عبد الله علي إبراهيم: حميدتي.. نحن ذاتو عندنا شارع
تاريخ النشر: 14th, October 2024 GMT
وليه ما خرجت الحرب من رحم الاتفاق الإطاري الفطير؟ (1-2)
عبد الله علي إبراهيم
حين قنع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة ظاهراً وباطناً من خير في المجتمع الدولي حيال حرب السودان، قال إن الخروج منها إلى بر السلامة سيكون بـ”الملكية الوطنية للحلول” أي بالعون الذاتي.
وذكر البرهان هذه الموارد أو لم يذكرها فهي في حال “بيات وطني” منقطعة لعقود في صراع بين يمينها وحلف الوسط واليسار فيها. صراع بمثابة “فش غبينة” مرضية كان الإمام الصادق المهدي زعيم جماعة الأنصار يعظ الناس من شرورها بكلمة لجده الإمام محمد أحمد المهدي (1843-1885) القائل “من فش غبينته خرب مدينته”. فلا ترى قوى الصفوة السياسة في الحرب القائمة ليومنا سوى نزاعاتها بطريق آخر. فتتراشق الجماعتان الاتهامات حول من أشعل الحرب منهما. فيرى الإسلاميون أنصار نظام الإنقاذ الذي قضت عليه ثورة ديسمبر 2018 أن من أشعل الحرب هي “قوى الحرية والتغيير” (قحت) ليعودوا إلى الحكم الذي نزعهم عنه انقلاب العسكريين عليهم خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وتذيع “قحت” أن “الفلول” أي أنصار نظام الإنقاذ هم من أشعلوا الحرب للعودة لسدة الحكم وأوعزوا للقوات المسلحة بشنها.
وعليه، فليس منتظراً أن تكون الأدبيات الكأداء لهذه الحرب الصفوية مورداً صالحاً للنهوض باستحقاق “الملكية الوطنية للحلول” للحرب القائمة، فنصوص هذه الأدبيات مصممة للتشهير لا الإحاطة بالمسألة والقبض على زمامها.
وفي هذا السياق نشر سلمان محمد سلمان خبير المياه السابق بالبنك الدولي رئيس مجلس جامعة الخرطوم السابق على الوسائط أخيراً ملخصاً وافياً لكتابه “الدعم السريع: النشأة والتمدد والطريق إلى حرب أبريل 2023″، وأراد من المقال بيان لماذا كانت لقوات “الدعم السريع” هذه المتانة العسكرية التي تجلت في الحرب القائمة. ومد أصبع الاتهام للفريق أول البرهان كونه المسؤول الأول والأساس عن توسع هذه القوات وتمددها. وبينما أحسن المقال في تبيان دور البرهان المركزي في تمكين “الدعم السريع” كما سنرى، إلا أنه انشغل بتذنيبه انشغالاً حال دونه واستثمار سرديته حسنة التوثيق لفهم أفضل للحرب.
نهابون وقطاع طرق
وقال سلمان إن “الدعم السريع” بدأ كعصبة “جنجويد” (نهابون قطاع طرق) حاربت حركات دارفور المسلحة إلى جانب القوات المسلحة، ولكنها سرعان ما كسبت صيتاً عالمياً سيئاً من فرط جرائمها في تلك الحرب مما استدعى قيام “دولة الإنقاذ”، وقد بلغ قوام الجنجويد 10 آلاف منتسب، لإعادة تنظيمها تحت مسمى “حرس الحدود”. ثم غيرت الاسم إلى “الدعم السريع” خلال عام 2013 لتصبح قوة شبه عسكرية تابعة لجهاز الأمن والاستخبارات. وقفز عدد منسوبيها إلى 30 ألفاً. وشرّعت عملها بقانون خلال عام 2017 أجازه المجلس الوطني.
وعرّفها هذا القانون في المادة السابعة منه بوصفها “قوات عسكرية قومية التكوين تهدف إلى إعلاء قيم الولاء لله والوطن”. وعددت تلك المادة مهامها لتشمل “دعم ومعاونة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في أداء مهامها”. وعلى قول القانون إنها قوة عسكرية إلا أن المادة السادسة منه رفعت عنها الخضوع للقائد العام للجيش. فبالرغم من تبعيتها للجيش فإنها ليست مأمورة منه لأنها تحت إمرة القائد الأعلى (والذي هو رئيس الجمهورية حسب تعريف القانون). وسمى سليمان ما بين المادتين، أي تبعية الدعم للجيش إلا أنه تحت قيادة رئيس الجمهورية اختلافاً إن لم يكن تناقضاً. إلا أنه عاد ليقول إن تلك الصيغة المتناقضة ضمنت لـ”الدعم السريع” “استقلالاً” من الجيش إلا في حالات استثنائية بذاتها. وجاءت تلك الحالات الاستثنائية في المادة الخامسة والمادة الثانية من القانون. فقالت المادة الخامسة (1) إن “عند إعلان حالة الطوارئ أو عند الحرب بمناطق العمليات الحربية تخضع قوات ’الدعم السريع‘ لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتكون تحت إمرته”. أما المادة الثانية فخولت لرئيس الجمهورية خلال أي وقت “أن يدمج قوات ’الدعم السريع‘ مع القوات المسلحة وفقاً للدستور والقانون وتخضع عندئذ لأحكام قانون القوات المسلحة لعام 2007”.
“الخيط الناظم”
ونبه سلمان باكراً إلى ما سماه “الخيط الناظم” في مفهوم محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد “الدعم السريع” وممارسته السياسية منذ صدور قانون 2017 إلى الاتفاق الإطاري عام 2023، وهو تمسكه باستقلالية “الدعم” عن الجيش. ونجح حميدتي في تحقيق هذه الاستقلالية لـ”الدعم السريع” عن الجيش في تعديلات أجراها البرهان على قانون “الدعم السريع” خلال أغسطس 2019، ألغى فيها حتى تلك الحالات الاستثنائية التي قلنا إن المشرع احتفظ للجيش فيها بما يمكن وصفه بـ”شعرة معاوية” مع “الدعم السريع”. فألغى التعديل المادة الخامسة من قانون قوات “الدعم السريع” لعام 2017 التي حددت الحالات الاستثنائية التي تخضع فيها “الدعم السريع” لقانون القوات المسلحة، وأعطت رئيس الجمهورية صلاحيات دمج تلك القوات في القوات المسلحة السودانية، فوقع بذلك الإلغاء طلاق البينونة بين “الدعم السريع” والجيش.
وأعرض سلمان في مقاله عن أمرين مهمين لا يستقيم من دونهما فهم “وزر” البرهان في رعرعة “الدعم السريع”، كما قال محقاً. فلم يتطرق أبداً لدوافعه من إغداق الإمكانات والمزايا التي أحسن سلمان رصدها. وصور حميدتي من الجهة الأخرى طرفاً سالباً يتلقى تلك المكرمات حامداً شاكراً ولا دور له البتة في جعلها ممكنة. فلم ينفذ سلمان إلى سرديته عن ميلاد “الدعم السريع” على يد البرهان، وهي واقعة سياسية، بسلطان التفكيك فيقف على التدافع بين قواها ومراميها. فغلب عليه هنا تدريبه كمحام صارت به السردية “حجة” بين مدع ومدع عليه يأخذ المحامي فيها جانب موكله، وهو هنا “تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية” (تقدم) التي حملت البرهان خطيئة رعايته “الدعم السريع” بعد الثورة حتى انقلب السحر على الساحر. وتغاضى كمحام عما سواها لأنه موكل بتجريم من اشتكى منه موكله. فلم يتخذ حتى سمة التحقيق النيابي الذي يتربص بالدوافع من وراء الجريمة، ويتحرى الفرص التي سنحت للمجرم بارتكابها، ويستوثق من وسائله في ارتكابها.
حميدتي: نحن ذاتو عندنا شارع (2-2)
عبد الله علي إبراهيم
عرضنا في الحلقة الأولى من هذه الكلمة لمقال نشره سلمان محمد سلمان خبير المياه السابق بالبنك الدولي رئيس مجلس جامعة الخرطوم السابق على الوسائط أخيراً ملخصاً وافياً لكتابه “الدعم السريع: النشأة والتمدد والطريق إلى حرب أبريل 2023″، وأراد من المقال بيان لماذا كانت لقوات “الدعم السريع” هذه المتانة العسكرية التي تجلت في الحرب القائمة. ومد أصبع الاتهام للفريق أول البرهان كونه المسؤول الأول والأساس عن توسع هذه القوات وتمددها. وبينما أحسن المقال في تبيان دور البرهان المركزي في تمكين “الدعم السريع”، إلا أنه انشغل بتذنيبه انشغالاً حال دونه واستثمار سرديته حسنة التوثيق لفهم أفضل للحرب.
تركيز على جانب واحد
ولو لم ينشغل سلمان بإدانة البرهان لتفريطه السياسي والمهني حتى أخرج هذا الوحش الذي يصارعه ليومنا لكان نصه الأوفر حظاً في إلقاء الضوء على دور “الدعم السريع” في الحرب من فوق وقائع ثابتة لا لغواً بالتراشق.
فلم يكن بذل البرهان “الدعم السريع” اعتباطياً. فكان اجتمع مع حميدتي في حلف بعد انقلابهما على الرئيس المخلوع عمر حسن البشير خلال الـ11 من أبريل 2019 في ما يعرف بـ”انقلاب الفيتو”، وهو ما تضطر له دوائر في النظام القديم بعد أن تغلب حيلة في لجم الثورة والقضاء عليها. فيخرج العسكريون مكرهين على النظام القديم باسم الانحياز للثورة يتربصون بها لتجميدها عند حد معلوم، أو القضاء عليها. وكانت تلك الأدوار في العمل ضد الثورة ما بوسع “الدعم السريع” القيام بها جزافاً من دون الجيش. وما يوم “الدعم السريع” في فض اعتصام الثوار عند القيادة العامة للجيش بالخرطوم أثناء ليلة وقفة عيد الفطر خلال الثالث من يونيو (حزيران) 2019 بسر. فاستباح “الدعم السريع” المعتصمين بعد ساعات من سحب المجلس العسكري الانتقالي قوات الجيش من حراسة بوابات القيادة العامة. وقال من شهد انتهاكات “الدعم السريع” في دارفور خلال العقد الأول من القرن في تحقيق عن فض الاعتصام صدر عن رابطة المحامين والقانونيين السودانيين، إن بصمتهم في الترويع داخل دارفور هي نفس ما شهده في ساحة الاعتصام، يهاجمون القرى بإطلاق النار، فالقتل والاغتصاب ونهب الممتلكات وحرق الدور.
هدم الثورة
أما أكبر مساهمة لـ”الدعم السريع” في هدم الثورة فكانت في الميدان السياسي. فكان حميدتي طليقاً غير مقيد كالعسكريين من هذه الجهة. فأدار أكبر الحملات في وجه الثورة وجيش فيها زعامات الإدارة الأهلية القبلية وشعبها. فجمعهم أول مرة في معرض الخرطوم الدولي، يوم غادر المجلس العسكري الانتقالي طاولة التفاوض مع “قوى الحرية والتغيير” (قحت) خلال مايو 2019 مستنكراً سقف مطالبها المرتفع. ولما رأى عزة “قحت” بغزارتها بالشارع تفرغ لحشد الناس حول المجلس العسكري الانتقالي ليريها “أنو ذاتنا عندنا شارع” كما قال. ولما دعت “قحت” للعصيان المدني لتعزيز موقفها في التفاوض مع المجلس العسكري هدد حميدتي من موقعه كنائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي كل مضرب بالفصل من الخدمة. وكان حميدتي “دينمو” الاعتصام أمام القصر الجمهوري خلال منتصف أكتوبر 2021 الذي اشتهر باسم “اعتصام الموز” عند عداته. وهكذا نجح أخيراً في امتلاك الشارع الذي سهر على تأليفه منذ قيام الثورة، وبشرعية ذلك الشارع قام العسكريون في الجيش و”الدعم السريع” بانقلابهم على الحكومة الانتقالية خلال الـ25 من أكتوبر 2021، وكان الانقلاب المسمار الأخير في نعش الثورة.
لم يكن البرهان يمطر تلك الهبات على حميدتي سهواً أو اعتباطاً. كان يدفع بعطاياه لو شئت ثمن تلك الخدمات لمشروع القضاء على الثورة، ولم يكن حميدتي يتقبلها كإحسان، بل كدين مستحق له وكانت استقلالية قواته نصب عينه.
ولم يتصالح حميدتي مطلقاً مع فكرة دمج قواته في القوات المسلحة. ولم يسهر على تأمين استقلال قواته دستورياً فحسب، بل لم يكف عن عرضها كجيش ثان. فمن جهة القانون قال سلمان إنه عارض فكرة تبعية قواته للجيش حتى على عهد “حكومة الإنقاذ”. فقال إنه ظل طوال شهر يراجع مع قادة النظام مادة التبعية للجيش بقوة. وبدا أن قانون “الدعم السريع” لعام 2017 اعتبر معارضة حميدتي تلك فجعل قيادة قواته بيد رئيس الجمهورية لا قائد القوات المسلحة، ورهن دمجه في الجيش بقرار من رئيس الجمهورية لا أية جهة أخرى في الدولة. واستكمل حميدتي استقلاله عن الجيش بتعديل قانونه خلال أغسطس (آب) 2019 كما تقدم.
ومن جهة أخرى، لا يعرف المرء عدد المرات التي قال فيها حميدتي صراحة إنه لن يخضع للدمج في القوات المسلحة، فعقيدته الراسخة هي أن “الدعم السريع” جاء ليبقى. فخلص في حديث له في تأبين أحد العسكريين عام 2021 إلى أن كلام دمج “الدعم” في الجيش بلا طائل لأن الدعم قام بقانون صادر عن برلمان منتخب، وعليه فهو ليس كتيبة أو سرية تدمجها في الجيش متى شئت. وكان الإعلامي الطاهر حسن التوم سأله عام 2018 أي بعد عام من إجازة قانون “الدعم السريع”:
الطاهر: ما مصير “الدعم السريع” بعد انتهاء مهمتها هل تكون جزءاً من الجيش؟
حميدتي: يكون وضعها قوات دعم سريع تتدرب وتتأهل، وهي قوات الآن.
الطاهر: يعني تظل موجودة؟
حميدتي: يعني انتهت المهمة يشيلوها يجدعوها، واللا كيف؟
الطاهر: تنضم إلى الجيش.
حميدتي: هي جيش.
الطاهر: تدمج.
حميدتي: هي ليست ميليشيات كي تدمج، هي أصلها قوات.
وبعد أن وقفنا على عزائم حميدتي أن يظل جيشاً ثانياً صح أن نسأل إن لم يكن الاتفاق الإطاري (الخامس من ديسمبر 2023) الذي دعا إلى دمج “الدعم السريع” في الجيش خطة خرقاء اتفقت لـ”قحت” في حين أن هذا الدمج ما قاومه حميدتي بغير هوادة؟ تزهو “قحت” بعد الحرب بأنها كادت بالاتفاق الإطاري توفق في خلق جيش مهني وطني واحد لولا عداوة الإسلاميين حتى أشعلوا الحرب لكي يعودوا إلى الحكم وجروا الجيش معهم في هذا الطريق الدموي. ولو أدركت “قحت” مقاومة حميدتي الطويلة للحفاظ على استقلالية قواته مما جاء كثيراً في سردية سليمان لربما توقفوا عن دفعه في طريق الدمج جزافاً، فكثيراً ما قال حميدتي عن الثوريين أنفسهم إنهم “يسنون سكينهم” لذبحهم وأنه لن يسكت على ذلك. لقد قبل بالتوقيع على الاتفاق الإطاري مكاء وتصدية وما في القلب في القلب. وحين سئل عن المدة التي سيستغرقها ذلك الدمج قال “20 سنة”. وهذا كلام زول قنعان كما نقول. “ما بتبايع”
وهل كسب حميدتي استقلال قواته من الحرب؟
نعم، فإذا طالعت الوثيقة التي وقعها مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) في أديس أبابا (يناير 2024) ستجدها خلت من دمج قواته في الجيش. وخلافاً لذلك، دعا عهد أديس أبابا لقيام جيش مهني وطني تنحل فيه القوات المسلحة و”الدعم السريع” والحركات المسلحة. وعليَّ وعلى أعدائي.
جاء سلمان بسردية حسنة التوثيق عن منشأ “الدعم السريع” مما كنا انتفعنا منها في تحليل محيط للحرب ودوره فيها، ولكنه اختار لها أن تكون عريضة اتهام بوجه البرهان. وهكذا تسرب من بين أيدينا مورد معرفي كنا امتلكنا به ناصية مهمة من الحرب.
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: المجلس العسکری الانتقالی الاتفاق الإطاری رئیس الجمهوریة القوات المسلحة الدعم السریع فی الجیش فی الحرب إلا أنه إلا أن لم یکن
إقرأ أيضاً:
معارك الخرطوم… انهار «الدعم السريع» أم انسحب باتفاق؟
دخلت الحرب السودانية مرحلة جديدة، حقق خلالها الجيش السوداني انتصارات كبيرة و«سريعة» في وسط البلاد، بينما يتراجع «الدعم السريع» بوتيرة متسارعة، بدأت بانسحابه من مدينة ود مدني، ثم عمليات العاصمة الخرطوم التي استعاد خلالها الجيش مقر قيادته العامة، ومناطق «حاكمة»، خصوصاً في أم درمان والخرطوم بحري.
التغيير ــ وكالات
وأثارت «انسحابات الدعم السريع» المتسارعة أسئلة عدة؛ من بينها: هل «قواته» دخلت «مرحلة الانهيار»، أم إن ما حدث كان نتيجة «اتفاق غير معلن» يهيئ طاولة التفاوض عبر «السماح» بتحسن «موقف الجيش التفاوضي»، أم هل اختارت قيادة «الدعم» التراجع عن الانتشار الواسع «تكتيكياً» لتقليل خسائرها أمام الجيش الذي عزز قواته وجدد تسليحه؟
بدأت عمليات الجيش لاسترداد مناطق استراتيجية وسط البلاد، باستعادة منطقة جبل موية الحاكمة لـ3 ولايات: النيل الأبيض، وسنار، والجزيرة، في أكتوبر الماضي، وبعد ذلك، استجمع مع حلفائه قوتهم، ووجهوها نحو مدينة ود مدني، واستعادوها في 11 يناير الحالي «دون قتال يُذكر»، وقالت «قوات الدعم السريع» إنها «انسحبت»، بينما قال الجيش إنه دخل المدينة «عنوة»، وذلك بعد أكثر من عام من سيطرة «الدعم» على المدينة الاستراتيجية «دون قتال» أيضاً.
ومهدت عملية استعادة ود مدني لعمليات الخرطوم بحري، ووصول جيوش أم درمان وشمال الخرطوم بحري، إلى قيادة قوات سلاح الإشارة والقيادة العامة الواقعة تحت حصار «الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
بدأت العملية في 26 سبتمبر الماضي بعبور القوات الآتية من أم درمان جسر الحلفايا، واستمرت في التقدم شمالاً وجنوباً ببطء، لكنها كثفت وسرّعت عملياتها بعد استرداد مدينة ود مدني.
وفوجئ الناس السبت الماضي بالجيش يعلن عبور جسر النيل الأزرق ويصل إلى مقر «القيادة العامة»، وبالقائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يخاطب جنوده «المحاصرين» داخل «القيادة العامة»، معلناً فك الحصار عنها وعن مقر «قيادة قوات سلاح الإشارة»، وقرب «تحرير» الخرطوم من قبضة «الدعم السريع».
بث الجيش مقاطع فيديو من داخل «القيادة العامة» و«قيادة قوات سلاح الإشارة»، ومع ذلك نفت «قوات الدعم» بشدة «فك الحصار» عن «القيادة العامة»، وعدّت فيديوهات الجيش دعايةً حربيةً، معلنة أن قوات محدودة «تسللت»، وأنه ليس هناك «التحام» للجيوش، ونشرت، الاثنين، مقاطع فيديو من على جسر «المك نمر» باتجاه الخرطوم، ومن جسر «كوبر» باتجاه الخرطوم بحري، ومن جسر «توتي» قرب النيل الأزرق، وقالت إنها لا تزال تسيطر على مواقعها، وإن «إمداداً» كبيراً وصل إليها لتشديد الحصار على المناطق المذكورة.
كما تتداول وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للجيش تقارير عن انسحابات واسعة لـ«قوات الدعم» من مناطق جديدة في الخرطوم، وتقدم ملحوظ للجيش، وهو ما تنفيه «قوات الدعم» بإصرار، بينما تتضارب المعلومات الصادرة عن الطرفين بشأن الأوضاع الميدانية والعسكرية في الخرطوم.
وفي تحليله أوضاع ما بعد دخول الجيش مقر القيادة العامة، نفى اللواء المتقاعد كمال إسماعيل فكرة «انهيار الدعم السريع»، وعدّ، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الأمر «مجرد عمليات كرّ وفرّ»، وأضاف: «سيطرة أي من الطرفين ستكون وقتية، والحرب لن تتوقف ما دامت هناك بندقية واحدة مرفوعة».
وأكد اللواء إسماعيل أن الحرب لن تنتهي إلا بـ«التفاوض» الذي يوقف إطلاق النار، ويؤدي إلى الفصل بين القوات، وأضاف: «السلاح منتشر في كل جهات البلاد بيد الأفراد والميليشيات. ومع وجود مجموعات تسعى إلى الانتقام من قوى (ثورة ديسمبر/ كانون الأول)، فلن تنتهي الحرب»، وتابع: «وجود السلاح بيد الناس خارج القانون ووجود نيات انتقامية، يصعبان عودة الناس إلى مناطقهم. لذلك؛ فلن تقف الحرب إلا بإرادة قوية، وليس بأمنيات».
ودعا اللواء المتقاعد طرفَي الحرب إلى العودة للتفاوض «والذهاب إلى جدة (بالسعودية) لمناقشة الإشكالات المترتبة على الحرب». كما دعا القوى السياسية المدنية إلى الاجتماع من أجل وقف «الشقاق» الوطني «الذي تعيشه البلاد، ويهدد وجودها»، وأضاف: «ما لم تتوحد القوى السياسية، فلن يكون هناك سلام».
وأرجع تراجع «الدعم السريع» إلى ما سماه «إنهاك طرفَي الحرب»، وقال إن نتيجته هي «عمليات الكرّ والفرّ» التي أشار إليها سابقاً، وأضاف: «الجيش والميليشيات الموالية له، حتى لو استردوا الخرطوم، فهذا لا يعني السلام. والحرب قد تمتد لأكثر من 20 عاماً، ولا يمكن حسمها عسكرياً».
واستبعد المحلل السياسي، محمد لطيف، افتراض «انهيار (قوات الدعم السريع)»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوصف الدقيق أن هناك تراجعاً عسكرياً لـ(الدعم السريع)، لكن الحديث عن انهياره غير دقيق، فهو لا يزال منتشراً في مناطق واسعة من السودان. لذلك؛ من الصعب الحديث عن بداية انهيار».
وفي سياق الاحتمالات التي حددها لطيف لتفسير الأوضاع، أشار إلى «أحاديث متداولة عن انسحابات متفق عليها بين الطرفين… والتحول السريع في طبيعة السيطرة من دون مواجهات عسكرية، يعزز من فرضية الاتفاق».
لطيف قال إن «انسحابات (الدعم السريع)» جاءت «منظمة» دون أن يتعرض لمطاردات أو ملاحقات؛ مما يعزز فرضية «الاتفاق غير المعلن»، وتابع: «أيضاً غابت الحملات الإعلامية المعتادة حال سيطرة طرف على مناطق جديدة بعرض فيديوهات الضحايا والأسرى والغنائم؛ مما يقلل من فرضية الضعف العسكري لـ(الدعم السريع) أو التفوق العسكري للجيش».
ورجح لطيف أن تكون «انسحابات (الدعم) تكتيكية يريد عبرها إعادة تموضعه في مناطق محددة تكفيه شر الانتشار الواسع والمسؤولية المترتبة على قدراته وحركته».
نقلاً عن الشرق الأوسط ــ أحمد يونس
الوسوماتفاق الجيش الخرطوم الدعم السريع