ظاهرة استخدام المليشيات القبلية في السودان !
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
مناظير الأحد 13 اكتوبر، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* تعود ظاهرة استخدام المليشيات القبلية في (التاريخ السوداني الحديث) لاداء مهام عسكرية لاسماعيل كامل باشا ابن خديوى مصر محمد على باشا وقائد جيشه لفتح السودان فى عام 1821م!
* كانت القبيلة الوحيدة التى تصدت لمقاومة الجيش الفاتح في بداية دخوله الى البلاد قبيلة (الشايقية)، بينما فضلت بقية القبائل النأى عن المقاومة، مما ادى لاعجاب اسماعيل باشا بشجاعة وقوة ومهارة فرسان (الشايقية) فاستوعبهم فى جيشه، ثم صاروا رأس الرمح فى معاركه، وإليهم يرجع الفضل في حماية الاترك عندما ثار عليهم الجعليون وحلفاؤهم واحرقوا اسماعيل وقادته أثناء نومهم بسبب سياساتهم التعسفية، وظل الشايقية على ولائهم للاتراك طيلة وجودهم فى السودان، وصارت لهم اليد الطولى فى جباية الضرائب وتصريف الامور الادارية البسيطة، بالاضافة الى المهام العسكرية التى كانوا يقومون بها كفيلق مستقل فى الجيش التركى، اشتهر بالقسوة والغلظة الشديدة خاصة فى حروب الرق بجنوب السودان وإرسال الأسرى إلى مصر لاستخدامهم كجند فى الجيش المصرى او بيعهم كرقيق.
* وشكلت قبائل (البقارة) القوة الضاربة فى جيش الامام (محمد احمد المهدى) ضد الحكم التركي المصري في الفترة بين 1881 – 1885 والذي تكون من ثلاثة عناصر: اولا، الريفيون البسطاء الذى استجابوا لدعوته الدينية وكان جلهم ينتمى الى الحركات الصوفية، وانتمى المهدى نفسه للطائفة الصوفية السمانية قبل ان يتخلى عنها ويعتنق الفكر الاسلامى الأزهرى الذى أدخله الاتراك والمصريون الى السودان، وانبثق منه الفكر السلفى فيما بعد، ثانيا، تجار الرقيق الذين حاربهم خديوى مصر اسماعيل باشا (ليس إسماعيل باشا إبن محمد على باشا) أثناء فترة حكمه فى ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر وحدَّ كثيرا من نشاطهم التجارى، وثالثا، (البقارة) الذين ارهقتهم الضرائب الباهظة للحكم التركى، وكانوا مقاتلين شرسين يجيدون لعبة الحرب لحماية ابقارهم ونهب أبقارغيرهم، فانضموا للمهدى وشكلوا رأس الرمح فى (جيش الانصار) الذى حارب الوجود الأجنبى، ولكن تغير الامر بعد وفاة (المهدى) حيث استخدمهم الخليفة عبدالله التعايشى (1885 - 1898 ) لقمع خصومه وإخضاع القبائل الأخرى لسلطته.
* كانت تلك بداية استخدام المليشيات القبلية فى المعارك الحربية في التاريخ السوداني الحديث، وكانت السابقة الأولى بعد استقلال السودان (عام 1956 ) تسليح نظام الفريق (ابراهيم عبود) الذي انقلب على الحكم الديمقراطي في عام 1958 لسلاطين قبيلة (النوير) في مراكز الناصر وأكولو وفنجاك بانتيو، وقبيلة المورلي في البيبور وقبيلة (الدينكا) في مركز بور وقبيلة (الشلك) في مركز كدوك، للدفاع عن انفسهم وماشيتهم ضد المتمردين الجنوبيين، ولكنها كانت تجربة محدودة.
* بين عامى 1986 و1986استخدم الصادق المهدى رئيس الوزراء في الفترة الديمقراطية الثالثة، ومن بعده نظام الانقاذ (حكم الجبهة الاسلامية القومية) الذي استولى على الحكم بانقلاب عسكري في يونيو 1989 قوات المراحيل (قببيلة المسيرية وبعض القبائل الأخرى) للقتال بجانب الجيش الحكومى ضد جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق!
* كما استخدم نظام الانقاذ بين عامى 2003 و 2004 والأعوام التى تلتهما عناصر من قبائل (المحاميد، الرزيقات ..إلخ) فى دارفور بقيادة (موسى هلال) عُرفت باسم (الجنجويد) ولاحقا (حرس الحدود)، للقتال ضد الحركات الدارفورية المسلحة التى تكونت من قبائل (الزغاوة والفور والمساليت)، ثم انتقلت القيادة ل(حميدتى) وتغير اسم المليشيا التي يقودها ل(قوات الدعم السريع) لقتال المتمردين فى دارفور وجنوب كردفان ومكافحة الهجرة غير الشرعية لاوروبا عبر الحدود السودانية الليبية، وصار لحميدتي الذى منحه الرئيس المخلوع رتبة (اللواء) وأطلق عليه لقب (حمايتي)، كلمة نافذة ابان العهد البائد، وكانت تلك القوات هى التى قمعت مظاهرات سبتمبر (2013 ) الجماهيرية الاحتجاجية بعنف دموى شديد أسفر عن مقتل مئات الشهداء وجرح الالاف، كما شاركت مع الجيش وكتائب الأخوان المسلمين في فض اعتصام القيادة العامة وقتل وجرح آلاف المعتصمين المدنيين العُزَّل في يونيو 2019 ، وهى التي تقاتل الآن (بدايةً من 15 ابريل 2023 ) ضد الجيش ومليشيات الحركة الاسلامية ومليشيات الحركات العسكرية الدارفورية التي يتكون جلها من عناصر قبلية !
* قد تكون المليشيات القبلية وسيلة ناجعة لتنفيذ بعض المهام العسكرية، غير ان مشكلتها الكبيرة تكمن فى الملل بسبب طبيعتها الرعوية التي تتطلب الانتقال من مكان لآخر جريا وراء الكلأ والماء، وانعدام الانضباط العسكري وعدم تقيدها بالنظم والقوانين، فضلا عن طلباتها المستمرة مما يجعلها سلاحا ذا حدين إذا لم تُسمع كلمتها ويُستجاب لطلباتها، وقد تتحول الى شوكة حادة في خاصرة من يستخدمها إذا لم يحقق لها ما تريد، ولقد تمرد قائدها السابق (موسى هلال) على النظام البائد في عام 2015 ، بينما انقلب (حميدتي) على الحكم المدني بالاشتراك مع قائد الجيش في اكتوبر 2021 قبل ان يحترب الاثنان على السلطة والنفوذ في ابريل 2023 !
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
رسالة لمناوى وجبريل ما تسقط الفاشر سقطت برلين
الرأى اليوم
صلاح جلال
(١)
???? تعاني مدينة الفاشر حالة حصار خانق على مدى سبعة أشهر منذ إندلاع حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣م ، في الآونة الأخيرة زادت عزلة المدينة وأصبح شريان الحياة الوحيد للمواطنين والجنود هو الإسقاط الجوى الذى يصيب ويخيب، وتعيش المدينة ظروف أمنية قاسية بين قطبى الرحى [المرحاكة وبنتها] قصف طيران الجيش الذى دمر معظم البنيات الأساسية فى المدينة وأزهق العديد من الأرواح ، والقصف العشوائى لمسيرات ومدفعية الدعم السريع التى نالت من أعداد مقدرة من الأرواح ، فى الحالتين أغلب الضحايا من المدنيين طوال فترة الحصار .
(٢)
????لقد إشتد الحصار الآن و لا يزال سكان هذه المدينة الحيوية والإستراتيجية يعيشون حالة من الخوف والقلق، مع تقييد حركة التنقل والحرمان من الحصول على الخدمات من طعام ودواء وزدات المخاطر على المدنيين فى المدينة ، خاصة بعد تراجع قوات المشتركة إلى داخل معسكر زمزم للنازحين مما يرشحه أرض لمعارك قادمة كلفتها باهظة على المدنيين
لقد هجر المدينة معظم سكانها القادرين على النزوح وتبقى من تقطعت به السبل وحرمهم الفقر المدقع من القدرة على الحركة ينتظرون أقدارهم رافعين أكف الضراعة لله عز وجل ليوقف هذه الحرب اليوم قبل الغد .
(٣)
???? منذ أن قررت القوة المشتركة المكونة من قوات مناوى وجبريل الإنحياز للقوات المسلحة ، أصبحت التعبئة فى داخل الفاشر تقع على عاتق مكون قبلى واحد ومعظم المستنفرين من هذا المكون مع مساهمات محدودة من قبائل أخرى ، لقد إستنزفت معركة الفاشر على مدى السبعة أشهر الماضية طرفى القتال الدعم السريع والمشتركة وتوسعت جغرافية الصراع فى محاولات السيطرة على خطوط الإمداد وقطعها فى مساحات واسعة من شمال دارفور ، وكثف الطيران الحربى قصفه العشوائي على الفاشر ونيالا والكومة وكبكابية ومليط راح الألوف من المدنيين ضحية لذلك
لتعرف حجم الكارثة الإنسانية فى الفاشر لقد عزيت أسرة واحدة خلال شهرين لفقدها خمسة من أفرادها فى معارك متعددة داخل الفاشر وحولها بواقع تعزية كل أسبوعين ، وأعرف عشرات الأسر لديها العشرات من الضحايا محاربين أو مدنيين تم فقدهم خلال السبعة أشهر الماضية .
(٤)
???? السؤال *هل الصراع حول الفاشر يستحق كل هذا النزيف من الدماء والخسائر ؟؟* سواء بإسم القبيلة أو الوطنية ، فى حرب المنتصر فيها خاسر *لماذا نسوق أهلنا للمحرقة فى الفاشر من أجل تحقيق أهداف سياسية؟؟* حتى إذا إنتصرنا هل نريد أن نحكم المقابر !!! أكتب هذا المقال ولدى رصد جيد لحجم الخسائر فى رأس المال البشرى خاصة فى معارك الفاشر وشمال الصحراء.
(٥)
???? *فى بداية الحرب قبل التطورات الأخيرة كتبت للأخ مناوى (ما تسقط الفاشر سقطت برلين* ) التى سيطر عليها الحلفاء بعد حصار طويل من عدة إتجاهات أنهك العسكريين والمدنيين معاً ، عملية الهجوم على برلين أو معركة برلين واحدة من المعارك الأخيرة على الجبهة الأوروبية في الحرب العالمية الثانية، والتي أطلق عليها السوفيت عملية الهجوم الإستراتيجي على برلين، حيث قامت جبهتان
سوفيتيتان بمهاجمة برلين من الشرق والجنوب، بينما قامت جبهة ثالثة باجتياح شمال برلين وإنتهت المعركة إلى إعلان الجنرال الألمانى فايدلنج عن إستسلام المدينة ، لقد فقدت ألمانيا أعداد ضخمة من الضحايا فى حصار برلين. وإنتهت إلى الإستسلام .
(٦)
????ماذا حدث بعد ذلك ، هل حمل الروس تراب برلين ليعودوا به إلى وطنهم؟؟
لقد تحررت برلين واليوم هى من أجمل المدن الألمانية ، لكن ضحاياها والدماء التى سالت من أجلها لم يعودوا للحياة ، لقد وقفت على سارى الجندى المجهول والمسلة فى برلين رفقة الحبيبة د.مريم الصادق المهدى ، المسلة التى خلدت الذكرى ، وهى شاهد على الحروب العبثية بين الشعوب فيما أطلقوا عليه الحرب العالمية الثانية وهى فى الحقيقة الحرب الأوربية الثانية .
(٧)
???? أدعى المعرفة وعلاقة ما بالأخوين د.جبريل ومناوى جمعتنا رفقه نضالية فى [مجموعة نداء السودان] رسالتى لهم *ما يجرى فى الفاشر نزيف دم يجب أن يتوقف فورا* فهو غير مُجدى وطنياً وقبلياً ، لقد أنهكتم الأهل وتحملوا فوق طاقتهم بتعبئة جائرة بإسم القبيلة والقومية ودفعوا ثمناً غالياً، لا ننكر عليهم أنهم فرسان قتال ولكن يجب توفيرهم لمعركة أعظم وأهم من هذه الحرب العبثية التى تفجرت فى الخرطوم بسبب طمع السلطة والثروة ، وبعد حمى وطيسها أراد لها من فجروها أن تلبس لبوس القبلية والمناطقية حتى تصبح حرب بالوكالة ، نيابة عن قيادة المركز الذى حاربتموها سنين عددا
لايوجد منطق لإستمرار الكلفة الباهظة لنزاع الفاشر ، *إذا تعذر وقف الحرب فى الخرطوم لماذا لا نوقفها فى الفاشر ؟؟ حيث الأهل هناك لا ناقة ولا جمل لهم فيها* !! ينتظرون إنتهاء الحرب ليعودوا لحياتهم الطبيعية التى فقدوها خاصةً أصحاب التجارة ورأس المال منهم ، الذين يريدون إقليم بلا حرب لتزدهر تجارتهم ويزيد رأسمالهم ، والحرب وما تخلفه من غبائن تحرم رأس المال من التوسع والأسواق التى لا تعرف القبلية والمناطقية .
(٨)
????????ختامة
رسالتى المتأخرة فى الساعة الخامسة والعشرين للأخوين جبريل ومناوى ومن معهم من المستنفرين فى الفاشر وقيادة الدعم السريع ممثلة فى الفريق حميدتى ، حرب الفاشر يجب أن تقف فوراً ، *كملتوا عيال الناس* ، فى حرب من فجروها أبنائهم فى تركيا والخليج ومصر وأوربا وأمريكا يعيشون فى أمان ويتعلمون فى أرقى الجامعات ينتظرون نهاية الحرب ليعودوا ليحكمومكم وأنتم تحرقون أبنائكم بلظى الحرب وتزيدون من الجهل والفقر والجوع والمرض الذى إستوطن فى تلك الأنحاء سنين عددا ولايحتاج للمزيد
*ماتسقط الفاشر سقطت برلين رغم الفارق ، برلين سقطت للأجنبى والفاشر تسقط فى حرب أهلية مؤسفة من حضن الوطن إلى حضن الوطن* فالنغنى مع الشاعر تميم البرغوثى
الذى عرف وعاش حروب الفصائل العبثية فى أرضه فانشد يقول
*بعض الحروب فى خسرانها شرف*
*من عاد منتصراً من مثلها إنهزم*
#لاللحرب
#لازم_تقيف