الذكرى 77 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني «2- 2»
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
الذكرى 77 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني «2- 2»
تاج السر عثمان بابو
1إضافة إلى أن الحزب الشيوعي في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي كان أول من أشار إلى ضرورة الاعتراف بالفوارق الثقافية والعرقية بين الشمال والجنوب وتطور التجمعات القومية في الجنوب نحو الحكم الذاتي في نطاق وحدة السودان، ولم يكتف الحزب الشيوعي بذلك الطرح المتقدم وحده وتكراره، بل دعمه بالتركيز على القضايا الاجتماعية التي كان فيها قهر وتمييز عنصري أو إثني ضد الجنوبيين مثل:-
– المطالبة بالأجر المتساوي للعمل المتساوي بين العاملين الشماليين والجنوبيين.
– الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوسيع التعليم والعلاج والخدمات في الجنوب.
– إلغاء ضريبة الدقنية.
– إلغاء قانون المناطق المقفولة الذي كان من الأسباب التي عرقلت التطور المتوازن بين الشمال والجنوب.
– إلغاء نشاط المبشرين الأجانب المرتبطين بالتجسس وتأجيج الخلافات العرقية بين الشمال والجنوب.
– وحدة الحركة النقابية في الشمال والجنوب.
– استبعاد الحل العسكري وضرورة الحل السلمي الديمقراطي والعض على وحدة السودان بالنواجذ.
– رفض القهر الثقافي والإثني والديني واللغوي.
– أثناء تمرد 1955م دعا الحزب الشيوعي لمعالجة الموضوع بالحكمة والصبر بدلاً من الاتجاهات الداعية للعنف والانتقام.
واصل الحزب الشيوعي تأكيد تلك المواقف في مؤتمره الثالث في فبراير 1956م، ومقاومة سياسة ديكتاتورية الفريق عبود لفرض الحل العسكري والقهر الديني واللغوي والاثني، وفي مؤتمر المائدة المستديرة (1965) وخطاب عبد الخالق محجوب في المؤتمر.
2دافع الحزب عن المساواة الفعلية بين المرأة والرجل وضد التقاليد البالية التي كانت تحول دون تعليم المرأة وحقها في العمل، والأجر المتساوي للعمل المتساوي، وحقها في التصويت والترشح للبرلمان، وكان الحزب الشيوعي أول الأحزاب التي اهتمت بقضية المرأة وجذبها الى صفوف الحزب انطلاقاً من أن قضية المرأة ترتبط بتحرير المجتمع من كل أشكال الاستغلال الاقتصادي والثقافي والجنسي والطبقي، وكانت الدكتورة خالدة زاهر أول أمرأة تنضم للحزب الشيوعي، كما عمل الحزب الشيوعي على تنظيم النساء للمسك بقضاياهن ومطالبهن، وتم تأسيس رابطة النساء الشيوعيات عام 1949م، التي استمرت حتي اكتوبر 1964م، وبعد ثورة اكتوبر واتساع دور المرأة في التغيير الاجتماعي وانتزاع حقها في الترشيح في الانتخابات وفوز فاطمة احمد ابراهيم كأول نائبة برلمانية عن دوائر الخريجين، تم حل رابطة النساء الشيوعيات كتنظيم منفصل، واصبح هناك فرع الحزب الموحد الذي يضم الرجال والنساء، كما ساهم الحزب في تأسيس الاتحاد النسائي عام 1952م..
3كما ساهم الحزب في دعم وتطوير حركة الفن والإبداع “شعر، موسيقى، مسرح، فن، كتابة…”. كما هو واضح من البصمات التي تركها الشيوعيون في هذا الجانب.
دافع الحزب عن السيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة لمصلحة شعب السودان، ورفض المعونات والمساعدات المشروطة التي تؤدي لاحتلال البلاد ونهب ثرواتها المعدنية والزراعية، وأراضيها، والتضامن مع كل حركات التحرر الوطني من أجل الاستقلال.
كما دافع عن الحقوق والحريات والديمقراطية، وطالب بإلغاء القوانين المقيدة للحريات مثل: قانون النشاط الهدام حتى تم إلغاؤه في أول برلمان سوداني التي كانت بنداً ثابتاً في نضاله اليومي ضد الأنظمة الديكتاتوية العسكرية والمدنية التي صادرت تلك الحقوق.
لم يكتف الشيوعيون بالاستقلال السياسي عام 1956م، بل طرحوا ضرورة إستكمال الاستقلال السياسي، بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، بإنجاز المشروع الوطني أو مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التي تنجز المجتمع الصناعي الزراعي المتقدم، وتحقيق مجانية التعليم والعلاج، وتحسين أوضاع الجماهير المعيشية، والثورة الثقافية الديمقراطية التي تستند على أفضل ما في تراثنا السوداني وفنونه وإبداعاته، وتفتح الطريق للدخول في البناء الاشتراكي.
ساهم الحزب في قيام أوسع التحالفات والجبهات ضد الاستعمار حتى خروجه، وضد ديكتاتوريات “عبود والنميري والبشير” حتى إسقاطها في ثورة اكتوبر 1964م وانتفاضة مارس- ابريل 1985م، وثورة ديسمبر 2018م، التي مازالت مستمرة رغم الحرب اللعينة الجارية التي تحاول عبثاً طمسها..
هذا إضافة لمساهمة الحزب الشيوعي في قيام الجبهة المعادية للاستعمار، التي يخلط كثير من المؤرخين بينها وبين الحركة السودانية للتحرر الوطني “حستو”، أو الحزب الشيوعي، علماً بأن الحركة السودانية قامت قبلها، والواقع أن الجبهة المعادية للاستعمار كانت تنظيماً جماهيرياً ضم الشيوعيين والقوى الديمقراطية والوطنية، والتي تكونت أثناء معركة أول انتخابات برلمانية في نوفمبر 1953م، وفازت بدائرة عن الخريجين نالها مرشحها حسن الطاهر زروق، وكما أشار عبد الخالق محجوب في كتابه لمحات من تاريخ الحزب أن “الجبهة المعادية للاستعمار لم تكن حزباً شيوعياً على مبادئ الماركسية اللينينية، بل كانت حزباً ديمقراطياً يتصل بالجماهير في أكثر من افق، ويحتل فيه الشيوعيون مركز الصدارة”، “وكانت محاولة لبناء الجبهة الوطنية الديمقراطية في شكل حزب”، وكان هدفها “نشر الفكر الديمقراطي المناهض للاستعمار” (للمزيد من التفاصيل عن تجربة الجبهة المعادية للاستعمار: راجع عبد الخالق محجوب: لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، طبعة دار الوسيلة، 1987، ص 100 – 101).
4كما شهدت مرحلة التأسيس حتى 1956م قيام مؤتمرات الحزب الآتية:
المؤتمر التداولي 1949م الذي مهد لقيام المؤتمر الأول وعالج المشاكل التنظيمية التي واجهها الحزب بعد التأسيس.
المؤتمر الأول اكتوبر 1950م:طرحت اللجنة المركزية في ذلك المؤتمر قضايا سياسية وفكرية وتنظيمية أمام المؤتمر لاتخاذ قرارات بشأنها، كانت تلك أول مرة يحدث فيها ذلك في تاريخ الحزب، كما أجاز المؤتمر الدستور الذي ساهم في الاستقرار التنظيمي، والذي تطور في مؤتمرات الحزب اللاحقة: الثاني 1951م والثالث 1956 والرابع 1967، والخامس 2009م، وكان من نتائج المؤتمر أيضاً انتخاب اللجنة المركزية والتي قبل ذلك كانت عضويتها تكتسب بالتصعيد (أي بقرار منها بضم أعضاء لها)، وتلك كانت أيضاً خطوة حاسمة في ترسيخ الديمقراطية داخل الحزب. كما أشار المؤتمر إلى ضرورة ربط العمل الفكري بالعمل الجماهيري واستقلال الحزب في نشاطه بين الجماهير وإعلان موقفه المستقل في كل المسائل من منابره المختلفة، بعد المؤتمر الأول وقع الصراع الداخلي، وكان الرد بفتح المناقشة العامة على صفحات مجلة الكادر (الشيوعي فيما بعد). طارحاً على الأعضاء القضايا مدار الصراع. ورفض المؤتمر إتجاه عوض عبد الرازق الذي كان يرى أن وجود الطبقة العاملة الصناعية ضعيف في السودان، وبالتالي لا داعي للتسرع بتكوين حزب شيوعي مستقل.
المؤتمر الثاني اكتوبر 1951:-وانعقد المؤتمر الثاني في اكتوبر 1951م، وحسم المؤتمر الصراع الداخلي لمصلحة وجود الحزب المستقل، وأن النظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتطور النظرية، وأقر المؤتمر أول دستور لتنظيم حياة الحزب الداخلية وتحديد هويته كحزب ماركسي، وبعد المؤتمر وقع انقسام مجموعة عوض عبد الرازق، وقررت اللجنة المركزية فصل المنشقين، واضح أن اتجاه مجموعة عوض عبد الرازق كان اتجاه عزلة وجمود (دراسة النظرية بمعزل عن الواقع، إخفاء هوية الحزب المستقلة).
هكذا من خلال صراع الأفكار، بدأت تكون هناك حيوية داخل الحزب، ومن خلال الصراع ضد الجمود بدأت تتسع الديمقراطية داخل الحزب (المجلة الداخلية، المؤتمرات، الاجتماعات الموسعة، انتخاب اللجنة المركزية، فتح المناقشة العامة.. حسم الصراع ديمقراطيا بالتصويت،.. إلخ)، ولكن مجموعة عوض عبد الرازق لم تقبل رأي الأغلبية بروح ديمقراطية، ومواصلة ابداء وجهة نظرها من داخل الحزب، ولجأت إلى التآمر والانقسام، وفشلت في تكوين تنظيم جديد.
بناء الحزب في كل الظروف مدها وجزرها:-وفي عملية بناء الحزب، كانت أبرز الخطوات هى التي جاءت في اجتماع اللجنة المركزية في مارس 1953م، الذي أشار إلى ضرورة بناء الحزب كعملية ثابتة وفي كل الظروف مدها وجزرها، كما طرح ضرورة بناء الحزب على النطاق الوطني ليصبح حزباً شعبياً وتحويل الحزب إلى قوى اجتماعية كبرى. وكذلك طرحت وثيقة “خطتنا في الظروف الجديدة”، الصادرة في يناير 1954م، السؤال: كيف يتم تحويل الحزب الي قوة اجتماعية كبري؟. كما أشارت إلى ضرورة تقوية الحزب سياسياً وفكرياً وتنظيمياً، كما أشارت إلى أن عملية بناء الحزب تتم في كل الظروف جزرها ومدها. وتعميق جذور الحزب وسط الطبقة العاملة.
كما أشارت وثائق تلك الفترة إلى الاهتمام بالمرشحين وفترة الترشيح، والارتباط بالجماهير وفهم مشاكلها وقيادتها قيادة يومية، إضافة إلى تأمين الحزب ومحاربة روح الغفلة، وضرورة الاهتمام بالعمل الإصلاحي: الجمعيات التعاونية، محو الأمية، الأندية الرياضية والثقافية.. إلخ. ونجح الحزب في استنهاض حركة جماهيرية واسعة (بناء الحركة النقابية وحركة المزارعين، والحركة الطلابية، حركة الشباب والنساء،.. إلخ)، وقيام الجبهة المعادية للاستعمار، التي لخص عبد الخالق تجربتها في كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني.
المؤتمر الثالث فبراير 1956:-*وعلى ضوء حصيلة المناقشة العامة التي استمرت منذ بداية اتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 1953م، تم عقد المؤتمر الثالث للحزب في فبراير 1956م، وأجاز المؤتمر برنامج الحزب الجديد بعنوان “سبيل السودان للديمقراطية والاستقلال والسلم”، وأجاز التعديلات على دستور الحزب، وأجاز تغيير اسم “الحركة السودانية للتحرر الوطني” إلى “الحزب الشيوعي السوداني”، وطرح المؤتمر شعار “اجعلوا من الحزب الشيوعي قوة اجتماعية كبرى”.
وأخيراً، لقد تركت لحظة التأسيس والصراع السياسي والفكري الذي خاضه الحزب من أجل استقلاله بصماتها على تطور الحزب اللاحق ومواصلة الصراع من أجل تأكيد وجوده المستقل، وقدم الشهداء في سبيل ذلك، إضافة لتحمل أعضائه السجون والتشريد والتعذيب والقمع والنفي وصموده ضد الأنظمة الديكتاتورية المدنية والعسكرية حتى يومنا هذا وحتى انعقاد ونجاح مؤتمره الخامس في يناير 2009م، والسادس في 2016، ومواصلة الصراع من أجل وقف الحرب والتحول الديمقراطي وتحسين الأحوال المعيشية، والحل العادل والشامل لقضية دارفور وترسيخ السلام ووحدة البلاد.
alsirbabo@yahoo.co.uk
الذكرى 77 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني «1- 2»
الوسومالاستقلال البرلمان الحزب الشيوعي السوداني الماركسية تاج السر عثمان بابو عبد الخالق محجوبالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاستقلال البرلمان الحزب الشيوعي السوداني الماركسية اللجنة المرکزیة داخل الحزب إلى ضرورة الحزب فی من أجل
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية يدعو لتأسيس رابطة عالمية للتقريب بين المذاهب
قال الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية، إن الحوار بين طوائف المسلمين لم يكن يومًا نافلة من القول، بل فريضة إيمانية منذ أن أشرق النور الأول لهذا الشرع الحنيف، والسعي للإصلاح بين الإخوة وصيةٌ تُذكِّر بأن المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، لافتًا إلى أن الحوار هو جسر الأمة الأمين لجمع كلمتها، واليوم آمال الأمة معقودة على علماء الأمة ومرجعياتها الإسلامية، وعلينا أن نداوي جرح الماضي، وأن نصنع لأبنائنا جسرا يعبرون به إلى بر آمن؛ تُشرقُ فيه شمسُ السلام فوق كل خلاف.
وأكد مفتي الديار المصرية، خلال كلمته التي ألقاها بمؤتمر الحوار الإسلامي- الإسلامي، المنعقد بالعاصمة البحرينية المنامة تحت عنوان "أمة واحدة ومصير مشترك"، أن غياب مفهوم المواطنة العادلة كان البذرة الأولى التي نبتت منها شجرة التعصب الطائفي الخبيثة، وبسبب التعصبات الطائفية تنقلب الأوطان إلى ساحات من الكراهية والتناحر والقتال ولقمة سائغة للتدخل الأجنبي لتحقيق مآربه؛ داعيا إلى تأسيس رابطة عالمية مستقلة تُعنى بتوحيد جهود المؤسسات العاملة في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية، تهدف إلى تعزيز التفاهم المشترك، ودعم قيم المواطنة، وتطوير آليات التواصل المستدام بين العلماء والمؤسسات.
من جانبه أوضح علي الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين، أن الحوار الإسلامي يجمع بين المتحاورين ولا يفرق بينهم، مؤكدًا أنه لن يصلح أمر هذه الأمة اليوم إلا بما صلح عليه أولها، فقد اعتصم أبناؤها الماضون بحبل الله جميعا ولم يتفرقوا وأصبحوا بنعمة الله إخوانا، وانتهوا عن الخلاف والنزاع فقويت ريحهم وارتفعت رايتهم، وجعلوا لأمتهم المكانة اللائقة بين الأمم حتّى غدوا بحق خير أمّة أخرجت للناس، فالمطلوب منا جميعا أن نبتعد عن كل عوامل الفرقة والانقسام، وأن ندرك أن وحدة الأمة هي من مقاصد شريعتنا السمحاء.
وبيّن عضو مجلس حكماء المسلمين أن التعددية في الرأي نشأت من الدّعوة الصّريحة للتمسّك بالكتاب الكريم والسنّة النّبويّة الشريفة، مشددا أن الاختلاف بين العلماء في الرأي لم يصنع الخلاف، بل الذي صنع الخلاف هو استغلال هذه التعددية الفقهية أسوء استغلال للفرقة والشقاق، بعد أن كانت تلك التعددية مصدراً للثراء الفقهي من خلال مدارسها المتنافسة على العلم والمعرفة تحت راية الإسلام الذي يجمعها كلها بعيدا عن الصراعات، مطالبا بضرورة مواجهة الطائفية الطارئة على مجتمعاتنا وبلادنا.
جدير بالذكر أن المؤتمر يأتي استجابة لدعوة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، خلال ملتقى البحرين للحوار في نوفمبر عام 2022، وبرعاية كريمة من الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، وبمشاركة أكثر من ٤٠٠ شخصية من العلماء والقيادات والمرجعيَّات الإسلامية والمفكرين والمثقفين من مختلف أنحاء العالم، حيث يهدف إلى تعزيز الشأن الإسلامي ووحدة المسلمين، والتأسيس لآلية حوار علمي دائمة على مستوى علماء ومرجعيات العالم الإسلامي.