أين موقع العراق في صراع الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
آخر تحديث: 14 أكتوبر 2024 - 9:24 صبقلم:حميد الكفائي لم يعد هناك موقف رسمي موحد في دولة العراق تجاه أي قضية، فهناك الإقليم الذي يختلف وضعه كلياً عن العراق. وهناك الجماعات المسلحة الموالية، أو التابعة، لإيران، التي تسيطر بسلاحها وإرهابها واغتيالاتها على العاصمة وباقي مناطق العراق الوسطى والجنوبية، والتي يتطابق خطابها مع الخطاب الإيراني، بل يفوقه حدة وصخباً.
وهناك الحكومة العراقية الصامتة أكثر الأحيان، والتي تخشى أن تعلن موقفها الصريح، إن كان لها موقف موحد، فتجدها تارةً منسجمة مع الميليشيات الإيرانية، وأخرى تتفرج، وثالثة تدعي بأنها خارج الصراع، وليست جزءاً من “محور المقاومة” وأن ما صرح به فلان أو علان لا يمثل موقفها، كما صرح بذلك “مستشار الأمن الوطني” أخيراً، ورابعة تعلن مواقف متعددة ومتناقضة، حسب توجه الجماعة التي ينتمي إليها صاحب التصريح. وهناك الشعب العراقي، الذي يبدو أنه منقسم حيال العديد من القضايا المصيرية، رغم أن الموقف الحقيقي لا تمكن معرفته بسهولة، بسبب الإرهاب الذي تمارسه الجماعات المختلفة. ولكن يمكن الجزم بأن الشعب بأجمعه يتطلع إلى الأمن والاستقرار والرخاء والحرية، بعد معاناة طويلة مع الحروب والقمع والصراع والفقر، تجاوزت النصف قرن.الوضع المتفجر في الشرق الأوسط خطير جدا، وهو يهدد أمن واقتصاد وحياة الناس العاديين وسيادة دولهم ومستقبلها، ويمكن أن يقود إلى تغييرات لم تخطر ببال أحد. فإسرائيل تمتلك قوة ضاربة وتكنولوجيا حديثة، وتقودها حكومة متطرفة، لا تتردد في ارتكاب أبشع الجرائم بحق أي شعب أو دولة، والغريب أن أقوى دولة في العالم لا تجرؤ على ردعها أو التأثير على قراراتها ومواقفها، حالياً على الأقل، والأغرب أن الدول الغربية الكبرى، تهبّ لمساندتها مهما فعلت! مثل هذا الوضع يتطلب مواقف في غاية الحكمة والصبر والأناة، ويتطلب ضبطاً لأجهزة الدولة ووسائل إعلامها، وتصريحات المسؤولين ورجال الدين، بحيث لا يتسبب أي موقف في إشعال صراع جديد لا يمكن إنهاؤه كما حصل في غزة ولبنان.لكن العراق الذي تنخر به التناقضات والمواقف المتطرفة والفساد والميليشيات التي تتبناها وتشجعها دولة مجاورة، يختلف عن الدول الإقليمية الصابرة، التي تتمتع بحكومات حكيمة وقوية، لا تتردد في نقد الموقف الدولي أو الإسرائيلي، لكنها تعرف كيف تصيغ المواقف بحيث أنها لا تدينها أو تستفز الثور الهائج! لم يعد ممكناً أن يدعي المسؤولون العراقيون أن ما يقوله ويفعله قادة الميليشيات لا يعبر عن رأي الدولة، فقد قال هذا اللبنانيون والفلسطينيون واليمنيون، ولم ينفعهم بشيء، ولم ينقذهم من القتل والدمار. لذلك صار لزاماً على المسؤول الأول في الدولة، محمد شياع السوداني، أن يتخذ قراراً جريئاً، ومصيرياً، وهو ضبط الأجهزة المرتبطة بالدولة، ولجم كل من يحاول أن يجر العراق إلى معارك خاسرة، وأي معركة يخوضها العراق حالياً ستكون خاسرة، ولنا في معركتنا مع “داعش” و”القاعدة” درس لا يُنسى. فمع كل الموارد التي تمتلكها الدولة العراقية، وكل فرص التدريب والأسلحة الحديثة والمعلومات الاستخبارية واتفاقيات التعاون الدولية التي تسند العراق، انهزم جيشنا أمام بضعة آلاف من الإرهابيين المنبوذين عالمياً، الذين احتلوا ثلث العراق عام 2014، ولم نتمكن من الخلاص منهم إلا بمساعدة المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتي ينكرها البعض بوقاحة، بل يحاولون أن يوهموا الشعب بأن “داعش” و”القاعدة” هي من صنع أميركا والدول الغربية “باعتراف هيلاري كلينتون”، كما يرددون ببلادة! بل وحتى تدهور الكهرباء والخدمات والفقر والفساد، كلها بسبب معاداة العالم لنا “لأننا من أتباع الحسين”، كما قال أحد قادة الجماعات “السياسية” المسلحة دون حياء! هناك مسألة يغفلها بعض “السياسيين” أو “القادة” في العراق، وهي أن التهديد بالحرب يمكن أن تأخذه بعض الدول، أو الأطراف، على محمل الجد، أو تتخذ منه ذريعة لشن حرب على الدولة التي ينطلق منها التهديد، حتى وإن لم يطلقه المسؤولون الرسميون الكبار، المعنيون باتخاذ القرار. وكما قال شاعر “فإن النار بالعودين تُذكى وإن الحرب أولُها كلامُ”، ولا ننسى أن حرب 1967، لم يبدأها العرب، لكنهم هددوا بشنها، وربما دون أن يعتزموا القيام بذلك، لكن تلك التهديدات اعتُبِرت نيةً بشن الحرب، وكانت النتيجة كارثية، ما زلنا نعاني منها حتى الآن. البعض يطلق التصريحات ويراهن على أن الطرف الآخر لن يعتبرها جدية، لأنها أصلاً ليست كذلك، ولا قيمة لها، ولكنها سوف تتخذ كذريعة لشن الحرب، لذلك يجب أن تكون المواقف جدية وألا تُطلق التصريحات جزافاً، من أجل استعراض العضلات الخاوية، وإبداء مواقف غير جدية. إيهام الناس بالقوة والقدرة على الدفاع و”تحرير الأرض والعِرض والمقدسات وتحقيق حلم الأنبياء”، سيعود على الجميع بالدمار والخراب، والعاقل من يتعظ من دروس الماضي وتجارب الشعوب الأخرى. الشعب الفلسطيني شعب معطاء وقادر على تشخيص مصالحه والدفاع عن نفسه وحل مشاكله، ولا ينقصه العدد والعدة والعقول، ولا التعاطف الدولي والأموال، وعلى الآخرين ألا ينصِّبوا أنفسهم ممثلين عنه، فلا أحد يمتلك تفويضاً من الشعب الفلسطيني، كي يتحدث نيابة عنه، أو يقوم بأفعال يتوهم بأنها في صالحه.السلطة الوطنية الفلسطينية هي الجهة الوحيدة المعترف بها دولياً، المخولة باتخاذ القرارات نيابة عنه. نتعاطف مع الفلسطينيين واللبنانيين ونتمزق يومياً لمأساتهم، والظلم الواقع عليهم، وبالتأكيد يمكننا أن نساعدهم مادياً ومعنوياً، وأن نقف معهم في المحافل الدولية، ولكنهم لن يستفيدوا إن نحن دمرنا أنفسنا، بل سيحزنون على ذلك كثيراً، كما عبّر عن ذلك عضو المجلس الوطني الفلسطيني اللواء أسامة العلي، قبل أيام. المطلوب من رئيس وزراء العراق أن يرتقي إلى مستوى المرحلة الخطيرة، وأن يتخذ قرارات جريئة لِلَجم هؤلاء الذين يريدون بالعراق شراً، وكأن العراق تنقصه المآسي والكوارث، ولم ينَل من الظلم والتعسف والأذى ما يكفيه، منذ تأسيس الدولة وحتى الآن.كنت متفائلاً بمجيء السوداني إلى الموقع الأول في الدولة، وأرجو ألا يخيب أمل العراقيين، بأن يكون زعيماً قوياً يتخذ المواقف الصحيحة والجريئة، التي تتطلبها المرحلة، وهي إبعاد العراق عن الدمار الذي يسعى البعض لجلبه عليه، بقصد أو دونه.إن فعل ذلك فسوف يكسب الشعب العراقي والمجتمع الدولي، ويسحب البساط من خصومه الانتهازيين، الذين يتربصون به وبالعراق شراً. وإن بقي متردداً، ومراهناً على أن “الزمن كفيل بإصلاح الأوضاع”، فإنه سيضيع فرصة نادرة له وللعراق، وهذه مخاطرة وهاوية عليها ألا يسقط فيها.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
“الشرق الأوسط الجديد”: لا شيء يـبقى لا أرض تُـستثنى
يمانيون../
يعتبر مشروع “الشرق الأوسط الجديد” أحد أبرز التوجهات الاستراتيجية التي يسعى إليها العدوُ الإسرائيلي بدعم وشراكة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو هدف الصهيونية العالمية ضمن مخططاتها في المنطقة العربية، يهدف هذا المشروع إلى توسيع نفوذ الكيان الصهيوني وتعزيز وجوده في المنطقة بما يفضي إلى تسيّده المطلق، واستباحته الكاملة لسيادة ومقدرات دول المنطقة، ومصادرتها كليا، قرارات وحقوق شعوبها وهويتهم، وهو في الوقت ذاته يجسّد جوهر أطماع السياسة الغربية المتبعة في العالم العربي.
لم يكن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” فكرة مستجدة؛ بقدر ما هو تحديث لأهداف قديمة وضعها وصاغها المحتل، وهي موجودة في متن وهوامش استراتيجيته الانتهازية الإمبريالية، وبالتالي فإن “الشرق الأوسط الجديد” مفهوم حديث لمخطط قديم ، يعيد اليوم المستعمرُ الغربي قولبته وصياغته ليحقق أهداف المحتل وفق متغيرات المرحلة في المنطقة التي شهدت أحداثاً كبرى من بينها ثورات “الربيع العربي” التي تزامنت مع الترويج لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” قبل عقد من الزمن، وأعلن للمرة حينها على لسان كوندليزا رايز، وزيرة خارجية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، كحصاد لمسرحية “أحداث” 11 سبتمبر، ضمن ترتيبات عالمية واسعة.
واعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على خلق “فوضى خلاّقة” في الدول العربية، مستغلة الفروق الجغرافية والسياسية الناشئة أصلا عن اتفاقية “سايكس بيكو”، بالإضافة إلى تعزيز وتكريس الصراعات الداخلية التي أدت إلى تفكك الدول العربية وتمزيق مجتمعاتها.
استنزاف قدرات الأمة
وفعلياً أدت السياسات الأمريكية إلى إضعاف القدرات البشرية والاقتصادية للدول العربية إثر سلسلة أحداث وفتن عصفت بالمنطقة، واستنزفت الثروات على حروب وصراعات داخلية، بينما تراجعت القضية الفلسطينية إلى مؤخرة الأولويات، في لحظة تراجع عربي وإسلامي غير مسبوق وفق تصنيف الكثير من الكٌتاب والنخب العربية، وهو ما مهّد لطرح مشاريع تطبيعية يقدمها كل وافد أمريكي جديد على البيت الأبيض ضمن مشاريعه الانتخابية في مضمار سباق الفوز برضا اللوبي اليهودي في أمريكا.
ورغم خطورة وانكشاف هذه المخططات مثل “صفقة القرن واتفاقية إبراهام” أمام الرأي العام والنخب في عالمنا العربي على ما تمثله من انقلاب واضح على القضية المحورية للأمة، شعوباً وأنظمة إلا أنها توضع على سكة التنفيذ، وتجد رواجاً وقابلية، وكان طرح مثل هذه الأفكار قبل سنوات يُعدُ خيانة تستوجب المحاكمة، وتلحق العار بدعاتها، لكنها اليوم وفي مؤشر على نجاح سياسة الترويض الأمريكية الإسرائيلية تُطرح بجرأة وتُقدم كحقيقة لا جدال فيها، وكقضية أساسية لتحقيق ما يصفه الأمريكي وأدواته الخيانية بـ”فرص خلق أمن واستقرار لشعوب المنطقة”!!.
بالعودة إلى الوراء قليلاً إلى مطلع القرن العشرين مع بداية الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين وما أعقبها من تفريط عربي بالأرض، نجد أن الصهيونية إنما تُعيد تدوير العناوين وتحديث الشعارات لتحريك عجلة مشروعها القديم ليس إلا.
ومع ذلك، بدأت تظهر بوادر صحوة تجاه القضية الفلسطينية، رغم التحديات التي فرضتها الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية.
“الشرق الأوسط” من التخطيط إلى التنفيذ
يُعتبر الاحتلال الإسرائيلي حجر الزاوية في مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، حيث تسعى الولايات المتحدة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يتناسب مع مصالحها ومصالح “إسرائيل”. على الرغم من محاولات بعض الأنظمة العربية للتعاون مع العدو الإسرائيلي، إلا أن الشعوب تظل متشبثة بقضيتها المركزية: فلسطين.
تشير التصريحات الأخيرة من المجرمين القادة الإسرائيليين، مثل “بتسلئيل سموتريتش”، إلى نوايا إسرائيلية واضحة للتوسع والضم، متجاوزةً الاتفاقيات السابقة مثل أوسلو.
ومع اقتراب ترامب من البيت الأبيض، يُتوقع أن تتصاعد هذه التوجهات، خاصة مع دعم ترامب العلني لإسرائيل، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في فترة ترمب الرئاسية الأولى، ولاحقاً الاعتراف بالجولان السوري كجزء من “إسرائيل” وهو ما أعاد التأكيد عليه اليوم مجرم الحرب نتنياهو وحكومته التي صادقت على “خطة نتنياهو” لتعزيز النمو الديمغرافي بهضبة الجولان ومدينة “كتسرين”.
وجاء في تصريحات المجرم نتنياهو: “سنواصل التمسك بالجولان من أجل ازدهاره والاستيطان فيه”، مضيفاً أن “تعزيز الاستيطان في الجولان يعني تعزيز “دولة إسرائيل” وهو أمر بالغ الأهمية في هذه الفترة” حد وصفه.
وهكذا تدريجياً تتوسع مظاهر “الشرق الأوسط” الجديد لتشمل ضم الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن، بالإضافة إلى التمدد نحو سوريا، تتجاوز هذه السياسات حدود الاتفاقيات الدولية، فضلاً عن تجاهلها التام لسيادة الدول العربية، حتى أنه يبدو أن ما يمنع العدو الإسرائيلي من التوسع في هذه المرحلة هو فقط اعتبارات صهيونية داخلية لا أكثر.
ومع تسارع مشاريع الاستيطان وتوسعها خارج حدود الأراضي الفلسطينية يبدو مشروع “الشرق الأوسط الجديد” خطر لا يهدد وجود الدولة الفلسطينية وحسب بل يضع دول الطوق الفلسطيني أمام تهديد وجودي يعيد رسم الخارطة وفق الأجندات الصهيونية، ويُلغي تماماً هوية شعوبها ويصادر حقوقها، ولا يفهم اليوم سبب التغافل عن هكذا خطر بهذا الحجم لن يبقي ولا يذر.
موقع أنصار الله – يحيى الشامي