ستوقف إسرائيل حربها عندما تدرك أن تكلفة تدمير الفلسطينيين باهظة للغاية
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، عندما بدأ القصف المكثف للمدنيين، كانت الفكرة في ذهني: كيف سنعيش نحن الفلسطينيين مع الإسرائيليين بعد هذا؟ وبعد اثني عشر شهرًا، ومع استمرار عمليات القتل وتدمير غزة بلا هوادة، ومع قيام إسرائيل بتوسيع الصراع إلى الضفة الغربية، حيث قُتل أكثر من 700 فلسطيني، ومع تصعيد هجماتها في لبنان وإيران، أصبح السؤال أكثر إلحاحًا.
خلال الأشهر الإثني عشر الماضية، تم ارتكاب العديد من الفظائع، بدءًا بقتل 1200 جندي ومدني إسرائيلي على أيدي الفلسطينيين، ثم قيام الجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 17 ألف امرأة وطفل، و287 عامل إغاثة، و138 صحفيًا وعاملًا في وسائل الإعلام. وهذا لا يشمل أولئك الذين لا يزالون تحت أنقاض ثلثي المباني في غزة التي تضررت أو دمرت. وهنا مثال واحد فقط من هذه الحرب التي استمرت 12 شهرًا، ففي الخامس والعشرين من سبتمبر، أعادت إسرائيل شاحنة تحمل 88 جثة لا تحمل أي تفاصيل تعريفية إلى غزة.
لقد كانت إسرائيل تعتقد اعتقادًا خاطئًا بأنها تستطيع إخفاء هذه الفظائع عن العالم من خلال تقييد وصول الصحفيين إليها. ولم تسمح لأحد بتغطية الأحداث بشكل مستقل في غزة، الأمر الذي جعل من السهل التشكيك في الروايات الفلسطينية للأحداث وأعداد القتلى ومدى الأضرار التي لحقت بها. ولإلقاء المزيد من الشكوك، فإن العدد الهائل من الأرواح التي أزهقت عادة ما يكون مصحوبا بتحذير «كما تزعم وزارة الصحة التي تديرها حماس».
كل هذا جعل الجيش الإسرائيلي غير مبالٍ، فقتل أعدادًا كبيرة من الفلسطينيين في غارات جوية واحدة. وجعل بنيامين نتنياهو قتل أو أسر يحيى السنوار، زعيم حماس، كان هدفًا رئيسيًا للحرب التي لم يكن ثمنها باهظًا. فبدلًا من استخدام القنابل الدقيقة عندما كانت هناك معلومات استخباراتية عن مكان السنوار، استخدم الجيش الإسرائيلي قنابل تزن 900 كجم، مما أسفر عن مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين الأبرياء. وقد تكرر هذا الأمر عدة مرات على مدار العام الماضي واستمر حتى بعد أن توقفت الولايات المتحدة عن إمداد إسرائيل بهذا النوع من القنابل بسبب استخدامه في المناطق المدنية.
لقد اضطر الفلسطينيون في قطاع غزة، وأغلبهم من اللاجئين من المدن والقرى التي أصبحت إسرائيل في عام 1948، إلى الانتقال إلى أماكن أخرى عدة مرات؛ حيث تعاملت إسرائيل مع السكان باعتبارهم ممتلكات يمكن الاستغناء عنها، ويمكنها أن تنقلهم من مكان إلى آخر متى شاءت، وفي الأشهر التي أعقبت الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، نزح ما يقرب من كل سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة عن ديارهم.
في بداية الحرب، أعترف بأنني لم أتعامل بجدية مع التصريحات الأولية التي أطلقها زعماء إسرائيل المتشددون، مثل وعدهم بتحويل غزة إلى صحراء غير صالحة للسكنى، ووصفهم الفلسطينيين بأوصاف دون الإنسانية. ولم أكن لأصدق أن الإسرائيليين قد حطوا من قدر الفلسطينيين إلى درجة تجعلهم قادرين على تنفيذ هذه السياسة دون أي رد فعل من داخل إسرائيل وخارجها، وكما أظهرت الأحداث، فقد كانوا يقصدون هذه الكلمات، والآن تركوا قطاع غزة غير صالح للسكنى فعليًا. لقد تحققت التحذيرات الرهيبة.
ولكن ما لم أدركه أيضًا هو أنه بمجرد أن يفلتوا من العقاب على مثل هذه الفظائع في غزة، فإن زعماء اليمين سوف ينتهزون الفرصة ليتبعوهم بجرائم مماثلة في الضفة الغربية والآن في لبنان. وهكذا بدأوا في تدمير البنية الأساسية للمخيمات والبلدات في الضفة الغربية، واستخدموا الطائرات بدون طيار لقتل الفلسطينيين من الجو تماما كما يفعلون في غزة.
كان أحد التطورات التي كنت أعلق عليها آمالا كبيرة هو نهاية إفلات إسرائيل من العقاب في القضية المرفوعة ضد إسرائيل في جنوب أفريقيا في لاهاي. وقد شعرت بقدر كبير من البهجة عندما سمعت بيانا صحفيا أصدرته منظمة (بتسيلم) في العشرين من مايو، والذي جاء فيه أن «عصر إفلات صناع القرار الإسرائيليين من العقاب قد انتهى». ولكن تبين أن هذا بهجتي كانت تفاؤلا زائفا. فحتى الآن لم يتراجع القادة الإسرائيليون عما يفعلون. كان ينبغي لي أن أدرك ذلك في وقت سابق، بعد سنوات من الإحباط نتيجة خوض معارك عقيمة من أجل حقوق الإنسان ضد الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وخاصة فيما يتصل ببناء المستوطنات غير الشرعية.
بالنسبة للإسرائيليين، أصبحت أحداث السابع من أكتوبر من العام الماضي أشبه بما وصفه الطبيب النفسي القبرصي التركي فاميك فولكان. وقد أطلق (فولكان) على هذه الصدمة اسم «الصدمة المختارة»، ووصفها بأنها حدث يربط بين شعور المجتمع بذاته، حتى وإن كان بإمكانه إغلاق الباب أمام إمكانية الشفاء وإحلال السلام.
ولكن أحداث السابع من أكتوبر ليست الصدمة الوحيدة المختارة في تاريخ إسرائيل المتقلب. فكثيرًا ما تروي إسرائيل العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها مليئة بالصدمات التي لا تُنسى أبدًا، والتي تستخدم «لإضفاء الشرعية على قتل الفلسطينيين كأداة فعّالة للحفاظ على دولة يهودية آمنة وإعداد الشباب الإسرائيلي ليكونوا جنودًا صالحين ويواصلوا ممارسات الاحتلال»، كما تقول الأستاذة الإسرائيلية نوريت بيليد-إلهانان، في دراستها التي نشرتها عام 2010 تحت عنوان «شرعنة المجازر في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية».
إن احتمالات استيقاظ الشعب الإسرائيلي في نهاية المطاف وإدراكه للأضرار التي ألحقها بالفلسطينيين في الماضي والحاضر ضئيلة للغاية. ففي شهر مايو، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 39% من الإسرائيليين يرون أن الرد العسكري الإسرائيلي ضد حماس في غزة كان صائبًا، في حين يرى 34% أن الرد لم يكن كافيًا، في حين يرى 19% فقط أنه تجاوز الحد. ويبدو احتمال استيقاظ هذا الشعب من سباته بعيد المنال.
ولا يوجد أمل في أن يتراجع تيار الدعم غير المشروط لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة في أي وقت قريب. أو أن تبدأ الحكومة الأمريكية في إدراك أن الدعم غير المشروط لإسرائيل يؤدي إلى هزيمة الذات ويضر بإسرائيل فضلًا عن أنه مكلف للغاية.
ولكن على الرغم من كل ما سبق، تظل الحقيقة المؤلمة هي أن الفلسطينيين هم لب المسألة. فبعد نجاحها العسكري في عام 1967، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان: «نحن الآن إمبراطورية». وبعد سبعة وخمسين عاما، تظل إسرائيل عاجزة عن تحقيق السلام لأنها ترفض مرارا وتكرارا الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. والواقع أن نجاح إسرائيل المزعوم في قص أجنحة حزب الله قد جعلها تشعر بالنشوة بالفعل، الأمر الذي أكد اعتقادها بأنها قادرة على المضي قُدمًا في تدمير الفلسطينيين في غزة، وأنها ستتمتع بحرية التصرف في الاستيلاء على فلسطين بأكملها لإقامة إسرائيل الكبرى.
ولكن بعد أن خاضت إسرائيل معارك على عدة جبهات، عانى اقتصادها، ولم يتضاءل اعتمادها على الدعم من الولايات المتحدة، التي أحرجتها مرارًا وتكرارًا. وسوف يتضح قريبًا أن إسرائيل سوف تضطر إلى الاستمرار في خوض حرب تلو الأخرى، وسوف تظل أمة تحت الحصار إلى الأبد إذا استمرت على هذا المسار. ولن تجد الدولتان سبيلًا للعيش معًا في سلام في وطننا المشترك إلا عندما تدرك إسرائيل أن تكلفة تدمير الفلسطينيين باهظة للغاية.
رجا شحادة محامٍ وكاتب فلسطيني ومؤسس منظمة الحق لحقوق الإنسان. أحدث كتاب له هو «ما الذي تخشاه إسرائيل من فلسطين؟».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الفلسطینیین فی الضفة الغربیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
تحقيق صحفي: إسرائيل تطور أداة جديدة لتضييق الخناق على الفلسطينيين
كشف تحقيق أجرته مجلة "+972" الإلكترونية الإسرائيلية بالتعاون مع منصة "لوكال كول" العبرية وصحيفة غارديان البريطانية، أن الجيش الإسرائيلي يعكف على تطوير أداة ذكاء اصطناعي جديدة شبيهة بتطبيق شات جي بي تي، وتدريبها على ملايين المحادثات العربية التي تحصل عليها من خلال مراقبة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وتُعرف الأداة الجديدة التي يجري تطويرها تحت رعاية الوحدة 8200 -وهي فرقة النخبة في الحرب الإلكترونية داخل شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- باسم نموذج اللغة الكبيرة "إل إل إم" (LLM)، وهو برنامج تعلم آلي قادر على تحليل المعلومات وتوليد النصوص وترجمتها والتنبؤ بها وتلخيصها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2واشنطن بوست: إسرائيل بنت مصنعا للذكاء الاصطناعي وأطلقت له العنان في غزةlist 2 of 2الموت القادم من الغمام.. كيف سهّلت شركات التخزين السحابي قتل الغزيين؟end of listويغذَّى النموذج الجديد، الذي يعمل الجيش الإسرائيلي على تطويره، بكميات هائلة من المعلومات الاستخباراتية التي يتم جمعها عن الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.
تضييق خناقووفق مجلة "+972" اليسارية الإسرائيلية، فإن النموذج الجديد كان لا يزال في طور التدريب في النصف الثاني من العام الماضي، ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان قد نشر أو كيف سيستخدمه الجيش بالضبط.
ونسبت إلى 3 مصادر أمنية إسرائيلية أن الفائدة الأساسية التي سيجنيها الجيش من هذه الأداة الجديدة تتمثل في قدرتها على المعالجة السريعة لكم هائل من مواد المراقبة من أجل الإجابة عن أسئلة تتعلق بأفراد بعينهم.
إعلانوبالنظر إلى الكيفية التي يستخدم بها الجيش بالفعل نماذج لغوية أصغر، يبدو أن من شأن نموذج اللغة الكبير الجديد أن يزيد من توسيع نطاق تجريم إسرائيل واعتقال الفلسطينيين.
وأوضح مصدر استخباراتي ظل يتابع عن كثب تطوير الجيش الإسرائيلي للنماذج اللغوية في السنوات الأخيرة أن الذكاء الاصطناعي يضخم القوة، فهو "يسمح بتنفيذ عمليات باستخدام بيانات عدد أكبر -بكثير- من الأشخاص، مما يتيح السيطرة على السكان، ولا يتعلق الأمر فقط بمنع وقوع حوادث إطلاق نار".
مليارات الكلماتوأضاف "يمكنني تتبع نشطاء حقوق الإنسان، ومراقبة أعمال البناء التي يقوم بها الفلسطينيون في المنطقة "ج" (في الضفة الغربية). ولدي المزيد من الأدوات لمعرفة ما يفعله كل شخص في الضفة الغربية. وعندما يكون لديك الكثير من البيانات، يمكنك توجيهها نحو أي غرض تختاره".
وكشف التحقيق المشترك، الذي أوردت مجلة "+972" بعض تفاصيله في هذا التقرير، أنه بعد هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، استعانت السلطات في تطوير النماذج اللغوية بمواطنين إسرائيليين من ذوي الخبرة كانوا يعملون في شركات التكنولوجيا العملاقة مثل غوغل وميتا ومايكروسوفت.
ونقلت المجلة عن أحد المصادر أن روبوت الدردشة الآلي الخاص بالوحدة 8200 جرى تدريبه على 100 مليار كلمة باللغة العربية تم الحصول على بعضها من خلال مراقبة واسعة النطاق للفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يحذر الخبراء من أنه يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الفلسطينيين.
مختبروأعرب نديم ناشف، مدير ومؤسس المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، عن مخاوفه قائلا إن الفلسطينيين أصبحوا مادة في مختبر إسرائيل لتطوير هذه التقنيات واستخدام الذكاء الاصطناعي كسلاح، "وكل ذلك بغرض الحفاظ على نظام فصل عنصري واحتلال تُستخدم فيه هذه التقنيات للهيمنة على شعب والتحكم في حياته".
إعلانوذكرت المجلة أن مصادر استخباراتية إسرائيلية أكدت لها أن المشكلة الأكثر إلحاحا في الضفة الغربية لا تكمن بالضرورة في دقة هذه النماذج، بل النطاق الواسع للاعتقالات التي تتيحها.
وزادت تلك المصادر قائلة إن قوائم المشتبه بهم من الفلسطينيين تتزايد باطراد، حيث تجمع كميات هائلة من المعلومات بشكل مستمر ومعالجتها بسرعة باستخدام الذكاء الاصطناعي.