الجزيرة:
2024-10-14@07:26:28 GMT

الفخ الذي وقع فيه نتنياهو دون أن يدري

تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT

الفخ الذي وقع فيه نتنياهو دون أن يدري

في وقت مبكر من عملية "طوفان الأقصى"، بعد أسبوع تقريبًا (13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) كتبت The Atlantic تقريرًا بعنوان رئيسي: " إسرائيل تسير نحو الفخ"، وآخر فرعي: "اقتحام غزة سيحقق رغبة حماس"..!!

في التفاصيل، يشيرُ التقريرُ ـ الذي كتبه Hussein Ibish ـ إلى أنه إذا كانت حماس شاءت من عملية (7 أكتوبر/ تشرين الأول)، استعراض البراعة العسكرية، وإظهار ضعف الاستخبارات والدفاعات الإسرائيلية، فإنّها شاءت ـ في الأساس ـ إحداث زلزال من شأنه أن يؤجل ـ على الأقل ـ مشاريع التطبيع الكبرى والمحتملة في المنطقة من جهة، واستفزاز إسرائيل وحملها على مهاجمة غزة بضراوة شديدة من جهة ثانية، إلى الحد الذي يجعل التعاطف الدولي تجاه إسرائيل ـ الذي حدث في الأسبوع الأول من العملية ـ يتبخر بسرعة ويحلُ محله الغضبُ الشديد إزاء المعاناة التي ستلحق حتمًا بسكان غزة البالغ عددُهم مليونين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحفيو فلسطين والجزيرة في مرمى إسرائيل وفشل مشهود لروايتهاlist 2 of 2كسروا أسناني.. طبيب فلسطيني يروي تفاصيل مرعبة عن ظروف اعتقالهend of list

لا سيما وكما يشيرُ التقرير إلى أن حماس ـ بلا شك ـ لم تكن لتخطط بدقة لهجومها الجريء من دون أن تخطط أيضًا على نطاق واسع للرد على الهجوم المضاد الإسرائيلي المأمول على الأرض، ومن المرجح أن يواجه الجيشُ الإسرائيلي تمردًا عنيدًا في غزة.

بعد عام من طوفان الأقصى، واستنادًا على أدلة سرية وصفها أكثرُ من اثني عشر مسؤولًا استخباراتيًا وأمنيًا حاليًا وسابقًا من أربع دول غربية وشرق أوسطية، خلصت صحيفةُ واشنطن بوست إلى أن مخططي حماس كانوا يهدفون إلى "توجيه ضربة ذات أبعاد تاريخية، على أمل أن تجبر تصرفاتُ المجموعة إسرائيل على رد فعل ساحق، وتنتهي الصحيفة بالقول: "لقد سقطت إسرائيل في فخّهم مباشرة".

والحال أن ثمة آراء "غربية" لم تكن متعاطفةً مع القضية الفلسطينية ولا مع طبعتها المسلحة من حركاتها الوطنية، قدمت ـ لأول مرة ـ مسوّغات بررت هجوم حماس المفاجئ والذي أحدث صدمةً وزلزالًا حقيقيًا، وأعاد طرح "أسئلة الإفاقة" على النظام الدولي الذي استقرّ ـ قبله ـ على "التواطؤ" مع الفاشية الإسرائيلية، وأشعل في تلابيبه حريقًا هائلًا، تتسعُ جغرافيته يومًا بعد يوم.

عندما سُئل رافائيل س. كوهين من مؤسسة راند: ما هي العواملُ التي لعبت دورًا في العام الماضي والتي جعلت من الممكن شن هجوم حماس والخسارة المروعة في الأرواح، قال بلا تردد " الإجابة المختصرة هي الغطرسة الإستراتيجية الإسرائيلية".

فقبل هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تصورت إسرائيل أنها نجحت في احتواء حماس وردعها وإرضائها، من خلال مزيج من بناء جدار حول غزة، وخوض حروب سابقة على نطاق ضيق، والسماح بدخول المساعدات الاقتصادية إلى غزة، وتوفير تصاريح محدودة لسكان غزة للعمل في إسرائيل. ونتيجة لهذا، تصورت القيادة الإسرائيلية أنها تمكنت من حل مشكلة حماس، وكما أظهر هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، فإنها لم تكن قادرةً على ذلك.

نتائج العدوان على غزة ـ في غالبيتها ـ تشيرُ بالتواتر بعد عام من طوفان الأقصى، إلى أن العملية كانت "فخًا" محسوبًا بدقة، ليس في إطار نقل ملف القضية الفلسطينية من هامش اهتمامات العالم، إلى "متن" شواغله اليومية وحسب، وإنما أيضًا في إطار زعزعة ثقة العالم، على المستويين: الرسمي والشعبي، في صورة إسرائيل "الضحية" من جهة، والنموذج "الديمقراطي /الأخلاقي " في بيئة عربية تضج ـ كما تزعم ـ بالتوحش والاستبداد والتخلف من حولها من جهة أخرى، ناهيك عن خسارتها عصا الردع التي استندت إليها في رسم صورة "البُعبُع" الإقليمي الذي يثيرُ الفزع في أية قوة معادية لها في المنطقة من جهة ثالثة:

لقد وجّهت هجماتُ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ضربةً قويةً لسمعة إسرائيل في مجال الاستخبارات الفائقة، وللنفسية الجماعية للشعب الإسرائيلي، ولمصداقية إستراتيجيتها الرادعة بلا أدنى شك.

من بين ما يعزز فكرة "الفخ" التي توقعت ردود فعل إسرائيلية ستخصم حتمًا، من "نقاء" صورتها التي استثمرت من أجلها لعقود طويلة، أنه منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وقع أكثرُ من ألفَي هجوم عنيف على الفلسطينيين من قبل المستوطنين الإسرائيليين.

وهو معدلٌ مرتفعٌ على الإطلاق لعنف المستوطنين، وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا العنف المتزايد، اعتقلت إسرائيل ربع عدد المشتبه بهم اليهود في الضفة الغربية كما فعلت في عام 2022؛ العام الذي سبق تولي الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية السلطة، في حين استولت الحكومةُ الإسرائيليةُ رسميًا عام 2024، على أكثر من تسعة أميال مربعة من الأراضي الفلسطينية، وهي المساحةُ الكبرى في أي عام منذ تسعينيات القرن العشرين.

وفي الوقت ذاته، كشف زلزالُ طوفان الأقصى النزعات الاستبدادية المستترة خلف ادعاءات الدولة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط، ففي الأسابيع والأشهر التي أعقبت السابع من أكتوبر/ تشرين الأول مباشرة، شنت إسرائيل حملةً صارمةً على المعارضين لخط الحكومة بشأن الحرب.

وتعرّض الإسرائيليون العرب واليساريون للمضايقات وحتى الاعتقال. ووافقت وزارة بن غفير على منح تصاريح للاحتجاجات المؤيدة للحرب، ولكنها لم توافق على الاحتجاجات المناهضة للحرب، حيث دعا الوزيرُ نفسه إلى فرض حظر كامل على المظاهرات المؤيدة للسلام.

ولكن مشاكل أخرى نشأت، فبعد أن اعتقلت السلطاتُ الإسرائيليةُ جنودًا متهمين بتعذيب المعتقلين الفلسطينيين في قاعدة سدي تيمان العسكرية، اقتحم متظاهرون من اليمين المتطرف القاعدة في محاولة لتحريرهم بالقوة، وانضم أعضاءُ الكنيست الإسرائيلي إلى المجموعة التي اخترقت السياج.

إن هذا الحدث، الذي يُوصفُ على نطاق واسع بأنه السادسُ من يناير/ كانون الثاني في إسرائيل، يوضح مدى عُمق الفساد في الديمقراطية الإسرائيلية، كما قال زاك بوشامب.. كبير المراسلين بموقع فوكس.

ولا تُخفي التقاريرُ والمُحللون الإستراتيجيون في العالم أن الحرب أدت إلى تفاقم الانقسام في السياسة الأميركية، فتاريخيًا، كانت إسرائيلُ تتمتع بدعم واسع النطاق من الحزبين، ولكن هذا لم يعد الحال مع المزيد من التقدميين والناخبين الأصغر سنًا الذين يشككون في هذا المبدأ الأساسي للسياسة الخارجية الأميركية، ومن المؤكد أنّ حرب غزة أدت إلى تفاقم هذا التحول، وسوف تستمر في التأثير على سياسات الدعم الأميركي لسنوات قادمة.

لقد تسبّبت الحرب في غزة في خسارة إسرائيل الدعمَ من جانب العديد من شرائح المجتمع الأميركي، وهو الدعم الذي لن تتمكن الولايات المتحدة من استعادته بسهولة. ورغم المناقشات السياسية المكثفة التي دارت في بعض الأحيان، فإن الدعم الأميركي لإسرائيل كان تاريخيًا ثنائي الحزبية، وإذا حكمنا من خلال ردود الفعل التي أبداها العديدُ من الجامعات الأميركية الرائدة ـ والتي تُشكل بوتقة الزعماء المستقبليين ـ فإننا نستنتج أن المواقف الغربية لن تزيد إلا تشددًا ضد إسرائيل، وليس ثمة شك بأن إسرائيل تواجه مشكلةً أميركيةً سوف تكافحُ جاهدةً لمعالجتها لسنوات طويلة مُقبلة.

وتبقى الإشارة التي لفت إليها مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية حين قال: "مع كلّ ضحية مدنية نتيجة لغارة جوية إسرائيلية، تصبح حجج الغرب في الدفاع عن النظام القائم على القواعد أكثر جوفاء في الجنوب العالمي. وإذا اتخذ شي جين بينغ في مرحلة ما في المستقبل المشؤوم قرارًا بغزو تايوان، فمن المؤكد أنه سيأملُ أن يكون موقفُهُ من حرب غزة قد جعل من المُرجح أن يصطف الجنوب العالمي خلف بكين بدلًا من واشنطن".

هكذا كان "الفخُ"، الذي نصبته المقاومةُ الفلسطينيةُ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ليس لإسرائيل وحدها ولكن للنظام الدولي الذي ظل لعقود يمثلُ مظلة الحماية وشهادة الضمان التي تحمي إسرائيل من المُساءلة وأدرجها ـ بفظاظة ووقاحة ـ دولةً "فوق القانون"، لتُقدم المقاومةُ ـ بذلك ـ هذا العالم "المتواطئ" عاريًا تمامًا بلا أية إضافات من "ميكب" الحداثة والتنوير والإنسانية المزيفة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السابع من أکتوبر طوفان الأقصى تشرین الأول من جهة

إقرأ أيضاً:

ضرب النووي الإيراني.. معضلة نتنياهو والحلم الذي يراوده

لطالما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مواجهة المشروع النووي الإيراني مرتكزا لسياسته الخارجية والأمنية، فقبل وصوله إلى الحكم بسنوات نشر مقالا عام 1993 حذر فيه من خطر هذا المشروع على وجود إسرائيل.

وعبّر نتنياهو مرارا عن قناعته بأن "التهديد الأكثر خطورة على وجود إسرائيل ليس موجودا اليوم في الدول العربية وإنما في إيران التي ستكون لديها قنبلة نووية في سنة 1999″، مؤكدا أن على إسرائيل العمل بسرعة على وضع حد لهذا الخطر الذي يهدد وجودها.

وخلال سنوات حكمه الطويلة انتهج نتنياهو سياسة تقوم على عنصرين أساسيين في مواجهة المشروع النووي الإيراني، أولهما يقوم على حشد دولي وإقليمي لفرض عقوبات قاسية على إيران تجبرها على التخلي عن مشروعها النووي، وفي حال فشل هذا المسار العمل بصرامة على استخدام القوة العسكرية لتنفيذ المهمة.

تفرد إسرائيل بالقوة

تقوم النظرية الأمنية الإسرائيلية التقليدية على ضمان التفوق العسكري الإقليمي والتفرد بقوة الردع الإستراتيجي النووي، وهي النظرية التي أرسى قواعدها أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، وطبقها من بعده مناحيم بيغن، وينتمي نتنياهو إلى هذه النظرية.

وقد دمرت إسرائيل في عام 1981 إبان حكم بيغن المفاعل النووي العراقي، ثم دمرت في عام 2007 المنشأة النووية السورية خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت.

وقد غامر نتنياهو مرارا بعلاقاته مع الإدارات الأميركية الديمقراطية بسبب معارضته الدائمة أي اتفاق دولي مع إيران بشأن برنامجها النووي لا يضمن تخلي طهران عن مشروعها، ودخل في مواجهة علنية مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما بلغت ذروتها بعد اتفاق دول "5+1" عام 2015 مع إيران حين وجه خطابا شهيرا في الكونغرس الأميركي هاجم فيه إدارة أوباما.

واعتبرت تلك اللحظة مفصلية في تحالف نتنياهو مع الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب، وظهر ذلك من خلال النجاح الاستثنائي الذي حققه حين اقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018.

لكن سياسة نتنياهو في دفع إدارة ترامب إلى فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران أدت إلى اتجاه مغاير من طهران التي جعلت من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي فرصة لدفع برنامجها إلى الأمام وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم بشكل مطرد أصبحت به "دولةَ عتبةٍ نووية"، وامتلكت المتطلبات الأولية للانضمام إلى النادي النووي الدولي.

ووفقا للوكالة الدولية للطاقة النووية، زادت إيران إجمالي احتياطيها من اليورانيوم المخصب حتى منتصف مايو/أيار 2022 بأكثر من 18 مرة حتى وصل إلى 3809 كيلوغرامات بدلا من 202 كيلوغرام وفق الاتفاق النووي.

حرب الظلال

انتهج نتنياهو مدعوما من المؤسستين الأمنية والعسكرية خيارا وسطا بين الحرب المباشرة على إيران وضرب مشروعها النووي، وبين الاكتفاء بالرهان على العقوبات الاقتصادية، وتمثل ذلك الخيار الوسط بتوجيه ضربات إلى أهداف ومصالح إيرانية في سوريا والعراق وحتى داخل إيران، بحيث لا تتبناها إسرائيل.

وشملت تلك الضربات سلسلة اغتيالات لمستشارين وقادة في الحرس الثوري الإيراني وعلماء ومهندسين مرتبطين بالمشروع النووي الإيراني، أبرزهم محسن فخري زاده في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 الذي يعد "الأب للمشروع النووي الإيراني".

وسريعا ما انتقلت حرب الظلال لتصل إلى مبتغاها الأساسي، وهو المشروع النووي الإيراني، وكان من بين هذه العمليات العسكرية اعتداءات كبيرة على منشأة نطنز، وقع الأول في يوليو/تموز 2020، إذ أتى حريق كبير على جزء من منشأة لإنتاج أجهزة التخصيب، وجرى الثاني في أبريل/نيسان 2021، وقد دمر انفجار كبير نظام الكهرباء الداخلي الذي يغذي أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في باطن الأرض.

من جانبها، وجدت إيران أن جبهة البحر إحدى نقاط الضعف الإسرائيلية التي يمكن لطهران من خلالها الرد على استهدافات واغتيالات إسرائيل غير المعلنة، وشنت طهران ما بين 2021-2023 سلسلة هجمات على سفن مرتبطة بإسرائيل كرد على حرب الظلال الإسرائيلية.

لم تشكل نتيجة حرب الظلال إنجازا إستراتيجيا لإسرائيل، فلم توقف المشروع النووي الإيراني ولم تلحق به أضرارا تذكر، كما لم تحقق أهدافها فيما يخص النفوذ الإيراني في المنطقة ومسارات دعم حلفائها بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين.

تصاعدت الضربات البينية بين إيران وإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (غيتي) الخيار العسكري

وقد ولّد ذلك شعورا خاصا عند نتنياهو -الذي عاد للحكم- إلى أن خيارات العقوبات الاقتصادية وحرب الظلال واستهداف حلفاء إيران في المنطقة لن تؤدي في نهاية المطاف إلى دفع إيران للتراجع عن مشروعها النووي، وعلى إثر ذلك بدأت القيادات السياسة والعسكرية الإسرائيلية في الحديث عن الخيار العسكري الإسرائيلي.

وتواجه إسرائيل تحديات فنية عدة أمام الخيار العسكري ضد المشروع النووي الإيراني، ويحتاج الأمر إلى مشاركة أميركية مباشرة في الهجوم، مما يعيد النقاش بشأن الدور الأميركي إلى محوريته الأساسية، فالمسافة الفاصلة بين إسرائيل والمواقع النووية الإيرانية تتراوح بين 1200و1500 كلم، وهي مسافة تحتاج استعدادا عسكريا خاصا على صعيد الطائرات المستخدمة، والراجح أن إسرائيل لا تمتلك القدرات اللازمة لتوجيه هذه الضربة.

وهناك حاجة إلى قنابل هائلة القوة قادرة على اختراق عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة المسلحة، والسلاح الوحيد الذي قد يحقق هذا الهدف بشكل معقول هو القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي"، وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية فإن هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة.

الأمر الآخر أن هذه القنبلة لا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بما في ذلك طائرات الجيل الخامس "إف-35" التي تمتلكها إسرائيل، وفي الواقع، فإن هذه القنابل تُحمَل فقط عبر قاذفة الشبح الأميركية "بي-2 سبيريت" التي لا توجد منها سوى 21 نسخة فقط عالميا تُشغَّل جميعا بواسطة القوات الجوية الأميركية.

وتتخطى تعقيدات العملية مسألة القنبلة والتقنيات إلى الحاجة لغطاء سياسي وعسكري أميركي، وقبل ذلك الاتفاق على تقدير الموقف حيال توجيه ضربة إلى منشآت إيران النووية وما سينتج عن ذلك من ردة فعل إيرانية.

مناورات عسكرية إيرانية في منطقة أصفهان خلال أكتوبر الماضي (رويترز) ضربات متبادلة

ومع تصاعد الضربات البينية بين إيران وإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أظهرت طهران أن خياراتها في الرد على استهداف مصالحها وسيادتها تجاوزت خطوطا حمرا نشأت عبر سنوات من معادلات الردع المتبادل بين الجانبين.

كما أن أبرز نتائج التصعيد المتبادل بين الجانبين احتياج إسرائيل إلى المنظومة الأميركية والغربية المنتشرة في المنطقة للدفاع عنها أمام الضربات الإيرانية.

وقد أحدثت الضربة الإيرانية الأخيرة -التي جاءت ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران والتصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله واغتيال أمينه العام حسن نصر الله– صدمة داخل إسرائيل وحلفائها بعد نجاح إيران في توجيه ضربات محددة إلى قواعد عسكرية إسرائيلية، واقتربت بذلك المخاوف الأميركية من الواقع باندلاع صراع إقليمي واسع.

ومما يصعّب الأمر على الولايات المتحدة أن التصعيد الحاصل هذه الأيام يأتي في ظلال عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حماس قبل عام، إذ يأتي التصعيد كنتيجة لعملية الطوفان واستجابة لها وتطورا في نظريتها ونجاحا لمن أطلقها بتعاظم التحديات أمام إسرائيل في المنطقة ومنعها من كسب الحرب التي تشنها في غزة ولبنان وعموم المنطقة.

نشوة إسرائيلية

وبعد توجيهه ضربة قوية إلى حليف إيران الأبرز في المنطقة (حزب الله) وبدء عملية عسكرية برية في الجنوب اللبناني، وعقب الرد الإيراني الأخير، ومع حالة النشوة التي يشعر بها نتنياهو تصاعدت في الأيام الأخيرة التكهنات بشأن طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على الرد الإيراني غير المسبوق، ومن بين تلك الخيارات المطروحة توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية، وهي اللحظة التي انتظرها نتنياهو طويلا.

لكن الأيام الأخيرة التي تلت العملية البرية في جنوب لبنان وأداء حزب الله التصاعدي والذي بدا عليه التماسك قد أعادت نتنياهو إلى مرحلة الحسابات التي حكمت سلوكه حيال هذه القضية لسنوات، فتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية ما زال يحمل التداعيات نفسها في ظل حفاظ حزب الله وحلفاء إيران في المنطقة على قدرتهم على توجيه ضربات مباشرة إلى العمق الإسرائيلي.

وقد ظهرت هذه الحسابات بالتحفظات التي أبدتها إدارة بايدن بضرورة أن يكون رد إسرائيل منسجما مع مبدئها بعدم اندلاع حرب شاملة وإقليمية في المنطقة، وهي كلمة السر لعدم استهداف مصالح حيوية لإيران، خاصة مشروعها النووي.

وحذر بايدن إسرائيل من استهداف مواقع نووية أو منشآت الطاقة، وقال إن أي رد يجب أن يكون "متناسبا" مع الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل الأسبوع الماضي، مما يعني أنه يعترف بأن هناك ضرورة لرد مضاد.

ورغم تعهدات الولايات المتحدة المتكررة بضمان أمن إسرائيل فإن إصرار إدارة بايدن على عقد مشاورات مع نتنياهو يُظهر أن الطريق ليست معبدا لضربة للمشروع النووي الإيراني كما يحلم رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وبدا ذلك من خلال حديث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الذي كان "واضحا" مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت بأن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل تجنب اتخاذ خطوات انتقامية قد تؤدي إلى تصعيد جديد من قبل الإيرانيين، كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز، فالتصعيد الذي أحدثه نتنياهو في المنطقة عبر إصراره على استمرار الحرب على غزة وتوسيعها نحو لبنان لم يحسم الحرب مع محور المقاومة ولم يضعفه بالمستوى الذي يجعل من ضرب إيران ومنشآتها النووية أمرا عابرا أو تحصيل حاصل.

حلم يراوح مكانه

تمنح أجواء التصعيد الحالية إيران وحلفاءها الشرعية اللازمة لاستمرار توجيه ضربات إلى العمق الإسرائيلي، مما سيعود بتبعات ثقيلة على إسرائيل خلافا لما يحرص نتنياهو على إظهاره من تفوق عسكري حاسم، وسيدفع ذلك الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية في إطار اضطرارها للدفاع عن إسرائيل.

وفي ظل التعقيد الذي تفرضه الانتخابات الأميركية المقبلة على الإدارة الديمقراطية فإن الذهاب إلى خيار حرب إقليمية يتورط فيها الجيش الأميركي لا يخدم مساعي الديمقراطيين ومرشحتهم للرئاسة كامالا هاريس بالفوز في الانتخابات.

وعليه، فإن الظرف العسكري والتصعيد الحاصل في المنطقة والتعهد الإيراني بتجاوز الصبر الإستراتيجي أمام الاعتداءات الإسرائيلية والتقييم الأميركي بأن ضرب المنشآت النووية الإيرانية سيعني بالضرورة حربا إقليمية لا تريدها الإدارة الديمقراطية، ولذلك فإن أحلام نتنياهو بضرب المشروع النووي الإيراني تراوح مكانها ويعتريها شك كبير.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تسرّب وثائق تزعم أن حماس خطّطت لضرب ناطحات سحاب واستخدام قطارات وعربات خيول
  • دبلوماسي إسرائيلي يوضح سبب عدم رغبة نتنياهو بإنهاء الحرب في لبنان وغزة
  • ضرب النووي الإيراني.. معضلة نتنياهو والحلم الذي يراوده
  • لا جزئياً ولا كلياً..إيران تنفي علمها أو صلتها بهجوم حماس في 7 أكتوبر 
  • واشنطن بوست عن وثائق تملكها إسرائيل: حماس حصلت قبل 7 أكتوبر على "دعم مبدئي" من إيران وحزب الله لكنهما طلبا وقتا أطول لدراسة المخطط
  • واشنطن بوست عن وثائق تملكها إسرائيل: قادة حماس خططوا قبل 7 أكتوبر لموجة هجمات ضد إسرائيل تشمل ضرب ناطحة سحاب في تل أبيب
  • تقرير يكشف.. حماس حاولت إقناع حزب الله وإيران بهجوم 7 تشرين الأول
  • إسرائيل اعتقلت صحفيا أمريكيا اتهمته بكشف المواقع التي ضربها القصف الصاروخي الإيراني
  • عن حماس في لبنان.. ماذا أعلنت إسرائيل؟