أثار الاجتماع الذي نظمته وزارة الخزانة الأميركية في تونس بخصوص مستقبل المصرف المركزي الليبي الجديد جدلا واسعا وتساؤلات عن دلالة الخطوة وإمكانية تحولها إلى "وصاية دولية" على المصرف والميزانية في ليبيا.

وعقدت سفارة واشنطن لدى ليبيا بمشاركة وزارة المالية الأمريكية اجتماعا ضم القائم بأعمال السفير الأمريكي وممثلا للخزانة ومن ليبيا: محافظ المصرف المركزي الجديد، ناجي عيسى ورئيس لجنة المالية بمجلس النواب ورئيس ديوان المحاسبة بهدف مناقشة استقلالية المصرف المركزي وعدم التدخل في قراراته، وتخفيض ضريبة النقد الأجنبي، وملف الميزانية الموحدة، وكيفية تعامل المركزي مع الحكومتين.



رفض الرئاسي والبرلمان
من جهته، رفض النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، الاجتماع برعاية أمريكية، مطالبا إبقاء المصرف المركزي بعيدا عن تأثير السفارات كونه مؤسسة سيادية وليست سياسية»، منتقدا تدخل السفارة الأميركية وإصرارها على فرض ترتيبات مالية على الليبيين، وهذا يعد خرقا للقوانين فضلا عن كونه إخلالا بمبدأ عدم التدخل"، وفق بيان رسمي للبرلمان.

في حين أكد مستشار رئيس المجلس الرئاسي الليبي، زياد دغيم أن "وجود رقابة أو مشاركة دولية في ملف الميزانية الموحدة وإدارة وتعاملات المصرف المركزي أمر خطير وهو خطوة نحو مشروع النفط مقابل الغذاء، مطالبا الجميع بالتصدي لهذا المشروع عبر تشكيل آليات وطنية للاتفاق على الإنفاق ومراقبته وتقييم قانون ميزانية 2024 الذي أقره النواب وتعديله وإحالته إليه للاعتماد"، وفق قوله.

فهل يشكل الاجتماع الأمريكي فعلا خطوة نحو فرض "وصاية دولية" حول المصرف الليبي وميزانية البلاد هناك؟ وما تداعيات ذلك؟



حماية مصالح واشنطن
من جانبه أكد وزير التخطيط الليبي السابق، عيسى التويجر أن "الولايات المتحدة الأمريكية، لا تسعى إلى ضمان حيادية واستقلال المركزي بقدر ما تسعى للتأكد من عدم وصول الأموال إلى أطراف تعمل ضد مصالح واشنطن في المنطقة، وهو أحد دواعي تخليها عن محافظ المصرف المركزي السابق "الصديق  الكبير".

وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "هذا الأمر قد يؤدي إلى مزيد من الإغلاق إذا ما رأت تلك الجهات أنها لا تستطيع الوصول إلى الأموال من المركزي، لذا فإن إدارة المركزي ستكون بين فكي كماشة، والولايات المتحدة على ما يبدو تفضل الترتيبات المالية المعتمدة منذ حكومة السراج والتي لا تسمح بتدفق الأموال دون تحكم كما يود البرلمان من خلال ميزانيته الضخمة"، وفق تقديره.

دعم أمريكي لاستقلالية المصرف
لكن رئيس لجنة التنمية المستدامة بمجلس النواب الليبي، ربيعة بوراص رأت أن "ما يقوم به الجانب ا الآنلأمريكي من مقترحات هو في إطار دعم المؤسسة المالية الليبية لاستعادة توازنها واستقرارها وحياديتها التي فقدتها منذ سنوات.

وأوضحت في تصريح لـ"عربي21" أن "ما حدث في شهر أغسطس من قرارات فردية وغير مدروسة من قبل المجلس الرئاسي جعل استعادة الثقة في وضع المصرف المركزي أمر يحتاج إلى الكثير من الخطوات لاستعادة استقلاليته ومهنيته تجاه العدالة في الصرف بما يتعلق ببرامج التنمية والاعتمادات المالية التي تعمل على تغطية حاجة السوق من الغذاء والدواء وغيرها من الخدمات الأساسية الأخرى"، حسب قولها.

وتابعت: "لذا استعادة دور المصرف يحتاج لمتابعة دولية دون فرض سياسات اقتصادية على الليبيين تحرمهم من حقوقهم فالإرادة الوطنية هدف أساسي والشريك الأجنبي عليه واجب المساعدة الفنية ودعم مصالح الدولة الليبية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي والسياسي في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم من حروب وأزمات"، كما صرحت.

تجفيف منابع دعم روسيا
الكاتب والمحلل السياسي الليبي المقيم في اميركا، محمد بويصير رأى من جانبه أن "اهتمام واشنطن بليبيا يأتي من منطلق الأمن الاستراتيجي، وسببه الاقتراب الروسي من التخوم الجنوبية لأوروبا من خلال التواجد في ليبيا، والأمريكيون يقولون "في السياسة.. ابحث عن المال" ولو طبقا ذلك على ليبيا يصبح المصرف المركزي ومؤسسة النفط هما بؤرة الاهتمام الأميركي، خاصة أن واشنطن منزعجة من التمويل الذى يحصل عليه الفيلق الإفريقي روسي المنشأ من خلال الموارد الليبية التي تنتج عن بيع النفط وإيداعاته في المصرف المركزي



وأضاف أن "عدم قدرة الأطراف الليبية على التوافق على سياسات المصرف المركزي هي ما دعت الولايات المتحدة للجلوس في قمرة قيادة المصرف، وستضع هي السياسات المالية وستشرف على تنفيذها مهما زعمت أنها ذات دور استشاري وفقط"، وفق قوله لـ"عربي21".

وتابع من أمريكا: "الخطوة التالية للأمريكان بعد ترتيبات المصرف المركزي ستكون منع تسريب النفط خارج المنظومة الحكومية وبيعه لمصلحة أطراف قد تعمل على تمويل التواجد الروسي في يلبيا وإفريقيا، وما يحدث ليس من باب "النفط مقابل الغذاء" ولكن النفط سيكون مقابل الضروريات كلها، ومعها سنرى تجفيف لموارد أطراف كانت حتى أسابيع قليلة تعوم على بحر من الدولارات"، في إشارة لحفتر وعائلته".

وختم حديثه بالقول: "التدخل الأمريكي في ليبيا سيتصاعد بتصاعد التوتر في المنطقة، باعتبار ليبيا أهم مصادر التمويل ولا بديل عن السيطرة عليها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية الخزانة المصرف المركزي ليبيا الولايات المتحدة ليبيا الولايات المتحدة الخزانة المصرف المركزي السياسات النقدية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المصرف المرکزی

إقرأ أيضاً:

تحكم أمريكي غير مسبوق.. طائرات‎ F-35 ‎الأوروبية لا تطير بدون إذن من واشنطن

قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إن حفاظ الولايات المتحدة على قدرتها على التحكم عن بعد في الأسلحة التي باعتها لحلفائها الأوروبيين، أقض مضجع هيئة الأركان العامة لدول الاتحاد الأوروبي.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الدول الأوروبية سعت من خلال شراء الأسلحة الأمريكية إلى إقامة روابط متينة مع الولايات المتحدة وضمان أمنها.

وأضافت أن بعض الدول كانت على دراية بمسألة التبعية التي يخلفها شراء الأسلحة الأمريكية، لكن الدول الأوروبية على عكس بعض الدول الأخرى لم تكن ترى مشكل في ذلك.

في المقابل لجأت بعض الدول إلى أسلوب التحايل. في هذا الصدد يقول ضابط فرنسي يمتلك خبرة في مسرح العمليات بالشرق الأوسط: "في بعض المهام الأكثر حساسية أو سرية، كان جيش الإمارات يفضل استخدام طائرات من فئة "ميراج 2000" بدلا من طائرات إف 16.



وذكرت الصحيفة أنه لتفادي فقدان هامش المناورة، حرصت الإمارات على تنويع مصادر معداتها العسكرية. فعلى عكس الولايات المتحدة، لا تسعى فرنسا إلى الاحتفاظ بأي شكل من أشكال التحكم، حتى عن بعد، على المعدات التي تبيعها. لكن في العالم الغربي، وإلى حين وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لم يكن أحد يتخيل أن هذه التبعية قد تمثل مخاطر حقيقية مستقبلا.

وفي سؤاله قبل سنوات حول أنظمة المنجنيق الكهرومغناطيسي الأمريكية التي ستجهز حاملة الطائرات الفرنسية المستقبلية قال أحد البحارة: "اليوم الذي لن تكون فيه الولايات المتحدة إلى جانبنا، سنكون في عالم آخر لأنه دون هذه التقنية، لن تتمكن الطائرات من الإقلاع".

وزرع إبداء دونالد ترامب استعداد للتخلي عن جميع التحالفات الشك في صفوف القيادات العسكرية الأوروبية. وغذى اختيار القادة الأوروبيين بدافع الضرورة الجيوسياسية والاستعجال الولايات المتحدة لتحديث ترساناتهم العسكرية؛ هذه المخاوف.

ووفق تقرير حديث صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بلغت نسبة واردات الأسلحة الأوروبية من الولايات المتحدة 64 بالمائة بين سنتي 2020 و2024، بعد أن كانت لا تتجاوز نسبة 52 بالمائة في الفترة الفاصلة بين 2015 و2019. كما يشير التقرير إلى أن واردات الأسلحة من قبل الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو قد تضاعفت أكثر من مرتين بين الفترتين 2015 و2019 و2020 و2024.

وأوردت الصحيفة أن الولايات المتحدة تتحكم في حلفائها تكنولوجيا ولوجستيا، وحتى قانونيا، مما يمنحها وسائل ضغط فعالة. بموجب نظام لوائح الاتجار الدولي للأسلحة؛ الذي يطبق خارج الحدود على جميع التكنولوجيا الدفاعية والعسكرية التي تحتوي على مكونات أمريكية، تستطيع واشنطن حظر الصادرات وإعادة التصدير وفرض عقوبات. فعلى سبيل المثال؛ لا يمكن تسليم مقاتلات "إف 16" إلى أوكرانيا من طرف دول مثل الدنمارك وهولندا قبل الحصول على موافقة الولايات المتحدة.

وقال مصدر عسكري إن الأمريكيين يتحكمون أيضا في قطع غيار الأسلحة. فعلى سبيل المثال؛ تصبح منظومة الدفاع الجوي باتريوت عديمة الفائدة دون إمدادات منتظمة بالصواريخ. إلى جانب ذلك؛ تستطيع الولايات المتحدة تعطيل أو تقليص كفاءة بعض المعدات العسكرية المتطورة في أي لحظة تقريبا، بفضل أنظمة الاتصال والبيانات المرتبطة بها.

فعلى سبيل المثال لضرب أهدافها بدقة عالية؛ تعتمد راجمات الصواريخ من طراز هيمارس على إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي العسكرية التي قد ترفض واشنطن مشاركتها. تعليقا على ذلك يقول ضابط فرنسي: "في النهاية، هو مجرد رمز يمنحه الأمريكيون". دون هذا الرمز، المدفعية قابلة للاستخدام، لكن بدقة منخفضة.

إضافة إلى ذلك؛ تزداد حالة التبعية مع استخدام مقاتلات الجيل الخامس من طراز "إف 35". بخصوص هذا يقول رئيس أركان سابق في الجيش الفرنسي إريك أوتليت: "هذه التبعية حقيقية، حتى لو كان من الصعب معرفة تفاصيلها بدقة".

وبحسب إريك أوتليت لا يمكن الولوج إلى الصندوق الأسود في المعدات التكنولوجية الأمريكية. ويتابع أوتليت: "من الناحية التقنية، يمكن للولايات المتحدة منع طائرة "اف.35" من الإقلاع. إنها مثل سيارة تسلا التي تحتاج إلى تحديثات منتظمة". وعليه؛ في حال انقطاع الاتصال بنظام البيانات، ستصبح الطائرة الأمريكية غير قادرة على الإقلاع، مما يجعلها رهينة تحكم واشنطن.



والجدير بالذكر؛ أن كل من بلجيكا وإيطاليا والدنمارك ورومانيا وألمانيا اختاروا الاعتماد على الطائرات الأمريكية، من خلال تقديم طلبات للحصول على أكثر من 200 طائرة مقاتلة من طراز "إف 35".

مقابل هذا تعالت بعض الأصوات معبرة عن مخاوفها. من جانبه؛ حذر رئيس قسم الدفاع والفضاء في شركة إيرباص مايكل شولهورن في مقابلة مع صحيفة ألمانية من أنه: "إذا استخدمنا الزيادة في الإنفاق الدفاعي لمواصلة شراء المنتجات من الولايات المتحدة، فإننا نزيد من نسبة اعتمادنا عليها".

وتابع شولهورن بالقول: "الدنماركيون بدأوا يدركون أن الفكرة ليست جيدة.. فالمقاتلات الأمريكية التي بحوزتهم من طراز إف 35، إذا أرادوا الدفاع عن غرينلاند، لن تتمكن حتى من الوصول إلى هناك".

زنوهت الصحيفة بأن ألمانيا ليست في وضع يخول لها الحديث عن السيادة، بمجرد اتخاذها قرار استبدال طائراتها المقاتلة القديمة، لم يكن أمامها خيار غير إف 35 لأن نقل الأسلحة النووية الأمريكية المخزنة على أراضيها، يستوجب استخدام القوات الجوية الألمانية طائرات معتمدة من قبل الولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • وفد أمريكي إلى روسيا.. اتصالات ولقاءات لإقناع موسكو بمقترح وقف إطلاق النار
  • ???? شبح السيناريو الليبي وكيف ستمنع مركزية الاقتصاد تقسيم السودان على غرار ليبيا
  • المركزي يحذّر المواطنين من استخدام مواقع «غير رسمية» قد تُعرّض بياناتهم للخطر
  • مسئول أمريكي: استئناف إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا
  • تحكم أمريكي غير مسبوق.. طائرات‎ F-35 ‎الأوروبية لا تطير بدون إذن من واشنطن
  • المركزي يواصل توفير «النقد الأجنبي» لمختلف الأغراض
  • أوكرانيا توافق على مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار وسط ترحيب أوروبي
  • التحالف الليبي لـ”أحزاب التوافق الوطني” يعلن رفضه توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا
  • زيلينسكي في السعودية: وساطة جديدة وسط ضغوط أمريكية لإنهاء الحرب
  • وزارة التعليم تصدر بياناً حول «تقرير الإنفاق» الصادر عن المصرف المركزي