رحلة خفض الدين العام.. نجاح اقتصادي تاريخي
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
رامي بن سالم البوسعيدي
في السنوات الأخيرة حققت سلطنة عُمان تقدما كبيرا في تخفيض الدين العام للدولة، وذلك في إطار جهودها لمواجهة التحديات الاقتصادية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط والأثر السلبي لجائحة كورونا "كوفيد-19"، وكان ارتفاع الدين العام مصدر قلق كبير للحكومة منذ عام 2018، إلّا أن الإجراءات المالية التي اتخذتها ساهمت في تحسين الوضع المالي وتقليل حجم الدين بشكل ملحوظ.
وكثير من أسباب ارتفاع الدين العام في سلطنة عُمان كانت خارجة عن الإرادة، أولها تأثرها المباشر خلال العقد الماضي بانخفاض أسعار النفط؛ لأنَّ السلطنة تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط كمصدر رئيسي للإيرادات الحكومية. ومنذ بداية الانخفاض الحاد في أسعار النفط في عام 2014، واجهت الدولة تحديات كبيرة في تمويل الإنفاق الحكومي، مما اضطرها إلى الاقتراض لتغطية العجز المالي. ومع استمرار انخفاض أسعار النفط، ارتفعت مصروفات الدين، وزادت معها الفوائد. ومع التخفيض في التصنيف الائتماني للدولة، أصبحت السلطنة تقترض بنسب فوائد عالية، وهو ما تسبب في العجوزات المالية.
ولا ننسى أن السنوات التي سبقت أزمة النفط، زاد خلالها الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية، وارتفع معدل التوظيف الحكومي في القطاعين المدني والعسكري في الأعوام 2011، و2012، و2013، وكان الإنفاق مرتفع جدًا دون وجود بدائل كافية للإيرادات، وهو ما ساهم لاحقًا في تفاقم الدين العام، الذي بدأ بالارتفاع تدريجيًا، حتى بلغ ذروته في عام 2020؛ حيث وصل إلى نسبة 79% من الناتج المحلي الإجمالي؛ أي ما يقارب 24 مليار ريال عُماني، وشكَّل هذا الدين ضغطًا كبيرًا على المالية العامة للدولة ورفع من مستويات القلق بشأن الاستدامة المالية.
ولمُواجهة هذا التحدي وغيره، أطلقت الحكومة خطة اقتصادية شاملة وهي رؤية "عُمان 2040"، والتي تضمنت إصلاحات مالية وإجراءات تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتحسين الإيرادات الحكومية، بجانب الخطة قصيرة المدى التي أطلقت في 2020 بعد تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم؛ وهي خطة التوازن المالي (2020- 2024)، والتي تُعد بمثابة خطوة حاسمة في مواجهة التحديات المالية، وتضمنت إجراءات صارمة لإصلاح المالية العامة، منها زيادة الإيرادات غير النفطية من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي، بجانب خفض الإنفاق الحكومي وتخفيض الدعم الحكومي على الوقود والطاقة، وإعادة هيكلة نظام التوظيف الحكومي لتقليل الأعباء المالية.
ولا ننسى حزم تحفيز القطاع الخاص التي اعتمدتها الحكومة وخاصة بعد جائحة كورونا، وركزت فيها على تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الحكومة كمحرك رئيسي للنمو، وتم تبني سياسات لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين بيئة الأعمال
كل ذلك ساهم في مراجعة وإعادة هيكلة جزء من ديون السلطنة لتخفيف الضغوط المالية الناجمة عن خدمة الديون، وذلك من خلال تمديد آجال السداد وتخفيض الفوائد على بعض القروض، وبفضل هذه الإجراءات، بدأت نتائج إيجابية تظهر على الاقتصاد العُماني مباشرة في عام 2022؛ حيث انخفض الدين العام إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وتمكنت الدولة من تحقيق فائض في الميزانية بلغ 1.1 مليار ريال عُماني، وتزامن ذلك مع بداية استقرار أسعار النفط، وهذا التحسن ساهم في تعزيز الثقة في الاقتصاد العُماني وزيادة التصنيف الائتماني للدولة من قبل وكالات التصنيف العالمية.
كما ساعدت إجراءات ضبط الإنفاق على خفض العجز المالي بشكل كبير، على سبيل المثال نجحت الحكومة في تخفيض العجز من 12.8% من الناتج المحلي في عام 2020 إلى 1.6% في 2022، وهو تحسن ملحوظ يعكس فعالية خطة التوازن المالي.
ونستطيع القول إنَّ نجاحنا تحقق بفضل التخطيط المالي المُتوازِن بين تقليص الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية، كما إنَّ مواصلة الانضباط المالي أسهم بدور كبير في نجاح باقي الخطة، من خلال التزام الحكومة بالخطط الإصلاحية وتطبيقها بصرامة، رغم التحديات التي يجب أن نراعيها وأهمها ارتفاع تكاليف المعيشة والضغوط الاجتماعية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
4.3 % معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من العام الـمالي 2024/2025
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصاديّة والتعاون الدولي عن نتائج الأداء الاقتصادي خلال الربع الثاني من العام الـمالي 2024/2025 ضمن تقاريرها الدورية حول الأداء الاقتصادي لجمهورية مصر العربية.
وسجّل الناتج الـمحلي الإجمالي معدّل نّمو يبلغ 4.3% مقارنة بـمعدل 2.3% في الربع المناظر للعام المالي السابق ويعزى هذا النمو إلى تبني الحكومة المصرية سياسات واضحة من أجل ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي إلى جانب حوكمة الإنفاق الاستثماري.
وفي تعليقها أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن استمرار تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام المالي الجاري، يعكس الأثر الإيجابي للسياسات التصحيحية التي نفذتها الحكومة على المستوى المالي والنقدي، وكذلك خفض الاستثمارات العامة، لترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز بيئة الأعمال، مدفوعًا بالإصلاحات الهيكلية التي تستهدف تنويع مصادر النمو وزيادة تنافسية الاقتصاد المصري، وهو ما ظهر في الأداء القوي للقطاعات الإنتاجية مثل الصناعة التحويلية، والسياحة، والاتصالات.
وأضافت، أن الحكومة تمضي قدمًا نحو التحول إلى القطاعات القابلة للتبادل التجاري مثل الصناعات التحويلية، من أجل اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة، بما يعزز من قدرة مصر على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.
وأكدت أن القطاع الخاص يقوم بدور محوري في قيادة عملية التنمية، حيث ارتفعت استثماراته بنسبة 35.4% خلال الربع الثاني، متجاوزة الاستثمارات العامة للربع الثاني على التوالي، مما يؤكد على فاعلية السياسات التي تستهدف تمكين القطاع الخاص وتعزيز مشاركته في دفع عجلة النمو الاقتصادي، وحوكمة الاستثمارات العامة لإفساح المجال للاستثمارات المحلية والأجنبية، موضحة أن تلك المؤشرات تحققت رغم استمرار التوترات الجيوسياسية والتحديات العالمية، وانكماش عدد من القطاعات الرئيسية مثل قناة السويس والاستخراجات.
وحقق نشاط الصناعة التحويلية غير البترولية معدل نمو موجب للربع الثالث على التوالي بلغ 17.74% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الـمالي السابق، الذي سجل فيها النشاط معدل انكماش 11.56%، وجاء هذا النمو مدفوعًا بزيادة الإنتاج الصناعي نتيجة لتسهيلات الإفراج الجمركي عن المواد الخام والأولية الخاصة بقطاع الصناعة. وقد عبر عن هذا الانتعاش الذي شهده نشاط الصناعة مؤشر الرقم القياسي للصناعة التحويلية (بدون الزيت الخام والمنتجات البترولية) حيث بلغ 17.7% خلال الربع الثاني من العام الـمالي 2024/2025، شملت القطاعات الرئيسية المحفزة لهذا النمو صناعة السيارات (73.4%)، الملابس الجاهزة (61.4%)، المشروبات (58.9%)، والمنسوجات (35,3%).
كما استمرت عِدّة قطاعات اقتصادية في تحقيق معدلات نمو موجبة خلال الربع الثاني، حيث سجل نشاط السياحة (ممثلة في المطاعم والفنادق) معدل نمو بلغ 18% وذلك تزامنًا مع تزايد أعداد السائحين إلى 4.41 مليون سائح خلال الربع الثاني من العام المالي، وكذا ارتفع عدد الليالي السياحية إلى 41.92 مليون ليلة خلال ذات الربع، بالإضافة إلى ذلك فقد حقق نشاط الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نموًا بلغ 10.4% مدفوعًا بالتوسع في البنية التحتية الرقمية، وزيادة الطلب على خدمات الإنترنت.
كما حققت أنشطة الوساطة المالية، والنقل والتخزين، والتشييد والبناء، والخدمات الاجتماعية (التي تشمل الصحة والتعليم)، والتأمين، والكهرباء، معدلات نمو موجبة ومرتفعة بلغت 11.6%، 9.4%، 4.8%، 4.6%، 4.6%، 3.9% على التوالي، الأمر الذي يعكس تنوع مصادر نمو الاقتصاد المصري الذي يتوافق مع رؤية الدولة للتنويع الهيكلي للاقتصاد ودفع معدلات التنمية في جميع القطاعات.
وعلى صعيد آخر، استمر نشاط قناة السويس في التراجع خلال الربع الثاني من العام المالي 2024/2025، حيث انكمش النشاط بنسبة 70% نتيجة للتوترات الجيوسياسية في منطقة باب المندب التي أثرت بالسلب على الملاحة عبر قناة السويس حيث تراجعت حمولات وأعداد السفن المارة عبر القناة.
وبالمثل شهد نشاط الاستخراجات تراجُعًا في النمو بنسبة 9.2% نتيجة لانكماش نشاطي البترول والغاز الطبيعي خلال الربع الثاني من العام الـمالي 24/2025، حيث تراجع نشاط البترول بنسبة 7.5% والغاز الطبيعي بنسبة 19.6%، ومن المتوقع ظهور تأثير الاستثمارات في الاكتشافات الجديدة وفي تنمية حقول الإنتاج خلال الفترة القادمة.
وعلى جانب الإنفاق، ساهم صافي الصادرات بشكل إيجابي في النمو (1.75 نقطة مئوية) للمرة الأولى منذ الربع الأول من العام المالي 2023/2024 مدفوعاً بنمو الصادرات السلعية والخدمية، كما ساهم الإنفاق الحكومي بحوالي 0.14 نقطة مئوية في هذا النمو، أما الاستثمار والتغير في المخزون، فقد ساهم بنحو 0.11 نقطة مئوية، وذلك متأثرًا بتوجهات السياسة الاقتصادية نحو حوكمة الاستثمارات العامة وترشيدها، مقابل زيادة الاستثمارات الخاصة، بهدف تعزيز كفاءة الإنفاق الاستثماري وتحفيز دور القطاع الخاص في دفع عجلة النمو الاقتصادي.
وفي هذا السياق، تعكس بيانات الاستثمار نمو الاستثمار الخاص بنسبة 35.4% في الربع الثاني من العام المالي 2024/2025 مقارنة بالربع المناظر له من العام المالي السابق، ليستحوذ بذلك على نسبة تتجاوز 50% من إجمالي الاستثمارات، بينما حققت الاستثمارات العامة انكماشًا بمعدل 25.7%، بما يمثل أقل من 40% من إجمالي الاستثمارات، حيثُ يعكس هذا التحول التغييرات البارزة في هيكل الاستثمار في مصر.
وكانت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، قد أطلقت خلال ديسمبر الماضي، مؤشر الاستثمارات الخاصة، وذلك للمرة الأولى منذ 2020، عقب مراجعة بيانات الاستثمار الخاص وفقًا لمنهجية محدثة في إطار التزام الدولة بتطوير منظومة الحسابات القومية وتحسين دقة المؤشرات الاقتصادية.
وتظل التوقعات الاقتصادية إيجابية، مدعومة بإصلاحات هيكلية مستمرة تساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي، إلى جانب التحول الاستراتيجي من الاقتصاد غير القابل للتبادل التجاري إلى الاقتصاد القابل للتبادل التجاري، مما يعزز القدرة على مواجهة التحديات العالمية، ومن المتوقع أن تلعب الاستثمارات الخاصة دورًا رئيسيًا في الحفاظ على هذا الزخم، وتهيئة بيئة مواتية للنمو على المدى الطويل.