عربي21:
2025-01-25@00:36:22 GMT

إلى متى نعيش السلام وهما؟

تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT

أرض العراق التي شهدت أقدم الحضارات، تغزل هيرودوتس في وفرة محاصيلها، وفي سمائها مرت سحابة الرشيد، التي خاطبها قائلا: أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك، وبلغت قيمة التعليم لدى البابليين أنهم اشترطوا في الموظف الحكومي العلم بالقراءة والكتابة.

من كان يصدق أن هذا البلد الذي يعد من أغنى دول العالم في الموارد الطبيعية، وكان إلى عهد قريب مقصد الراغبين في تكوين الثروات، ومهرب الباحثين عن الرزق من كل البلدان، من كان يصدق أنه في هذا العصر يموت مئات الآلاف من سكانه جوعا، ويبيع أساتذة جامعاته كتبهم في الطرقات إبان الاحتلال الأمريكي، وفقا لما سجله الإعلامي أحمد منصور كشاهد عيان في كتابه «قصة سقوط بغداد».



إن ما حدث للعراق ما هو إلا نموذج للمآلات الموجعة لعدد من بلدان أمتنا، جميعها تشابهت في جَلَدِ أعدائها على نهبها وإذلالها، وعجز ثقاتها عن حماية مقدراتها، فصارت أضْيعَ من الأيتام على مائدة اللئام.

وقد تعارفت طبائع البشر على أن كل أزمة لا بد أن يظهر خلالها أقوام يبشرون أنفسهم بطول سلامة من أثرها، ويتندرون على من طالهم أثرها، قالها من قبل أناس نافقوا بشأن من ماتوا في الأسفار والحروب (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا).

وفي هذا العصر الذي صارت كل بقاعه مكشوفة بعد الثورة الهائلة في تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات، غدت أزمات أمتنا ماثلة أمام كل عين، لا تحتاج إلى جهد في الوقوف عليها، بلدان محتلة، ودماء تراق بغير حساب، وشعوب يتم تجويعها وتهجيرها وإسكانها الخيام، وفي كل أزمة تطل علينا تلك الفئة، التي تستبشر بطول السلامة، ويظن أهلها أنهم بعيدون عن الطوفان.

آخر محطات هذه الفئة كانت غزة التي أحرق العدو الصهيوني أخضرها ويابسها، وغدت كسرة الخبز لدى الآلاف من أبنائها تضاهي لدى غيرهم حلم امتلاك جزر المالديف، فماذا على الفلسطينيين لو عاشوا تحت جناح الإسرائيليين وتخلوا عن حلم دولتهم، مقابل أن يعيشوا في سلام ورغد من العيش كما نعيش نحن؟ لماذا لا يطوون صفحة الصراع ويغلقوا هذه القضية التي أكل الدهر عليها وشرب، وعجزت كل الأيادي والهمم عن حل إشكاليتها؟ نحمد الله أننا في منأى عن الحروب، وننعم في ديارنا بالأمن والأمان والرخاء، سنغلق علينا حدودنا لنتقلب في هذه النعم، وليذهب سوانا إلى الجحيم.

بهذا المنطق تعاملوا مع العدوان على غزة كغيرها من الأزمات، فغرقوا في أوهام السلام والسلامة والأمن والأمان، ونأوا عن الاعتبار بالتجارب القريبة والبعيدة، لم يكترثوا لحكمة الثور الأبيض، ولم يعبأوا بما استفاض في مناهجهم التعليمية مِنْ: تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكسّرا…وإذا اجتمعن تكسرت آحادا.

عندما تنشب النار في الدار المجاورة لدارك، ولم تبادر لإطفائها، ثم تغلق عليك دارك وتظن أنك بمأمن منها، فأنت حقا تعيش السلام وهما.

عندما تولي ظهرك لحقيقة أن الضباع لا يمكن لها أن ترعى مع الغنم، وتصدق أن عدوك الذي قتل أخاك سوف يكف يده عنك، فأنت تعيش السلام وهما.

عندما يتناهى إلى سمعك أن المجرم الذي قتل جارك وسرق بيته، يعتزم أن يقوم معك بالمثل، ثم تفتح له باب بيتك مغترا بابتسامته الصفراء، ويده المخضبة بالدماء التي تصافحك، فأنت تعيش السلام وهما.

كذلك عندما تُبنى سياسات البيت الأبيض على نظريات مثل نهاية التاريخ وصدام الحضارات ثم نلتمس لدى الأمريكيين الذين قتلوا وجوعوا وشردوا إخوتنا، أن يمدوا لنا مظلة الأمن، فنحن نعيش السلام وهما. عندما نرى لكل قوم مشروعا توسعيا نكون نحن فيه الضحية، ثم نصدق أن العالم يمكن له أن يعيش في وئام، ونصر على أن نكون شراذم متفرقين، فنحن نعيش السلام وهما.

عندما يفصح الصهاينة عن أطماعهم بكل وضوح، وأن دولتهم المنشودة من النيل إلى الفرات، ثم نحاول إقناع أنفسنا بأن الاحتلال لا يتجاوز الجغرافيا الفلسطينية إلى غيرها، فإننا مع هذا السفه والسخف والحماقة نعيش السلام وهما.
هذه المفاهيم عن السلام لا وجود لها إلا في مخيلاتنا التعسة فالسلام لا بد له من قوة تحميه
عندما تصبح الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحاكم الدولية مؤسسات تخدم مصالح القوى العظمى، وأجهضت حقوق كثير من بلدان الأمة، ثم نرفع قضايانا إليها على أمل أن تنصفنا وتتحرك لرد حقوقنا إلينا، فإننا نعيش السلام وهما. مثل هذه المفاهيم عن السلام لا وجود لها إلا في مخيلاتنا التعسة، فالسلام لا بد له من قوة تحميه وتضمن تطبيقاته في الواقع، فما من دولة في أمتنا يمكن لها أن تنعم بالعيش الآمن وهي بمعزل عن قضايا الدول الأخرى، لا يمكن لها أن تعيش السلام واقعا حتى تنتظم مع أخواتها كبنيان مرصوص.

إنها مسألة وقت لا أكثر، من يظن أنه في منأى عن الطوفان ويعتصم بالأوهام التي تُصدر إليه فلن يجد وقتا حين وقوع الكارثة للتباكي، لن تنعم أي دولة بالأمن والسلام وهي تعزف منفردة وتغلق حدودها على أهلها.

إن كانت هذه البلدان تعول في الحماية على قوة الثروة، فإن ثرواتها هي المبتغى، سيجدون ألف وسيلة ووسيلة لاستنزافها تحت مسمى الحماية.

إن كان هذه البلدان تعول على بعدها عن بؤر الصراع، فإن النار عندما تلتهم مبدأ حقول الزيتون لن تخمد حتى تأتي على آخره. السلام الحقيقي هو سلام الشجعان لا سلام الحملان، السلام المبني على الندية لا الاستسلام، المبني على القناعة لا القبول بالأمر الواقع تحت ضغط السلاح، ولن نرى هذا السلام بهذا المعنى إلا إذا اتحدت الكلمة وتراصت الصفوف. الحياة موحشة، والعالم من حولنا بحر فيه السمك والحيتان، وهذا المجتمع الدولي الجائر سيصرخ إذا انقرضت الفيلة في افريقيا لكنه لن يأبه لجراحنا، سيذرف الدمع لانتحار الحيتان على سواحل نيوزيلندا لكنه لن يلقي بالا لمصائبنا، وقالها من قبل لبيب: ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك.

وحتى نضع أنفسنا على هذا الطريق، فلا يسعنا إلا أن نتجرد في قضيتنا، ونضع المصالح العليا لأمتنا في ذروة الاهتمامات، ونتناسى المعارك الجانبية، والانتماءات الجزئية، والسجالات البينية، فأمامنا طريق طويل، لن يسلكه إلا أصحاب بنيان مرصوص، وأجساد اجتمعت على قلب رجل واحد.

ولئن كانت هذه الكلمات لن تصل إلى أسماع الأنظمة والحكام، لكنها أقرب إلى آذان الشعوب، التي لا بد أن تكون البداية منها، فلنطو صفحة الخلافات وندع نعرات الشعوبية ونحطم الحواجز النفسية التي تولدت من سايكس بيكو فليكن شعارنا التسامح في ما مضى بشعار (لا تثريب عليكم اليوم)، والتعاهد في ما بقي على شعار (ستجدني إن شاء الله من الصابرين)، ونرفع راية (إن هذه أمتكم أمة واحدة)، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة غزة الاحتلال وهم السلام مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تعیش السلام السلام لا یمکن له لها أن

إقرأ أيضاً:

الوقاية من الإصابة بنزلات البرد المتكررة في فصل الشتاء.. اعرف الطرق

كشفت وزارة الصحة والسكان ،  عن  طرق الوقاية من الإصابة بنزلات البرد المتكررة  خاصة خلال فصل الشتاء ، والتي تعد من المشكلات التي يعاني منها الكثير . 

الوقاية من الإصابة بنزلات البرد المتكررة في فصل الشتاء

 وقالت وزارة الصحة والسكان ، إن طرق الوقاية من الإصابة بنزلات البرد المتكررة في فصل الشتاء تتمثل في التالي: 

ممارسة الرياضة يوميًا. الامتناع عن التدخين .  تناول الطعام الصحي خاصة الخضار والفاكهة الطازجة . النوم لساعات كافية .  شرب الماء بشكل مستمر .  التهوية السليمة للمنزل في فصل الشتاء 8 نصائح للوقاية من نزلات البرد .. أغربها تمارين الاسترخاءيشبه نزلات البرد.. وباء خطير يفتك بـ 120 شخصا في المغرب| إليك الأعراض الفارقةبسبب نزلات البرد.. مشروب سحري يقضي على احتقان الأنف فورًاكيف نتخلص من التهاب الحنجرة بعد نزلات البرد؟

لا يوجد أي غموض حول كيفية انتشار فيروسات البرد والإنفلونزا ويعطس الشخص المريض في يده ثم يلمس الهاتف أو لوحة المفاتيح أو كوب المطبخ ويمكنك التقاط الجرثومة عندما تلمس هذا الشيء، حتى بعد ساعات.

لذا اغسل يديك كثيرًا إذا لم تتمكن من الوصول إلى الحوض ثم افركهما بمعقم لليدين يحتوي على الكحول لمنع عدوى الإنفلونزا ونزلات البرد.

لا تغطي العطس والسعال بيديك

احرص على إبعاد الجراثيم عن عائلتك وأصدقائك وتلتصق الفيروسات بيديك العاريتين، لذا لا تستخدمهما لإخفاء السعال والعطس.

عندما تشعر بخطر الإصابة بالرشح، استخدم منديلًا ثم تخلص منه و إذا لم يكن لديك منديل، اسعل أو عطس في الجزء الداخلي من مرفقك .

لا تلمس وجهك


تدخل فيروسات البرد والإنفلونزا إلى جسمك من خلال عينيك وأنفك وفمك، لذا اطلب من أطفالك عدم لمس وجوههم  إلا بعد غسل الايدي بالماء والصابون جيدا واحرص أنت على تطبيق نفس النصيحة.

ممارسة التمارين الرياضية الهوائية بانتظام

التمارين الهوائية هي أي نشاط يحفز قلبك على النبض، كما أنها تساعد على زيادة خلايا الجسم الطبيعية القادرة على قتل الفيروسات.

 الأطعمة  تحتوي على مواد كيميائية نباتية

المواد الكيميائية الطبيعية الموجودة في بعض النباتات تعمل على تعزيز الفيتامينات في الطعام، لذا توقف عن تناول أقراص الفيتامينات وتناول الخضروات والفواكه ذات اللون الأخضر الداكن والأحمر والأصفر.

لا تدخن

يصاب المدخنون بكثرة بنزلات برد أكثر شدة وتكرارًا  حتى أن التواجد بالقرب من الدخان يضر بجهاز المناعة، وهو دفاع الجسم ضد الجراثيم.

يؤدي دخان السجائر إلى جفاف الممرات الأنفية، كما يؤثر على الأهداب والشعيرات الرقيقة التي تبطن أنفك ورئتيك وتساعد في التخلص من فيروسات البرد والإنفلونزا  ويقول الخبراء إن سيجارة واحدة فقط قد تمنع هذه الشعيرات من العمل لمدة تتراوح بين 30 إلى 40 دقيقة.


 التقليل من شرب الكحول

يؤدي الإفراط في تناول الكحول إلى إضعاف جهاز المناعة، مما قد يجعلك أكثر عرضة للإصابة بالعدوى والمضاعفات كما يؤدي الكحول إلى جفاف الجسم.

 الاسترخاء

هناك أدلة على أن نظامك المناعي ينشط عندما تتخلص من التوتر وإحدى الطرق للاسترخاء هى تدريب نفسك على تصور صورة ممتعة أو مهدئة و افعل ذلك لمدة 30 دقيقة يوميًا لعدة أشهر.

مقالات مشابهة

  • عمرو الليثي: حفيدتي علّمتني معنى أعز الولد
  • الأسيرة الفلسطينية المحررة زهرة خدرج: كنا نعيش في قبر.. ولا فرق بيننا وبين الموتى سوى أمل البعث
  • خلاف بين محمد صلاح ونونيز
  • «مصطفى بكري»: تربّينا في الصعيد وتشبّعنا بقيمه التي جعلتنا جميعا أكثر صلابة
  • الخوف الذي لا ينتهي إلا بالرحيل!
  • الوقاية من الإصابة بنزلات البرد المتكررة في فصل الشتاء.. اعرف الطرق
  • د.حماد عبدالله يكتب: نعيش عصر "السلطة" البلدى !!
  • تكريم نورهان وهلا رشدي بمهرجان حكاوي الدولي لفنون الطفل على المسرح الفلكي
  • تكريم هلا رشدي ونورهان ومنى زاهر في مهرجان حكاوي الدولي لفنون الطفل
  • «بيضحوا عشان نعيش في أمان».. مدحت صالح يوجه رسالة لرجال الشرطة في عيدهم الـ 73