سوريا".

التعامل بحذر
دعا وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة السورية المؤقتة" التابعة للائتلاف عبد الحكيم المصري، إلى "التعامل الحذر" مع التوجه نحو الخصخصة.

وقال المصري لـ"عربي21": "يجب الحذر عند الحديث عن خصخصة أصول الدولة، بحيث لا يجب بيع الأصول السيادية، بل طرحها للاستثمار لمدة محددة، ولا بأس في خصخصة القطاعات الإنتاجية، مثل المعامل الحكومية (النسيجية، الغذائية، الأسمنت)، التي كانت خاسرة، وتضيف الأعباء إلى الاقتصاد السوري".

وذكر أن القطاع الخاص يمتلك المرونة والأدوات التي تساعد على تحويل هذه القطاعات إلى رابحة، وقال: "من المهم جداً خصخصة المصانع الخاسرة".

ليست حلا متكاملا
ولا يرى الوزير المصري في "الخصخصة" حلاً متكاملاً للاقتصاد السوري، معتبرا أن "الحل يمر عبر توفير وخلق مناخات آمنة للاستثمار، وتحسين الدخل للمواطن السوري، قبل تحرير الأسعار".


ومن وجهة نظر مصدر اقتصادي مقرب من حكومة دمشق، فإن "الخصخصة تضمن معالجة الترهل في المؤسسات العامة، وقد تكون من بين الحلول السريعة والمفيدة".

وقال المصدر لـ"عربي21"، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، "اتخذ النظام السابق أداة الخصخصة لسرقة الدولة، وبيع ورهن أصولها السيادية في خدمة مصلحته، لا مصلحة الشعب السوري، وبذلك يجب أن تتعامل الحكومة مع الخصخصة بدقة وحساسية، والأهم أن تتم دراستها بما يناسب الحالة السورية، وليس الاعتماد على تجارب خارجية، قد لا تنطبق على واقع سوريا".

وعلى حد تأكيده "لا يبدو للآن أن لدى حكومة دمشق رؤية واضحة للخصخصة"، مختتماً بقوله: "القضية حساسة وشائكة، ولا بد من التريث قبل بيع أي أصول حكومية، لأنها بالنتيجة من حق الشعب السوري".

إيجابيات وسلبيات
في السياق ذاته، يرى الباحث الاقتصادي مخلص الناظر، أن الخصخصة لا بد وأن تقوم على مراحل تحليل الأصول، إعداد السياسات والتشريعات، التقييم المالي، اختيار الأسلوب، بيع مباشر للأصول، شراكة بين القطاعين العام والخاص، طرح أسهم في البورصة، وتنفيذ العملية، والمتابعة والمراقبة.


وأضاف عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، أن الخصخصة في الحالة السورية تحتاج إلى دراسة دقيقة، من حيث تقييم الإيجابيات المأمولة، السلبيات والتحديات الطارئة، فالإيجابيات تتضمن جذب الاستثمار الأجنبي، تحسين الكفاءة، تقليل الأعباء المالية، بينما التحديات، تكمن في البيئة السياسية، الفساد وعدم الشفافية، التأثير على العمالة، وتركز الملكية لجهات محلية أو دولية.

مقالات مشابهة

  • مطالب للنائب العام والثقافة بفتح تحقيق عاجل في واقعة انتحار موظف الأوبرا.. "كلنا هاني عبد القادر"
  • «المفتي»: الأمن في الأوطان هو المظلة التي تحفظ المقاصد الشرعية
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • الإمارات.. اختتام مؤتمر "علوم المكتبات والمعلومات" بنجاح كبير
  • الحكومة الجديدة تعتمدها.. هل تُنقذ الخصخصة الاقتصاد السوري؟
  • مدير عام «الاتحادية للشباب» لـ«الاتحاد»: «يداً بيد».. الشباب الإماراتي نبض التطوير
  • عصام خليل: نشر صورة السيسي مع رئيس إيران تصرف رخيص.. ومصر لا تهدد 
  • «الاتحاد لائتمان الصادرات» تحصل على تصنيف «AA-» من وكالة فيتش
  • برلماني: ندعم قرارات الدولة المصرية وموقف الرئيس السيسي ضد تهجير الفلسطينيين
  • وزير الزراعة: الشباب هم عماد المستقبل والقوة الدافعة نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة