الصراع في السودان وخيوط التدخل الخارجي
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
لقد أشعل اكتشاف القوات المسلحة السودانية مؤخرا لأسلحة وإمدادات طبية إماراتية في جبل مويا، الذي كان تحت سيطرة قوات الدعم السريع سابقا، فتيل التوترات والمناقشات المتجددة حول تورط الإمارات في الصراع الدائر في السودان. وبينما يعاني السودان صراعا داخليا، تكثفت الاتهامات بالتدخل الخارجي من قبل بعض الدول الإقليمية.
بادئ ذي بدء، تصاعد الصراع بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منذ نيسان أبريل 2023، وبعد أن حفزه صراع على السلطة في البداية، أصبح الصراع الآن ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة على النفوذ. لقد اتُهمت الإمارات، التي تربطها علاقات تاريخية بحميدتي، مرارا وتكرارا بتوفير الأسلحة والذخيرة والدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع، مما أدى إلى تأجيج الحرب الأهلية التي دمرت البلاد.
إن تورط الإمارات ليس جديدا، تعود التقارير عن دعم الإمارات لحميدتي إلى عدة سنوات سابقة، حيث تم نشر قوات حميدتي للقتال في اليمن تحت قيادة التحالف الذي تقوده السعودية، وغالبا بدعم لوجستي ومالي من الإمارات. ويضيف اكتشاف الأسلحة في جبل مويا إلى الأدلة المتزايدة على أن الإمارات تقدم أكثر من مجرد مساعدات إنسانية للسودان، ويشمل ذلك معدات عسكرية متقدمة وإمدادات طبية، يحتل السودان موقعا استراتيجيا رئيسيا في منطقة القرن الأفريقي وعلى طول البحر الأحمر، وهو طريق تجاري بحري بالغ الأهمية. ومع خطط التنمية الطموحة للمملكة العربية السعودية، مثل مشروع نيوم على البحر الأحمر، تخشى الإمارات أن تفقد موانئها، مثل جبل علي، أهميتها إذا هيمنت المملكة العربية السعودية على التجارة البحرية في المنطقةوهي عناصر تعزز بشكل مباشر قدرة قوات الدعم السريع على مواصلة القتال. وقد نفت الإمارات هذه الادعاءات بشدة، مؤكدة أن انخراطها إنساني بحت. ومع ذلك، فإن وجود أسلحة إماراتية الصنع تم العثور عليها في مناطق الصراع جعل من الصعب بشكل متزايد إثبات هذا النفي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تخاطر الإمارات بسمعتها الدولية من خلال دعم مجموعة شبه عسكرية في الحرب الأهلية الدامية في السودان؟ تكمن الإجابة في طموحاتها الإقليمية الأوسع. يحتل السودان موقعا استراتيجيا رئيسيا في منطقة القرن الأفريقي وعلى طول البحر الأحمر، وهو طريق تجاري بحري بالغ الأهمية. ومع خطط التنمية الطموحة للمملكة العربية السعودية، مثل مشروع نيوم على البحر الأحمر، تخشى الإمارات أن تفقد موانئها، مثل جبل علي، أهميتها إذا هيمنت المملكة العربية السعودية على التجارة البحرية في المنطقة.
من خلال دعم قوات الدعم السريع، قد تسعى الإمارات إلى تأمين السيطرة على أجزاء من الساحل الشرقي للسودان، وخاصة بالقرب من بورتسودان، مما يمنحها موطئ قدم حاسم في البحر الأحمر. يمكن أن يعمل هذا كثقل موازن للنفوذ السعودي ويضمن بقاء الإمارات لاعبا مهيمنا في الشؤون التجارية والعسكرية في المنطقة. وعلاوة على ذلك، تعكس تحركات الإمارات في السودان استراتيجيتها الأوسع نطاقا لتأمين النفوذ على الموانئ الرئيسية وطرق التجارة في المنطقة، كما يتضح من تورطها في جيبوتي وإريتريا وحتى قناة السويس في مصر.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب الثروة المعدنية الهائلة في السودان، وخاصة الذهب، دورا حاسما في هذه المعادلة. إن سيطرة حميدتي على مناجم الذهب في دارفور، حيث تنقل كميات كبيرة من الثروة عبر الإمارات، تعزز علاقاته مع أبو ظبي. هذه المصالح الاقتصادية، إلى جانب الاعتبارات العسكرية والجيوسياسية، تخلق مزيجا قويا يجعل السودان ساحة معركة رئيسية للسياسة الخارجية الإماراتية.
لم تلتزم الحكومة السودانية الصمت في مواجهة هذه التدخلات، احتج المسؤولون السودانيون على التدخلات العسكرية الإماراتية، ونقلوا مخاوفهم إلى المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة. في اجتماعات مجلس الأمن الأخيرة، انتقد سفير السودان علنا تصرفات الإمارات، داعيا إلى وقف الدعم العسكري لقوات الدعم السريع. ولقد وجدت هذه الدعوات آذانا صاغية، وخاصة بين الدول الغربية مثل المملكة المتحدة، التي أعرب دبلوماسيوها عن مخاوفهم إزاء ازدواجية الإمارات المزعومة (تقديم المساعدات الإنسانية على السطح بينما توريد الأسلحة في الظل).
لقد كان لهذا التدخل الأجنبي عواقب كارثية على السودان، فقد أدى الصراع المستمر إلى نزوح الملايين وخلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ومع قيام القوى الأجنبية بتزويد كلا الجانبين بالأسلحة، لا تظهر الحرب أي علامات على التراجع. ووفقا لمنظمة العفو الدولية، فإن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مذنبة بارتكاب جرائم حرب، باستخدام أسلحة مستوردة لارتكاب الفظائع. وقد ثبت أن حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، والذي يقتصر حاليا على دارفور، غير كافٍ للحد من تدفق الأسلحة، مما دفع إلى تجدد الدعوات لتوسيع الحظر ليشمل جميع أنحاء السودان. لهذا التدخل الأجنبي عواقب كارثية على السودان، فقد أدى الصراع المستمر إلى نزوح الملايين وخلق واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ومع قيام القوى الأجنبية بتزويد كلا الجانبين بالأسلحة، لا تظهر الحرب أي علامات على التراجع وفي غياب العمل الدولي، يهدد التدفق المستمر للأسلحة بإغراق السودان في حالة من الفوضى بشكل أعمق، مع تأثير التداعيات الإقليمية على الدول المجاورة مثل إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان.
السودان ليس الدولة الأفريقية الوحيدة التي سعت الإمارات إلى توسيع نفوذها فيها. ففي جميع أنحاء القارة، اتبعت الإمارات استراتيجية المشاركة الاقتصادية المتشابكة مع التدخلات العسكرية. من ليبيا، حيث دعمت الجنرال خليفة حفتر، إلى الصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث سعت إلى ممارسة النفوذ على الجهات السياسية والعسكرية الرئيسية، فإن بصمة الإمارات في أفريقيا آخذة في النمو.
إن الركيزة الأساسية لهذه الاستراتيجية هي الاستثمارات الاقتصادية لدولة الإمارات في الموانئ والبنية الأساسية التجارية، فمن خلال شركات مثل موانئ دبي العالمية، وضعت الإمارات نفسها كلاعب رئيسي في شبكة الخدمات اللوجستية العالمية، مع استثمارات كبيرة في الموانئ في جميع أنحاء أفريقيا. في السودان، يبدو أن هذه الاستراتيجية تلعب دورا عسكريا، حيث تسعى الإمارات إلى تأمين مصالحها من خلال الوسائل الاقتصادية والعسكرية.
ومع ذلك، فإن هذه السياسة الخارجية العدوانية تخاطر بنتائج عكسية. ومع تزايد وعي المجتمع الدولي بتورط الإمارات في صراعات مثل السودان، فقد تجد البلاد نفسها معزولة دبلوماسيا. بالفعل، هناك علامات على التوتر في علاقاتها مع حلفائها التقليديين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكلاهما أعرب عن قلقه بشأن تصرفات الإمارات في السودان. وإذا استمرت الإمارات على هذا المسار، فقد تواجه أكثر من مجرد رد فعل دبلوماسي عنيف، فقد تنهار طموحاتها في أفريقيا تحت وطأة العقوبات الدولية وعدم الاستقرار الإقليمي.
ختاما، إن الصراع في السودان هو نموذج مصغر للصراع الجيوسياسي الأكبر الذي يدور في الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد أدى تورط الإمارات، بدافع من مزيج من الطموحات الاقتصادية والمصالح الاستراتيجية، إلى تعقيد الوضع المزري بالفعل. وطالما استمرت الجهات الفاعلة الأجنبية في ضخ الأسلحة إلى السودان، فسيظل السلام بعيد المنال. ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك بسرعة لمعالجة هذه القضية، ليس فقط من خلال توسيع حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، بل وأيضا من خلال محاسبة المسؤولين عن تأجيج الصراع. وعندئذ فقط يمكن للسودان أن يأمل في رؤية نهاية للعنف وبدء الطريق الطويل نحو التعافي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودانية الإمارات الصراع البرهان حميدتي الأسلحة السودان أسلحة الإمارات صراع حميدتي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع العربیة السعودیة البحر الأحمر الإمارات فی فی السودان من خلال
إقرأ أيضاً:
الجيش يهاجم الدعم السريع بعدة جبهات ويسعى للسيطرة على مركز الخرطوم
يواصل الجيش السوداني معاركه مع قوات الدعم السريع في عدة جبهات متفرقة حيث يسعى للسيطرة على مركز العاصمة الخرطوم، كما كثف هجماته الجوية على معاقل الدعم في الفاشر ويسعى للسيطرة على طرق رئيسية بولاية شمال كردفان، بعد أن حقق تقدما بولاية النيل الأبيض حيث توفي 100 شخص هناك بسبب وباء الكوليرا.
وتستمر المعارك بوتيرة متصاعدة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ يسعى الجيش عبر محور وسط الخرطوم إلى السيطرة على مركز العاصمة، بما في ذلك القصر الرئاسي، ومرافق حكومية سيادية.
وفي ولاية شمال كردفان تدور مواجهات بين الجانبين ويسعى الجيش من خلالها للسيطرة على طرق رئيسية.
وجنوبا، تتواصل المعارك أيضا بولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق حيث أعلن الجيش سيطرته على مدن وبلدات تقع على الشريط الحدودي بين السودان وجنوب السودان.
وفي ولاية شمال دارفور، استهدفت قوات الدعم السريع بالمسيّرات مواقع بمدينة المالحة شمالي الولاية اليوم الأحد.
وفيما يتعلق بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، قال الإعلام العسكري في بيان له "إن الطيران الحربي للجيش السوداني نفذ غارات جوية دقيقة، مستهدفا تجمعات العدو ـفي إشارة لقوات الدعم السريعـ بالمحور الشمالي الغربي مساء أمس مما كبّدهم خسائر كبيرة في العتاد والأرواح".
إعلانوأضاف البيان أن مدينة الفاشر تشهد حالة من الاستقرار الأمني وأن القوات المسلحة تواصل تقدمها بثبات في جميع المحاور، وسط انهيار واضح في صفوف العدو وأن المعركة مستمرة حتى تحقيق النصر الكامل واستعادة أمن واستقرار البلاد وفقا للبيان".
وفي وقت سابق، قالت وكالة الأنباء السودانية "سونا" إن مدرعات الفرقة السادسة مشاة بالفاشر "نفذت عملية عسكرية محكمة في المحور الشمالي الشرقي للمدينة، أسفرت عن تدمير عربة جرار محملة بالأسلحة والذخائر تابعة لمليشيا آل دقلو المتمردة، إضافة إلى تدمير 3 عربات لاندكروزر كانت تتولى حراستها، دون نجاة أي من العناصر التي كانت على متنها".
كما نقلت عن الفرقة السادسة مشاة قولها إن "الضربات المدفعية الثقيلة مستمرة بمعدل 4 حصص يوميا، بالتزامن مع حملات التمشيط والرمايات الدقيقة، مما أجبر عناصر المليشيا على الانسحاب الواسع من المدينة، بينما فر بعضهم سيرا على الأقدام نحو المناطق النائية".
وخلال هجمات قوات الدعم السريع في الولاية في 16 فبراير/شباط الماضي، أصابت قوات الدعم السريع محطة توليد الطاقة في ربك، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع وتعطيل محطات المياه.
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود وفاة نحو من 100 شخص بسبب وباء الكوليرا في غضون أسبوعين منذ بدء تفشي الوباء المنقول بالمياه في ولاية النيل الأبيض.
وقالت المنظمة، الخميس الماضي، إن 2700 شخص أصيبوا بالمرض منذ 20 فبراير/شباط، كما لقي 92 آخرون حتفهم.
وقالت المنظمة إن أهالي المنطقة اضطروا إلى الاعتماد بشكل أساسي على المياه التي يتم الحصول عليها من عربات تجرها الحمير، لأن مضخات المياه لم تعد تعمل.
وقالت مارتا كازورلا، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في السودان "إن الهجمات على البنية التحتية الحيوية لها آثار ضارة طويلة الأمد على صحة المجتمعات الضعيفة".
إعلانوبلغ تفشي الكوليرا في الولاية ذروته بين 20 و24 فبراير/شباط الماضي، عندما هرع المرضى وأسرهم إلى مستشفى كوستي التعليمي، مما أدى إلى إرهاق المنشأة بما يتجاوز قدرتها.
ووفقا لمنظمة أطباء بلا حدود، كان معظم المرضى يعانون من الجفاف الشديد، وقدمت المنظمة 25 طنا من المواد اللوجستية مثل الأَسِرة والخيام إلى كوستي للمساعدة في استيعاب المزيد من مرضى الكوليرا.
كما استجابت وزارة الصحة بولاية النيل الأبيض لتفشي المرض من خلال توفير إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة للمجتمع وحظر استخدام عربات الحمير لنقل المياه. كما أدار مسؤولو الصحة حملة تطعيم عندما بدأ تفشي المرض.
وقالت وزارة الصحة السودانية يوم الثلاثاء الماضي إن هناك 57 ألفا و135 حالة إصابة بالكوليرا، بما في ذلك 1506 حالات وفاة، في 12 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان.
وأعلنت وزارة الصحة رسميا تفشي الكوليرا في 12 أغسطس/آب من العام الماضي بعد الإبلاغ عن موجة جديدة من الحالات بدءًا من 22 يوليو/تموز من العام نفسه.
وانزلق السودان إلى الحرب منذ ما يقرب من عامين عندما تصاعدت التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وقتلت الحرب في السودان ما لا يقل عن 20 ألف شخص، كما دفعت الحرب أكثر من 14 مليون شخص إلى النزوح من منازلهم، ودفعت أجزاء من البلاد إلى المجاعة، وتسببت في تفشي الأمراض.