حرب السودان المريعة التي لن تنهيها القنابل الأمريكية
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
أما حرب السودان الأهلية التي بدأت العام الماضي فتتباين تقديرات حصيلة القتلى فيها تباينًا واسعًا. وفقًا للفرق الطبية في المنطقة، قد يبلغ عدد القتلى ما بين عشرين ألفا ورقم أبشع كثيرًا يبلغ مائة وخمسين ألفًا، ويأتي هذا عقب مقتل مليونين على مدى عقدين من التحارب في جنوب السودان ودارفور، ويقدَّر أنه منذ إبريل 2023، اضطر أكثر من سبعة ملايين سوداني إلى النزوح عن بيوتهم ومواجهة الجوع في الصحراء.
إننا نهتم لأمر أوكرانيا وغزة. نهتم إلى حد أن نمد هذا الطرف أو ذاك بالسلاح والمساعدات الإنسانية. فهل نهتم بأمر السودان؟ أو هل نهتم بالأحرى إلى حد أن نفعل شيئًا، فيما يتجاوز الاضطجاع في أماكننا وقولنا إنه لا بد من عمل شيء؟
من أكثر الأفلام الوثائقية التي شاهدتها أخيرًا إفادة واطلاعًا فيلم عرضته قناة (بي بي سي 4) بعنوان «دهاليز السلطة: هل ينبغي أن تكون أمريكا شرطي العالم؟»، وهو عبارة عن تحقيق استقصائي في ثماني حالات تدخل أمريكي في صراعات عالمية منذ نهاية الحرب الباردة. خصص الوثائقي ساعة لكل صراع، فكان من هذه الصراعات ثلاث في أفريقيا (في رواندا وليبيا ودارفور). وفي كل حالة تباهت الولايات المتحدة بحقها «الذي لا غنى عنه» في أن تكون شرطي العالم وواجهت مسؤولية تحويل الأقوال إلى أفعال. وفي الغالب جاء أداؤها معيبًا.
اعتمد الوثائقي على حوارات أجريت مع حاضري اجتماعات البيت الأبيض في ظل سلسلة متعاقبة من الرؤساء الأمريكيين. فضم فريق أولئك النجوم كلا من: كولين باول وكوندوليزا رايس والراحل هنري كيسنجر وآخرين في واشنطن، وقد روى أولئك حكايات مناقشات ضارية متبادلة. في حالة حرب السودان في دارفور ـ وكانت حرب إبادة جماعية استمرت منذ 2003 إلى 2020 ـ توالى فيضان التقارير عن المجازر والاغتصابات وحشود اللاجئين. وكان العالم يصرخ مطالبًا الولايات المتحدة بـ«عمل شيء ما»، فلم يكن الرد دائما إلا «صحيح، ولكن ما العمل؟»
كان جورج دبليو بوش محموم الرغبة في أن يكون «في الجانب الصحيح من التاريخ». فناشد طائرات الهليكوبتر الحربية أن توقف الإبادة الجماعية. وسأل الجيش عما يمكن أن يفعله في صحراء إفريقية شاسعة تسكنها عصابات متجولة. هل كانت الولايات المتحدة ترغب في حكم السودان شأن أفغانستان والعراق؟ عندما أدانت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2010 السوداني عمر البشير بتهمة الإبادة الجماعية، ما كان منه إلا أن ضيق الخناق على وكالات الإغاثة المجهدة أصلا، بل وقام بحظر بعضها حظرًا كاملًا.
ولذلك كثيرًا ما بدا أن قاعدة عدم تدخل الولايات المتحدة مربكة بقدر تدخلها. فهل كان لصراع معين تأثير على أمن الولايات المتحدة أو مصالحها التجارية أو على جماعة من مواطنيها؟ في الوقت نفسه بدا أن مكسبا قصير المدى هو مكسب «الظهور بمظهر جيد» كان يتغلب دائمًا على السؤال بعيد المدى المتعلق بما سيحدث لاحقا.
في الكويت والبوسنة، أفلح التدخل بينما لم يفلح في ليبيا والصومال. في رواندا، بدا قرار عدم التدخل قاسيا، وكذلك في دارفور. وبعد عشر سنوات، أي في عام 2019، ثار السودانيون أنفسهم وأطاحوا بالبشير. وربما ذلك ما كان ينبغي أن تفعله الولايات المتحدة. لكن في غضون أربع سنوات، انتكس السودان إلى حرب أهلية قاسية لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
مرة تلو المرة في الفيلم الوثائقي كان صوت العقل -وهو صوت كولين باول في كثير من الأحيان- يقول الشيء نفسه. لا بد أن تكون لنا استراتيجية مقنعة. لو أننا تدخلنا، فماذا بعد؟ لو قضينا على بلد فسوف نملكه. لا بأس بالمطالبة بـ«عمل شيء ما»، لكن من يطالبون بهذا لا يقولون مطلقًا ماذا يكون ذلك الشيء، أو بأي حق «تعمل» الولايات المتحدة ذلك العمل. وفي صورة مؤثرة، يقف باراك أوباما في إحدى نوافذ البيت الأبيض ـ وقد تأذى من الصيحات المطالبة بفعل شيء في السودان ـ شاخصا في أسى وتردد. وقد يكون هذا حال جو بايدن اليوم.
غالبًا ما يكون للأطراف في حرب أهلية أو حدودية زعماء خائفون لا يستطيعون التنازل ويبقون كذلك إلى أن تنهكهم الحرب. في السودان في مايو من العام الماضي، حاولت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية جمع الفصائل السودانية على وقف لإطلاق النار. ودام ذلك لأيام. وفي إسرائيل وأوكرانيا، اكتفت الولايات المتحدة بمناصرة جانب راجية من ذلك التعجيل بالنصر.
يسهل على كل من يدرس السودان أن ينتابه اليأس. ويبدو أن (الكليشيه) ينطبق هنا: أعطوا الحرب فرصة. في هذه الحالات لا يمكن أن يوجد غير رد فعل واحد على الاشمئزاز الذي تشعرنا به الأخبار كل يوم، وهو الرد الذي لجأت إليه القوى الغربية خلال حرب دارفور الطويلة. فعلى أقل تقدير لا بد من تخفيف المعاناة الإنسانية، ولهذا نقل بوش مئات آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية من تشاد إلى السودان عبر الحدود.
في يومنا هذا، ليس الأمن الجماعي الذي يتباهى به كثيرًا ميثاق الأمم المتحدة و«مسؤولية الحماية» إلا حبرا على ورق. فقد يتظاهر قادة الولايات المتحدة بأنهم يتولون المسؤولية وأنهم شرطة العالم. ولكن الواقع يقول إنه عندما تقرر الدول القيام بمجازر في حق جيرانها أو حتى مواطنيها، فنادرا ما يكون للقوى الخارجية نفع.
ولذلك فما من شيء «يمكن عمله» في السودان، سواء أفعلته التدخلات السريعة أو حاملات القنابل والطائرات الحربية أو القرارات أو العقوبات. ومع وصول الحرب إلى نهايتها، سيكون أبطالها الحقيقيون في مكان آخر، في الأمم المتحدة وفي هيئات أخرى مهمتها هي تخفيف معاناة السكان المدنيين. هؤلاء هم الذين يحتملون كوابيس الحرب في غزة والسودان. هؤلاء هم أصحاب التدخلات الإنسانية الحقيقية، الذين لا يتاجرون بالسلام الزائف، وإنما يدعمون الحياة نفسها.
سيمون جينكنز من كتاب الرأي في صحيفة جارديان
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تدعو مواطنيها إلى مغادرة سوريا
دعت الخارجية الأمريكية مواطنيها اليوم الاثنين إلى مغادرة سوريا، مشيرة إلى أن الوضع الأمني في البلاد لا يزال متقلبا وغير قابل للتنبؤ.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيان، “لا يزال الوضع الأمني في سوريا متقلبا وغير قابل للتنبؤ به مع وجود صراع مسلح وإرهاب في جميع أنحاء البلاد”.
وأضاف البيان “يجب على المواطنين الأمريكيين مغادرة سوريا إذا أمكن، يجب على المواطنين الأمريكيين غير القادرين على المغادرة إعداد خطط طوارئ والاستعداد للاحتماء في مكانهم لفترات طويلة”.
وتابع أن “على المواطنين الأمريكيين في سوريا الذين يحتاجون إلى مساعدة طارئة للمغادرة الاتصال بالسفارة الأمريكية في البلد الذي يخططون لدخوله”.