لجريدة عمان:
2024-10-13@20:25:58 GMT

تباينات الهرم الاجتماعي.. قراءة في سردياته

تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT

يصعب نظريا إعطاء قراءات دقيقة لسرديات الهرم الاجتماعي كمثل هذا الطرح الذي بصدد مناقشته هنا، ولكن ربما من خلال بعض المظاهر الاجتماعية النظر في مستواه الأفقي «الشكل» أكثر من الرأسي «العمق والدلالات» حيث يحتاج هذا الأمر الأخير إلى متخصص «دراسة» ففي مستواه الأفقي يمكن النظر إلى: نمو أسر في فئات النخبة نموا لافتا خاصة إذا حدث هذا النمو في فترات قصيرة من عمر المجتمع ككل، والعمر هنا يقاس بمستوى تأثير برامج التنمية، خاصة إذا لوحظ انسحاب أو اختفاء الفئة الاجتماعية الوسطى من سلم الهرم، واقتصر الأمر على فئتين: أحدهما تشكل رأس الهرم، والأخرى قاعدته العريضة، لأن في ذلك «مظنة» تذهب إلى طرح تساؤلات كثيرة خاصة أيضا إذا قابلها تزايد في أسر المعوزين والفقراء، نمو الباحثين عن عمل وتراكم أعدادهم، وخاصة في المراحل الأولى لعمر التنمية في أي بلد، تقليص أو زيادة الفجوة في مستوى الرفاه بين مجتمعي المدينة والقرية، حيث تستحوي المدن غالبا الاهتمام الأكبر في التنمية مستوى السرعة أو البطء في عمليات الحراك الاجتماعي على مستوى الوطن الواحد ازدياد حالات الزواج (أسر جديدة)، نقص أو زيادة حالات الطلاق، زيادة أو نقصان في عدد المواليد دون تدخل برامج حكومية موجهة، نمو فئة التكنوقراط في المؤسسات، مؤشرات نمو أو انخفاض في عدد أصوات الناخبين، عدم أو وجود الـ «كوتات النسائية»، تحسن أداء مؤسسات المجتمع المدني وتنوعها، زيادة عدد المدارس الخاصة أو المؤسسات الصحية الخاصة، زيادة أو نقصان الارتباطات الاجتماعية الأفقية والرأسية في المجتمع، فيما يعرف بـ «الإندماج التواصلي» ملاحظات مستوى الشعور (انخفاضا/ زيادة) بالمسؤولية الاجتماعية لدى فئات المجتمع، وخاصة الفئات العمرية الأصغر ويقاس ذلك من خلال عدم الإضرار بالبيئة المحيطة، والمحافظة على المال العام، مستويات الزيادة والانخفاض في القضايا الاجتماعية المعروضة أمام المحاكم، النظر في التقارب النسبي في مسألة التباين الهرمي، في بُعديه الكمي والنوعي، مثال: البعد الكمي للنوع (ذكور/ إناث) أو البعد الكمي في المعرفة (متعلمون/ أميّون) أو الكم النوعي في الوعي (مدركون/ جهال) أو الكمّ النوعي في الديمقراطية (مصلحون/ معارضون)، ففي كل ذلك مؤشرات مهمة لصانع القرار التنموي، في كل المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه التباينات كلها التي يسجلها الهرم الاجتماعي، على الرغم من أنها حاضرة في كل المجتمعات، المتقدم منها والمتأخر، وإن بدرجات المتفاوتة، إلا أنها مهمة جدا، ومراجعتها بشكل دوري مهم لجس نبض ديناميكية المجتمع أو تراجعها، ومعالجة تذبذبها أهم بلا شك.

يرتبط تباين التجانس الهرمي بتباين المجتمعات، ويحدث ذلك انعكاس لمستوى التطور أو التخلف الذي يعيشه كل مجتمع على حدة، فكما أن المجتمعات ليست على تجانس تام في كل مشاريعها الحياتية، لظروف كثيرة جيوسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، فهي كذلك ليست على تجانس تام في مستويات الفكر الذي تتعامل به داخل محيطها، ومستويات إنجازاتها المادية والمعنوية المختلفة، بما في ذلك أثر توجهات أنظمتها السياسية، ومستوى استقلاليتها من عدمه، ولذلك فعقد المقارنات بين المجتمعات في شأن التجانس الهرمي يعبر عن افتقاد الرؤية المتوازنة في الحكم على الأشياء، لأن المساواة تظل في حكم المستحيل في أن تتوافق الأنظمة السياسية توافقا تاما مع أخرى إلا في حدود ضيقة جدا ويكون ذلك في صورة مقننة عبر اتفاقيات موقعة بين الطرفين في موضوعات محددة جدا، وهذه الحدود الضيقة هي ما تمليه عليها مصالح الطرفين، وقد تخضع لفترات زمنية محددة أيضا، وقد تملي هذه المصالح على تجديد اتفاقيات لمشروعات أخرى مختلفة تجسيدا لذات المصالح، ويدخل في ذلك مستويات الأدوار التي تؤديها الأنظمة في المشروع الدولي العام، وارتباطاتها الجيوسياسية مع غيرها، أما في غير ذلك، فيحل المستحيل على التوافق التام.

ويأتي التباين الهرمي في كل مجتمع على حدة، ليعكس قراءة نوعية عن المجتمع ذاته، ويعطي دلالات معينة نحو الغايات التي سيصل إليها بعد فترة من الزمن، ولذلك يشكل التباين الهرمي مسألة مهمة لصانع القرار في ذات النظام السياسي أو الاجتماعي، أو للآخر الذي يرقب مستوى التغير الذي يمر به مجتمع ما، يهمه أمره لشيء ما، ولذلك يكون في الغالب أن هناك حرصا من قبل الأنظمة السياسية على وجه الخصوص في التقليل من الإشارة إلى مستويات التباينات التي تحدث في الهرم الاجتماعي، فيما يتبين من ظواهر اجتماعية معينة على مستوى هرم التباين، والعمل على تقليص الفجوات بين أشكال هذا التباين في أقرب فرصة، ودراسة أسباب التباين، وقد تشكل لأجل ذلك لجان متخصصة للوقوف على الأسباب، والعمل على معالجتها، ودعم المسار الإيجابي أحيانا في أحدها أكثر لأهمية الدور الذي يؤديه، وهذا الحرص قد ينظر إليه أيضا من باب تحصين المجتمع من الاختراق من الجانب المعادي، وهذا أمر تدركه الأنظمة السياسية أكثر، وتعمل على تحييده بصورة مستمرة، ولذلك تخفي الدول -على سبيل المثال- الرقم الحقيقي لعدد السكان في الدولة، حتى لا يستشف منه قراءة معينة صعودا أو نزولا يهم أي طرف يراقب هذا المشهد، لأن في ذلك خطورة على مستقبل الدولة ككل، وليس فقط على الحركة الموضعية للمجتمع، كما هي المقاربة في مثال الشركات التي لا تفصح عن الرقم الحقيقي لرأسمالها في الإفصاح السنوي أو الفتري، تهربا من الضرائب، أو من الحسد، كما يعتقد رؤساء مجالسها، أو محاسبتها من قبل أصحاب الأسهم فيها.

وتبقى مسألة مهمة هنا وهي: أن المجتمعات الكبيرة بتركيبتها الاجتماعية المعقدة أكثر صعوبة في ظهور أشكال هرمها بصورة واضحة، بخلاف المجتمعات الصغيرة والأقل تعقيدا، حيث تظهر أشكال هرمها بصورة واضحة أو حتى دراستها، والحصول على نتائج أكيدة، وإعطاء أحكام خاصة بها، أو استشراف مآلاتها الاجتماعية بعد فترة من الزمن، ويمكن القول: إن التباين أو التجانس بين المجتمعات بشكل عام، لا يهم كثيرا الأفراد في كل مجتمع على حدة، وما يهمهم أكثر هو ما يكون في مجتمعهم الصغير، وذلك للحصول على نتائج مباشرة، وعوائد يستفيدون منها لتسيير حيواتهم اليومية، ويرون من خلال هذه النتائج المتحصلة مستوى التحقق الذي وصل إليه جهدهم، فالجميع بلا شك يهمهم تقلص الفقر، تقلص الباحثين عن عمل، تقلص مستويات الجهل، تقلص حالات الطلاق، تقلص مستويات الرفاه بين المدينة والقرية، زيادة الوعي بين المواطنين الذاهبين إلى المشاركة الواسعة في المشاركة السياسية، تحسن أداء مؤسسات المجتمع المدني، زيادة الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لما فيها من الإحساس بقيمة الفرد وحريته، نشاط التواصل الاجتماعي على مستوى الفرد والجماعة، فكل ذلك يقلص من مجموع التباينات في الهرم الاجتماعي، ويعكس مؤشرات مهمة لنمو برامج التنمية، وتأثيرها المباشر على الواقع العام للمجتمع، ويؤسس شعورا وطنيا بأهمية الفرد ودوره في المجتمع، وتعظيم عائد اللحمة الاجتماعية، ويجفف من مستويات منابع الغبن والاحتقان من عدم تحقق بناء الشخصية الذاتية أو الاجتماعية، وضعف القيمة المعنوية في نفوس أبناء المجتمع.

ومن هنا تتأصل أكثر وأكثر أهمية القراءة الدورية لأشكال الهرم الاجتماعي، وهي -كما هو معروف- أشكال ليست مادية ملموسة موضوعة في مكان ما، يسهل مشاهدتها أو زيارتها، وإنما هي مجموعة من النتائج المتحصلة من برامج وخطط، فاعلة ومستمرة، سواء لخطط بعيدة المدى أو قصيرة أو متوسطة، معززة بالكثير من الجهود البشرية والمادية، تسخر لتحقيقها بالإضافة إلى الميزانيات المالية، المعرفة والفكر، وتوظيف الآليات الحديثة، والنظم والبرامج، فالهرم الاجتماعي لا يقبل إطلاقا حالة الركون، أو الاسترخاءات الطويلة، فهو خاضع لحركة نشطة أساسها هؤلاء الناس الذي تتقاطع مشاربهم، وطموحاتهم، وآمالهم، ويسعون حثيثا إلى مساحات مشرعة من التطور والنمو، والانتقال من حياة ثابتة لا جديد فيها إلى مليئة بالصخب والحركة والنمو.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی ذلک

إقرأ أيضاً:

الشبكة العربية للمسؤولية الاجتماعية تكرّم قادة الاستدامة


دبي: «الخليج»
احتفلت الشبكة العربية للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات بالدورة السابعة عشرة من الجائزة العربية للمسؤولية الاجتماعية والاستدامة تحت رعاية وحضور المهندس الشيخ سالم بن سلطان بن صقر القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني برأس الخيمة، بحفل ملهم كرم المؤسسات في مختلف القطاعات لتميزها في مجال الاستدامة.
وأصبحت الجائزة، التي تعتبر الأكثر دقة بالمنطقة، علامة مميزة للمسؤولية البيئية والاجتماعية، وتشجع الشركات على اتخاذ إجراءات جريئة نحو مستقبل أكثر استدامة.
وافتتحت حبيبة المرعشي، المؤسسة والرئيسة التنفيذية للشبكة العربية للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، الحفل بكلمة سلطت خلالها الضوء على تأثير الجائزة على مدى السنوات السبع عشرة الماضية.
وأشارت إلى أن الجائزة كانت منذ إطلاقها محركاً حاسماً للتغيير في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث عززت ممارسات الاستدامة عبر مجموعة واسعة من القطاعات، موضحة نمو برنامج الجائزة بشكل مطرد، حيث تلقت دورة هذا العام 122 طلباً يندرجون تحت 16 فئة، بما يمثل 35 قطاعاً ويغطي العمليات في 10 دول عربية.
ولفتت إلى أن الجائزة تكرم جهود الاستدامة عبر فئات متعددة، بما في ذلك الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ومؤسسات القطاع العام أيضاً بفئاتها الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والشراكات.
وفي هذا العام، قدمت 31 جهة مشاركة تقارير الاستدامة مع طلباتها، بما يعكس الأهمية المتزايدة للشفافية والمساءلة في العمليات التجارية في العالم العربي.
وسلطت حبيبة المرعشي الضوء على الاتجاهات الرئيسية الناشئة عن دورة جائزة هذا العام، وكان التطور الأكثر بروزاً هو زيادة التركيز على الحد من الانبعاثات والنماذج الاقتصادية الدائرية.
وقالت: «أصبحنا نشهد التزاماً متزايداً بالتصدي للتغير المناخي بشكل مباشر، ولا سيما من خلال مبادرات الاقتصاد الدائري والحد من الانبعاثات الكربونية».
وأضافت: «برزت الشراكات والتعاون كأحد المواضيع المهمة هذا العام، من خلال 36 طلباً تحت هذه الفئة، ما يعد دليلاً على أهمية العمل الجماعي في حل تحديات الاستدامة المعقدة».
وفي تطور مهم، شهدت دورة الجائزة في 2024 إدراج قطاع التعليم لأول مرة، تقديراً للدور الحيوي الذي تلعبه المؤسسات التعليمية في تشكيل أجندة الاستدامة للأجيال القادمة.
وفاز في الجائزة عن فئة الأعمال التجارية الكبيرة، شركة المياه المعدنية بأولماس- المغرب، وعن فئة الأعمال التجارية المتوسطة: شركة كانباك الشرق الأوسط، وعن فئة الأعمال التجارية الصغيرة، شركة آي إس إس للنقل، وعن فئة المؤسسات الحكومية الكبيرة، هيئة كهرباء ومياه دبي، وعن فئة المؤسسات الحكومية المتوسطة، مؤسسة محمد بن راشد للإسكان وعن فئة المؤسسات الحكومية الصغيرة، دائرة التنمية السياحية -عجمان.
فيما فاز عن فئة الخدمات المالية، بنك التسليف التعاوني والزراعي، وعن قطاع الطاقة، مصفاة أرامكو السعودية في ينبع، وعن فئة قطاع الضيافة، هوليداي إن -البرشاء، وعن قطاع الرعاية الصحية، مناصفة بين مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية وإستر دي إم للرعاية الصحية، وعن فئة المؤسسات الجديدة، مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، وعن فئة المؤسسات الاجتماعية، مؤسسة مجتمع جميل السعودية، وعن فئة قطاع الإنشاءات، مجموعة إينوفو.
وفاز في قطاع السيارات، مؤسسة محمد ناصر الساير وأولاده، وعن فئة قطاع التعليم، مدرسة الألفية، وعن فئة الشراكات والتعاون، مؤسسة فلسطين للتنمية.
وأشادت حبيبة بالفائزين، مشيرة إلى أن إنجازاتهم تجسد ما يمكن تحقيقه عند تبني الاستدامة كقيمة أساسية، وقالت: إن هذه المؤسسات لا تلبي معايير اليوم فحسب، بل ترسي معايير جديدة، وتبين لنا جميعاً أن الأعمال المستدامة ليست ممكنة فحسب، بل إنها ضرورية من أجل الانتقال لمستقبل مزدهر.
وأعربت الشبكة العربية للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات عن خالص امتنانها لرعاتها على دعمهم، وشملت الراعي البلاتيني شركة «الخليج لصناعة البتروكيماويات»، والرعاة الفضيين «شركة ماكدونالدز الإمارات»، وشركة «أراد للتطوير العقاري» التي انضمت للحدث هذا العام.

مقالات مشابهة

  • دائرة تنمية المجتمع تنظم ورش تعريفية لمنشآت الرعاية الاجتماعية في أبوظبي
  • دماء على المقهى.. تفاصيل مقتل قهوجي وإصابة آخر بطلق ناري في الهرم
  • جثة ومصاب وقاتل مجهول.. من أطلق الرصاص على مقهي الهرم؟
  • هرم زوسر: كيف استخدم المصريون القدماء التكنولوجيا
  • اجتماع بعمران يناقش مستوى تنفيذ مشاريع المبادرات المجتمعية بمديريتي شهارة والقفلة
  • الشبكة العربية للمسؤولية الاجتماعية تكرّم قادة الاستدامة
  • ميقاتي أدان العدوان الاسرائيلي الذي استهدف مركزا للجيش: برسم المجتمع الدولي
  • الكيلاني: مشروع السجل الاجتماعي الموحد خطوة محورية نحو تعزيز كفاءة النظام الاجتماعي
  • البرنامج الوطني ازرع الإمارات يشجع أفراد المجتمع على زيادة الرقعة الخضراء