الفخ الذي وقع فيه نتنياهو دون أن يدري
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
في وقت مبكر من عملية "طوفان الأقصى"، بعد أسبوع تقريبًا (13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) كتبت The Atlantic تقريرًا بعنوان رئيسي: " إسرائيل تسير نحو الفخ"، وآخر فرعي: "اقتحام غزة سيحقق رغبة حماس"..!!
في التفاصيل، يشيرُ التقريرُ ـ الذي كتبه Hussein Ibish ـ إلى أنه إذا كانت حماس شاءت من عملية (7 أكتوبر/ تشرين الأول)، استعراض البراعة العسكرية، وإظهار ضعف الاستخبارات والدفاعات الإسرائيلية، فإنّها شاءت ـ في الأساس ـ إحداث زلزال من شأنه أن يؤجل ـ على الأقل ـ مشاريع التطبيع الكبرى والمحتملة في المنطقة من جهة، واستفزاز إسرائيل وحملها على مهاجمة غزة بضراوة شديدة من جهة ثانية، إلى الحد الذي يجعل التعاطف الدولي تجاه إسرائيل ـ الذي حدث في الأسبوع الأول من العملية ـ يتبخر بسرعة ويحلُ محله الغضبُ الشديد إزاء المعاناة التي ستلحق حتمًا بسكان غزة البالغ عددُهم مليونين.
لا سيما وكما يشيرُ التقرير إلى أن حماس ـ بلا شك ـ لم تكن لتخطط بدقة لهجومها الجريء من دون أن تخطط أيضًا على نطاق واسع للرد على الهجوم المضاد الإسرائيلي المأمول على الأرض، ومن المرجح أن يواجه الجيشُ الإسرائيلي تمردًا عنيدًا في غزة.
بعد عام من طوفان الأقصى، واستنادًا على أدلة سرية وصفها أكثرُ من اثني عشر مسؤولًا استخباراتيًا وأمنيًا حاليًا وسابقًا من أربع دول غربية وشرق أوسطية، خلصت صحيفةُ واشنطن بوست إلى أن مخططي حماس كانوا يهدفون إلى "توجيه ضربة ذات أبعاد تاريخية، على أمل أن تجبر تصرفاتُ المجموعة إسرائيل على رد فعل ساحق، وتنتهي الصحيفة بالقول: "لقد سقطت إسرائيل في فخّهم مباشرة".
والحال أن ثمة آراء "غربية" لم تكن متعاطفةً مع القضية الفلسطينية ولا مع طبعتها المسلحة من حركاتها الوطنية، قدمت ـ لأول مرة ـ مسوّغات بررت هجوم حماس المفاجئ والذي أحدث صدمةً وزلزالًا حقيقيًا، وأعاد طرح "أسئلة الإفاقة" على النظام الدولي الذي استقرّ ـ قبله ـ على "التواطؤ" مع الفاشية الإسرائيلية، وأشعل في تلابيبه حريقًا هائلًا، تتسعُ جغرافيته يومًا بعد يوم.
عندما سُئل رافائيل س. كوهين من مؤسسة راند: ما هي العواملُ التي لعبت دورًا في العام الماضي والتي جعلت من الممكن شن هجوم حماس والخسارة المروعة في الأرواح، قال بلا تردد " الإجابة المختصرة هي الغطرسة الإستراتيجية الإسرائيلية".
فقبل هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تصورت إسرائيل أنها نجحت في احتواء حماس وردعها وإرضائها، من خلال مزيج من بناء جدار حول غزة، وخوض حروب سابقة على نطاق ضيق، والسماح بدخول المساعدات الاقتصادية إلى غزة، وتوفير تصاريح محدودة لسكان غزة للعمل في إسرائيل. ونتيجة لهذا، تصورت القيادة الإسرائيلية أنها تمكنت من حل مشكلة حماس، وكما أظهر هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، فإنها لم تكن قادرةً على ذلك.
نتائج العدوان على غزة ـ في غالبيتها ـ تشيرُ بالتواتر بعد عام من طوفان الأقصى، إلى أن العملية كانت "فخًا" محسوبًا بدقة، ليس في إطار نقل ملف القضية الفلسطينية من هامش اهتمامات العالم، إلى "متن" شواغله اليومية وحسب، وإنما أيضًا في إطار زعزعة ثقة العالم، على المستويين: الرسمي والشعبي، في صورة إسرائيل "الضحية" من جهة، والنموذج "الديمقراطي /الأخلاقي " في بيئة عربية تضج ـ كما تزعم ـ بالتوحش والاستبداد والتخلف من حولها من جهة أخرى، ناهيك عن خسارتها عصا الردع التي استندت إليها في رسم صورة "البُعبُع" الإقليمي الذي يثيرُ الفزع في أية قوة معادية لها في المنطقة من جهة ثالثة:
لقد وجّهت هجماتُ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ضربةً قويةً لسمعة إسرائيل في مجال الاستخبارات الفائقة، وللنفسية الجماعية للشعب الإسرائيلي، ولمصداقية إستراتيجيتها الرادعة بلا أدنى شك.
من بين ما يعزز فكرة "الفخ" التي توقعت ردود فعل إسرائيلية ستخصم حتمًا، من "نقاء" صورتها التي استثمرت من أجلها لعقود طويلة، أنه منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وقع أكثرُ من ألفَي هجوم عنيف على الفلسطينيين من قبل المستوطنين الإسرائيليين.
وهو معدلٌ مرتفعٌ على الإطلاق لعنف المستوطنين، وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا العنف المتزايد، اعتقلت إسرائيل ربع عدد المشتبه بهم اليهود في الضفة الغربية كما فعلت في عام 2022؛ العام الذي سبق تولي الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية السلطة، في حين استولت الحكومةُ الإسرائيليةُ رسميًا عام 2024، على أكثر من تسعة أميال مربعة من الأراضي الفلسطينية، وهي المساحةُ الكبرى في أي عام منذ تسعينيات القرن العشرين.
وفي الوقت ذاته، كشف زلزالُ طوفان الأقصى النزعات الاستبدادية المستترة خلف ادعاءات الدولة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط، ففي الأسابيع والأشهر التي أعقبت السابع من أكتوبر/ تشرين الأول مباشرة، شنت إسرائيل حملةً صارمةً على المعارضين لخط الحكومة بشأن الحرب.
وتعرّض الإسرائيليون العرب واليساريون للمضايقات وحتى الاعتقال. ووافقت وزارة بن غفير على منح تصاريح للاحتجاجات المؤيدة للحرب، ولكنها لم توافق على الاحتجاجات المناهضة للحرب، حيث دعا الوزيرُ نفسه إلى فرض حظر كامل على المظاهرات المؤيدة للسلام.
ولكن مشاكل أخرى نشأت، فبعد أن اعتقلت السلطاتُ الإسرائيليةُ جنودًا متهمين بتعذيب المعتقلين الفلسطينيين في قاعدة سدي تيمان العسكرية، اقتحم متظاهرون من اليمين المتطرف القاعدة في محاولة لتحريرهم بالقوة، وانضم أعضاءُ الكنيست الإسرائيلي إلى المجموعة التي اخترقت السياج.
إن هذا الحدث، الذي يُوصفُ على نطاق واسع بأنه السادسُ من يناير/ كانون الثاني في إسرائيل، يوضح مدى عُمق الفساد في الديمقراطية الإسرائيلية، كما قال زاك بوشامب.. كبير المراسلين بموقع فوكس.
ولا تُخفي التقاريرُ والمُحللون الإستراتيجيون في العالم أن الحرب أدت إلى تفاقم الانقسام في السياسة الأميركية، فتاريخيًا، كانت إسرائيلُ تتمتع بدعم واسع النطاق من الحزبين، ولكن هذا لم يعد الحال مع المزيد من التقدميين والناخبين الأصغر سنًا الذين يشككون في هذا المبدأ الأساسي للسياسة الخارجية الأميركية، ومن المؤكد أنّ حرب غزة أدت إلى تفاقم هذا التحول، وسوف تستمر في التأثير على سياسات الدعم الأميركي لسنوات قادمة.
لقد تسبّبت الحرب في غزة في خسارة إسرائيل الدعمَ من جانب العديد من شرائح المجتمع الأميركي، وهو الدعم الذي لن تتمكن الولايات المتحدة من استعادته بسهولة. ورغم المناقشات السياسية المكثفة التي دارت في بعض الأحيان، فإن الدعم الأميركي لإسرائيل كان تاريخيًا ثنائي الحزبية، وإذا حكمنا من خلال ردود الفعل التي أبداها العديدُ من الجامعات الأميركية الرائدة ـ والتي تُشكل بوتقة الزعماء المستقبليين ـ فإننا نستنتج أن المواقف الغربية لن تزيد إلا تشددًا ضد إسرائيل، وليس ثمة شك بأن إسرائيل تواجه مشكلةً أميركيةً سوف تكافحُ جاهدةً لمعالجتها لسنوات طويلة مُقبلة.
وتبقى الإشارة التي لفت إليها مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية حين قال: "مع كلّ ضحية مدنية نتيجة لغارة جوية إسرائيلية، تصبح حجج الغرب في الدفاع عن النظام القائم على القواعد أكثر جوفاء في الجنوب العالمي. وإذا اتخذ شي جين بينغ في مرحلة ما في المستقبل المشؤوم قرارًا بغزو تايوان، فمن المؤكد أنه سيأملُ أن يكون موقفُهُ من حرب غزة قد جعل من المُرجح أن يصطف الجنوب العالمي خلف بكين بدلًا من واشنطن".
هكذا كان "الفخُ"، الذي نصبته المقاومةُ الفلسطينيةُ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ليس لإسرائيل وحدها ولكن للنظام الدولي الذي ظل لعقود يمثلُ مظلة الحماية وشهادة الضمان التي تحمي إسرائيل من المُساءلة وأدرجها ـ بفظاظة ووقاحة ـ دولةً "فوق القانون"، لتُقدم المقاومةُ ـ بذلك ـ هذا العالم "المتواطئ" عاريًا تمامًا بلا أية إضافات من "ميكب" الحداثة والتنوير والإنسانية المزيفة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السابع من أکتوبر طوفان الأقصى تشرین الأول من جهة
إقرأ أيضاً:
كيف نجا السودان من الفخ؟
فيما كان الشعب السوداني يحتفل مع منتخبه الوطني بالتأهل إلى نهائيات الأمم الأفريقية 2025، كان مجلس الأمن يناقش أخطر مشروع قرار تقدّمت به بريطانيا بشأن السودان، والذي اصطدم بالفيتو الروسي، لتنشب إثر ذلك معركة أخرى بين الدول الكبرى، تعيد إلى الأذهان مؤامرة سايكس بيكو الاستعمارية عام 1916، التي تعاملت مع الدول العربية والأفريقية، ولاتزال، كأملاك خاضعة لها بلا سيادة.
كذبة حماية المدنيينبالرغم من أن السودان استقلّ رسميًا عن بريطانيا في عام 1956، فإنها لا تريد أن تُسلِّم بتلك الحقيقة تمامًا. وأكثر ما حزَّ في نفسها أنها فقدت واحدة من أهم مستعمراتها القديمة. ليس ذلك فحسب، وإنما وقعت الخرطوم في غرام الدب الروسي، لأن الغرب عمومًا لا يؤمن بالمصالح المشتركة، ويريد فرض أفكاره وتصوراته الليبرالية وعملائه بالقوة.
مشروع القرار البريطاني دعا الأطراف المتقاتلة هكذا سماها إلى وقف الأعمال العدائية على الفور والانخراط، بحسن نيّة، في حوار للاتفاق على خطوات لتهدئة الصراع؛ بهدف التوصل بشكل عاجل إلى وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني. كما شدد أيضًا على ضرورة حماية المدنيين.
شكليًا، فقد أدان القرار الهجمات التي تقوم بها قوات الدعم السريع على المدنيين في الجزيرة والفاشر، إلا أنه تجاهل أن مجلس الأمن سبق أن طالب "الدعم السريع" بالكفّ عن محاصرة مدينة الفاشر، لكنها لم تنصع إليه.
كما أنَّ نفس الدول التي حثّها على احترام الحظر المفروض على نقل الأسلحة إلى دارفور لازالت تُرسل الأسلحة إلى قوات حميدتي، كما لو أن الأمر لا يعنيها، وتستخدم منظمات الأمم المتحدة و"معبر أدري" تحديدًا في تزويد الدعم السريع بالطائرات المسيّرة والصواريخ، والدعم اللوجيستي. ولم تعبأ بتقرير فريق الخبراء الذي سمّى الدول المتورطة إلى جانب الدعم السريع.
وجاءت الفقرة 15 من المشروع بصياغة تشرعن العمل خارج إطار مجلس الأمن، بما يُعرف بتحالفات الراغبين، وتم إضافة سيراليون شكليًا إلى مشروع القرار كنوع من التمويه. وبذلك فإن القرار البريطاني، حتى وإن تمَّ التصويت عليه دون أي اعتراض، فلن يخدم قضية السلام، ولن يوفر الحماية المطلوبة للمدنيين الذين يتعرضون لأبشع الانتهاكات من نهب وقتل واغتصاب وإفقار، بأسلحة غربية، وقد أحال الجنجويد حياتهم إلى جحيم لا يُطاق.
إعادة إنتاج الصراعليس ثمة شك في أن بريطانيا لا تريد الخير للسودانيين، وهي متورطة في هذا الصراع، وتعمل بصورة خبيثة على إطالة أمد الحرب، وتهيئة الأجواء لفرض قوات أجنبية في مرحلة لاحقة.
كما أنها بهذا التوصيف المعوج تنزع الشرعية عن الحكومة السودانية، وتضعها في ذات الكفة مع قوة تمرّدت عليها، وأرادت انتزاع السلطة عنوة، وسفحت في سبيل ذلك أنهارًا من الدماء. فيا له من تطفيف في ميزان العدالة الدولية!
وربما لا يفوت على الضمير العالمي، بل تلك بَدَهِية في كل الحروب التي حدثت في المنطقة، أن المركز الاستعماري يستثمر في مثل هذه الصراعات من داخل المؤسسات الدولية، على طريقة ليوناردو دي كابريو في فيلم "الألماس الدموي"، عندما قال في لحظة اعتراف تحاكي الواقع: "نحنُ لا نُموِّل الحروب، ولكن نخلق الظروف التي تجعلها تستمر".
فضلًا عن أن أي اتفاق مُتعجل لوقف إطلاق النار، يكمن الشيطان في تفاصيله. وهو شيطان من صنع اللاعبين الكبار، وكل ما سيفضي إليه، بشكلٍ أو بآخر، هو إعادة إنتاج الصراع الدموي.
وبالتالي، فإن قوات حماية المدنيين، التي تتحدث عنها بريطانيا، ومن قبل سعى للتمهيد إليها تحالفُ جبال الألب تحت لافتة إنقاذ أرواح السودانيين، سوف تصبح عبئًا على الدولة، كما حدث لقوات اليوناميد في دارفور، التي ظلت تستنجد بالقوات النظامية لحمايتها من هجمات الجماعات المسلحة.
والأخطر من ذلك أن وقف التصعيد أو منع التسليح بصورة جماعية يضر بموقف الجيش السوداني أكثر من قوات التمرّد التي تتدفق إليها الأسلحة من كل مكان، بينما القوات المسلحة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك الحق في الدفاع عن الشعب السوداني.
والأهم من ذلك، ولم يخضع لطاولة النقاش، هو أن وقف إطلاق النار دون شروط، ودون استصحاب وجهة نظر الحكومة السودانية، هو بمثابة مُسكن للآلام فقط، ويحرم المواطنين من حقوقهم المسلوبة، ويسعى بالضرورة، كما تريد بريطانيا، إلى إعادة تأهيل "الدعم السريع" عسكريًا واقتصاديًا، وتمكينها من رقاب السودانيين مجددًا، والإفلات من العقاب، وكذلك مكافأتها على الجرائم التي ولغت فيها، بالمشاركة في العملية السياسية، بموجب التسوية التي يسعون إليها!
ملعب الصراعات الدوليةالغريب في جلسة مجلس الأمن التي طُرح فيها القرار المغلوط هو أن استخدام الفيتو الروسي أغضب ممثل بريطانيا بشدة، فكال الاتهامات والسباب للرئيس الروسي مباشرة، بصورة تفتقر للياقة الدبلوماسية، حيث وصف الفيتو الروسي بالعار.
واستدعى ذلك ردًا من نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي الذي انتقد المسؤول البريطاني بما وصفه بـ"مشروع الاستعمار البريطاني الجديد"، منبهًا إلى أن ما سمعه منهم يجيب عن سؤال: "لماذا تخسر المملكة المتحدة نفوذها وقوتها؟".
وطفق يُذكّر الغرب بمعاييره المزدوجة في حالة غزة، حيث تعطي هذه البلدان ذاتها "تفويضًا مطلقًا" لإسرائيل حتى تواصل التصعيد، متجاهلة الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي من قبل الجيش الإسرائيلي، وتمنحها أيضًا الأولوية في الدفاع عن النفس وحماية مواطنيها، ولكن عندما يتعلق الأمر بالسودان، فإنها "تنكر بطريقة أو بأخرى نفس الحق لحكومته وتتهم الجيش السوداني بكل الشرور".
ورغم أن الفيتو الروسي جاء بالتنسيق مع الحكومة السودانية؛ لتجنب فرض وصاية أجنبية على الشعب السوداني، فإنه يؤكد بالمقابل على حقيقة ماثلة، وهي أن السودان تحوّل بالفعل إلى ملعب للصراعات الدولية.
لا جدال في أن بريطانيا – حاملة القلم في مجلس الأمن – حاليًا تحاول بكل السبل استعادة السودان إلى طوعها، بوصفه أحد المستعمرات القديمة التي تمردت عليها، وتدرك جيدًا أن الجيش والقوى الوطنية على قطيعة مع المشروع الذي تحاول لندن فرضه عبر "تنسيقية تقدم"، وترى في رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك وجهًا ملائمًا لإنفاذ ذلك المشروع الاستعماري، الذي يسعى لنهب موارد السودان، وهو ما ثبت يقينًا بعد بضعة أشهر من الصراع، الذي أسفر عن حقائق مهمة، وهي أن الدعم السريع عبارة عن بندقية للإيجار، وأن "تنسيقية تقدم" بمثابة ذراع سياسية لهذا المشروع، والمستفيد الأول بالطبع هو إسرائيل.
صفعة مؤلمةلا شك أن القرار البريطاني أُعد على نار هادئة في (تشاتم هاوس) المعهد الملكي للشؤون الدولية، الذي يمثل أهم مطابخ صناعة السياسة الخارجية البريطانية، وتقوده سيدة إنجليزية عُرفت بمواقفها المتطرفة ضد الحكومات السودانية الوطنية، وهي روزاليند مارسدن، لكنها ربما فوجئت بمظاهرات الجالية السودانية في بريطانيا، التي حاصرتها مع مجموعة "تنسيقية تقدم" داخل مبنى (تشاتم هاوس)، نهاية الشهر الماضي، ووجهت صفعة قوية على خد الإمبراطورية التي غربت شمسها، لتجتر مشهد البواخر الإنجليزية التي جاءت تحمل المدافع للسودانيين لا الخير، وتُذكرنا بمرافعة مصطفى سعيد، بطل الروائي الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال"، أمام المحكمة التي نصبوها له: "إنني جئتكم غازيًا في عقر داركم، قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ".
عمومًا، فإن الفيتو الروسي ليس كافيًا، ثمة أزمة تحتاج إلى مواجهة قوية وصادقة، وهي الأزمة الإنسانية الأكثر فداحة في العالم، عنوانها دموع ودماء السودانيين المسفوحة على الأرض. إذ إن هناك مجموعة متوحشة، تملك قوة مسلحة، تنتزع يوميًا حق الحياة من السودانيين، وتجبرهم على النزوح والفرار بأطفالهم من الموت، لا ترقب فيهم إلًّا ولا ذمة، ما يضع الحكومة أمام مسؤولياتها في حماية المدنيين، وضرورة تفعيل الخطط الوطنية، والقيام بكل ما هو ممكن ومتاح من أجل إنقاذ الأرواح والحياة في بلاد النيلَين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية