عصام الدين جاد يكتب: "لوعة النص".. بين الأحلام والحب
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
كتب لها يومًا: "منعزل عن عالمي، نسيم من النجوم آتٍ، يد تمسّكت بفؤادي، عيون القلب لاذت بحبّها عن نظر العالم، مرّت الثواني ترحابًا بورود القمر، رحلة جديدة مع حبيبة مني العمر".
بعض كلمات، لكن ما وراء مقصدها كبير، كثر السؤال بعدما قرأت النص، أي نص.. نسيم من النجوم آتٍ. يضع كل شخص داخله عنوانًا، إن كان بقصد أم لا.
يتخيّل ويبدع داخل ذاته المكنونة، ليرى ما يحب أن يراه فيما قصده من ذلك النص، مثلما يؤمن الطفل بأبويه، يضع نصًا لهما كمثل أعلى وهدف في حياته داخل كراريس عمره، وفي تعاملاته.
إن لهفة ذلك النص تُكمَل بإيمان الشخص به، وأبدع أحد شعراء القاهرة المدعو "ابن نباتة" في العصور الماضية في قوله: "بروحي من نص الغزال لها الولا.. وأقسم ما لي غير جفنك وارث".
وما رأيته أن ذلك الشاعر وضع نصًا أمامه، نصًّا تخيله من أجل ما يحب، وكتب في ذلك أيضًا الشاعر العراقي "عدنان الصائغ": "نسيت نفسي على طاولة مكتبتي ومضيت.. وحين فتحت خطوتي في الطريق اكتشفت أنني لا شيء غير ظل لنص.. أراه يمشي أمامي بمشقة... ويصافح الناس كأنه أنا".
وما أعتقده أن ذلك الكاتب مضى مع حب الناس فيما كتب فيهم، ليرى أن ما كتبه هو لسان حاله من شعور وكلمات ومرور بين سطور أيامه، ليرى فيها صنيع جميل الحب، يخاطبهم بالكلمات والمراسلات ليصنع لهم الهدايا بحروف يملؤها سهر الليل وتأمل الصباح.
إن لوعة النص وحبّه يأتيان من أجل عمل أحبه ذلك المدون، وليس كل مدون كاتبًا ولا شاعرًا ولا روائيًا، لتجد أن النص قد يكون كلمة أو رمزًا من طفل أو شيخ أو مرابط على حب بلاده.
فالإيمان بالكلمات هو النجاح والتوفيق في حد ذاته، فقد يدوّن الطفل بعضًا من أحلامه على جدران غرفته لينظر لها كل يوم وتحفر في أذهانه، وقد يرى العامل نجاحه في كلمة تكريم، ليكلل سعيه بجمال تقدير ذلك النص.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: أمن يا جن
1استوقفني فيديو تم تداوله بكثافة خلال الأيام الماضية، يظهر فيه طالب في قاعة الامتحانات وهو بكامل لباسه العسكري يهتف: “أمن يا جن”. أثار ذلك في ذهني سؤالًا: هل غيرت الحرب، ضمن ما غيرت، نظرة هذا الجيل الجديد إلى الأمن؟
كان جهاز الأمن في أيامنا (يا حليل أيامنا) سواء في الجامعة أو بعدها، وإلى عهد قريب، يُعد بعبعًا سيئ السمعة. كانت النظرة إلى المنتمين إليه مليئة بالريبة والشكوك. ساهمت في تكريس هذه الصورة قوى اليسار واليمين التي سعت لرسم صورة مشوهة لدور جهاز الأمن في حفظ أمن البلاد، وحصرته في أدوار القمع والسجون والإرهاب وبيوت الأشباح.
كانت أغلب الهتافات السياسية في المظاهرات توجه ضد الجهاز، ولا أذكر مظاهرة في الجامعة لم يُردد فيها شعار “جهاز الأمن جهاز فاشستي”، حتى قبل أن نفهم معنى “فاشستي”. لم نكن نعرف عن الجهاز سوى أنه يتربص بمعارضي النظام، يسجنهم، يقمعهم، ويعذبهم.
2
عبر تاريخ جهاز الأمن، ظلت هذه صورته في المخيلة العامة منذ تأسيسه كجهاز أمني تابع لوحدة المخابرات البريطانية (MI6). وقد تحدث عنه “إدرود عطية” في كتابه “An Arab Tells His Story”، حيث عمل ضابطًا في جهاز المخابرات البريطاني. أشار عطية إلى أن مهمة الجهاز الأساسية كانت جمع المعلومات الاستخباراتية ومتابعة التحركات السياسية والاجتماعية، خاصة في ظل تصاعد الحركات الوطنية التي طالبت بإنهاء الحكم الاستعماري في السودان.
تأسس أول جهاز أمن وطني عام 1957 بعد الاستقلال مباشرة تحت مسمى “جهاز الأمن الوطني”، وذلك خلال فترة الحكم الديمقراطي الأولى. أما جهاز الأمن القومي فقد نشأ أواخر عام 1969 في عهد مايو تحت إشراف عضو مجلس ثورة مايو وضابط المخابرات العسكرية الرائد مأمون عوض أبو زيد، وكان يُعرف بمسميين: “الأمن القومي” و”الأمن العام”، قبل دمجهما عام 1978 تحت مسمى “جهاز أمن الدولة”.
بعد سقوط نظام نميري عام 1985، أصرت أحزاب اليسار التي صعدت إلى السلطة على حل الجهاز فورًا، مما أدى إلى خسائر فادحة في أمن البلاد. وقد وثّق العميد أمن “م” حسن بيومي تفاصيل هذه المأساة في كتابه “جهاز أمن الدولة أمام محكمة التاريخ”.
بدأ نظام الإنقاذ بجهازين للامن الداخلى واخر للخارجى قبل دمجمهما تحت مسمى الامن والمخابرات الوطنى في العام 2004 وتاسس هذا الجهاز الجديد على انقاض جهاز امن على أنقاض الجهاز المايوي.
حاولت قوى اليسار تكرار المأساة عقب التغيير في 2019 حيث تم تغيير اسمه إلى جهاز المخابرات العامة ومن ثم تعرض إلى اكبر مذبحة في تاريخه بتسريح اكثر 18 الف جندى من هيئة العمليات وهى القوة الضاربة التي كان من شأنها حفظ الموزانات العسكرية. ومرة اخرى كادت الكارثة أن تقع حين تم الاتفاق على وضع الجهاز تحت إدارة الحكومة المدنية وتحويله إلى مركز دراسات يقتصر دوره على جمع المعلومات وتسليمها للشرطة. بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، استعاد الجيش كامل سلطات الجهاز، وتم تغيير اسمه إلى “المخابرات العامة”.
ظل الجهاز عبر هذه الحقب معزولًا عن شعبه، ولم تُقدر الأدوار التي يقوم بها. كانت المعارضة تنتظر دائمًا فرصة للنيل منه، رغم محاولات عديدة في عهد الإنقاذ لتحسين صورته عبر الانفتاح على المجتمع الأهلي، والمشاركة في أنشطة الرياضة والفنون. لكن الصورة السلبية بقيت في أذهان المعارضين والعامة.
3
الآن، بعد الحرب، بدا واضحًا أن صورة الجهاز تغيرت كليًا. برزت أدوار جديدة للمخابرات العامة، حيث رأى الشعب أن الجهاز لا يقتصر على أدواره التقليدية في جمع المعلومات، مكافحة التجسس، ورقابة التخريب الاقتصادي. بل أصبح أفراده يحملون السلاح ويدافعون عن بلادهم في “معركة الكرامة”. وكانت ابرز ادروه هو الاختاق ات التي اضطلع الجهاز بدور رئيسى فيها.
اليوم، لا أحد يشكو من قمع الجهاز، ولا يوجد معتقل واحد من المعارضين، حتى من يدعمون الجنجويد سياسيًا. بل أصبح أفراد الجهاز أبطالًا يُستقبلون بالزغاريد والأحضان. وعندما يصلون إلى منطقة حرروها، يرتفع الهتاف: “أمن يا جن”.
هذا الحب الذي يلقاه الجهاز الآن من الشعب لم يحدث في تاريخه الطويل منذ ما قبل الاستقلال. جيل جديد أدرك الآن معنى أن يكون الوطن آمنًا، ترعاه مؤسسات قادرة ماديًا ومعنويًا وتحافظ على مقدراته ووجوده.
صمتت أبواق المعارضة الآن، ولم تعد هناك هتافات ضد الجهاز، ولا حتى نقد داخلي أو خارجي.
المحافظة على هذه الصورة المشرقة للجهاز، التي تحققت بعد معركة الكرامة، ضرورة قصوى.يجب أن تظل صورة الجهاز ومهامه الجسيمة واضحة أمام الشعب، حتى لا تتشوه بالأكاذيب والاتهامات كما حدث في السابق. صورة الجهاز كمقاتل من أجل الوطن، وحافظ لأمن الشعب وفق القانون، وحامٍ ضد اختراقات الأعداء، يجب أن تظل حاضرة لترسخ أفعاله في وجدان الشعب.
وقبل الختام لابد ازجاء تحايا خاصة لشهداء الجهاز وعضويتة التي لاتزال تمسك على بالزناد في المتحركات المتعددة والتحية لقيادة الجهاز لماقامت به من عمل داخلى وخارجى مشهود، والى قيادة الدولة التي حمت الجهاز من تغول المتربصين به واعادت له دوره الطبيعى والطليعى في صيانة امن الوطن ولابد انها الان سعيدة بالهتاف ” امن ياجن”.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب