صلالة ومشروع سوق الحصن.. ومسجد الشروق!
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
عمير العشيت
alashity4849@gmail.com
يمتد تاريخ سوق الحصن الكائن في منطقة الحصن بولاية صلالة إلى مئات السنين وكان يمثل السوق الأول في محافظة ظفار والمناطق المُحيطة به، ومركزًا تجاريًا يجتمع فيه كل تجار وسكان المحافظة من كل حدب وصوب، ويتم فيه تبادل وشراء السلع التجارية بالمقايضة، أو النقود؛ حيث تعرض على باحات السوق كافة السلع التجارية مثل اللبان والبخور والجامر وجوز الهند والتمور والفواكه والخضروات والأسماك والماشية، فضلًا عن الأدوات الحرفية، وكان هذا السوق الكائن قبالة بحر العرب المكنون برماله الفضية الناعمة في منطقة الحصن إكسير الحياة والمتنفس الوحيد للمحافظة، والسبيل الوحيد لاقتناء السلع الاستهلاكية والكماليات.
أما من حيث العراقة التاريخية، فإن سوق الحصن في منطقة الحصن– بحسب المسميات الرسمية والتقسيم الإداري لولاية صلالة- فإنه شبيه بسوق مطرح التاريخي العريق المقابل لبحر عمان، والذي تم إعادة هيكلته المعمارية التقليدية وترميمه بشكل يتناسب التطورات التي يشهدها عالم السياحة في السلطنة. وبات هذا السوق تحفة معمارية بديعة وقبلة لملايين السياح طول العام، وأشاد به الجميع من حيث جمالية هندسته المعمارية محتفظًا في ذاته بالطراز العماني القديم، ويعد نافذة اقتصادية وسياحية تدر المنفعة للبلاد، بينما سوق الحصن ما زال قابعًا على حالته القديمة منذ أكثر من أربعين سنة، يستنجد من الجهات الرسمية بإنقاذه وانتشاله من ذاكرة النسيان، ولم يتم تطويره وإعادة هيكلته ليتماشى مع الطفرة المعمارية التي تشهدها المحافظة ومتطلبات السياحة حتى الآن، علماً بأنَّ هذا السوق يستقطب أغلب المواطنين والسياح أثناء خريف ظفار، وكل زائر للمحافظة لا يفوته التوجه لزيارة هذا السوق ويكون حريصًا كل الحرص على اقتناء وشراء الهدايا التذكارية كمثل اللبان والبخور والجامر والأدوات الحرفية وغيرها من السلع، على الرغم وضعه الحالي، ويكون مزدحمًا في مهرجان خريف ظفار بصورة غير عادية.
متى سنعيد الرونق التاريخي لهذا الصرح التراثي التليد، وأن يشهد مرحلة جديدة من التشييد والبناء والتطوير، ويتم البدء في التنفيذ ليكون أحد أهم الروافد التجارية لعُمان الغالية وقلعة سياحية وتحفة معمارية تستقطب الزوار طول العام، شأنه شأن سوق مطرح وغيره من الأسواق الموجودة في المحافظات الأخرى، ويدشن بذلك كأول سوق تقليدي على مستوى محافظة ظفار دون منافس، كما يتمنى الجميع أن يستبشروا بميلاد هذا السوق من جديد ويرجع أمجاده الخالدة بحلية جديدة في موسم الخريف القادم، ويستمتع الزائرون والسياح بعبق روائح اللبان والبخور والعطور بنهكة حديثة وتشكيلة بديعة.
من ناحية أخرى، سيوفر هذا السوق الكثير من الوظائف للباحثين عن عمل ويفتح المجال للزوار في التعرف عن كثب للصناعات الحرفية والتقليدية التي تشتهر بها المحافظة. والأسواق التقليدية تعتبر إحدى الرموز الرئيسية لأي دولة في العالم وتجدها منتشرة في كل منطقة وموقع في البلدان المضيفة، كما إن الشعوب تنتشي بالفخر والاعتزاز عند عرض مقتنياتهم وسلعهم التقليدية وإقبال الزوار والسياح عليها، لذا فإنه من الأحرى أن يكون سوق الحصن ضمن إحدى هذه الأسواق.
وسوق الحصن في وضعه الحالي لا يستطيع احتواء حتى زوار المحافظة؛ نظرا لمساحته ومحلاته الصغيرة وحاراته الضيقة التي يصعب التسوق فيها، وفي أثناء خريف ظفار يتم تعزيزه بمظلات وأكشاك للباعة الآخرين، ودعمهم بمكائن صغيرة لتوليد الكهرباء تعمل بوقود الديزل، والمشهد العام لهذا السوق شبيه بورشة صناعية، لا يتناسب مع التطور العمراني والسياحي والحضاري الكبير في قلب مدينة صلالة وفي المقابل نلاحظ مشروع شاطئ الحصن القريبة من السوق جهة الشرق على وشك الانتهاء من تنفيذه، مع أن الأولوية كان يفترض الانتهاء من مشروع سوق الحصن كونه المركز والرمز الأساسي والتاريخي لظفار.
من جانب آخر، يوجد بمحاذاة سوق الحصن مسجد الشروق المطل على الشاطئ والواقع في (صلالة/ الحصن) كما هو مُسجَّل في ملكية أرضه الصادرة من وزارة الإسكان، والذي يعد ضمن المساجد القديمة التي تم تشييدها في أواخر السبعينيات من القرن الفائت وبقي على حالته حتى الآن، الأمر الذي يتطلب ضرورة إعادة إعماره لتلافي تساقط القطع الأسمنتية من سقف المسجد على رؤوس المصلين، وأيضًا تشقق الجدران كون موقعه معرض للرطوبة المرتفعة والتي تؤثر على المباني بحكم قربه من الشاطئ، كما يحبذ توسعة مساحته ليكون جامعًا شاملًا، ليتواكب مع التخطيط الحديث لولاية صلالة، مع توفير مصلى للنساء ومواقف للمركبات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأدب الشعبي.. مرآة الثقافة والتراث
علي بن سهيل المعشني (أبو زايد)
asa228222@gmail.com
تُعدُّ محافظة ظفار في سلطنة عُمان إحدى المناطق التي تزخر بثراء ثقافي وتاريخي فريد، يُجسّده الأدب الشعبي المتنوع والمتأصل في وجدان أهلها. يمزج هذا الأدب بين الشعر، والأغاني، والحكايات، والأمثال الشعبية، والأساطير، مما يعكس العلاقة العميقة بين الإنسان الظفاري وبيئته الطبيعية والاجتماعية.
الشعر الشعبي في ظفار
يُعدُّ الشعر من أبرز أشكال الأدب الشعبي في ظفار، ويتميز بعفويته وارتباطه بحياة الناس اليومية. تتنوع أغراض الشعر بين الغزل، والرثاء، والحماسة، إضافة إلى وصف الطبيعة، حيث تظهر الجبال والصحارى والسهول والبحر كعناصر متكررة في الأبيات الشعرية.
كما تمتاز الفنون الشعرية في ظفار، وخاصة تلك المرتبطة بالجبال والبادية، بأسلوب أدائي يُعرف بـ"الصورة الأدائية"، وهو نمط إنشادي يعتمد على الصوت البشري النقي، من خلال الإبداع الفطري. كان الإنسان يصنع ألحانه وموسيقاه من مفردات الطبيعة المحيطة به.
الأغاني الشعبية
تُشكِّل الأغاني الشعبية جزءًا أصيلًا من الأدب الظفاري، حيث تُؤدى في مناسبات متعددة، مثل الأعراس، والحصاد، وليالي السمر، وليالي خطال الإبل في أودية ظفار.
وتتميز الأغاني بطابعها الخاص الذي يعكس الهوية الثقافية والانتماء للبيئة. ومن أشهر أنواع الغناء في ظفار:
الهبوت: أداء جماعي يجمع بين الغناء والحركة، ويُعبر عن الفرح أو الاحتفال بالنصر.
البرعة: فن يُمارس بعد تحقيق الانتصارات.
النانا والدبرارت وإيلي مكبور والمشعير: وغيرها من الفنون الأصيلة التي تحمل في طياتها عمقًا ثقافيًا.
الحكايات والأساطير
تمثل الحكايات والأساطير الشعبية في ظفار إرثًا ثقافيًا غنيًا بالمعاني والقيم،و تُبرز الحكايات قيم البطولة، والكرم، والشجاعة، وتعد وسيلة لنقل الحكمة والمعرفة من جيل إلى آخر. كما أنها تُظهر التداخل بين الواقع والخيال في المخيلة الظفارية.
ومن بين تلك الحكايات ما يُعرف بـ"إكيلث" أو حكايات الأطفال، التي كانت تُروى قبل النوم لتوسيع مدارك الأطفال، وتعزيز مخيلتهم عبر صور ذهنية ورسائل ثقافية عميقة.
الأمثال الشعبية
تعكس الأمثال الشعبية تجارب الناس ومواقفهم في الحياة، فهي قصيرة وبليغة، تُستخدم في الحديث اليومي لإيصال الحكمة والموعظة. تُعتبر الأمثال بمثابة مرآة ثقافة الشعوب، حيث تُقاس قوة الحضارات بثقافة أمثالها وحكمة أقوالها وشجاعة أفعالها.
دور الأدب الشعبي في حفظ الهوية
يُعدُّ الأدب الشعبي الرحم الذي يحفظ الهوية الثقافية والتراثية. فهو ليس مجرد كلمات تُروى أو تُغنّى، بل هو تعبير حيّ عن القيم والمعتقدات ومرآة للحياة الاجتماعية والتاريخية للمنطقة. إن توثيق هذا الأدب ودراسته أكاديميًا يُعد خطوة أساسية لضمان استمراره ونقله للأجيال القادمة.
ختامًا.. إنَّ الأدب الشعبي في ظفار يُمثل كنزًا ثقافيًا يُحافظ على الصلة بين الماضي والحاضر، ويبرز خصوصية المنطقة وتنوعها الثقافي. إنه صوت الناس البسطاء الذي يعكس حياتهم وأحلامهم وطموحاتهم، ويُشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية العُمانية.