حميدتي والسيسي والإخوان.. أين الحقيقة؟
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
في كلمة مصورة قصيرة، خرج قائد مليشيات الدعم السريع حميدتي ليبرر هزيمة قواته في جبل مويا مدعيا أن طائرات الجيش المصري وليس السوداني هي التي هزمت مليشياته بضرباتها المكثفة، وهو ما نفته مصر عبر بيان لوزارة الخارجية.
لم يكتف حميدتي بخطابه المصور، ولكنه أصدر بيانا تفصيليا باسم الدعم السريع كرر فيه اتهام مصر بالمشاركة في المعارك، وبتقديم طائرات وقذائف ثقيلة للجيش السوداني استخدمها ضد الدعم السريع، كما حرص حميدتي سواء في كلمته المصورة أو بيانه المكتوب على التأكيد على أن المعركة بالأساس مع الحركة الإسلامية في السودان؛ التي حرص أيضا على تأطيرها باسم "الإخوان المسلمين" في محاولة منه لكسب تعاطف دولي، خاصة من العواصم المناهضة للإخوان أو للإسلاميين بشكل عام، وعلى رأسها القاهرة بطبيعة الحال ناهيك عن أبو ظبي والرياض والأهم واشنطن وحتى تل أبيب، وكأن حميدتي أراد السخرية من السيسي الذي يحارب الإخوان في مصر بينما يساعدهم في السودان!!
لا يريد حميدتي أن يقتنع أن الجيش السوداني الذي باغتته مليشيات الدعم السريع بتحويل حمايتها للمنشآت الاستراتيجية إلى احتلال لتلك المنشآت، قادر على تحرير تلك الأماكن بقدراته الذاتية، فالجيش لا يعرف سوى الجبهات المفتوحة، ولا يحسن حرب المدن مثل المليشيات، لكن الجيش السوداني الذي استوعب صدمة التغيير المفاجئ في وضع الدعم السريع (من قوة حماية إلى قوة احتلال) بدأ في تنظيم صفوفه، وتدريب رجاله على حرب المدن والشوارع، وتحديث أسلحته بما يناسب هذه المعركة، كما أنه يحظى بحاضنة شعبية واسعة، وقوات شعبية متطوعة تجيد التعامل مع المليشيات، حرص حميدتي سواء في كلمته المصورة أو بيانه المكتوب على التأكيد على أن المعركة بالأساس مع الحركة الإسلامية في السودان؛ التي حرص أيضا على تأطيرها باسم "الإخوان المسلمين" في محاولة منه لكسب تعاطف دولي، خاصة من العواصم المناهضة للإخوان أو للإسلاميين بشكل عام، وعلى رأسها القاهرة بطبيعة الحال ناهيك عن أبو ظبي والرياض والأهم واشنطن وحتى تل أبيب، وكأن حميدتي أراد السخرية من السيسي الذي يحارب الإخوان في مصر بينما يساعدهم في السودانوتتمتع بصلابة وروح معنوية عالية، وبسبب كل ذلك نجح الجيش في تحرير العديد من المواقع، وفتح الجسور المغلقة في الخرطوم، وأخيرا تحرير جبل مويا الاستراتيجي الذي يفتح الباب لتحرير كلا من ولايتي سنار والجزيرة، وهذا ما سبب صدمة لحميدتي دفعته للهذيان بأن الجيش المصري هو من فعل ذلك، وأنه سكت طويلا من قبل على تدخل الجيش المصري لكنه لا يستطيع السكوت أكثر من ذلك، مدعيا أسر عدد من العسكريين المصريين في المعارك الأخيرة.
ليس خافيا أن الجيش المصري تعاون مع الجيش السوداني منذ الانقلاب على القوى المدنية في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وهو الانقلاب الذي شارك فيه حميدتي أيضا، لكن الجيش المصري ظل وفيا لعلاقته مع الجيش السوداني بعد تمرد الدعم السريع، خاصة أنه مطمئن لقادة الجيش على عكس الادعاءات التي روجها حميدتي عنهم منذ انقلابه وكررها في خطابه الأخير بأنهم تابعون للحركة الإسلامية.
ولم يكن خافيا وجود قوات مصرية في مطار مروي عند وقوع تمرد حميدتي، وقد أسرت مليشياته بعض العسكريين المصريين، وهو ما أشار إليه حميدتي أيضا في كلمته الأخيرة، وقد تم الإفراج عنهم بوساطة إماراتية تضمنت أيضا التزام مصر بموقف حيادي تجاه الحرب السودانية، وهو ما نفذته القاهرة لفترة طويلة، بل إنها قدمت نفسها وسيطا، واستضافت الفرقاء السياسيين السودانيين في تموز/ يوليو الماضي في مفاوضات لم تصل إلى شيء. لكن تغيرات جيواستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، وفي أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، دفعت القاهرة لدعم الجيش السوداني ضمن محور سياسي وأمني جديد لحصار إثيوبيا التي تدعم بدورها مليشيات حميدتي، كما أن رئيس حكومتها آبي أحمد استقبل حميدتي، وجدد تعهده بدعمه.
ليس خافيا أيضا مشاركة متطوعين من التيار الإسلامي في السودان إلى جانب الجيش، وليس خافيا أن الحركة الإسلامية وغيرها من القوى الإسلامية وضعت كل ثقلها خلف الجيش دفاعا عن سودان موحد، وفي مواجهة مؤامرة أرادت تفتيته، وتسليمه لحفنة من المتمردين المغامرين، الذين هم مجرد أدوات بيد دولة الإمارات، التي تركز كل مؤامراتها على تصفية التيار الإسلامي في السودان كما في غيره من الدول، وبالتالي لم يكن منطقيا أن ينتظر الإسلاميون ذبحهم على يد تلك المليشيات ومن وراءها.
تغيرات جيواستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي، وفي أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، دفعت القاهرة لدعم الجيش السوداني ضمن محور سياسي وأمني جديد لحصار إثيوبيا التي تدعم بدورها مليشيات حميدتي، كما أن رئيس حكومتها آبي أحمد استقبل حميدتي، وجدد تعهده بدعمه
يختلف موقف الإسلاميين في السودان عن نظرائهم في مصر تجاه الجيش في كلا البلدين، فعلى عكس الموقف الرافض للحكم العسكري في مصر، فإن غالبية الإسلاميين السودانيين لم يكن لديهم مشكلة مع الجيش الذي تربى العديد من رجاله في المحاضن الإسلامية، ورغم أن قيادة الجيش هي التي انقلبت على الرئيس البشير، وعلى الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) الذي هو الجناح السياسي للحركة الإسلامية، إلا أن ما قامت به القوى العلمانية السودانية حين شكلت الحكومة التالية للانقلاب؛ من استئصال للإسلاميين من كل المواقع، ومصادرة ممتلكاتهم، وحبس رموزهم، ومطاردة الباقين منهم، وفرض حظر سياسي عليهم، دفع تلك القوى الإسلامية وخاصة حزب المؤتمر الوطني، أو من يطلق عليهم في السودان "الكيزان"، إلى التحرك دفاعا عن أنفسهم، في مواجهة حرب إبادة استهدفتهم، وحين وقع تمرد مليشيات حميدتي، وتصاعدت عمليات السلب والنهب والاغتصاب للمدنيين العزل، ولم يكن الجيش السوداني قادرا في البداية على المواجهة ودعا الشعب السوداني للتطوع لمواجهة المتمردين، سارع العديد من أبناء التيار الإسلامي للحاق بركب المتطوعين، بل شكلوا كتائب قتالية مثل كتيبة البراء بن مالك؛ أبلت بلاء حسنا في مواجهة المليشيات حتى الآن.
استغل حميدتي وجود هؤلاء المتطوعين الإسلاميين لتسويق فكرة سيطرة الإسلاميين على الجيش، وأنهم هم من أشعلوا الحرب، رغم أن العالم كله يعرف أن مليشيات حميدتي هي التي بدأتها، في محاولة فاشلة للانقلاب على حكومة البرهان. ويتصور حميدتي أنه بهذه السردية سينجح في عزل الجيش السوداني إقليميا ودوليا، لكن حيلته لم تنطل على الكثيرين، وإن اتسقت مع رعاته في أبو ظبي الذين راهنوا عليه، وعلى بعض القوى السياسية الموالية لهم في السودان، ليفرضوا وصايتهم على السودان ضمن خطة أوسع لتوسيع النفوذ الإماراتي في أفريقيا.
يتصرف حميدتي في الوقت الحالي مثل الثور الهائج، فهو يشعر بضعف موقفه الميداني، وربما يشعر بخذلان بعض رعاته الذين راهنوا عليه، وربما اكتشفوا أن رهانهم في غير محله. وقد دفع انتقاده العلني للجيش المصري لتغيير رسمي في الموقف المصري تجاهه، حيث وصفه بيان وزارة الخارجية لأول مرة بقائد مليشيا، ما يعني انحيازها علنا للجيش السوداني انطلاقا من حسابات الأمن القومي المصري، والدور الجديد للقاهرة في أفريقيا.
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدعم السريع حميدتي المصري السوداني الإخوان الإمارات الإسلاميين البرهان مصر السودان الإخوان الإمارات الإسلاميين مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش السودانی الدعم السریع الجیش المصری فی السودان لم یکن فی مصر
إقرأ أيضاً:
هل تعكس عقوبات بايدن على حميدتي فشلا أميركيا أم شعورا بالذنب؟
واشنطن – قبل أسبوعين من موعد مغادرتها البيت الأبيض، فاجأت إدارة الرئيس جو بايدن العالم بإعلانها أن قوات الدعم السريع ترتكب إبادة جماعية في السودان، وفرضت عقوبات على زعيمها محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي".
لم يتفق خبراء الشأن السوداني في العاصمة الأميركية على مغزى واحد لتوقيت وهدف هذا الإعلان المتأخر من إدارة بايدن. بيد أن كاميرون هادسون، المسؤول السابق في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وخبير الشؤون الأفريقية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية "سي إس آي إس" (CSIS)، رأى أن الخطوة "انعكاس للشعور بضمير مذنب" تجاه السودان والسودانيين.
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في بيان له إن "قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها قتلت بشكل منهجي رجالا وفتيانا -وحتى الرضع- على أساس عرقي، واستهدفت عمدا النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة بالاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي الوحشي".
وأضاف بلينكن أن "هذه المليشيات نفسها استهدفت المدنيين، وقتلت الأبرياء الفارين من الصراع، ومنعت المدنيين المتبقين من الوصول إلى الإمدادات المنقذة للحياة"، وخلص إلى أن "أعضاء قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها قد ارتكبوا إبادة جماعية في السودان".
إعلانوسيؤدي إعلان تصنيف الإبادة الجماعية وفرض العقوبات على قوات الدعم السريع إلى تشويه صورة حميدتي الدولية، التي تضررت بالفعل بسبب تكرار التقارير الدولية المستقلة التي تفيد بانخراط مليشياته في موجة من عمليات الاغتصاب الجماعي والنهب والتطهير العرقي والاختطاف والاستعباد وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويرأس حميدتي إمبراطورية عائلية مترامية الأطراف تُقدر ثروتها بمليارات الدولارات وتنشط في تجارة الذهب والأسلحة والعقارات والشركات القابضة التي تدعم قوات الدعم السريع. ولا تزال هذه الإمبراطورية العائلية تسيطر على مناجم الذهب السودانية التي كانت تعمل سابقا بالشراكة مع مجموعة "فاغنر" قبل أن تستولي عليها الحكومة الروسية بالكامل.
واتهمت الولايات المتحدة روسيا أمس الأول الاثنين بتأجيج الصراع في السودان بدعمها للطرفين المتحاربين.
وأدى اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم. وقدر المسؤولون الأميركيون في نهاية العام الماضي أن حوالي 150 ألف شخص قُتلوا في السودان.
"ضمير مذنب"وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار ديفيد شن مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون أفريقيا إلى أن إدارة بايدن تطهر الساحة قبل أن تتولى إدارة ترامب السلطة يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري، فبالإضافة إلى زعيم قوات الدعم السريع، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على سبع شركات مقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، وفرد واحد مرتبط بقوات الدعم السريع لتقويض التحول الديمقراطي في السودان.
ووفق شن، كانت هذه العقوبات قيد المناقشة منذ أشهر في إدارة بايدن. ويبعث القرار بشأنها رسالة مفادها أن "الإدارة سئمت من قوات الدعم السريع، وأنها مستعدة حتى لمعاقبة شركات حليفة وثيقة الصلة".
وعبر الخبير الأميركي للجزيرة نت عن شكوكه "في أن إدارة دونالد ترامب ستعطي السودان أولوية قصوى. وبالتالي، قد لا تكون هناك قرارات بشأن هذا البلد في الأشهر الأولى للإدارة الجديدة".
قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي متهمة بارتكاب فظائع وجرائم ضد الإنسانية (مواقع التواصل) التوقيتمن جهته، عبّر كاميرون هدسون عن اندهاشه من توقيت هذا الإعلان "الذي جاء متأخرا جدا". وغرّد على منصة "إكس" متسائلا "هل جاء هذه التحرك متأخرا وبعد فوات الأوان؟ الجواب نعم ولا".
إعلانيقول هدسون "نعم بالنسبة لإدارة بايدن، لقد فات الأوان لإصلاح سياسته الفاشلة تجاه السودان، وقد فات الأوان للوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ". وبرأيه "هذه الإدارة كانت لديها كل الأدلة التي تحتاجها لإصدار هذا الإعلان منذ أشهر عندما كان من الممكن أن يكون لها تأثير على هذه الحرب واختارت عدم الإدلاء به".
ومع بقاء أقل من أسبوعين في السلطة، يقول هدسون "هذا ليس أكثر من انعكاس لضمير مذنب. ومع ذلك، لم يفت الأوان بعدُ لكي يكون هذا الإعلان مؤثرا داخل السودان. بينما تحاول قوات الدعم السريع وحميدتي إعادة تقديم أنفسهم كلاعبين سياسيين شرعيين في السودان ما بعد الحرب، تجعل هذه القرارات الأمر أكثر صعوبة".
"متأخر لكن إيجابي"يرى هادسون أن "الأمل الوحيد هو أن يحذو الاتحاد الأوروبي والمحكمة الجنائية الدولية حذو واشنطن، وأن يوسّعوا هذه القرارات بحيث لا يكون مجرد إجراء أميركي".
وتساءل "لماذا لا تُعاقب قوات الدعم السريع بأكملها وليس حميدتي فقط؟ حميدتي مهم، لكن قوات الدعم السريع بحاجة إلى حظرها بطريقة تمنعها من المزيد من التجنيد أو توسيع إمبراطوريتها التجارية أو أن تتلقى المزيد من الدعم من الجهات الفاعلة الخارجية".
وفي النهاية اعتبر الخبير الأميركي أن "العنصر الأكثر إثارة للقلق هو التصريح غير المبرر بأن الولايات المتحدة لا تدعم القوات المسلحة السودانية ولا ترى أي طرف يتمتع بأية شرعية".
وقال "قد يكون هذا صحيحا، لكن هذه النبرة الأخلاقية لا تساعد في دفع حل لهذا الصراع. إنه يبعد واشنطن عن اللاعبين الذين يشنون الحرب، مما يجعلها أقل فعالية لإيجاد حل أو التأثير في مستقبل السودان. ويبدو أن هذا يعكس نهج هذه الإدارة تجاه السودان: اتخاذ موقف أخلاقي في كل منعطف، ولكن ليس لديها ما يكفي من الحس الإستراتيجي أو العملي لتغيير الوضع على الأرض فعليا".
إعلانمن جانبه، غرد المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو على منصة إكس محتفيا بالخطوة الأميركية. وطالب العالم بوقف "الفظائع" في السودان وبمحاسبة المسؤولين عنها، والضغط من أجل إنهاء هذا الصراع ومساعدة الشعب السوداني على الانتقال للحكم الديمقراطي المدني.