مما لا شك فيه أن توقيت عملية طوفان الأقصى، كان ذا أهمية بالغة، وحساسية كبيرة جدا، لأنها عكست حالة متقدمة جدا، من التفوق الاستراتيجي والاستخباري والعسكري، وأرست معادلة جديدة، غير مسبوقة في الصراع، ومواجهة العدو الإسرائيلي الغاصب، وعلاوة على ذلك، فقد كان عامل السبق الزمني – واستراتيجية المبادرة والمباغتة – أحد أهم أسباب نجاحها، وتحقق انتصارها وبقائها واستمرارها، بهذا العنفوان والقوة والقدرة والمرونة، حتى أصبحت عصية على الاجتثاث والمحو، وقد اجتمعت عليها أعتى القوى الاستعمارية العالمية، بكل إمكاناتها الوحشية والتدمير ية والإجرامية، على مدى عام كامل، لتغرق – ومعها ربيبتها إسرائيل – في رمال غزة، تطوقها أغلال هزيمتها الأبدية.

قبل عملية طوفان الأقصى، كانت القوى الاستعمارية العالمية، قد منحت الكيان الإسرائيلي الغاصب، دور البطولة، في مسرحية صناعة الشرق الأوسط الجديد، وكان المخرج الأمريكي، يلقن “البطل اليهودي”، الكلمات الأخيرة في خطاب النصر، ويضع اللمسات الفنية الأخيرة، على إطلالة نتنياهو “شمشون العصر”، الذي فضَّلَ ممارسة الانتقام والتدمير والقتل والإبادة الجماعية، على طريقة مخلص إسرائيل، البطل “شمشون” اليهودي الأسطوري، الذي احتفت أسفار التوراة، بتخليد أسطورته، بوصفه بطلا من أبطال الخلاص اليهودي.

إن أهمية وخطورة مشروع إبادة ومحو المقاومة، في أبعادها الثلاثة (الزمان والمكان والإنسان)، تحتم على القوى الاستعمارية الكبرى، اختيار بطلها (الإسرائيلي/ اليهودي) حامل المشروع، بعناية فائقة، وفق أعلى المواصفات والمعايير، لتصبح شخصية رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي – بنيامين نتنياهو – المرشح الأول، لتنفيذ هذا المشروع الإمبريالي، التسلطي الإحلالي الغاصب، فعلاوة على ما تمتلكه هذه الشخصية، من رصيد إجرامي توحشي وتدميري استعماري سابق، فإن نزعتها العنصرية العدائية، وتوقها لممارسة العنف والتوحش، على طريقة المخلص المتعالي، أوضح وأكبر من أن تستر قبحها، شعارات إنسانية مزعومة، أو تفوق حضاري زائف.

ولأن الموهبة وحدها لا تكفي – كما يقال – فقد رأت القوى الاستعمارية، أن تلك المؤهلات والخبرات الإجرامية، لم تكن مقنعة لتحقيق التفرد، ولا كافية للقيام بالدور المستقبلي، الذي يتطلب شخصية يهودية فارقة، هي شخصية “اليهودي الجريء”، الذي يمتلك الجرأة للتنكيل بأعدائه، دون أن يرف له جفن، والقدرة على قتل عشرات الآلاف منهم، بضربة واحدة، والشجاعة على مواجهتهم وحيدا أعزلا، دون أدنى تهيب أو خوف، غير أن “اليهودي الجريء”، المتباهي بقوته الإلهية، قد سقط في عقوبة التيه، ولعنة الخذلان والضلال، وأغلال الذلة والمسكنة والغضب، والاحتقار والمسخ إلى قردة وخنازير، ولذلك كانت محاولات استعادة اليهودي الجريء، من أعماق هذا الكم الهائل، من مستنقعات الانحطاط، والعار والذل والقبح والجبن، ومساوئ الأخلاق، بمثابة الإنجاز الخارق للعادة، لأن الوضعية العامة لليهود، كانت هي الضعة والذل والاحتقار دائما، ولإخراجها من تلك الوضعية المنحطة، يجب مراعاة أمرين؛الأول:- تحفيز خبث وعنصرية وعدوانية وإجرام النفس اليهودية، وشحنها إلى أقصى درجات الغيظ والحقد، والثاني:- تمكين تلك النفس سلطويا، ودعمها وإسنادها بالقوة العسكرية اللازمة.

ذلك ما فعلته الماسونية العالمية – بواسطة قوى الاستكبار العالمي – في عملية إعادة بناء شخصية نتنياهو، وإخراج اليهودي الجريء/ شمشون العصر من داخله، وهو ما وافق هوى في أعماقه، وهو المفتون بحكايات ونبوءات الخلاص، في الموروث الديني والتاريخي اليهودي، المشغوف بأسطورة المخلص شمشون، الغارق في تفاصيل شخصية البطل اليهودي، المتشبع بكل كلمة في سردية الخلاص، منطلقا من محاكاة شخصية شمشون الأسطوري، إلى تقليد سلوكياتها وتصرفاتها وحضورها وسكناتها وحركاتها، تقليدا حرفيا مرآويا، حتى وصل به الأمر، إلى تسمية نفسه “مخلص اليهود”، و”مخلص إسرائيل”، و”شمشون العصر”، معلنا خروج “اليهودي الجريء”، ليلعب دور الخلاص المزعوم، على طريقة سلفه القاتل المثالي، شمشون اليهودي، وبينما كان نتنياهو يتهيأ للقيام بذلك الدور القيادي التسلطي، حيث يقضي على جميع أعدائه، في عملية خاطفة قاتلة، ويضع بقية شعوب العالم، بين قوسي خضوع مهين، وخيار تبعية مذلة، وبينما كان يتهيأ للظهور، على مسرح الأحداث السياسية الإقليمية – بعد نجاحه في تجارب الأداء خلف الكواليس – متباهيا بقوته العسكرية والتكنولوجية، وإسناد رعاته في الغرب الاستعماري، جاءت عملية السابع من أكتوبر 2023م، متقدمة عليه خطوات كبيرة، من الجرأة والشجاعة والتخطيط والإنجاز، وصعدت فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، على مسرح الأحداث الإقليمية والعالمية، الذي كان مهيأً لشمشون العصر، وقد تلقى صفعات مدوية، بكفي المقاومة الباسلة، من خلف الستار، ليسقط مبهوتا، غير قادر على استيعاب، حقيقة ما يحدث، وقد تبعثرت على لسانه بقايا حوار متهالك، من مسرحية خلاص مزعوم، تعفنت خلف سردها، أوهام قوة بطل أسطوري، عجز الخيال اليهودي، عن تجميل قبح نهايته المأساوية، ودوزنة ألحان قوته المتنافرة، وتشذيب نشاز أغاني جرائمه، التي صيغت لإشباع نزعة الحقد والعداء والانتقام اليهودي، ليس إلا.

ربما استطاع شمشون العصر، ممارسة الانتقام والتدمير والقتل والإبادة، لفترة زمنية ما، خاصة في ظل الإسناد والشراكة الأمريكية الغربية، لكنه لن يستطيع – بعد الآن – القضاء على أعدائه بضربة واحدة، ولا وضع العالم، بين قوسي خضوع قهري، وخط تبعية مذلة، ولا إزاحة السابع من أكتوبر، من مسرد التاريخ الإنساني، ولا محو بطولات قادة وأبطال فصائل ومحور الجهاد والمقاومة، بعمليات اغتيالات متوحشة دنيئة، ولن يجني من توسيع جغرافيا المعركة، غير المزيد من الهزائم النكراء، لأن ثورة الطوفان، لن تخمدها مجازر العدوان، وعلى الكيان الإسرائيلي الوظيفي – ومن خلفه الغرب الاستعماري – أن يعي جيدا، أن الجهاد والمقاومة عقيدة إيمانية متأصلة، ومشروع نهضوي تتوارثه الأجيال، ومن المحال أن تهزمه أعتى القوى، أو تجتثه أشد الصواريخ والقنابل فتكا وتدميرا، بينما وجود هذا الكيان الوظيفي الإجرامي وحلفائه، وجود مؤقت، وزواله أمر حتمي، آتٍ لا محالة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

“صحة غزة”: ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 48 ألفا و467 شهيدا

غزة – أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، الاثنين، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 48 ألفا و467 شهيدا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذلك بعد وصول 9 شهداء إلى المستشفيات خلال الساعات الـ 24 الماضية.

وقالت وزارة الصحة بغزة في تقريرها الدوري شبه اليومي عن قتلى وجرحى الإبادة الجماعية: “وصل مستشفيات قطاع غزة 9 شهداء بينهم 5 انتشلت جثامينهم من تحت الأنقاض و4 شهداء جديد و16 إصابة، خلال 24 ساعة الماضية”.

وأضافت إن حصيلة “العدوان الإسرائيلي ارتفعت إلى 48.467 شهيدا و 111.913 إصابة منذ السابع من أكتوبر 2023”.

وأشارت إلى وجود عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم لنقص الآليات والمعدات.

ورغم بدء اتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا أن إسرائيل تواصل استهداف الفلسطينيين بالرصاص الحي والقصف عبر مسيراتها.

ويتضمن الاتفاق 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.

ومطلع مارس/ آذار الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة التي استمرت 42 يوما، فيما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب.

ويريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة، دون استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية، وذلك إرضاء للمتطرفين في حكومته.

وفي المقابل، تؤكد حماس التزامها بتنفيذ الاتفاق، وتطالب بإلزام إسرائيل بجميع بنوده، داعية الوسطاء إلى الشروع فورا في مفاوضات المرحلة الثانية، التي تشمل انسحابا إسرائيليا من القطاع ووقفا كاملا للحرب.

ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أغلقت إسرائيل مجددا جميع المعابر المؤدية إلى غزة، لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع كأداة ضغط على حماس لإجبارها على القبول بإملاءاتها.

 

الأناضول

Previous في فبراير .. إسرائيل تعتقل 762 فلسطينيا بالضفة بينهم 90 طفلا Related Posts في فبراير .. إسرائيل تعتقل 762 فلسطينيا بالضفة بينهم 90 طفلا عربي 10 مارس، 2025 الدفاع السورية تعلن انتهاء العملية العسكرية في الساحل السوري عربي 10 مارس، 2025 أحدث المقالات “صحة غزة”: ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 48 ألفا و467 شهيدا في فبراير .. إسرائيل تعتقل 762 فلسطينيا بالضفة بينهم 90 طفلا الدفاع السورية تعلن انتهاء العملية العسكرية في الساحل السوري الأمم المتحدة: يجب عدم السماح بانتشار الجوع مرة أخرى في غزة عميدة بلدية زلطن تدعو المرأة للمطالبة بحقوقها وزيادة تمثيلها

ليبية يومية شاملة

جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results

مقالات مشابهة

  • لجوء فرنسا إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر: باحث فرنسي يحدد “450 عملية عسكرية” فرنسية
  • مختصان في الشأن الإسرائيلي: نتنياهو ذاهب للانتحار برفضه “المرحلة الثانية” من “الاتفاق”
  • “حماس”: نتنياهو يعرقل تنفيذ الاتفاق لأسباب شخصية وحزبية
  • “صحة غزة”: ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 48 ألفا و467 شهيدا
  • المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية: انتهاء “عملية الساحل”.. وعودة المؤسسات المدنية للعمل
  • “مدرسة جميلة” ومربيٍ فاضل هو (ابن) سرحتها الذي غنى بها
  • البابا كيرلس السادس.. قديس العصر الذي أسر قلب الزعيم عبدالناصر
  • صنعاء: “قواتنا المسلحة جاهزة لاستئناف العمليات ضد العدو الإسرائيلي”
  • رئيس الوزراء الإسرائيلى يشكر ترامب لدعمه “الجريء” لإسرائيل
  • ما تفاصيل “الاجتماع المتفجر” الذي شهد صداما بين مسؤولي ترامب وماسك؟