لجريدة عمان:
2025-03-16@08:07:49 GMT

بين محورَيْ الاعتدال والمقاومة

تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT

دقت زيارة الرئيس أنور السادات للقدس عام 1977، أول مسمار لتفريق الوطن العربي إلى عدة جبهات، كان أبرزها جبهة "الصمود والتصدي"، وهي الجبهة التي وقفت ضد الزيارة التي مهدّت للهرولة إلى تلك "الدولة" فيما بعد؛ ضمّت الجبهة دولًا عربية أساسية مهمة (في ذلك الوقت)، مثل سوريا والعراق والجزائر وليبيا واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعقدت أوّل قمة لها في طرابلس الغرب بليبيا في شهر ديسمبر 1977، وقررت تجميد عضوية مصر في جامعة الدّول العربيّة، وهو ما تحقق فيما بعد في قمة بغداد عام 1978، ونتج عن ذلك نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى العاصمة التونسيّة.

كان من أدبيات الجبهة، رفض نهج الرئيس السادات، واعتبار اتفاقية كامب ديفيد عملية استسلام من قبل النظام المصري للعدو الصهيوني، وضربة للتضامن العربي والنضال الفلسطيني.

في المجمل لقيت شعارات تلك الجبهة قبولًا لدى الشارع العربي، الذي كان قريب عهد بشعارات ومصطلحات مثل، العدو الصهيوني، والأمة العربية الواحدة، والوحدة العربية، والمصير المشترك، والقضية الفلسطينية قضية الأمة؛ غير أنّ الجبهة لم تدم طويلًا ولم تستطع أن تتصدّى للكيان الإسرائيلي، فانهارت عقب اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، وقرار الرئيس العراقي صدام حسين شنّ الحرب عليها عام 1980.

وبما أنّ إسرائيل ضمنت الجبهة المصرية، فقد أقدمت عام 1981 على ضرب مفاعل تموز النووي العراقي، وفي العام التالي غزت لبنان، وقضت رسميًّا على منظمة التحرير الفلسطينية، التي أضحت فيما بعد مثل خيال المآته فقط، حتى وصل بها الحال إلى أوسلو، ثم ضغطت إسرائيل عسكريًّا على جنوب لبنان لإحراج سوريا منها.

المتأمل لمصير دول الصمود والتصدي، يعلم يقينًا أنها دفعت ثمنًا غاليًا لمواقفها؛ فحالةُ سوريا وليبيا يعرفها القاصي والداني، وما جرى للعراق معروف أيضًا للجميع، واليمن ليس أحسن حالًا؛ أما الجزائر فقد دفعت الثمن غاليًا فيما عُرف بالعشرية السوداء، بسبب الصراع الداخلي الذي بدأ عام 1992 واستمر عقدًا كاملًا استنزف الكثير، وكأنّ الرسالة الموجهة لمحور المقاومة والممانعة هي أنّ "هذا هو المصير الذي ينتظركم"، وهي الرسالة نفسها التي توجه الآن للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.

وإذا كانت جبهة الصمود والتصدي لم تدم طويلًا، إلا أنه تمخض عنها فيما بعد محور المقاومة، وهو محور يقابل ما يُعرف بمحور الاعتدال الذي ضمّ دولًا كبيرة وغنية، تتبع غالبًا الفلك الأمريكي، وتهدف إلى إقامة علاقات ودية مع إسرائيل، وترى أنّ القضية الفلسطينية طالت أكثر ممّا يجب، وأنّ الوقت قد حان لإقامة علاقات سلمية بين الطرفين تحت زعم أنّ السلام سيؤدي إلى مزيد من التنمية في البلدان العربية، وهي في الواقع كذبة أطلقها منظّرو الاعتدال الذين سوّقوا للشارع العربي مفهومًا جديدًا، حسب التوجهات الأمريكية والإسرائيلية، هو أنّ إيران العدو وليس إسرائيل.

من المفارقات العجيبة أنّ "محور الاعتدال" يضمّ معظم الدول العربية، مقابل "محور المقاومة"، الذي تأتي على رأسه إيران؛ ومن أهم أهداف المحور الأخير، معارضة الهيمنة الإسرائيلية والنفوذ الأمريكي في المنطقة؛ ويضم حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة وميليشيات الحشد الشعبي في العراق وجماعة أنصار الله في اليمن، إضافة إلى سوريا. ويعود استخدام مصطلح "محور المقاومة" للراحل حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، وقد تبلور المحور من دون وجود اتفاق هيكلي أو اتحاد شكلي أو بنية تنظيمية مؤسَّساتية بحسب قناة "الميادين" اللبنانية. ومن الطبيعي أن تتعارض أهداف محور المقاومة مع محور الاعتدال ومع التوجهات الأمريكية والغربية في المنطقة. ومن هنا لا نستغرب أن تدعو بعض الأصوات الإسرائيلية إلى دعم محور الاعتدال؛ ففي مقال نشره في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في الرابع عشر من يوليو 2024، دعا يهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، إلى الموافقة "المشروطة" على المبادرة الأمريكية لإنشاء ما يُسمى "محور الاعتدال" تحت قيادة الولايات المتحدة؛ ووصف المحور أنه "الرادع الأكثر فعالية" ضد حرب إقليمية شاملة في أيِّ مستقبل منظور، وهو "الإطار الصحيح" لضمان النصر عند نشوب حرب من هذا القبيل حسب قوله. ويشكّل محور الاعتدال - بحسب باراك - الرد الصحيح على الوضع الراهن، "حيث لا تزال إيران، رغم تقدّمها السريع، مترددة في تطوير قدراتها النووية العسكرية". ولستُ أدري هل الولايات المتحدة تحتاج إلى دعوة لإنشاء محور اعتدال؟ فالمحور قائم أساسًا، ولا تنطبق عليه كلمة "اعتدال"، وإنما هي كلمة مخففة عن الاستسلام والخضوع، والسماح للكيان الإسرائيلي أن يسرح ويمرح في طول الوطن العربي وعرضه.

لكي يعلم الإنسان صحة موقفه من أيِّ قضية، يجب عليه أن يقيسه بالموقف الإسرائيلي، وما هو موقف الغرب منه؟ فمن تراه إسرائيل وأمريكا صديقًا، فيجب الحذر منه، ومن تراه عدوًّا فهو على الخط المستقيم؛ وعليه يمكننا أن نحكم - بكلِّ بساطة - على محورَيْ المقاومة والاعتدال، بعيدًا عن التنظيرات وبعيدًا عن دعوات يهود باراك؛ فعملية طوفان الأقصى عرّت محور الاعتدال، وفرملت هرولة التطبيع - وإن كان مؤقتا - وأظهرت بما لا يدع مجالًا للشك، أنه لا يمكن إنكار فضل إيران ومساندتها لمحور المقاومة؛ لذا فإنّ كثيرًا من الأبواق تتحدّث عن عمالة إيران لكنها لا ترى عمالة دول وقفت علنًا مع الكيان الصهيوني وأقامت قواعد غربية على أراضيها وتعاونت علنًا ضد طوفان الأقصى والفلسطينيين. والمؤلم أن يشمت بعض ضعفاء النفوس في استشهاد الشيخ إسماعيل هنية وحسن نصر الله، لأنّ إيران دعمت حماس وحزب الله، فأين كانوا هم أساسًا من دعم المقاومة؟!

لقد وقفت جبهة الصمود والتصدي ضد التغلغل الصهيوني في المنطقة، وهو ما يفعله محور المقاومة الآن، وإن كانت الكفة ترجح ظاهريًّا أحيانًا لصالح ما يسمى بمحور الاعتدال، بعدما أصيبت حركات المقاومة في مقتل، فليس معنى هذا أنّ هذا المحور على حق؛ فهو مجرد أداة تنفيذية لمخططات أكبر. وإذا كانت الأيام دولًا، فإنّ الأيام دارت لتبتعد الدول الرئيسية في المنطقة لصالح دول لا تملك غير المال، ولكن السؤال المطروح: هل سيدوم ذلك؟! وما هو المردود الذي سيعود للأمة من جراء سيادة "محول الاعتدال"؟! وهل ستستفيق هذه الدول قبل أن يأتي دورُها؟! ومن أصدق ما قرأت في هذا الشأن: "إذا انتهى الذئب من فريسته التي تقاوم.. ستصبح وليمتُه القادمة الخِراف التي شاهدت العرض"؛ فالعبارة تصف بدقة الواقع الحاصل الآن، وعندها سيقول لسان الحال: "أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض". والله المستعان.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محور الاعتدال محور المقاومة فی المنطقة فیما بعد

إقرأ أيضاً:

وفد حماس يتوجه للقاهرة لبحث تطورات مفاوضات وقف الحرب: الاحتلال الصهيوني يتنصل عن اتفاق وقف إطلاق النار والمقاومة تدعو الوسطاء للضغط عليه

 

الثورة / متابعة / محمد الجبري
في ظل استمرار ارتكاب العدو الصهيوني خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي لم يلتزم به جيش العدو ببنوده منذ اليوم الأول لسريانه، حيث تم رصد أكثر من ألف و300 خرق، كما أن ضبابية الموقف الصهيوني من المرحلة الثانية من الاتفاق؛ جعل جرائم العدو مستمرة مخلفة العشرات من الخسائر البشرية بين المدنيين الفلسطينيين العزل كشهداء ومصابين الذين أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن.
وفي هذا الصدد استشهد 4 فلسطينيين، أمس الجمعة، إثر قصف العدو الإسرائيلي لمجموعة من المواطنين جنوب شرق مدينة غزة.
وأفادت مصادر طبية، باستشهاد 4 مواطنين، إثر تعرضهم لقصف العدو الإسرائيلي خلال جمعهم الحطب في محيط مدرسة صبحة الحرازين.
كذلك أصيب، ثلاثة مواطنين فلسطينيين بينهم سيدة بجروح متفاوتة، أمس، إثر قصف دبابات العدو الصهيوني شرق مدينة رفح ووسطها جنوب قطاع غزة.
وذكرت مصادر محلية أن مواطنين أصيبا في قصف دبابات العدو الصهيوني وسط رفح، فيما أصيبت مواطنة جراء سقوط قذائف مدفعية في شارع عائد البشيتي بحي الجنينة شرقا.
وبدعم أمريكي، ارتكب جيش العدو الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023م إبادة جماعية في قطاع غزة، خلّفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
بالمقابل أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أمس الجمعة، توجه وفدها برئاسة القيادي خليل الحية إلى العاصمة المصرية القاهرة، لمتابعة تطورات ملف مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار.
وقالت الحركة في بيان، “توجه الوفد المفاوض في الحركة برئاسة خليل الحية إلى القاهرة للقاء المسؤولين المصريين ومتابعة تطورات ملف المفاوضات، واتفاق وقف إطلاق النار”.
كما أفادت “حماس” بأن وفد قيادتها تسلّم يوم الخميس الماضي، مقترحًا من الوسطاء لاستئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، “وقد تعاملت مع المقترح بمسؤولية وإيجابية، لافتة إلى أنها سلمت ردّها عليه فجر أمس”.
وأضافت أن الرد تضمن الموافقة على إطلاق سراح الجندي الصهيوني عيدان ألكسندر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، إضافة إلى جثامين أربعة آخرين من مزدوجي الجنسية.
وأكدت “حماس” جاهزيتها التامة لبدء المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل حول قضايا المرحلة الثانية، داعيةً إلى إلزام العدو الصهيوني بتنفيذ التزاماته كاملة.
من جهته، طالب المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” حازم قاسم في تصريحات الوسطاء، بعد هذا الطرح الإيجابي من “حماس”، بإلزام العدو الصهيوني بما هو مطلوب منه وإطلاق مفاوضات المرحلة الثانية.
وقال حازم قاسم إن “على الوسطاء الضغط على الاحتلال لاستكمال اتفاق وقف إطلاق النار”، لافتًا أن الحركة وضعتهم في صورة خروقات العدو الصهيوني للاتفاق، مؤكدًا أن الإدارة الأمريكية مسؤولة عن ممارسة الضغط على العدو الصهيوني، لإلزامه بالاتفاق.
وفي سياق متصل قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، سلامة معروف، إن العدو الصهيوني يتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار، بوقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وشدد معروف في تصريحات صحفية، أمس الجمعة، على أن الواقع الإنساني ينذر بتفاقم معاناة أهالي القطاع، مع نفاد المواد الغذائي، مشيرًا إلى أن ستة مخابز من أصل 25 توقفت عن العمل، مع شح كبير في مياه الشرب.”، لافتًا إلى أن أكثر من 90% من سكان القطاع لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب.
وأوضح معروف أن هناك عودة حقيقية لمؤشرات المجاعة في كامل القطاع، مضيفًا: “لا نستبعد أن تعلن بلديات القطاع توقف تشغيل الآبار العاملة بالوقود”.
وتغلق سلطات العدو معبر كرم أبو سالم لليوم الثالث عشر على التوالي، مما تسبب بتفاقم الأزمة الإنسانية والصحية والغذائية في القطاع، الذي يعاني منها بسبب حرب الإبادة الصهيونية ، التي استمرّت 15 شهرًا.
فيما قال برنامج الأغذية العالمي، إنه لم يتمكن من نقل أي إمدادات غذائية إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس الجاري، نتيجة إغلاق العدو الصهيوني لجميع المعابر أمام الإمدادات الإنسانية والتجارية.
وأوضح البرنامج الأممي في بيان، أمس الجمعة، أن أسعار المواد الغذائية التجارية آخذة في الارتفاع منذ إغلاق المعابر.
وأكد أن أسعار بعض المواد الأساسية ارتفعت مثل الدقيق والسكر والخضراوات، بأكثر من 200%، موضحا أن بعض التجار المحليين حجبوا البضائع بسبب عدم اليقين بشأن وصول إمدادات جديدة.
وذكر البرنامج أن لديه حاليا مخزونات غذائية كافية لدعم المطابخ والمخابز العاملة في القطاع لمدة تصل إلى شهر، إضافة إلى طرود غذائية جاهزة للأكل لدعم 550 ألف شخص لمدة أسبوعين.
وأشار إلى دعمه حاليا 33 مطبخا في جميع أنحاء غزة، تقدم 180 ألف وجبة ساخنة يوميا، إلى جانب 25 مخبزا، اضطرت 6 منها للإغلاق بسبب نقص غاز الطهي.

مقالات مشابهة

  • موقع صهيوني يؤكد فشل الكيان والتحالف الدولي في مواجهة التهديد اليمني
  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟
  • معاريف: إسرائيل تنتظر الدعم الأمريكي لمهاجمة إيران وترامب له رأي آخر
  • وفد حماس يتوجه للقاهرة لبحث تطورات مفاوضات وقف الحرب: الاحتلال الصهيوني يتنصل عن اتفاق وقف إطلاق النار والمقاومة تدعو الوسطاء للضغط عليه
  • أمر لا يحبه الله.. تحذير قرآني من الإسراف في الأكل والشرب
  • فيلادلفيا.. محور الموت الذي يمنع أهالي رفح من العودة
  • كاتس: إسرائيل ستبقى في المواقع الخمسة التي أنشأتها في جنوب لبنان
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
  • وزير الكهرباء المهندس عمر شقروق لـ سانا: ستنتقل هذه الإمدادات عبر الخط العربي للغاز الذي يمر من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية.