لجريدة عمان:
2024-12-26@17:44:04 GMT

التسول.. حيل متجددة تقلق الراحة العامة

تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT

التسول.. حيل متجددة تقلق الراحة العامة

التسول ظاهرة مجرّمة في قانون الجزاء العماني، و"يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة وبغرامة لا تقل عن 50 ريالا عمانيا ولا تزيد على 100 ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من وُجد متسولا في المساجد أو الطرق أو الأماكن العامة أو المحلات العامة أو الخاصة"، وتضاعف العقوبة في حالة التكرار، وفق ما نصت عليه المادتان (297) و(298) من قانون الجزاء العماني، والتي تعاقب كذلك على استخدام الطفل في جريمة التسول.

(عمان) استطلعت آراء مجتمعية حول مخاطر هذه الظاهرة، وطرق مكافحتها، مؤكدين رفض المجتمع لهذه الظاهرة التي تنتشر بحيل متجددة تقلق الراحة العامة.

وقال الشيخ إبراهيم بن ناصر الصوافي، أمين الفتوى بمكتب سماحة المفتي العام لسلطنة عمان: إن ما يعرف بالتسول أو احتراف مهنة السؤال وطلب الأموال من الناس ظاهرة سيئة حاربها الإسلام وشدد فيها وحرمها وبين أن من يسأل الناس تكثرا يأتي يوم القيامة وقد أثرت المسألة في وجهه خدوشا ولم تبق بوجهه مزعة لحم، وأوجب الإسلام على الإنسان العمل والجد والاجتهاد.

وأشار إلى أن التسول يدل على الخمول والكسل وأخذ أموال الآخرين ويدفع إلى وجود أناس لا ينتجون ويستنفدون طاقاتهم في الحصول على المكاسب السهلة الرخيصة، بالإضافة إلى أن التسول يصحبه الكذب والخداع وطلب الاستكثار وقد يكون مَدخلا للابتزاز المالي الواقع حديثا لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي وفي غيرها، ولذلك يجب علينا جميعا أن نتعاون على هذه الظاهرة السلبية المخالفة لديننا، وعندما نريد أن نعطي السائل يكون ذلك في الحدود القليلة بعد تفحص الأمر، ولا مانع من التثبت والسؤال وألا نكون صيدا سهلا لكل من طلب منا المال خاصة في الأماكن العامة.

الاستعطاف والإلحاح

وقالت أبرار بنت ناصر الحضرمية، أخصائية اجتماعية وباحثة ماجستير في الخدمة الاجتماعية وعضوة في جمعية الاجتماعيين العمانية: إن ظاهرة التسول تعد من الظواهر التي باتت واضحة في الكثير من المجتمعات لاسيما المجتمعات العربية، والتي يمكن تعريفها على أنها ممارسة لأسلوب الاستعطاف والإلحاح في السؤال من أجل الحصول على المال أو الطعام، مع حرص المتسول على الظهور بمظهر الذل والانكسار والمسكنة أمام الآخرين لضمان كسب عطفهم ورحمتهم، كما أنه قد يكون عملًا احترافيًا لا يمكن الاستغناء عنه، وبوجه عام يمكننا القول إن التسول هو كسب سهل للمال والمتطلبات المادية بغير عمل أو مشقة، من خلال اختراع جملة من الحيل والمراوغات مع إظهار شيء من تحقير الذات وامتهان للكرامة الإنسانية.

وأشارت إلى أن طرق التسول تتعدد بتعدد الوسائل المتبعة والبيئات الناشئة بها، وحالات المتسولين العقلية والصحية، فهناك التسول الظاهر الصريح، والمبطن من خلال التستر وراء أشياء وسلع بسيطة قيمتها منخفضة كبيع الأدعية أو الماء، وهناك التسول الموسمي الذي يظهر في مواسم محددة مثل الأعياد والمواسم السياحية، وكذلك التسول الاختياري الذي يقوم به الفرد كهدف بحد ذاته رغم مقدرته على كسب الحلال، أما التسول العارض فهو عابر ويكون لظروف وقتية طارئة، كما يمكن تصنيف التسول إلى التسول الدائم وهو احترافي مستمر، وقد يكون التسول بمثابة هواية أو وجود قناعة لديه على أنه المصدر المثالي للحصول على المال، كما أن هناك نوعا بات ظاهرًا في مجتمعاتنا وهو التسول الإجباري، حيث يجبر الطفل أو المرأة على التسول من قبل وليهم لأي سبب من الأسباب.. مشيرة إلى أن التسول يعد ظاهرة تعكّر صفو المجتمع وقد تعكس صورة خاطئة عنه، عندما تنتشر فيه لأنه يدل على غياب التكافل بين أفراد المجتمع، وعدم تكافؤ الفرص بين فئات المجتمع المختلفة، كما تنتج عنه الكثير من الآثار السلبية المنعكسة على الفرد خاصة والمجتمع عامة، فعلى مستوى الفرد نفسه، فالتسول سلوك يربي الفرد على الضعف والمذلة، وعلى الخمول والكسل الذي يؤدي بالنهاية إلى انتشار ظاهرة أخرى، وهي ظاهرة البطالة التي تتسبب في تأخر المجتمعات وتقدمها، كما أنها قد تمنع الأطفال الذين يجبرون على التسول من الانتظام في الذهاب للمدرسة، حيث نلاحظ في بعض الأحيان أطفالا يقومون بهذا السلوك في أوقات دوام المدارس.. كما أن التسول سلوك انحرافي قد يتسبب في إكساب الفرد سلوكيات مرضية كالقيام بسلوكيات إجرامية، ومن الملاحظ أن أكثر الفئات عرضة لذلك هم فئة الأطفال والنساء، ويمكن القول إن التسول يتسبب في عكس صورة خاطئة عن البلد سواء أمام مواطنيها أو أمام الزوار، كما أن التسول يتسبب في انتشار الجريمة وشيوعها في المجتمع وذلك لأن المتسول يحصل على المال دون تعب أو مشقة، وبالتالي قد يستخدمه بطرق غير سليمة مثل تعاطي المخدرات أو القيام بسلوكيات إجرامية متعددة، إضافة إلى أن التسول يتسبب في انهيار القيم الاجتماعية، حيث يسود الاضطراب في الأخلاقيات والأعراف، كما وقد يعرقل مؤسسات المجتمع المختلفة عن القيام بدورها المنشود في عملية التنشئة الاجتماعية، وتنشأ بيئة تربوية متخلفة تتصف بالعجز والفوضى.

وأضافت: يمكن الحد من ظاهرة التسول من خلال زيادة وعي المجتمع بمخاطره وتنبيه أفراده من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، إضافة إلى إجراء دراسات تبحث في العوامل والأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير في الآونة الأخيرة ومدى اختلافها باختلاف البيئات التي تنتشر بها، كما أنه لابد من تفعيل القوانين والتشريعات التي تعد ضرورية لضبط هذه الظاهرة ومتابعة تطبيقها، ومن التدخل المباشر مع هؤلاء المتسولين والعمل معهم من أجل إصلاحهم وإعادة دمجهم في المجتمع والاستفادة من طاقتهم بالشكل الصحيح، وذلك من خلال عمل ورش وبرامج تأهيلية خاصة لهم.. مضيفة: إن الإسلام نهى عن التسول وذلك لأن صاحبها يفقد كرامته وقيمته، والإسلام حرص على أن تُحفظ كرامة الفرد وأن تُصان نفسه عن الذل والمهانة، والتسول سلوك يتنافى مع الكرامة الإنسانية التي خصها الإسلام للإنسان، كما يعد نوعا من أنواع أكل أموال الناس بالباطل وتسبب في هدم المجتمع وانهياره.

التسول جريمة

وقالت سارة بنت سعود السرحنية، عضوة بجمعية الاجتماعيين العمانية: التسول سلوك يمارسه الفرد لطلب المساعدة المالية بعدة أشكال كالمبيت في الشوارع وادّعاء المرض والاستعطاف وسرد قصص لا صحة لها بالواقع، فقد يكون التسول خارج إرادة الفرد - إجباريا – كالجبروت الذي يُستخدم اتجاه الأطفال والنساء من قِبل فئة معينة وتعد فئة الأطفال من أكثر الفئات التي تمارس التسول وذلك لاستعطاف أفراد المجتمع وتهيج مشاعرهم اتجاه المساعدة والعطاء، وقد يكون تسولا بإرادة الفرد نفسه، حيث يستخدم مهاراته العالية لكي يتمكن من تحقيق كسب مادي كبير.

وأشارت إلى أن انتشار التسول يسهم في إضعاف الأمان والاستقرار في المجتمع، فقد يمارس المتسول في بعض الأحيان تصرفات غير قانونية وإجرامية وسلوكيات سلبية بالإضافة إلى ذلك تتأثر سمعة المجتمع مما يؤثر في الأمد البعيد على السياحة في الدولة وتجنب الأفراد زيارة المجتمعات التي يكثر فيها المتسولون، ليس هذا فحسب، فالتأثير ليس فقط على المجتمع بل للمتسول أيضا، فهذا السلوك يؤدي إلى تدني قيمة الذات لديه وعدم تقديرها وعدم احترام الشخص لنفسه وذلك بسبب الإهانة والنظرة السلبية له من قبل المجتمع، وقد يواجه المتسول التحرش اللفظي في أغلب الأحيان، مما يؤثر ذلك على حالته النفسية بالإضافة إلى ذلك، فالتسول يجعل من الفرد شخصا اتكاليا لا يعتمد على نفسه في العمل والبذل وكسب المال والرزق بالطرق الصحيحة المشروعة، فتكون حاجته مقرونة بالناس.

وأوضحت أن التسول يمثل ظاهرة سلبية، فمن الواجب الحد من انتشارها وتفشيها في المجتمع وذلك بتوفير الحياة الكريمة لكل المحتاجين بالإضافة إلى إشهار العديد من صناديق التبرعات والجمعيات الخيرية التي تسهم في توفير متطلبات الفرد وعدم اللجوء إلى ممارسة التسول وهذا ما نراه واضحا في سلطنة عمان، فهناك العديد من المؤسسات الخيرية التي تعنى بالمساعدات، كما وجب الحد من الظاهرة بتوعية المجتمع بعدم التجاوب مع المتسولين والإبلاغ عنهم، وفي هذا الإطار فقد عملت سلطنة عمان جاهدة بمختلف جهاتها المؤسسية وبجهود تعاونية مع شرطة عمان السلطانية ووزارة التنمية الاجتماعية والادعاء العام على ضبط المتسولين واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالهم، بالإضافة إلى ذلك ووفق القانون العماني يعتبر التسول جريمة يعاقب عليها القانون.

أشكال التسول

وقالت فايزه محمد، كاتبة - ومديرة تحرير صحيفة شؤون عُمانية الإلكترونية: إن الجميع يعرف معنى التسول بمفهومه التقليدي، وهو طلب مال أو طعام من الناس، ويكون بأشكال مختلفة كالوقوف في الطرق لاستجداء الناس أو طرق أبواب بيوتهم أو محالهم التجارية، لكن في العصر الحديث، اتخذ التسول أشكالًا مختلفة، مثل حمل بعض المنتجات البسيطة واستجداء الناس من أجل شرائها دون تحديد ثمنها، أو الوقوف في إشارات المرور وعرض زجاجات المياه الصغيرة على سائقي المركبات بمقابل مادي غير المتعارف لزجاجة المياه، فالمتسول لا يهدف من هذا العمل بيع زجاجات المياه، وإنما طمعًا في استجداء عواطف أصحاب السيارات من أجل إعطائه مبلغًا من المال، وبعد الطفرة الهائلة التي شهدها مجال الإعلام والانتشار الواسع لمفهوم الإعلام الجديد بأشكاله المختلفة، خاصة بعد الاعتماد الكبير على منصات التواصل الاجتماعي والمقاطع المرئية، برز نوع جديد من التسول، وهو التسول غير المباشر، وللأسف الشديد، يتم استغلال الأطفال في هذا النوع من التسول لاستجداء تعاطف المتابعين، فتجد الشخص الذي يريد الحصول على منفعة ما يلجأ إلى هذا الأسلوب الذي نجح مع بعض الأفراد لأسباب معينة، وشجع عددًا من ضعاف النفوس للسير على نفس المنهاج للوصول إلى مبتغاهم بطريقة غير أخلاقية لكنها سريعة، كما أن من الطرق التي يلجأ إليها المتسول -وقد لاحظت ذلك أكثر من مرة- إظهار أوراق على أنها شهادات مرضية وفحوصات طبية، وادعاء الإصابة بمرض خطير يتطلب العلاج بالخارج أو شراء أدوية غالية الثمن، وأنه لا يملك المال اللازم للقيام بذلك، وهذه الحيلة يلجأ إليها بعض الوافدين ولكنها اختفت تقريبا لأنه من السهل اكتشافها مثل الادعاءات الأخرى.. كما يقوم بعض الوافدين باستجداء الناس بأنهم من أماكن مضطربة وأنه فقد عائلته أو تركهم دون معيل وهو بحاجة للمال من أجل مساعدتهم، والبعض الآخر يدعي أنه جاء من ولاية بعيدة لمراجعة المستشفى لكنه لا يملك المال اللازم للرجوع.

وأشارت إلى أن أساليب وطرق المتسولين كثيرة ومن السهل اكتشافها، ولكن للأسف بعض الناس يتعاطفون معهم ويعطونهم بعض المال من باب كسب الأجر، لكن أعتقد أن أفضل مساعدة يمكن تقديمها للمتسول هو إرشاده إلى الطرق الصحيحة لكسب المال بعيدًا عن التسول واستجداء الناس.. مشيرة إلى إن آثار التسول على المجتمع خطيرة وكثيرة، منها البطالة والاتكالية، فالمتسول يشعر أنه يستطيع الحصول على المال والطعام لمجرد الوقوف في شارع أو أمام مسجد فلماذا يعمل إذن وهو يستطيع الحصول على ما يريد بسهولة، ومنها تشويه صورة البلاد أمام الزائرين والمقيمين، وكذلك التأثير على القطاع السياحي لأن السياح لا يحبون الأماكن التي يوجد فيها متسولون، وأما آثار التسول على المتسول نفسه فهي كثيرة منها عدم الاستقرار النفسي والمالي، فالمتسول يخرج من بيته وهو غير متأكد أنه سيحصل على مال أم لا؟ غير متأكد إن كان سيجني أموالًا كثيرة على مدار اليوم أم سيتم القبض عليه ويزج به في السجن وبالتالي يترك عائلته دون عائل، ويعيش المتسول بحالة نفسية ومادية غير مستقرة، فهو ليس موظفًا حتى يطمئن بوجود راتب في نهاية كل شهر، وإنما يعتمد على صدقات الناس.. كما أن ما يجنيه المتسول يوميا يعتمد على قرار الناس بمساعدته أو عدم مساعدته، فليس كل الناس لديهم رغبة في مساعدة المتسولين، بل إن أغلبهم يرفضون هذه الظاهرة ويعتبرونها غير حضارية ومسيئة للبلد والمجتمع، مشيرة إلى أن هناك طرقًا متعددة للقضاء على ظاهرة التسول منها البحث عن عمل يدر للمتسول دخلًا ثابتا يعيل به نفسه وأسرته بدلا من استجداء الناس، أو صرف إعانة اجتماعية للمتسول تساعده حتى الحصول على عمل مناسب، وتنظيم حملات توعوية تبيّن الآثار السلبية للتسول على المتسول والمجتمع والحث على كسب المال بطرق مشروعة، لكن في سلطنة عُمان تكاد تقتصر ظاهرة التسول على الوافدين فقط، وبعض هؤلاء -للأسف الشديد- يبدو أنهم يعملون بشكل منظم ومدروس من حيث الزمان والمكان وطريقة التسول.

ظاهرة مذمومة

وقال الإعلامي ماهر بن مال الله الزدجالي: إن التسول ظاهرة مذمومة دينيا واجتماعيا، يقوم فيها الشخص بسؤال الناس بإلحاح لكي يعطوه المال، ومهما كانت الدوافع التي تدفع الشخص للتسول فهي ظاهرة غير محبذة في المجتمع ولها تأثير سلبي من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وتختلف طرق التسول من مكان إلى آخر، إذ أن هناك تسولا مباشرا عبر طلب المال، وآخر التسول غير المباشر من خلال طلب شراء منتج رخيص مثل الماء أو البخور أو حتى المناديل الورقية.

وأشار إلى أن للتسول آثارا سلبية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، فهي تجعل الفرد اتكاليا وغير منتج في المجتمع ويعيش منبوذا من الناس، وأما على الجانب الاقتصادي، فهناك تأثير كبير، فعلى سبيل المثال الجانب السياحي نجد أن الكثير من السياح حول العالم يحرصون على زيارة الدول التي لا توجد بها ظاهرة التسول، وأنا شخصيا عند سفري لمدينة ما وأجد فيها نسبة كبيرة من المتسولين، فإنني لا أحبذ تكرار زيارتها مرة أخرى.. مشيرا إلى أن المتسول يظلم نفسه ويعرضها للذل والإهانة وكان من الأفضل له أن يعمل وأن يلجأ إلى المؤسسات الخيرية في حالة الحاجة، فمهما كان صادقا، فإن الناس لا تصدقه لأن هناك حالات من المتسولين لا تنقصهم الحاجة.

وأضاف: للحد من التسول ينبغي تكثيف التوعية الإعلامية حول عدم التعاطف وإعطاء المتسولين والإبلاغ عنهم، ثانيا تكثيف الجهود من قبل الجهات المعنية للحد من هذه الظاهرة ومراقبة انتشار بعض المتسولين في الأسواق والبيوت من الجنسيات الأخرى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بالإضافة إلى هذه الظاهرة الحصول على فی المجتمع التسول من على المال یتسبب فی أن هناک قد یکون من خلال من أجل کما أن على أن

إقرأ أيضاً:

سيكلوجية السماح

تعدّ المفاهيم أساسية للوصول إلى السلام الداخلي والراحة النفسية هي مفاهيم تحتاج إلى صبر و تكرار حتى تصبح عادة، وتعدّ المسامحة أحد أهم مفاهيم السلامة النفسية التي تسمح لنا بالتحرر من الألم والغضب الناتجين عن أخطاء الآخرين، ومسامحة الآخرين لا يعني نسيان الأخطاء أو التخلي عن الحقوق، بل يعني التحرر من الوزن الثقيل الذي يخلفه الغضب، ومن ثم يتحول إلى كراهية.

تعدّ المسامحة عملية داخلية تتطلب الكثير من الشجاعة والإرادة والتمرن حيث أن المسامحة تنشأ بتقبل الواقع وتسليمه دون محاولة لتغيير الماضي، ولا يعني أننا نقبل السلوك الخاطئ، بل نرفض الاستمرار في تعذيب أنفسنا بسبب أخطاء الآخرين في حقنا، ودون أن نضع الألم الذي خلّفه أخطاء الآخرين نصب أعيننا حتى لا ندخل في دوامة من اللوم والحقد.

وممّا لا شك فيه أن مسامحة الآخرين، تمنح الأفراد فرصة للتخلص من الألم و من التساؤلات ومن إنكار الجرح.
لذلك، تعتمد سيكولوجية المسامحة على الارادة القوية في تخّليص الذات من عبء مخلفات المواقف المؤلمة و الجارحة، كما أن المسامحة هي رمز القوة و الشجاعة و النُبُل في نفس الفرد.

إن مسامحة الآخرين ضرورة من ضروريات الحياة السليمة و السلامة النفسية من كل ما يؤثر سلباً على الذات. ويكمن السر الأكبر في التخلص من الضغينة و الحقد اللذين يتكونان تباعًا مع تراكم المواقف و تكرارها، وحينما يتحرر الفرد من هذه المشاعر، فإنه يمنح لذاته القدرة الكاملة على تحقيق السلام.

وربما يعتقد البعض أنه قام بإهانة ذاته من خلال هذه المسامحة، حيث ينشأ لديه شعور بعدم رد حقه إليه وهذا من تأثير الذات السلبية والتي حينما تغضب تحقد تأبى إلا أن تأخذ حقها و هذه ليست طبيعة الأفراد في الأصل. فيجب على الفرد أن لا يسمح للضعف أن يحل محل القوة، ولا للضغينة أن تحل محل النقاء، وأن يسعى إلى تحقيق السلام من خلال المسامحة.

fatimah_nahar@

مقالات مشابهة

  • خاتمي: إيران أمام وضع خطير في الساحة الدولية
  • «أولياء أمور مصر» تقدم مقترحات تساهم في الحد من ظاهرة الغش بامتحانات الثانوية العامة
  • ما التشوه المالي وأسبابه؟ هكذا يؤثر على المجتمع
  • البحوث الإسلامية: الحفاظ على المال العام واجب ديني وأخلاقي لا يقبل التهاون
  • أمين مجمع البحوث الإسلامية: الحفاظ على المال العام واجب شرعي وأخلاقي
  • أموال وديون ضائعة
  • وزيرة التنمية المحلية تستعرض سبل التعامل مع ظاهرة انتشار الحيوانات الضالة بالمحافظات
  • "أحسن صاحب": منصة الإبداع التي تكسر حواجز الإعاقة
  • سيكلوجية السماح
  • الداعية عمرو مهران للشباب: اختاروا مهن تترك بصمة في حياتكم وتفيد المجتمع