هل أصبح بمقدور الجميع أن يصبحوا فنانين وكتّابا بمساعدة الذكاء الاصطناعي؟
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
د.سالم الشعيلي: وجود المبدعين ضروري لإنشاء أعمال فنية أصيلة وذات مغزى
م. سعود المخيني: مهما كان الذكاء الاصطناعي خلاقاً فهو لا يستطيع إنتاج ما لم يدرّب عليه
أ.د فخرية اليحيائية: التكنولوجيا متغيرة بشكل سريع وقد لا تتمكن القوانين من مواكبة سرعتها
عبدالله خميس: قد يتوقف الإنسان في المستقبل عن الحاجة إلى نصوص إبداعية عميقة ويكتفي بما ينتجه الذكاء الصناعي
سمير النمري: ستكون هناك محاولات عالمية لوضع قوانين ومعايير رقابية لكنها لن تكون ذات جدوى
محمد العجمي: تخلو الأعمال الفنية والأدبية للذكاء الاصطناعي من الحس البشري لذلك بالإمكان تمييزها
ذكرت مجلة "ساينس" أن الذكاء الاصطناعي يتسبب في "تحويل أساسي" للإبداع البشري، لما لأدواته من قدرة في تقديم وسائط فنية عالية الجودة للفنون المرئية، وفن المفهوم والموسيقى والأدب، إلى جانب الفيديو والرسوم المتحركة.
وبعد ما شهده العالم من إعادة لأصوات الكثير من الفنانين وجعل حناجرهم تغني بأغان لم تكن يوما لهم، ومحاكاته للسرد القصصي والكتابة الأدبية للدرجة التي اتهمه فيها كتاب ثلاثة باستخدام محتوى كتبهم، نتساءل اليوم: إلى أي حد يمكن للذكاء الاصناعي أن يتسبب في قتل الفن والكتابة والموسيقى؟ هل ينذر بزوالها فعلا؟ هل يمكن ببساطة أي يصبح من يشاء كاتبا أو فنانا بواسطة هذه الأدوات؟ وهل سنصبح قادرين على أن نميز بين الفن والكتابة الأصيلة وبين ما هو مصطنع في المستقبل؟ وهل وجود قانون للذكاء الاصطناعي وتشديد المعايير الرقابية المتعلقة ببعض البرامج ستكون سهلة التطبيق وناجحة في آن معا؟!
***************************************************************
الإبداع الحقيقي مهارة بشرية صعبة
يصف الدكتور سالم بن حميد الشعيلي مدير دائرة الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، يصف الذكاء الاصطناعي بالتقنية القوية التي يمكن أن يكون لها تأثير عميق على العديد من جوانب حياتنا، بما في ذلك الفن والكتابة والموسيقى. وقال: "يعتقد الكثيرون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقتل الفن والكتابة والموسيقى، حيث تشير بعض المصادر إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤثر على الإبداع البشري ويقلل من قدرتنا على الابتكار والتأمل والتواصل. ومع ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا أن يساعد في تحسين الفنون المرئية والموسيقى والأدب والفيديو والرسوم المتحركة. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء موسيقى جديدة وتحويلها إلى أغنية أصلية في ثوانٍ قليلة. ويمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء فيديوهات رسوم متحركة عالية الجودة في دقائق. ومع ذلك، يبقى الإبداع الحقيقي مهارة بشرية صعبة يصعب تحقيقها بواسطة الذكاء الاصطناعي. ويعتبر الكتابة والأدب أكثر صعوبة بالنسبة للذكاء الاصطناعي لإظهار إمكانيته للإبداع الحقيقي، حيث يعتمد معنى الجملة على معرفة أكثر بكثير من مجرد معنى الكلمات، ويرتبط بالسياق والمعرفة السابقة والخلفية الإنسانية. لذلك، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يتسبب في قتل الفن والكتابة والموسيقى، ولكنه يمكن أن يساعد في تحسينها وتطويرها".
وتابع: "من غير المرجح أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى زوال الفن والكتابة والموسيقى. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد الفنانين والكتاب والموسيقيين على إنشاء أعمال فنية أكثر إبداعًا وابتكارًا، إلا أنه لن يكون قادرًا على استبدال الإبداع البشري. سيظل الفنانون والكتاب والموسيقيون ضروريين لإنشاء أعمال فنية أصيلة وذات مغزى". ويتوقع الشعيلي أن من المرجح أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الإبداع البشري، وقال: "يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الفنانين والكتاب والموسيقيين على الخروج من مناطق الراحة الخاصة بهم وتجريبية مع أفكار جديدة. يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا الفنانين والكتاب والموسيقيين على الوصول إلى جمهور أكبر".
وأضاف: "لا يمكن لأي شخص أن يصبح كاتبًا أو فنانًا ببساطة باستخدام الذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي هو أداة يمكن أن تساعد الفنانين والكتاب، ولكنه لا يمكنه استبدال إبداعهم أو موهبتهم. فالذكاء الاصطناعة وسيلة لتعبير احساس ومشاعر الفنانين والادباء وليس بأن يكون له نفس شعورهم وأحاسيسهم حيث يبقى الإبداع الحقيقي مهارة بشرية صعبة يصعب تحقيقها بواسطة الذكاء الاصطناعي. الكتابة والأدب أكثر صعوبة بكثير بالنسبة للذكاء الاصطناعي لإظهار إمكانيته للإبداع الحقيقي، حيث يعتمد معنى الجملة على معرفة أكثر بكثير من مجرد معنى الكلمات، ويرتبط بالسياق والمعرفة السابقة والخلفية الإنسانية. لذلك، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يتسبب في قتل الفن والكتابة والموسيقى، ولكنه يمكن أن يساعد في تحسينها وتطويرها".
وفي سؤال: هل سنصبح قادرين على أن نميز بين الفن والكتابة الأصيلة وبين ما هو مصطنع في المستقبل؟ أجاب: "من الصعب، وقد يكون من المحتمل أن نصبح قادرين على التمييز بين الفن والكتابة الأصيلة وبين ما هو مصطنع في المستقبل. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي لا يزال قيد التطوير، ومن غير المرجح أن يكون قادرًا على إنشاء أعمال فنية وكتابة تشبه الإنسان تمامًا في أي وقت قريب".
وعدد الشعيلي طرقا يمكننا من خلالها التمييز بين الفن والكتابة الأصيلة وبين ما هو مصطنع، بقوله: "على سبيل المثال، يمكننا البحث عن أدلة على التلاعب البشري في العمل الفني، مثل أخطاء الإملاء أو القواعد النحوية. يمكننا أيضًا البحث عن أدلة على أن العمل الفني قد تم إنشاؤه بواسطة نموذج تعلم آلي، مثل تكرار الأنماط أو القوالب".
وأضاف: "في النهاية، من المهم أن نتذكر أن الفن والكتابة الجيدة هي تعبير عن الذات البشرية. الذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء أعمال فنية وكتابة رائعة، لكنها لن تكون أبدًا قادرة على استبدال الإبداع البشري."
وحول وجود قانون للذكاء الاصطناعي وتشديد المعايير الرقابية المتعلقة ببعض البرامج ومدى سهولتها ونجاحها قال: "من الصعب القول ما إذا كان وجود قانون للذكاء الاصطناعي وتشديد المعايير الرقابية المتعلقة ببعض البرامج ستكون سهلة التطبيق وناجحة في آن معا. سيعتمد ذلك على عدد من العوامل، بما في ذلك تعقيد القوانين والمعايير، ومدى التزام الشركات والأفراد بها، ومدى فعالية آليات المراقبة والتنفيذ. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي هو أداة قوية يمكن أن تستخدم للخير أو للشر. من المهم أن يكون لدينا قوانين ومعايير في مكانها لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وآمنة."
وذكر الشعيلي بعضا من العوامل التي قد تؤثر على مدى نجاح قانون للذكاء الاصطناعي وتشديد المعايير الرقابية المتعلقة ببعض البرامج منها: تعقيد القوانين والمعايير: إذا كانت القوانين والمعايير معقدة للغاية، فمن المرجح أن يكون من الصعب الالتزام بها. من المهم أن تكون القوانين والمعايير واضحة ومباشرة حتى يتمكن الناس من فهمها وتطبيقها. إلى جانب مدى التزام الشركات والأفراد: إذا لم تكن الشركات والأفراد ملتزمة بالقوانين والمعايير، فمن المرجح أن تكون غير فعالة. من المهم أن يكون هناك آليات للتأكد من أن الشركات والأفراد ملتزمون بالقوانين والمعايير. بالإضافة إلى مدى فعالية آليات المراقبة والتنفيذ: إذا لم تكن آليات المراقبة والتنفيذ فعالة، فمن المرجح أن تكون القوانين والمعايير غير فعالة. من المهم أن تكون آليات المراقبة والتنفيذ قوية وفعالة حتى تتمكن من ضمان الالتزام بالقوانين والمعايير.
وأشار الشعيلي إلى أنه من المهم أن يكون لدينا قوانين ومعايير في مكانها لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وآمنة. ومع ذلك، من المهم أيضًا أن تكون هذه القوانين والمعايير واقعية وعملية وقابلة للتنفيذ.
تشوه سمعي وبصري..وفوضى فنية
يؤكد المنهدس سعود بن محمد المخيني رئيس مؤسس لمجموعة برق للتكنولوجيا المتقدمة – مهندس تطوير المنتجات أول بمختبرات برق، إلى أنه مع التطور المتسارع لخوارزميات وأدوات الذكاء الاصطناعي بمختلف إصداراتها وتخصصاتها نال الفن و الموسيقى نصيب واسع من هذه الأدوات التي تحتمل جوانب متعددة بين الإيجابي والسلبي، وقال: "تمكنت هذه التقنية العظيمة من تحسين جودة عدد من التسجيلات الموسيقية القديمة واستعادة رونقها و رفع جودتها بشكل مذهل. ولكن سقف الاستخدامات لم يتوقف هنا فتعليم الآلة أخذ منحنى كبير بتدريب النظام لالتقاط مخارج الحروف و نبرة الصوت و تقلديها و تقليد عدد من الفنانين و الشخصيات المعروفة، هنا تبدأ خطوط التلامس بين الإيجابيات والسلبيات لهذه التقنية". وأضاف: "المستقبل يبدو مجهولا و ضبابيا بصورة كبيرة. هل تستمر الأنظمة بتطوير الموسيقى و الأغاني و اللوحات الفنية بشكل مستمر؟ إذا كانت الإجابة لا، واقتصرت الاستخدامات لتحسين الجودة و تسهيل المهام فهي تقنية مساعدة بلا شك وذات أهمية كبيرة. أما إذا كانت الإجابة لا، فهي كارثة كبيرة بلا شك. وإذا ما استمرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي بإصدار أعمالها الفنية فسوف يفقد الفن البشري رونقه و حدود ابداعه، بل سوف ينتج فن مشوه بصورة كبيرة جداً. الذكاء الاصطناعي مهما كان خلاقاً فهو لا يستطيع إنتاج شي غير مدرب عليه. في ما معناه لا يمكنه أن يرسم الموناليزا أو لوحة تنافس فان جوخ بدون أن يتم تدريبه على أعمال مشابهة و الدمج بينها.
وحول وجود قانون ضابط، وضح المخيني أن الخلط المستمر في هذه الخوارزميات بين لوحات عديدة وأصوات فنانين عدة قد يأخذ البشرية إلى منحنى كبير من التشوه السمعي والبصري والفوضى الفنية. وقال: "يعد وجود الأنظمة والقوانين والتشريعات أمر ضروري للغاية لتشريع استخدامات التقنية وحدودها، ولكن هل سوف يكون تطبيقه سهل؟ - لا أعتقد ذلك أبدا. نحن نحاول محاربة القرصنة منذ عقود ولم ننجح الى اليوم، فكيف لنا أن نضبط الاستخدام المجنون والجامح لهذه التقنية. لذلك المستقبل من وجهة نظري يحمل صورة ضبابية بهذا الخصوص. قد نتجه لتقنين مخرجات هذه الأنظمة بحصرها على تطبيقات معينة أو بوضع بصمة قانونية على كل عمل ولكن ما زال تطبيق كل ذلك أمر صعب للغاية.
أوامر البشر هي الأساس في عمل الذكاء الاصطناعي
تلفت الأستاذة الدكتورة فخرية اليحيائية أستاذة الفنون ومساعدة العميد للدراسات العليا والبحث العلمي بكلية التربية – جامعة السلطان قابوس إلى أنه يجب أن نعي أن الإبداع الإنساني له جوانب فريدة لا يمكن للتكنولوجيا أن تحل محلها، وهو ما يجعل الفنون ذات الطابع الإنساني تستمر في التطور والنمو رغم كل المتغيرا، وقالت: "يجب أن يكون تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي تعامل عقلاني؛ ليكون شريكاً للإبداع الإنساني وليس ندًا حتى يتحول القلق و الخوف إلى النجاح في عملية الاستفادة من إمكانيات التكنولوجيا. فأدوات الذكاء الاصطناعي هي معينات توفر لنا وسائط أو وسائل لا أكثر لإنتاج الأعمال الإبداعية أيا كان نوعها، ولها إمكانيات خاصة تختلف في خصائصها وملامحها عن إمكانيات التفكير البشري في الإبداع. وهذا يرد على مخاوف أولئك الذين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سوف يقتل الفن أو يكون نذيرا بزوال الإبداع البشري. لذلك لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج شيءٍ بدون العقل البشري، وبالتالي لن يتمكن من قتل الفن والكتابة والموسيقي كليا، لأنه أداة تستخدم بأمر من البشر لتعزيز العملية الإبداعية. وأعتقد أن اقصى ما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي هو تحويل أفكار المبدعين والفنانين الى منتج في قالب جديد يختلف عن نوعية منتجه التقليدي".
وأضافت: "لا نتوقع أن يختلف اثنان أن المنتج الابداعي المنفذ بالذكاء الاصطناعي واضح المعالم والتفاصيل عن المنتج المنفذ بالذكاء البشري؛ فالفن الأصيل لا يزال يحتفظ بقيمته وأهميته الثقافية والإنسانية، أما تلك الأعمال المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي فهي لا تتمتع بنفس العوامل الإنسانية الفريدة التي قد تكون موجودة في الأعمال الفنية البشرية وانما هي مجرد محاكاة لأنماط وثيمات وجودة الأعمال الإنسانية الحقيقية. فالأعمال الأصيلة لها خصائصها من تعقيد وعاطفة ومشاعر لا تستطيع الآلة توفيرها مهما حاولت، إذ لا يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي بالكامل محل الفنانين والكتاب والمبدعين البشر، لأن للإبداع الإنساني الجوانب العاطفية والثقافية والاجتماعية التي تضيف قيمة للأعمال الفنية. وهذا ما يجعلنا قادرين أن نميز بين الفن والكتابة الأصيلة وبين ما هو منتج بواسطة التكنولوجيا وبين الابداع الإنساني الأصيل؛ لان الفن الأصيل يحتفظ بقيمته وأهميته الثقافية والإنسانية.
وتابعت: " أما الجدل الذي يثار حول توظيف أصوات الممثلين والمغنيين من قبل الذكاء الاصطناعي فحقيقة الأمر هو أن الأصوات الحقيقية هي الوسيط والمادة الخام التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي. وبنظرة أكثر تفاؤلية كونه لا مفر من معطيات العصر المتجددة والمتغيرة بشكل سريع؛ يجب أن يحّول القلق الزائد من قبل الفنانين حول استخدامات الذكاء الاصطناعي في الموسيقى والكتابة لمصلحة ابداعاتهم وإثراء توجهاتهم الفنية والثقافية ورغم نظرتنا المتفائلة فاننا لا ننكر اتفاقنا مع الكثيرين حول الخوف من فقدان الجانب الإنساني عند الاستخدام الزائد للذكاء الاصطناعي في مجالات مرتبطة أساسا بالجانب البشري؛ لذا يجب ان يكون المشتغلين بالتجربة الإبداعية حريصين في كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في العمل الفني والأدبي."
وعن إيجاد قانون ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجالات الابداعية قالت: "أعتقد من الصعوبة إيجادها أو ربما هي ليست بالعملية السهلة، إلا إذا فكرت الشركات المتخصصة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إيجاد أدوات رقابية خاصة باستخدام التكنولوجيا، وغير ذلك سوف يكون الوضع صعب جدا كون التكنولوجيا متغيرة بشكل سريع ولا يمكن للقوانين أن تواكب سرعتها، وهي عابرة للقارات وبالتالي لا يمكن من توحيد قوانين عالمية تتفق عليه الدول عالمياً.
بين الأصيل المعقد والسريع السهل
بدأ الكاتب العماني عبدالله خميس بالإجابة على سؤال:هل سنصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها التفريق بين ما ينتجه الذكاء الصناعي وما ينتجه البشر من نصوص مكتوبة وأعمال فنية بصرية؟ بقوله: "لقد وصلنا إلى هذه المرحلة فعلا، فبرامج توليد الصور باستخدام الذكاء الصناعي بات بإمكانها توليد الصور أو لوحات تشكيلية شديدة الواقعية، فالصور التي ينتجها الذكاء الصناعي بإمكانها أن تحاكي تماما نتاج أفضل كاميرات التصوير الضوئي الاحترافية ويصعب التفريق بينهما، والأمر كذلك بالنسبة للوحات التشكيلية التي يتم إنتاجها بالذكاء الصناعي. وتدليلا على ذلك فإن أحد المصورين الفوتوغرافيين قد فاز بجائزة عن صورة فوتوغرافية "التقطها"، وفي معرض تسلمه للجائزة فاجأ الحضور بأنه قام بإنتاج الصورة باستخدام الذكاء الصناعي وذلك بهدف التوعية والتنبيه بما أصبح الذكاء الصناعي قادرا على القيام به. أما فيما يتعلق بالكتابة فقد يكون الأمر مختلفا بعض الشيء؛ إذ يمكن للذكاء الاصطناعي خلال فترتنا الراهنة أن ينتج مقالات يصعب تمييزها عن المقالات التي يكتبها الإنسان، ولعله أيضا يستطيع أن يكتب بعض القصص (لا سيما قصص الخيال العلمي أو القصص التي لا تتطلب أبعادا سردية معقدة ومتشابكة)، نقول أنه يستطيع أن ينتج قصصا من هذا النوع يصعب التفريق هل كتبها الإنسان أم الذكاء الصناعي. لكن الأمر لا يزال أكثر تعقيدا فيما يتعلق بالروايات والأشعار الخلاقة."
وأضاف: "يستطيع الذكاء الصناعي أيضا أن يساعد مصممي الجرافيك ومستخدمي الفوتوشوب في إنتاج أعمال جرافيكية في ثوان محدودة، وهذا ما يدق جرس الإنذار عند كثير من مصممي الجرافيك خشية انقراض وظيفتهم. لكن مصممي الجرافيك الذين يستخدمون الذكاء الصناعي يقولون إنهم يستطيعون توظيف الذكاء الصناعي كأداة مساعدة لتعزيز إبداعهم وأن الذكاء الصناعي يمكن أن يحل محل مصمم الجرافيك التقليدي وغير المتجدد، لكنه يمكن أن يصبح على الطرف الآخر أداه في يد مصمم الجرافيك الخلاق يستفيد منها لتقديم أعمال أكثر إبداعا في زمن أقصر وربما بجهد أقل. أظن أن شيئا من هذا سينطبق على الكتابة، فعلى سبيل المثال يمكن للذكاء الصناعي اليوم أن يكتب الحبكة الرئيسية لسيناريو فيلم سينمائي كأفلام هوليوود الرائجة التي تعتمد على البطل الذي يواجه الأشرار في خط سردي مباشر و فقير، ولكن ليس بمقدور الذكاء الصناعي بعد أن يكتب سيناريو فيلم يعتمد على نموذج آخر من السرد، فالذكاء الصناعي التوليديّ لغاية الآن ما زال، في نهاية المطاف، نموذجَ محاكاةٍ لغوية أو بصرية يعتمد منتوجُه الذي يقدمه على المدخَلات التي قدمت له والنماذج التدريبية التي تلقاها".
ويحيلنا عبدالله خميس إلى لفتة مهمة حول تغير الزمان وحاجة الإنسان، فيقول: "قد يتغير الإنسان مستقبلا ولا يصبح بحاجة إلى آداب معقدة من تلك التي تسبر أغوار النفس البشرية وتتطلب جهدا إبداعيا في تقديم القالب الإبداعي بأساليب معقدة، فمن الوارد أن حياة البشر مستقبلا ستكون مشغولة بقضاء الحاجيات الأساسية واستثمار الوقت دون الالتفات إلى تلك المسائل التي نراها جوهرية اليوم. قد يحدث هذا وهو وارد الحدوث فعلا، فنحن نراه في السينما التي هي فن يحتضر إبداعيا حاليا، فبالنسبة لسينما هوليوود على سبيل المثال لا نرى شيئا يمكن أن نصفه بالإبداعي فيها سوى المؤثرات البصرية الجديدة التي تقدمها التكنولوجيا، أما على صعيد المضامين فهي تقريبا قد توقفت عن تقديم أي مضمون جديد، وأصبحت معظم الأفلام الهوليوودية أشبه بألعاب الفيديو. هذا بالتأكيد تغير كبير عما كانت عليه السينما قبل 20 عاما عندما كان للموضوعات الإنسانية والغوص في خبايا الشخصيات ومعالجة القصص الاجتماعية المتشابكة؛ عندما كان هذا كله جزءا أصيلا من فن السينما. اليوم اختفى هذا الجزء الأصيل إلى حد كبير ومع ذلك لا يبدو أن الناس لديهم مشكلة فيما يشاهدونه حاليا، أيْ ليست لديهم مشكلة مع هذا الاختفاء، فهم يذهبون إلى السينما باستمرار وهي لا تزال قادرة على استقطاب الأجيال الشابة، وهو ما قد يدلل على عدم حاجتهم إلى القصص الإنسانية التي كانت تتناولها السينما ذات يوم. هذا ما قد يحصل للبشر في المستقبل عندما تصبح الكثير من وقائع حياتنا اليومية مرتبطة بالذكاء الصناعي وبالتكنولوجيا المتقدمة و بالإيقاع السريع للحياة، عندها قد يتوقف الإنسان، أو بالأدق الغالبية العظمى من البشر، عن الحاجة إلى نصوص إبداعية عميقة من تلك التي تعالج مكنونات الإنسان وأعماقه، وربما يومها سيكتفون بما ينتجه الذكاء الصناعي من قصص مثيرة وسهلة الاستيعاب بما يتناغم مع إيقاع حياتهم السريع. قد يحدث هذا فعلا، بل إني أعتقد إنه حتما سيحدث ربما أسرع مما نتصور، ويومها سيكون ما ينتجه الذكاء الصناعي كافيا لحاجة البشرية في الفنون والآداب ولن يكونوا محتاجين لبشر يكتبون القصص والروايات لهم، وعندها يمكن القول أن الذكاء الصناعي يمكن حقا أن يحل محل الكاتب والفنان والمغني ويكون الإنسان راضيا بذلك تمام الرضى".
مسارات إبداعية جديدة غير مألوفة
لدى سمير النمري مراسل شبكة الجزيرة – خبير ومدرب في صحافة الموبايل والإعلام الرقمي نظرة أكثر انفتاحا على المستقبل، ويسودها الكثير من الإيجابية تجاه قدرات الذكاء الاصطناعي في المجالات الإبداعية، حيث يعتقد النمري أنها ستسهم في خلق مسارات إبداعية جديدة قد تكون جديدة وغير مألوفة وتتخذ أبعاد مختلفة عن الإرث الفني الذي اعتدنا عليه، وقال: "نحن في زمن متسارع يحتاج إلى آليات مختلفة للإبداع والذكاء الاصطناعي سيسهم في تلبية تلك الاحتياجات لا سيما مع وجود احتياج كبير لمحتوى إلكتروني هائل الحجم. لا أعتقد أن الفنون ستزال بهذه البساطة التي نفكر بها، الفن يولد من جديد في كل مرحلة وفي كل عصر منذ وجود الإنسان على الأرض".
وأضاف: "أن يصبح من يشاء كاتبا أو فنانا بواسطة هذه الأدوات ليس بهذه البساطة، بقدر تقنيات الذكاء الاصطناعي المذهلة التي تولد فنونا إبداعية مختلفة هناك الآن اتجاه موازي يتمثل في وجود تقنيات أخرى تقيم تلك الانتاجات وتفرزها وحتى تكتشف ما هو خاطىء وما هو مسروق. وأعتقد أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تبني اتجاها خاصاً بها وفريدا عن ما ينتجه البشر، وليس العكس بمعنى أن الإبداع الأصيل للبشر سيظل موجودا وسيتمسك الناس به كما هو الحال مع معظم الموروثات السائدة والتي ظلت قائمة رغم كل التكنولوجيا الموجودة".
وحول وضع قانون قال: "ستكون هناك محاولات عالمية لوضع قوانين ومعايير رقابية لكنها لكن تكون ذات جدوى بسبب الانفتاح العالمي على كل ما هو جديد، لدينا تجربة سابقة مع الانترنت والذي تجاوز كل الأنظمة التي حاولت تقييده وصولاً بعد ذلك إلى منصات التواصل الاجتماعي التي فتحت الباب على مصراعيه مدمرة لكل القيود المفروضة للوصول إلى المعلومات".
طريقة الاستخدام هي لب المسألة
يقول صانع المحتوى التقني والمتخصص في مكافحة الجرائم الإلكترونية محمد العجمي أن الذكاء الاصطناعي أحد الوسائل والتقنيات الحديثة التي لا يمكن الاستغناء عنها لأهميتها في تسهيل الكثير من الجوانب الحياتية. كتقنية حديثة فهي لا تختلف عن التقنيات الأخرى من حيث الإيجابيات والسلبيات، فالأمر هو نفسه، وكل هذا يعتمد اعتمادا كلياً على كيفية الاستخدام. ويضيف: "يمكن أن يستخدم الذكاء الاصطناعي في سرقة حقوق الملكية الفكرية، وأعمال الآخرين، ولكن في الوقت ذاته يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في إيجاد حلول لمشكلات قد تواجه المجتمعات. لذلك يجب أن نوضح بأن الذكاء الاصطناعي لا يشكل خطراً في حد ذاته، بل يعتمد على استخدام الأفراد وكذلك المؤسسات التي تستخدم التقنيات المختلفة. لذلك لابد من وجود القوانين والسياسات التي تنظم هذا الأمر، حيث أن قانون جرائم تقنية المعلومات في سلطنة عمان قد جرم السرقات الأدبية وحقوق الملكية الفكرية".
وحول الذكاء الاصطناعي وصناعته للفن بصورة كاملة فإن العجمي يستبعد ذلك، ويقول: "حتى وإن حدث في المستقبل القريب، فالأمر سوف يكون واضحاً للجميع. الحس والتفكير البشري، لا يمكن أن يقارن بما تفعله أدوات الذكاء الاصطناعي حتى وإن تقدمت وتطورت، سوف يكون هناك عنصر مفقود. ولقد شاهدنا قبل فترة ليست بالبعيدة، مجموعة من مقاطع الفيديو التي تستخدم أصواتاً مزيفة لشخصيات معروفة على مستوى العالم، هل يمكن منع حدوث ذلك؟ في الواقع قد يكون صعباً، فالفضاء الإلكتروني مليء بما يخالف القوانين والسياسات المحلية والعالمية".
وأضاف: "كل ما نحتاجه اليوم، هو توعية المجتمع بأهمية الاستخدام الصحيح والأمثل لهذا النوع من التقنيات، بعيداً عن التزييف والسرقات الأدبية. فالعالم التقني اليوم متسارع، ولا يمكن أن نمنع هذه الوسائل لأهميتها في حياتنا اليومية. وحقيقة لا أجد أي إشكال في أن يقوم الغير متخصص في مجال معين باستخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض التعليم والتدريب في جميع مجالات الفنون وغيرها، مع مراعاة واحترام حقوق الآخرين دون سرقتها أو تغييرها. ولعل العمل على قانون دولي مشترك حول الذكاء الاصطناعي، سيحل الكثير من الإشكاليات المتعلقة بسرقة حقوق الملكية الفكرية، مع تحديث القوانين المحلية بما يتواكب مع التغيير المتسارع في التقنيات المختلفة حول العالم."
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: استخدام الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی أن الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی لا باستخدام الذکاء على سبیل المثال من المرجح أن یمکن للذکاء فی المستقبل أعمال فنیة لا یمکن أن الکثیر من أعتقد أن یتسبب فی أن یکون أن یصبح ومع ذلک إذا کان أن تکون یجب أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
تصنيف حيوية الذكاء الاصطناعي.. دولة عزبية ضمن الأوائل عالميا
الاقتصاد نيوز — متابعة
أظهرت أداة "غلوبال فايبرنسي 2024" المتخصصة في قياس حيوية الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم أن الولايات المتحدة تتصدر القائمة، تليها الصين والمملكة المتحدة.
وفي إطار جهودها المستمرة للتقدم في هذا المجال، حققت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الخامسة هذا العام.
وقد تعهدت الإمارات في السنوات الأخيرة بأن تصبح رائدة عالمية في الذكاء الاصطناعي، حيث استثمرت بشكل كبير في معاهد بحثية متقدمة مثل معهد الابتكار التكنولوجي، الذي يُعتبر من أبرز المراكز العالمية في أبحاث التكنولوجيا المتطورة.