نظرات فى فكر ابن خلدون ومكيافيلي
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
على الرغم من الفارق الزمنى الذى يفصل بين ابن خلدون (القرن الرابع عشر) ونيكولو مكيافيلى (القرن السادس عشر)، إلا أن كليهما يعتبر من أكثر المفكرين تأثيراً فى مجالات التاريخ والسياسة. فى حين يركز ابن خلدون فى كتابه «المقدمة» على دراسة تطور الحضارات وسقوطها من منظور اجتماعى، يركز مكيافيلى فى «الأمير» على فن الحكم والوسائل التى يمكن أن تضمن استقرار السلطة السياسية.
فى مقدمته الشهيرة يحذر ابن خلدون القراء بقوله إنه عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والأفاقون والمتفقهون والانتهازيون؛ وتعُم الإشاعة وتطول المناظرات؛ وتقصر البصيرة ويتشوش الفكر. ويطرح رؤية شاملة تقوم على الحتمية التاريخية؛ حيث يرى أن صعود وسقوط الحضارات يتبع دورة حتمية يمكن التنبؤ بها. تعتمد هذه الدورة على «العصبية» التى تشكل أساس قوة المجتمع، وتبدأ فى الضعف مع انغماس الأفراد فى الترف والانحلال. يرى ابن خلدون أن العوامل الاجتماعية والبيئية تلعب دوراً رئيسياً فى تطور المجتمعات، وهو ما يجعله رائداً فى دراسة علم الاجتماع.
ويوجه ميكيافيلى نصائحه للأمير بقوله، «ينبغى للأمير أن يكون محبوباً ومهوباً معاً، ولكن لما كان من الصعب أن تسير الخلتان معاً، فإن مهابته أسلم بكثير من محبته». يرى أن المثالية والفضيلة الشخصية تلحقها حكومات سيئة، ويدعم رأيه بقوله إن الأفعال التى قد يقوم بها الأمير والتى تكون «شريرة» فى ظاهرها هى الأصح فى مصلحة الدولة، وهذا ما يجب أن يكون وليست المُثل السامية.
بهذا يقدم ميكيافيلى رؤية براغماتية تتعامل مع الواقع السياسى بشكل مباشر، فهو يرى أن الحاكم يجب أن يتحلى بالمرونة والقدرة على اتخاذ قرارات قد تبدو غير أخلاقية للحفاظ على السلطة، فالقوة تكمن فى يد الحاكم، ويعتبر أن استخدام الخداع والقسوة فى بعض الأحيان ضرورة لتحقيق استقرار الدولة. إنه نص عملى يقدم نصائح للحكام حول كيفية التعامل مع تقلبات الحياة السياسية وضمان الاستمرار فى السلطة.
لكن ابن خلدون يركز على ضرورة التمسك بالاخلاق لنتائجها النفعية: «السياسة المدنية هى تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الأخلاق والحكمة ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه».
والملاحظ أن ابن خلدون ومكيافيلى يتناولان مسألة السلطة والحكم من زوايا مختلفة. يرى ابن خلدون أن قوة الحاكم ترتكز على قوة المجتمع وتماسكه، فى حين يركز مكيافيلى على براعة الفرد وقدرته على التكيف مع الظروف المحيطة. وبينما يعتمد ابن خلدون على التحليل الفلسفى والمنهجى للتاريخ، يميل مكيافيلى إلى تقديم نصائح مباشرة تهدف إلى تحقيق الأهداف السياسية بأكثر الطرق فاعلية.
إن المفكرين يمثلان ركيزتين أساسيتين فى تاريخ الفكر السياسى، ويعكسان التحديات والهموم المشتركة التى تواجهها المجتمعات والسلطات الحاكمة على مر العصور.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ابن خلدون ابن خلدون
إقرأ أيضاً:
حقوق الانسان تعرب عن قلقها من التحول الجذري في توجهات واشنطن
جنيف"أ.ف.ب": عبّر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك اليوم الاثنين عن قلقه البالغ من "التحول الجذري" في توجّهات الولايات المتحدة منذ عودة دونالد ترامب إلى السلطة، منددا بـ"السلطة المطلقة" لـ"أولوغارشية التكنولوجيا غير المنتخبين".
وفي خطاب أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وجّه تورك انتقادات تعد الأقوى التي تصدر عنه حتى اللحظة للتحوّلات التي شهدتها الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة.
وقال "كان لدينا دعم من الحزبين في الولايات المتحدة الأميركية في ما يتعلق بحقوق الإنسان على مدى عقود طويلة". وأضاف "أشعر الآن بقلق بالغ من التحول الجذري في التوجهات محليا ودوليا".
وأوضح أن "السياسات الهادفة لحماية الناس من التمييز باتت تصنّف الآن على أنها تمييزية"، من دون أن يأتي على ذكر ترامب بالاسم.
وقال "تم إلغاء التقدّم الذي تحقق في ما يتعلق بالمساواة المرتبطة بالنوع الاجتماعي. يحمل التضليل والترهيب والتهديدات، خصوصا تجاه الصحافيين والموظفين الحكوميين، خطر تقويض عمل الإعلام المستقل وأداء المؤسسات".
وتابع تورك "يُستخدم خطاب مثير للانقسامات للتشويه والخداع وإثارة الاستقطاب... يولّد ذلك الخوف والقلق في أوسط كثيرين".
وأكد أن مكتبه سيواصل "تاريخنا الطويل في التواصل البنّاء بشأن هذه القضايا وغيرها".
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير، وقّع ترامب 79 أمرا تنفيذيا بشأن مسائل تتراوح من السياسة الخارجية إلى حقوق الانسان.
وفي ظل امتلاك حزبه الجمهوري غالبية ضئيلة فقط في الكونجرس وسعيه للتحرك سريعا لإعادة تشكيل الحكومة الأميركية، أصدر ترامب مراسيم تستهدف التجارة والحقوق المدنية والوظائف الفدرالية.
وعيّن مالك "إكس" و"تيسلا" إيلون ماسك رئيس ما أطلق عليها "إدارة الكفاءة الحكومية" "دوج" موكلا إياها مهمة خفض التكاليف.
وفي هذا الصدد، عبّر تورك عن قلقه حيال تزايد نفوذ "حفنة من أوليغارشية التكنولوجيا غير المنتخبين" قادرة على الوصول إلى البيانات الشخصية للناس، من دون أن يذكر اسم ماسك.
وفي تصريحات لا تقتصر على الوضع في الولايات المتحدة فحسب، حذّر مفوض الأمم المتحدة من أن أوليغارشية التكنولوجيا "يعرفون أين نعيش وماذا نفعل وجيناتنا وظروفنا الصحية وأفكارنا وعاداتنا ورغباتنا ومخاوفنا. يعرفوننا بشكل أفضل مما نعرف أنفسنا. ويعرفون طريقة التلاعب بنا".
وحذّر من أن "أي شكل من أشكال السلطة غير المنظّمة يمكن أن يؤدي إلى الاضطهاد والإخضاع وحتى الطغيان: قواعد اللعبة التي يستند إليها المستبدون".
ودعا دول العالم إلى "التأقلم سريعا" لمواجهة هذه التطورات.
وقال "على الدول تأدية واجبها المتمثل بحماية الناس من السلطة المطلقة والعمل معا لتحقيق ذلك".