يمضي القتال بلا هوادة في السودان بين الجيش والدعم السريع. ورغم مرور أكثر من عام ونصف على المواجهات ما زالت آفاق الحل بعيدة مع تزايد في إحصائيات الضحايا وسط المواطنين وموجات نزوح لم يحدث لها مثيل، وهذا مع تضارب في المواقف السياسية بين القوى المدنية ومع تصاعد في وتيرة الاستقطاب على أساس إثني ومناطقي. «القدس العربي» أجرت حوارا مع البروفيسور عبدالله إبراهيم وهو المفكر والمؤرخ والسياسي والأستاذ الجامعي، حول الحرب والخطابات المرتبطة بها والرؤى المطروحة للحل، وفي ما يأتي نصه.


○ أكثر من 500 يوم على حرب السودان ولا تزال المعارك مستمرة والقتل والنزوح كذلك بدون وجود أفق سياسي للحل، كيف ترى الوضع وإلى أين ستمضي البلاد؟
• ببساطة لأن السياسة انتهت بالحرب وصارت الحرب هي السياسة بطريق آخر. فإذا كانت الحرب هذه «عبثية» في نظر تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية و«ملعونة» و«ثأرية» لنظامهم المباد في نظر قوى الإسلاميين فمن أين لنا بسياسة تخرج بنا من حرب امتنعنا عن وضع يدنا على السياسة التي أشعلتها؟
○ عبدالله علي إبراهيم أعلن منذ الأيام الأولى للحرب اصطفافه مع الجيش حفاظاً على الدولة، هناك من يقول إن الجيش نفسه هو المسؤول الأول عن زعزعة الدولة بتكوين قوات الدعم السريع وتغذيتها بالسلاح بالتالي الموقف متناقض مع أدوار المؤسسة التاريخية، ما تعليقك؟
• لا أعرف عبارة مؤسفة ضالة في هذه الحرب من مثل توقف كثير من الناس في تحليل الحرب عند عبارة «الدعم السريع خرجت من رحم الجيش». أولا: الدعم السريع لم تكن جزءا عضوياً من القوات المسلحة في أي يوم بسبب اعتزال الجيش لها وإن وظفها في حرب الحركات المسلحة. الدعم السريع خرجت من نظام الإنقاذ الذي أطاح به السودانيون لخروج قبح لا يوصف من رحمها بما فيه الدعم السريع. شخصياً وددت لو أن الجيش لم يكتف بالإضراب عن التعامل المؤسسي مع الدعم السريع خلال الإنقاذ ودافع بقوة عن احتكاره للسلاح. ولكنه كان جيشاً مقهوراً بنظام أراد أن يحمي نفسه عن خصومه بعيداً حتى عن الجيش نفسه. ولنقل إن الدعم السريع خرج من رحم الجيش: يقول السودانيون في هذه الحالة (دا الحوار الغلب شيخو) في مثل قول العجم انقلب السحر على الساحر. طيب: ورونا همتكم مع هذا الحوار الغلاب وإلا كانت العبارة تاريخاً مسيخاً عقيماً.
○ يتبنى الدعم السريع خطاب محاربة دولة 1956 التي جاءت بعد خروج المستعمر البريطاني باعتبارها من أوردت البلاد الهلاك والتخلف بالإضافة إلى سعيها إلى تحقيق الديمقراطية وأهداف ثورة ديسمبر، برأيك لأي مدى يتماسك هذا الخطاب ويتسق مع الأوضاع في السودان وطبيعة الأزمة؟
• ما يقوله الدعم السريع عن دولة 56 مكاء وتصدية، أي «هبوب» في عبارة سودانية. لا أعرف كياناً كالدعم السريع ارتكب الكبائر بما فيها استئصال جماعات بذاتها عمالة من دول 56 هي الإنقاذ، كالدعم السريع. كانوا بندقية مستأجرة لها. لم يزد الدعم السريع في دعوته هذه من «الرمرمة» (الأكل من بقايا الموائد) من خطاب الهامش والمركز الذي انعقد منذ عقد الثمانينات. وكانت القوى التي كونت «تقدم» هي التي تفننت في ذلك الخطاب صدقاً واحتيالاً في معارضتها لنظام الإنقاذ. من صدق أن الدعم السريع تعرف بما تهرف به عن دولة 56 سيشتري الترام، وصف شرائه طويل فيما أرى.
○ هناك حديث رائج عن مشاريع إقليمية خلف إشعال الحرب بهدف إحداث تغيير ديموغرافي وتوطين عرب الشتات الأفريقي، كيف تنظر لمثل هكذا خطاب؟
• نسبة هذه الحرب لمؤامرة خارجية تريد لعرب الساحل الأفريقي استيطان السودان مما يذيعه جماعة من منسوبي نظام الإنقاذ. ولا أعرف نظاماً استوطن هؤلاء العرب من تشاد مثل الإنقاذ، وسبقته أنظمة. فاستوطن الحوطية والسلامات ومسيرية تشاد قبل الإنقاذ وبعدها. فحتى أولاد منصور من شعب الماهرية أهل حميدتي هم أنفسهم من عرب الساحل بكروا بالوفود إلى السودان، ووظفت الإنقاذ هؤلاء العرب في حملاتها لحرب الحركات المسلحة بأرخص ثمن. وهنا الكارثة: خرقت أعراف الأرض في السودان لتقتطع لهم دوراً لا استحقاق لهم فيها. وكل ما سمعت عن «النزاعات القبلية» خلال فترة الإنقاذ كانت بسبب احتجاج المتضررين من احتلال عرب تشاد بعض دارهم. وتضرر منهم حتى عرب السودان مثل البني هلبة والتعايشة من خرق الإنقاذ لأعراف الدار لصالح عرب الساحل الأفريقي. ولا أعرف شعباً شهد الهول مثل المساليت التي طمع أعراب الساحل الأفريقي فيها منذ يومهم الأول، وراء عرب الشتات، إذا صحت العبارة، إيكولوجيا واقتصاد وسياسات لم نطلب المعرفة بها حتى احتلوا صحن الدار، وبدأت الهضربة.
○ نتابع في حرب السودان تصاعدا للاستقطاب والاستقطاب المضاد المنطلق من خطابات إثنية ـ عرب الشتات، الشمال النيلي، نهر وبحر، الجلابة، الزرقة في دارفور وغيرها، هل نفهم أن هذه الحرب جاءت نتيجة لاحتقانات اجتماعية أكثر من كونها صراع سلطة لقوى داخلية مدعومة من قوى إقليمية بهدف نهب الموارد؟
• طالما كانت الحرب هي السياسة بطريق آخر فلا يستغربن منها أن تتصعد بذلك الاحتقان الذي كان مادة خطاب المعارضين المسلحين وغير المسلحين للإنقاذ. فغزو الخرطوم لإنهاء دولة «الجعليين والشايقية والدناقلة» سدنة دولة 56 مما كان في خيال حركات دارفور المسلحة تطربهم جلالاتهم من مثل «الخرطوم جوه» يريدون استبدال أهلها بأهل خير منهم. وإذا قرأت «الكتاب الأسود» الذي عرضوا فيه مظلمتهم حول نقصهم في السلطة وجدته غبيناً من هذه الجماعات. ولا أريد أن أعيد بذل الإنقاذ في التبغيض الأهلي في حلفها مع أعراب في الداخل ومن «الشتات» لحرب خصومها ممن عرفوا بـ«الأفارقة». ولدت الحرب ضغائن تاريخية في مثل العودة لتاريخ ذائع في شمال السودان عن عرب البقارة، الموصوفين بأنهم حاضنة الدعم السريع، وأدوارهم في دولة المهدية في آخر القرن التاسع عشر. الحرب بالوعة ضغائن كثيرها جرى تسويقه في لعبة الحكومة والمعارضة بلا رصانة.
○ هناك مخاوف من أن تقود الحرب الحالية إلى انقسام السودان، والمجتمع الدولي وبعض القوى السياسية بدأت تلوح بالتعامل مع وضعية ثنائية للسلطة ومناطق السيطرة، فضلاً عن تهديدات حميدتي المستمرة بتشكيل حكومة في المدن والولايات التي يستولي عليها، هل يمكن أن يحدث انفصال جديد لأقاليم في السودان على غرار ما أنتجته حرب الجنوب؟
• الكلام عن انقسام السودان مما نستلهم فيه ليبيا التي كانت تاريخياً دولتان حتى 1923. لم تنشأ في السودان دولتان منذ توحد في حدود القائمة هذه تزيد أو تنقص، كانت مثل دارفور تتأخر في دخول رحابه ولكنها تنتهي فيه. وإذا اقتنعنا جدلاً أن السودان سينقسم هل من يقنع به حميدتي الذي يريده كله، بل تواثق مع «تقدم» على برنامج لسودان مدني ديمقراطي بعد الحرب. ذائعة انقسام السودان من أضغاث المبعوثين الدوليين لنا يروننا كلنا في الدول النامية حالة واحدة كثيرة الإزعاج.
○ ما رأيك للاشتراطات التي يرفعها الجيش بتنفيذ التزامات إعلان جدة المتعلقة بالخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية قبيل الذهاب إلى أي مفاوضات جديدة؟
• أعتقد أنها من أصول علم التفاوض. فما جدوى التفاوض إن كانت حصائله مما يضرب بها عرض الحائط.
○ داخل الجيش توجد مراكز قرار تابعة للإسلاميين تمنع تمرير أي تسوية لا تضمن تواجدهم في المعادلة السياسية مرة أخرى، ما تعليقك؟
• لا أعرف من جاء بما أقنعني بأن للإسلاميين هذا النفوذ في القوات المسلحة. هذا سوء ظن بالقوات المسلحة، وبروبغاندا. وكيف عرف من يقول بأن الإسلاميين لن يعودا للساحة السياسية إلا من جعلوا همهم استثنائهم من الوجود في أي وضع مستقبلي في السودان. فهم في مثل تقدم مثل المنشار يأكل رائح يأكل غاد. فهم يقولون إنهم لن يسمحوا للإسلاميين أن يكونوا في الساحة السياسية، ويقولون في نفس الوقت إن الإسلاميين أشعلوا الحرب وأنف الجيش راغم ليعودوا للحكم. فكأنك تصدق زعمك في رغبتهم العودة للحكم التي أثاروا لها حرباً بتحريمك لهم العودة للحكم أو حتى السياسة. تذكرني بصورة ما حكاية الأشعب الذي كذب على الأطفال عن عزومة بالحي ليتخلص منهم، ثم صدق كذبته وهرول وراء الأطفال للعزومة المصطنعة.
والله لو سئلت لقلت إن على عقلاء البلاد أن يحولوا دون عودة قوى الحرية والتغيير للحكم، فشلوا وأدمنوا الفشل.
○ هل قضت الحرب على ثورة ديسمبر وأهدافها وأحلامها، وهل يمضي السودانيون إلى تركيبة حكم ووضع يتناقض مع ما خرجوا من أجله قبل أعوام وناضلوا في سبيل تحقيقه بأدوات سلمية دون هوادة؟
• هذه الحرب خرجت من الثورة. لا يريد الإسلاميون التفكير في هذه الواقعة لأنهم لا يريدون أن يتصالحوا مع ما عانته من نظامهم الذي أورثها كياناً ذميماً مثل الدعم السريع، ناهيك من تحالفهم مع الجيش، الدعم السريع طوال فترة الحكومة الانتقالية لرمي العصي في عجلاتها. ولا تريد تقدم، من الجهة الأخرى، تحري خروج الحرب من الثورة لأن من شأن ذلك أن يكشف عن عوارها في إدارة الفترة الانتقالية. هذه حرب لم ترد القضاء على ثورة ديسمبر بل القضاء على الدولة الحديثة للسودان التي تمسكت بها ثورات سبقتها. هل تتصور أن شعار الثورة: «الجنجويد ينحل، ما في ميليشيا بتحكم دولة» مر مرور الكرام على الدعم السريع؟ لقد رأى حميدتي الكتابة على الحائط كما تقول الأعاجم، وأراد أن يتغدى بالثورة قبل أن تتعشى به.
○ الحسم العسكري هل يمكن تحقيقه في الحرب الحالية من قبل الجيش أو حدوث انتصار الدعم السريع؟
• هذا سؤال أفضل أن أسمع من القوات المسلحة عنه. أكثر ما يزعجني في هذه الحرب رجة الاختصاصات. صار الحديث في الشأن العسكري الدقيق أنس بكيات (فراش العزاء).
○ كيف تقيم أدوار القوى السياسية الأخرى، حلفاء البرهان وموقف الحزب الشيوعي وحلفائه من لجان المقاومة فيما يتعلق بالحرب الحالية التي يعيشها السودان؟
• أكبر كتلة واضحة من حلفاء البرهان هم الإسلاميون. ولا أعتقد أنهم يخدمون قضية الجيش في حربه كما لجماعة في إمكانياتها. فأنت حين تقرأ لها مثلاً تجدها في حرب من وراء الحرب مع قوى الحرية والتغيير التي صارت «تقدم» بصورة أو أخرى. وحربها الكبرى حقاً ليست ضد الدعم السريع بل ضد الثورة التي أطاحت بنظامهم. لم يتصالحوا بعد مع خطيئتهم في الدولة وعلى رأسها خروج الدعم السريع نفسه «من رحمها» كما هي العبارة الجارية على لسان خصومها في «تقدم». وبدلاً عن تلمك تلك الخطيئة القاتلة تجدهم يعقدون مقارنة ضالة بين حجم الدعم السريع على أيام دولتهم وحجمه المتفاقم بعد الثورة. لم أر عملاً منهم في القواعد الشعبية، لا تسمع لتوجيهات منه للأطباء الإسلاميين ليكونوا هنا أو هناك، لا دور لهم في الدبلوماسية الشعبية في البلدان المؤثرة في مسار الحرب، ولم أسمع حتى انهم ابتدروا حملة تبرع بالمال وغيره من منصتهم الخاصة لدعم «التكايا» التي بادر بها آخرون في الأحياء. اتصلت ببعض المنابر الإعلامية التي أنشأوها وهذه إيجابية. ما يزعج منهم أنهم لا يقدرون خطر وجودهم في صف الجيش حق قدره، فلم يتورع توم بيرييلو مثلاً من اتهامهم أنهم من وراء استطالة الحرب ولي يد الجيش دون حضور مجالس التفاوض. وددت لو حذروا من من مثل هذا القول لأنه لا يعرف المرء إلى ما سينتهي. أخشى شخصياً أن يصنفوا «إرهابيين» ولن نعرف «نودي وشنا» وين. بدا لي أنهم يريدون استثمار الوضع لصالحهم بأقل تكلفة.
أما الشيوعيون فقد راح عليهم الدرب في الماء منذ استعلوا على المساومة بين الثورة والعسكريين. لقد فهموا التفخيخ فيها ولكنهم استنكفوا أن يكون فيها يدرأون في الحلف الواسع للثورة مطبات ذلك التفخيخ. وانتهزوا عزلتهم من الحكومة الانتقالية لجعلها في مرمى نيرانهم في الهينة والصعبة. يكفي أنهم دعوا يوما لإسقاط الحكومة الانتقالية، وسقطت بيد عمرو لا بيدهم. كان هناك من هو أجدع منهم، انتهوا خلال هذه الحرب إلى بيانات غاضبة من الجميع، وماسخة. جاء في بيان أخير دعوة للجماهير لوقف الحرب وخصت «الجبهة النقابية» بمثل هذه المهمة، وفي الحقيقة لا وجود لجسد كهذا منذ سنوات ناهيك من أنه لم تعد هناك نقابات في هذه الحرب التي أغلقت المصانع بما يعني إلغاء وظيفة «عامل» نفسها.
○ انخرطت الحركات المسلحة إلى جانب الجيش وتطالب الآن بإلاشراك في التفاوض، في حين تصر الدعم السريع وبعض التنظيمات السياسية المحلية وبعض الفاعلين الدوليين بأن يقتصر الحوار على الجيش والدعم السريع فقط؟
• لم أقرأ حيثيات مطلب الحركات المسلحةـ القوات الحليفة، في الاشتراك في مفاوضات السلام. ولا يبدو أنني سأقبلها لو سمعتها، فمطلبهم هذا قد يطعن في منطق مثلي من أن وقوفنا مع الجيش في هذا اليوم، برغم مآخذنا التاريخية عليه، أنه هو الذي يحتكر السلاح والماسك بزمام الحرب قتالاً وتفاوضاً وسلماً. كثيرون يشيرون إلى مثل هذا المطلب السدى للقول هذه الحركات غير مؤتمنة على مبدأ احتكار السلاح حتى لو انتصر الجيش. لا تزال في نفس أمثالي غصة من اتفاق هذه الحركات المسلحة مع العسكريين دون المدنيين في اتفاق سلام جوبا في 2020 واصطناع هيئة هي مجلس شركاء السلام الذي أرادت به استبدال مجلس وزراء الحكومة الانتقالية. آمل أن تلتزم الحركات الضبط والربط تحت قيادة القوات المسلحة.
○ نتابع دعوات دولية من أجل توسيع نطاق المحكمة الجنائية وإرسال قوات أجنبية لحماية المدنيين، برأيك هل يمكن أن تقود تلك الخطوة إلى عدم الإفلات من العقاب وتجنيب المدنيين آثار القتال؟
• هذا سؤال عن وضع نستبق إليه حقائقه. فالعالم القوي زاهد في أن يتدخل بمثل هذه القوات لحماية المدنيين. وإذا أخذناها من هايتي عرفنا أنه لا الأمم المتحدة ولا أمريكا والغرب على شهية للتدخل بمثل ما فعلوا في أوقات مضت. فلم تجد هايتي، التي كانت مسرحاً تاريخياً للتدخلات الأمريكية حتى استردفت الأمم المتحدة معها لعقود، من يتدخل لإنقاذها من دولة العصابات فيها سوى تعاقد مع قوة من الشرطة الكينية لم يكتمل عددها بعد وستلقي نفسها في مواجهة عصابات لا رحمة في قلبها. وتلك جزيرة صغيرة ناهيك عن السودان القارة. وللأمم المتحدة ذكريات غير أنيقة في تدخلها في السودان ببند سادس وسابع رغم أن نطاق عملها العسكري لم يتجاوز دارفور. إذا أراد أي أحد حماية المدنيين فليبدأ بمنع تصعيد الحرب الذي يخاطر به الدعم السريع غير مكترث لنداءات العالم أن يتوقف ليومنا عن الهجوم على الفاشر. فقرار مجلس الأمن (2736 في حزيران/يونيو 2024) صريح في طلبه من الدعم السريع الكف عن الهجوم على الفاشر. ودعا البيت الأبيض منذ أيام الدعم السريع ليوقف حصار الفاشر والهجوم عليها، بل عاقبت أمريكا قائدين من الدعم السريع لدورهما في حصار الفاشر. ليس واضحاً أن كان امتلك العالم الإرادة لحماية المدنيين بقوة حتى يحميهم بالقوة. لربما صرنا ونسة في خشمهم كما نقول.
○ في سياق متصل، دعا مؤخرا الرئيس الأمريكي جو بايدن طرفي القتال إلى العودة مجددا للتفاوض، هل تستطيع الإدارة الأمريكية ممارسة أي ضغوط حقيقية على الجانبين مع اقتراب موعد الانتخابات؟
• لا أعرف إن كان الرئيس بايدن قد دعا للتفاوض في أوكرانيا في حرب طالت لعامين وأكثر. لم يفعل والسبب أنه لا يعتقد أن أوكرانيا قد كسبت كسباً في الأرض تعرض به على مائدة المفاوضات. فالمفاوضات تجري حقاً لا في جدة ولا جنيف، إنها تجري في ميدان الحرب ويتحكم ميزان القوى في استجابة الأطراف لدعوات التفاوض. لم تخف أوكرانيا أن احتلالها لولاية كورسك الروسية كان محاولة منها لترجيح الكفة لصالحها نوعاً ما لتجلس للتفاوض من فوق كسب. غير خاف أن الجيش ما يزال يخوض حرباً دفاعية أسطورية بكل المقاييس عن مواقعه الاستراتيجية والرمزية بوجه قوة عسكرية أمنت خطوط إمدادها من دولة في ثراء الإمارات العربية المتحدة. وخسر أرضاً للدعم السريع بعضها مؤسف جداً مثل ولاية الجزيرة. في خبرتنا يمكن للتفاوض أن يتوقف ليس بسبب ما يجري على مائدته بل لما يجري في الميدان. فخلال مفاوضات الإنقاذ والحركة الشعبية في نيفاشا احتلت الحركة الشعبية مدينة توريت في الجنوب، فغادرت الحكومة مائدة التفاوض ولم تعد إليها إلا بعد أن استردتها. وحسابات ميزان القوى مما ترعى حتى في السياسة المدنية ناهيك عن حرب التي هي التجلي الأصلع للقوة. إذا أرادت أمريكا مساعدتنا فالباب الأدنى لهذه المساعدة في أن تقف بحزم ضد التصعيد، وهذا شيء لا يرتكبه الدعم السريع فحسب، بل يلعب أفراده على مشهد من الناس اليانصيب في الميديا عن الولاية التي ستكون هدف غزوتهم القادمة. فأكثر ما يشفق أمريكا إنسانياً علينا هو كوارث النزوح التي لا يخفي الذي من ورائها وهو الدعم السريع سواء في الجنينة والفاشر وسائر مدن دارفور وكردفان أو الخرطوم ومدني وسنجة، ومنها من ينتظر. فإذا أرادت أي جهة رفع المحنة عن السودانيين فصح أن تكون أولويتها منع التصعيد، ويتم هذا بطريق إخضاع المصعد إلى نظم تأديبية تشل يده. فالنزوح في واقع الحال يتم من مواقع آمنة للجيش حتى غزوها بواسطة الدعم السريع وخسارة الجيش للموقع، فلا ينزح أحد حيث الجيش ما يزال مسيطراً على المكان. ويستغرب المرء لمن يديرون الوجه عن هذه الحقيقة الفاجعة في التصعيد ليساووا بين الجيش والدعم السريع في الإدانة على فعل هو امتياز الدعم السريع حصرياً.

القدس العربي
الإثنين , 7 أكتوبر , 2024
حاوره: محمد الأقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الحکومة الانتقالیة الحرکات المسلحة القوات المسلحة الدعم السریع فی السودان هذه الحرب لا أعرف دولة 56 فی حرب فی هذه

إقرأ أيضاً:

???? هل يمكن أن تنجر مصر للحرب في السودان بعد اتهامات حميدتي؟

خبراء لـ ” المحقق”: حميدتي يبرر هزائمه ولو تدخلت مصر لانتهت الحرب في أيام

القاهرة – المحقق – صباح موسى

خرج حميدتي أمس “الأربعاء” مهزوزاً مضطرباً، في خطاب أدان فيه الجميع، لم يستثني أحداً من أعدائه وحتى أصدقائه، وربما كانت المرة الأولى التي يصدق فيها الناس أن هذا هو حميدتي الحقيقي، المعروف بطريقته غير المرتبة التي لا تراعي أيا من فنون السياسة والحديث.

اتهام مصر
بدأ حميدتي خطابه متهماً مصر بأنها ضربت قواته بالطيران في جبل مويه، واصفاً ذلك بالعدوان الغاشم، وأنه صمت عن ذلك كثيراُ، مهدداً باستخدام الخطة ب، والتي لا يعلم أحد هل هناك خطط لم يستعملها الرجل وقواته من قتل وتشريد وابادة جماعية للشعب السوداني، فماذا قصد بهذه الخطة، وهل حماقته ستجعله يجر دولة بحجم مصر للمعركة، وماهي قصة المليون مرتزق ومن أين سيأتي بهم ومن سياساعده في ذلك.

رد القاهرة
وفي أول رد فعل مصري، نفت الخارجية المصرية مزاعم زعيم مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” والتي اتهم فيها الطيران المصري بالمشاركة في حرب السودان وقصف قواته، وأضافت الخارجية المصرية في بيان لها أن تلك المزاعم تأتي فى خضم تحركات مصرية حثيثة لوقف الحرب وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحرب الجارية بالسودان، ودعت الخارجية المصرية المجتمع الدولي للوقوف على الأدلة التي تثبت حقيقة ماذكره حميدتي، كما أكدت على حرص مصر على أمن واستقرار ووحدة السودان أرضا وشعبا، وشددت على إنها لم تألو جهدا لتوفير كل سبل الدعم للأشقاء في السودان، لمواجهة الأضرار الجسيمة الناتجة عن تلك الحرب الغاشمة.

التوقيت والدوافع
اتهام حميدتي لمصر،جاء في توقيت تلعب فيه القاهرة جهوداً حثيثة لوقف الحرب في السودان، على كل المستويات، وجمعت كل الفرقاء السودانيين على أراضيها، لإحداث اختراق في حل الأزمة السودانية، وشاركت في منابر الحل التفاوضي في السودان، ولم تدخر جهداً في الاتصالات الاقليمية والدولية لمنع المزيد من إراقة الدماء في السودان، علاوة على أنها تستضيف مئات الآلاف من السودانيين، وتفتح أبوابها منذ بداية الحرب لكل سوداني شردته بندقية حميدتي وقواته، ولو أرادت مصر الدخول في الحرب لما استمرت كل هذه الشهور، لكن العقيدة المصرية الثابتة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ظلت حاضرة وموجودة حتى مع السودان العمق القومي لمصر، فالى أي مدى يمثل اتهام حميدتي لمصر نقطة تحول في الحرب، ومن الذي شجعه على ذلك في هذا التوقيت وماهي دوافعه وأسبابه، وهل يمكن أن تنجر مصر للحرب في السودان، وهل يمكن الربط بين زيارة السيسي لأسمره اليوم في وجود الرئيس الصومالي مع حديث حميدتي والحرب في السودان؟

شماعة للتبرير
من جهته رأى نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير صلاح حليمه أن اتهام حميدتي لمصر شماعة لتبرير هزيمته. وقال حليمه لـ ” المحقق” من الواضح أن حميدتي في موقف صعب ميدانيا، بعد هزائمه في الخرطوم وجبل مويه، مضيفا أنه كان يتحدث مضغوطا وليس من موقع قوة.

رؤية واضحة
وعن زيارة الرئيس السيسي لأسمرة اليوم في وجود الرئيس الصومالي بها، ومدى ربط ذلك بالسودان، قال حليمه إن مصر تتحرك في اطار الأمن القومي المصري والعربي الأفريقي، وإن هناك اتفاقية دفاع مشترك بينها وبين الصومال، ولها مصالح مع أريتريا باعتبارهما دولتين في القرن الأفريقي والدول المشاطئة للبحر الأحمر، مشيرا إلى أن الزيارة بالضرورة سوف تتطرق لمناقشة الأزمة في السودان، مؤكدا أن مصر لديها رؤية واضحة في الحفاظ على المصالح المشتركة للجميع، وأنه ليس لمصر أي أطماع، وانما تسعى للحفاظ على أمنها القومي والمائي في إطار الاتفاقيات والقوانين الدولية، وقال إن التحركات الحالية في منطقة القرن الأفريقي ذات طبيعة دفاعية للتهديدات التي قد تأتي من البحر الأحمر والقرن الأفريقي ربطا بالأزمة السودانية.

التراجع العسكري
من جهتها أكدت مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتورة أماني الطويل أن اتهام حميدتي ليس الأول لمصر، وأنه سبق وأن اتهمها من قبل. وقالت الطويل لـ “المحقق” إن هذا الاتهام مرتبط بتراجع الدعم السريع العسكري الذي يعاني هذه الأيام، مضيفة كان لابد أن يقدم تبريرا لهذا التراجع خصوصا أمام قواته، لافتة إلى أن مصداقية حميدتي ضعيفة في ضوء أنها متكررة، وقالت أظن أن الاتجاه الدولي ليس مع التعامل مع مثل هذه الاتهامات بجدية، وأرجعت ذلك لأسباب أهمها آداء الدعم السريع والعقوبات الدولية التي تطال قواته وحتى أخوه القوني مؤخرا، لافتة إلى وجود اتجاه دولي ضد الدعم السريع وانتهاكاته، مشيرة إلى تصريحات قيادات سياسية اماراتية حول دور الفواعل من المليشيات، وقالت اذا كان هذا الحديث يعني حزب الله ، ولكنه سوف ينسحب على الدعم السريع.

تحولات كبيرة
وبحسب الطويل فإن منطقة القرن الأفريقي تشهد تحولات كبيرة، وأن الوزن النسبي لإثيوبيا يتراجع، مضيفة وذلك يرجع إلى عدم احترام إثيوبيا للسيادة الصومالية، واقامتها لمشروعات مائية على أساس صراع، موضحة أن المحيط المباشر لإثيوبيا أصبح قلقا، وربطت بين حديث حميدتي وعرض أبي أحمد بدخول الفشقة وتعامل إثيوبيا مع مليشيات، ولفتت إلى أن مصداقية إثيوبيا تتراجع على كل المستوىات، وإلى أنها شريك اقليمي يمكن أن يساهم في زعزة أمن واستقرار المنطقة في وقت تشهد فيه المنطقة مشاكل كثيرة، معربة عن اعتقادها بأن الآداء المصري لم يتحرك برد فعل وأنه دائما لديه تحركات محددة طبقا لتقديراته وليس لتقديرات الآخرين، مؤكدة صعوبة جر مصر للحرب في السودان.

مسؤولية الاخفاق
بدوره رأى رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن حميدتي يحاول أن يجد مبررات للهزيمة العسكرية التي أقربها رغم أنه لم يقلها صراحة. وقال ميرغني لـ ” المحقق” أن حميدتي يعاني من هزائم ميدانية، وأن مشروعه السياسي الذي كان يعول عليه قد سقط، مضيفا أنه استخدم مصر كدولة يضع عليها مسؤولية الاخفاق العسكري، في محاولة لاستثارة العواطف ضد التدخل الخارجي في الحرب، وتابع أنه حاول إرسال رسالة لقوى اقليمية أن الحرب لم تعد حرب داخلية، وأن هناك قوى خارجية تعبث في البلاد، لافتا إلى أن حميدتي حاول أن يصطاد في الماء العكر، بتوجيه هذه الرسالة لبعض دول الجوار، مؤكدا أن مصر لصيقة بالسودان ومايدور فيه عسكريا وسياسيا وبدقة، وقال إذا كان لدى مصر شعور أن هناك خطورة على أمنها القومي، من حقها الحفاظ على أمنها، مستدركا في الوقت نفسه أن الأوضاع في السودان لم تستدع الوصول إلى هذه المرحلة والتدخل المباشر من جانب مصر، مشيرا إلى أن مصر جزء من المساعي السياسية وإلى أنها أحد الوسطاء في جنيف، وقال إن لها دور إنساني مهم في توصيل الاغاثات، مؤكدا أن مصر لو دخلت الحرب في السودان لما استمرت لهذه الفترة، وكانت انتهت في أيام.

إعادة تموضع
كما رأى ميرغني أن التحركات المصرية الأخيرة في المنطقة تأتي من منطلق اعادة التموضع في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وفي اطار توزيع الأدوار بالمنطقة، وقال إن مصر كانت بعيدة لفترة طويلة عن أفريقيا، وأنها بهذه التحركات تحاول تصحيح الأوضاع بالمصالح المشتركة والمشاركة في الهموم الأفريقية، مؤكدا أنه دور يسير في الاتجاه الصحيح لاستعادة الوضع الطبيعي لمصر في أفريقيا.

القاهرة – المحقق – صباح موسى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «حميدتي» يحظر صادرات السودان إلى مصر «قوات الدعم السريع» توعدت التجار المخالفين
  • الدعم السريع تكشف عن أسرى مصريين بطرفها وتفصح عن معلومات خطيرة تجاه مصر والتسليح والقتال مع الجيش السوداني
  • قوات الدعم السريع: ضبطنا مصريين شاركوا إلى جانب الجيش في الحرب الحالية، وهم أسرى لدينا الان
  • قالت إنهم يقاتلون مع الجيش السوداني .. الدعم السريع تكشف عن أسرى مصريين بطرفها
  • الخلاف بين القاهرة و«الدعم السريع» مرشح لمزيد من التصعيد .. مستشار «حميدتي» دعا لإيقاف صادرات بلاده إلى القاهرة
  • ???? هل يمكن أن تنجر مصر للحرب في السودان بعد اتهامات حميدتي؟
  • الجيش السوداني: أدلة جديدة تثبت تورط الإمارات في إمداد قوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني: عثرنا على أدلة تثبت تورط الإمارات في إمداد قوات الدعم السريع
  • حميدتي.. خطاب خلط الأوراق