لجريدة عمان:
2024-10-13@20:28:14 GMT

بين محورَيْ الاعتدال والمقاومة

تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT

دقت زيارة الرئيس أنور السادات للقدس عام 1977، أول مسمار لتفريق الوطن العربي إلى عدة جبهات، كان أبرزها جبهة "الصمود والتصدي"، وهي الجبهة التي وقفت ضد الزيارة التي مهدّت للهرولة إلى تلك "الدولة" فيما بعد؛ ضمّت الجبهة دولًا عربية أساسية مهمة (في ذلك الوقت)، مثل سوريا والعراق والجزائر وليبيا واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعقدت أوّل قمة لها في طرابلس الغرب بليبيا في شهر ديسمبر 1977، وقررت تجميد عضوية مصر في جامعة الدّول العربيّة، وهو ما تحقق فيما بعد في قمة بغداد عام 1978، ونتج عن ذلك نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى العاصمة التونسيّة.

كان من أدبيات الجبهة، رفض نهج الرئيس السادات، واعتبار اتفاقية كامب ديفيد عملية استسلام من قبل النظام المصري للعدو الصهيوني، وضربة للتضامن العربي والنضال الفلسطيني.

في المجمل لقيت شعارات تلك الجبهة قبولًا لدى الشارع العربي، الذي كان قريب عهد بشعارات ومصطلحات مثل، العدو الصهيوني، والأمة العربية الواحدة، والوحدة العربية، والمصير المشترك، والقضية الفلسطينية قضية الأمة؛ غير أنّ الجبهة لم تدم طويلًا ولم تستطع أن تتصدّى للكيان الإسرائيلي، فانهارت عقب اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، وقرار الرئيس العراقي صدام حسين شنّ الحرب عليها عام 1980.

وبما أنّ إسرائيل ضمنت الجبهة المصرية، فقد أقدمت عام 1981 على ضرب مفاعل تموز النووي العراقي، وفي العام التالي غزت لبنان، وقضت رسميًّا على منظمة التحرير الفلسطينية، التي أضحت فيما بعد مثل خيال المآته فقط، حتى وصل بها الحال إلى أوسلو، ثم ضغطت إسرائيل عسكريًّا على جنوب لبنان لإحراج سوريا منها.

المتأمل لمصير دول الصمود والتصدي، يعلم يقينًا أنها دفعت ثمنًا غاليًا لمواقفها؛ فحالةُ سوريا وليبيا يعرفها القاصي والداني، وما جرى للعراق معروف أيضًا للجميع، واليمن ليس أحسن حالًا؛ أما الجزائر فقد دفعت الثمن غاليًا فيما عُرف بالعشرية السوداء، بسبب الصراع الداخلي الذي بدأ عام 1992 واستمر عقدًا كاملًا استنزف الكثير، وكأنّ الرسالة الموجهة لمحور المقاومة والممانعة هي أنّ "هذا هو المصير الذي ينتظركم"، وهي الرسالة نفسها التي توجه الآن للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.

وإذا كانت جبهة الصمود والتصدي لم تدم طويلًا، إلا أنه تمخض عنها فيما بعد محور المقاومة، وهو محور يقابل ما يُعرف بمحور الاعتدال الذي ضمّ دولًا كبيرة وغنية، تتبع غالبًا الفلك الأمريكي، وتهدف إلى إقامة علاقات ودية مع إسرائيل، وترى أنّ القضية الفلسطينية طالت أكثر ممّا يجب، وأنّ الوقت قد حان لإقامة علاقات سلمية بين الطرفين تحت زعم أنّ السلام سيؤدي إلى مزيد من التنمية في البلدان العربية، وهي في الواقع كذبة أطلقها منظّرو الاعتدال الذين سوّقوا للشارع العربي مفهومًا جديدًا، حسب التوجهات الأمريكية والإسرائيلية، هو أنّ إيران العدو وليس إسرائيل.

من المفارقات العجيبة أنّ "محور الاعتدال" يضمّ معظم الدول العربية، مقابل "محور المقاومة"، الذي تأتي على رأسه إيران؛ ومن أهم أهداف المحور الأخير، معارضة الهيمنة الإسرائيلية والنفوذ الأمريكي في المنطقة؛ ويضم حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة وميليشيات الحشد الشعبي في العراق وجماعة أنصار الله في اليمن، إضافة إلى سوريا. ويعود استخدام مصطلح "محور المقاومة" للراحل حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، وقد تبلور المحور من دون وجود اتفاق هيكلي أو اتحاد شكلي أو بنية تنظيمية مؤسَّساتية بحسب قناة "الميادين" اللبنانية. ومن الطبيعي أن تتعارض أهداف محور المقاومة مع محور الاعتدال ومع التوجهات الأمريكية والغربية في المنطقة. ومن هنا لا نستغرب أن تدعو بعض الأصوات الإسرائيلية إلى دعم محور الاعتدال؛ ففي مقال نشره في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في الرابع عشر من يوليو 2024، دعا يهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، إلى الموافقة "المشروطة" على المبادرة الأمريكية لإنشاء ما يُسمى "محور الاعتدال" تحت قيادة الولايات المتحدة؛ ووصف المحور أنه "الرادع الأكثر فعالية" ضد حرب إقليمية شاملة في أيِّ مستقبل منظور، وهو "الإطار الصحيح" لضمان النصر عند نشوب حرب من هذا القبيل حسب قوله. ويشكّل محور الاعتدال - بحسب باراك - الرد الصحيح على الوضع الراهن، "حيث لا تزال إيران، رغم تقدّمها السريع، مترددة في تطوير قدراتها النووية العسكرية". ولستُ أدري هل الولايات المتحدة تحتاج إلى دعوة لإنشاء محور اعتدال؟ فالمحور قائم أساسًا، ولا تنطبق عليه كلمة "اعتدال"، وإنما هي كلمة مخففة عن الاستسلام والخضوع، والسماح للكيان الإسرائيلي أن يسرح ويمرح في طول الوطن العربي وعرضه.

لكي يعلم الإنسان صحة موقفه من أيِّ قضية، يجب عليه أن يقيسه بالموقف الإسرائيلي، وما هو موقف الغرب منه؟ فمن تراه إسرائيل وأمريكا صديقًا، فيجب الحذر منه، ومن تراه عدوًّا فهو على الخط المستقيم؛ وعليه يمكننا أن نحكم - بكلِّ بساطة - على محورَيْ المقاومة والاعتدال، بعيدًا عن التنظيرات وبعيدًا عن دعوات يهود باراك؛ فعملية طوفان الأقصى عرّت محور الاعتدال، وفرملت هرولة التطبيع - وإن كان مؤقتا - وأظهرت بما لا يدع مجالًا للشك، أنه لا يمكن إنكار فضل إيران ومساندتها لمحور المقاومة؛ لذا فإنّ كثيرًا من الأبواق تتحدّث عن عمالة إيران لكنها لا ترى عمالة دول وقفت علنًا مع الكيان الصهيوني وأقامت قواعد غربية على أراضيها وتعاونت علنًا ضد طوفان الأقصى والفلسطينيين. والمؤلم أن يشمت بعض ضعفاء النفوس في استشهاد الشيخ إسماعيل هنية وحسن نصر الله، لأنّ إيران دعمت حماس وحزب الله، فأين كانوا هم أساسًا من دعم المقاومة؟!

لقد وقفت جبهة الصمود والتصدي ضد التغلغل الصهيوني في المنطقة، وهو ما يفعله محور المقاومة الآن، وإن كانت الكفة ترجح ظاهريًّا أحيانًا لصالح ما يسمى بمحور الاعتدال، بعدما أصيبت حركات المقاومة في مقتل، فليس معنى هذا أنّ هذا المحور على حق؛ فهو مجرد أداة تنفيذية لمخططات أكبر. وإذا كانت الأيام دولًا، فإنّ الأيام دارت لتبتعد الدول الرئيسية في المنطقة لصالح دول لا تملك غير المال، ولكن السؤال المطروح: هل سيدوم ذلك؟! وما هو المردود الذي سيعود للأمة من جراء سيادة "محول الاعتدال"؟! وهل ستستفيق هذه الدول قبل أن يأتي دورُها؟! ومن أصدق ما قرأت في هذا الشأن: "إذا انتهى الذئب من فريسته التي تقاوم.. ستصبح وليمتُه القادمة الخِراف التي شاهدت العرض"؛ فالعبارة تصف بدقة الواقع الحاصل الآن، وعندها سيقول لسان الحال: "أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض". والله المستعان.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محور الاعتدال محور المقاومة فی المنطقة فیما بعد

إقرأ أيضاً:

حمدان: محور المقاومة متماسك ومؤثر ولن تتوقف ضرباته حتى في عمق الكيان

صفا

قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أسامة حمدان، مساء يوم السبت، إن محور المقاومة متماسك ومؤثر ولن تتوقف ضرباته حتى في عمق الكيان.

وأكد حمدان، في تصريحات صحفية متلفزة وفق متابعة وكالة "صفا"، أن "اليوم التالي للحرب سيكون فلسطينياً خالصا وبتوافق وطني من الجميع".

وأوضح أن "حركة حماس قبل العدوان وبعده تسعى دائما لتعزيز المقاومة وتفتح مجال المشاركة لكل الفصائل"، منوهًا إلى أن "هناك أفكار وخطط واضحة متفق عليها بين الفصائل لتسيير أمور شعبنا الفلسطيني وإنهاء معاناته".

وأشار حمدان إلى أن "حركة حماس تسعى بكل جهد وطريقة لوقف العدوان على شعبنا في غزة والضفة الغربية المحتلة".

وتابع: "لقاءات الفصائل الفلسطينية مستمرة لتطوير الأفكار والخطط بما يحقق مصلحة شعبنا".

وشدد على أن "الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني يدفع حركة حماس والجميع لبذل كل الجهود بشتى أنواعها لوقف العدوان الإسرائيلي الهمجي، وأن إرادة فصائل المقاومة الفلسطينية مستمدة من صمود وإرادة شعبها".

وأضاف حمدان أن "العدو عاجز عن حسم المعركة مع رجال المقاومة رغم مرور عام كامل عليها، وهذا مؤشر أنه ضعيف، وإنجازات المقاومة في طوفان الأقصى كانت نتيجة إعداد وتجهيز مسبق أخذ سنوات عديدة".

ونوه القيادي في حماس إلى أن "جرائم الاحتلال بحق المدنيين والأطفال والنساء، تُؤكد أنه فشل في تحقيق أهدافه وأنه عاجز، وأن بأس المقاومة ما زال شديدا رغم قساوة الظروف في أطول معركة في تاريخ هذا الكيان".

واعتبر أن "الاحتلال يكتب سطور نهايته في هذه المعركة المباركة (طوفان الأقصى)، والتي أثبتت أن إرادة الشعوب أقوى من إرادة المحتلين".

وأردف: "رجال المقاومة في غزة يحققون القتل في جنود العدو رغم قلة الإمكانيات، وبعد عام من معركة طوفان الأقصى ما زالت حماس قوية وكتائب القسام تلقن جنود العدو دروسا قاسية".

وحول المقاومة في لبنان، بيّن القيادي أسامة حمدان أنها "أوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى في صفوف العدو، والاحتلال يوسع  المعركة حول لبنان وهذا دليل على أنه في مأزق رغم الدمار الكبير في قطاع غزة".

واعتبر أن "الاحتلال يسعى إلى حرب إقليمية لجلب شراكات جديدة له تنقذ ما تبقى منه".

وذكر أن "المقاومة في لبنان قوية وبخير رغم استشهاد أمينها العام القائد حسن نصر الله".

ونوه إلى أن "محور المقاومة ما زال متماسكًا ومؤثرًا، ولن تتوقف ضرباته حتى في عمق الكيان، وضربات الاحتلال وعدوانه في غزة ولبنان لم تكسر المقاومة ولن تؤثر على قوتها".

ونبه القيادي في حماس إلى أن "المقاومة في الضفة جبهة مباشرة في مواجهة الاحتلال الصهيوني؛ الذي يحاول إنهاء حالة المقاومة في الضفة بكل الوسائل والطرق".

ولفت النظر إلى أن العمليات البطولية في الضفة والداخل المحتل سيكون لها أثر كبير في تحقيق مصلحة شعبنا الفلسطيني وزوال الاحتلال.

وأكد حمدان أنه "لا تعايش مع احتلال صهيوني يملك منطقًا أعوج في فكرته عن البشرية".

وجدد التأكيد على أن "معركة طوفان الأقصى أفشلت مساعي الاحتلال في تذويب الهوية الفلسطينية عن أهلنا في الداخل المحتل، وأن العمليات البطولية في الداخل المحتل هي من دافع السلوك الصهيوني الإجرامي بحق أهلنا هناك".

وأشاد القيادي أسامة حمدان بالشهيد ماهر الجازي قائلا إنه قدوة يحتذى به وما فعله دليل على أن القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين جميعا.

مقالات مشابهة

  • بالأرقام.. حجم الضرر الذي خلفته ضربة إيران على إسرائيل
  • لبنان الذي تريده أمريكا وإسرائيل
  • عراقجي:نرفض الحرب المباشرة مع بلدي إيران ونشكر حكومتنا في العراق لدعهما محور المقاومة الإسلامية
  • والي وسط دارفور يزور مقر المقاومة الشعبية بالشمالية
  • دول خليجية ترفض استخدام إسرائيل لمجالها الجوي خلال الهجوم على إيران
  • أسامة حمدان: محور المقاومة متماسك ومؤثر
  • حمدان: محور المقاومة متماسك ومؤثر ولن تتوقف ضرباته حتى في عمق الكيان
  • المنتخب العراقي..  العربي الوحيد الذي يتصدر التصفيات بلا هزيمة
  • بلينكن: محور إيران يبحث عن فتح جبهات جديدة بالشرق الأوسط