سودانايل:
2024-10-13@12:14:13 GMT

ملامح من الحياة في كندا (6)

تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT

وقفنا في الحلقة السابقة حيث تم نشر الموضوع الذي يتعلق بشخص يحمل درجة الدكتوراة ولم يتحصل علي عمل في كندا في القازيتا الرسمية بأتاوا. بعد هذا النشر ، تمت لي معاينة تلفونية مع شركة تبعد من مكان أقامتي حوالي 5 ساعات بالسيارة . أقترحوا علي بعد نهاية المعاينة أن أعمل معهم متطوعاً ( لاكتساب الخبرة الكندية ) في برنامج في الشمال الكندي حيث تصل درجة الحرارة في فصل الشتاء الي أربعين تحت الصفر .

المشروع عبارة عن مصنع تجريبي ، موقعه داخل مصنع مساحته عدة كيلومترات ويتم التحرك داخل المصنع عن طريق السيارات المخصصة لذلك . المشروع التجريبي مدته ثلاثة أشهر وممول من شركات بترول عدة ومن بينها شيفرون لفصل الماء من البترول المستخرج من باطن الأرض بطريقة كيميائية حديثة . قبلت الأقتراح وسافرت الي الشمال الذي وصلته شهر سبتمبر وأكتسبت الخبرة المجانية والتجربة الفريدة ، وبعدها عدت في نوفمبر الي مدينتي أتاوا. ومن المفارقات في هذا العام حضرتُ فصلين من الشتاء، الأول بالشمال الكندي والثاني بالعاصمة الكندية.
صادف ميقات نشر الموضوع بالصحيفة الرسمية أنهيار منظومة الأتحاد السوفيتي التي أعقبها أتفاق عسكري بين دول الناتو وجمهورية روسيا الذي علي أساسه يتم التخلص من الترسانة النووية للأتحاد السوفيتي التي تقع في دولة أوكرانيا . التزمت كندا التي هي عضو بالناتو بمعالجة المخلفات النووية من الصواريخ بعد نزع رؤوسها النووية ، وعلي ما أعتقد نزع الرؤوس كان من نصيب فرنسا . هذه المعالجات تشمل فحص التربة ومعالجتها كيميائياً كما تشمل معالجة الوقود النووي الذي يتسرب من الحافظات . البرنامج تم تمويله من دول الناتو وكان يتطلب دراسة جدوي من وزارة البيئة الكندية وعلي حسب البرنامج تلتزم كندا بتدريب فنيين عسكريين من الجيش الأوكرايني بأتاوا بالمركز التكنلوجي للبيئة لكي يتعرفوا علي آخر التطورات العلمية في معالجة المخلفات البيئية . نصحني الصديق الروسي كنستنتين الذي تم أستقدامه من الأتحاد السوفيتي لهذا المركز قبل عام من حضوري للتقديم لوظيفة باحث بهذا المركز . تمت لي المعاينة ومن ثم القبول كباحث للمشاركة مع الفريق الكندي / الأوكرايني لفحص عينات هذه التربة الملوثة وكذلك الوقود الناتج من التسريب . كندا تمتلك الخبرة في أزالة وهدم المنشآت الحربية القديمة ومن ثم أصلاح التربة التي قامت عليها هذه المنشآت إضافة الي أن من ضمن أعباء الوظيفة الجديدة تشمل الترجمة الفورية من الأنجليزي الي الروسي وبالعكس ، في المحاضرات وزيارات مراكز البحوث الكندية والمؤسسات العسكرية الكندية حيث كان جميع أفراد الوفد الأوكرايني يتحدثون اللغة الروسية . لم أكن أحسب أن اللغة الروسية يمكن الأستفادة منها بعد مغادرتي لموسكو وقد تكون مفتاحاً لوظيفة في كندا . وللمفارقة في أهمية اللغات تم في فترة لاحقة إعلان عن وظيفة تتبع لمصلحة الخدمات الأجتماعية بكندا كان من ضمن شروطها معرفة اللغة الأنجليزية والدينكاوية فصارت من نصيب زملينا المرحوم لوممبا . ولأنجاز البرنامج المُتفق عليه بين دولة روسيا والناتو تم أختيار دفعتين من العسكريين الأوكراينين ذو الرتب العالية لزيارة كندا للأستفادة من هذا الكورس التدريبي . كانت فترة علمية ثرة تعرفت فيها علي طبائع الشعب الأوكرايني عن قرب ورافقت الوفود في زيارات علمية الي عدة مراكز و عملت بالمختبرات الكندية وشاركت في كتابة ثلاثة أوراق علمية ومثلت المركز في مؤتمر علمي وأرسلت ُورقة علمية الي مؤتمر بالولايات المتحدة الأمريكية . مارست البحث العلمي مع الكنديين في مؤسسة ذات سمعة علمية عالية ، سمحت لي بأستعادة الثقة في مجال البحث العلمي الذي أنقطعت عنه فترة .
تعييني في هذه الوظيفة لم يكن بشروط خدمة دائمة ، كانت خدمتي بموجب عقد عمل مؤقت الشيئ الذي لم أوليه كبير أهتمام أول الأمر حيث كان الغرض الأساسي الحصول علي الخبرة الكندية . وبوصول حكومة المحافظين الي السلطة بدأوا بتقليص العمالة في دواوين الحكومة وأول ضحايا هذا الأجراء الموظفين غير الدائمين وكنت أحدهم .
بعد أن تم الأستغناء عن خدماتي ومع أكتساب التجربة الكندية كباحث أصبحت أبحث بشدة عن مجال لتطبيق هذه التجربة . لذا وقع بحثي للعمل علي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي تعلمون هي الجهة التي تم التفويض لها بتفتيش الأسلحة النووية في العراق في أعقاب حرب الخليج الثانية بعد الكذبة التي أطلقها الرئيس السابق بوش . أرسلتُ خطاباً يحمل طلبي ومؤهلاتي وجاء الرد بالموافقة الأولي . حينها أصبحت علي بعد خطوة من أن أكسب الجولة وصرت أحلم بمدينة فينا مقر الوكالة ومسارحها وسرحت في التفكير وقلت في سري الحمد لله الذي أسري بعبده ليلاً من الاوبر الي الأوبرا . حلمت بزيارة العواصم الأوربية الخمسة التي لم تطالها يد النازية بالتدمير علي عكس ما يفعله جن جويدنا ومن خرجوا من رحمه حيث قضوا علي البادية والحضر والأخضر واليابس . لم تمضي فترة حتي أستلمت مكتوباً من الوكالة يطالبني بأرسال موافقة من دولة السودان علي الترشيح بحكم أني أحمل الجنسية والجواز السوداني وأن هذه الفرصة شاغرة ويحق لحكومة السودان أن تنافس فيها . حينها سُد الباب في وجهي حيث أني من المغضوبين عليهم من حكومة الأنقاذ أذ تم فصلي وتشريدي للصالح العام من الخدمة بناء علي سياسة التمكين لموقفي السياسي . حينها صرفت النظر عن هذه المحاولة و لم أطلب من حكومة السودان دعمي كمرشح وتبددت الأحلام .
بعد هذه المحاولة الفاشلة فكرت جدياً في العودة لفصول الدراسة . في ذلك الوقت كانت دراسة تكنولوجيا المعلومات مرغوبة ولها سوق عمل تجاري رائج . بعد أختبار ، تم أستيعابي لكورس دبلوم مكثف مدته عامان الأ أن الكلية قررت أن تقدمه في فترة عام يتبعها توظيف مؤقت لفترة ثلاثة أشهر في القطاع الخاص علي أن يتم دفع الراتب مناصفة بين الحكومة والقطاع الخاص . الهدف من هذا البرنامج مدفوع الأجر أنه يعطي الطالب فرصة لكي يكتسب خبرة كندية تساعده في الحصول علي وظيفة . كورس الدبلوم كانت تكلفته المالية عالية حيث تمت أستدانة المبلغ بسعر الفائدة العالي من البنك بعد الحصول علي ضامن . الشيئ المدهش في هذه الدولة عادة ما تجد شخصاً يعمل في مجال بخلاف المجال الأول للدراسة . مثلاً أن تجد شخصاً يعمل سباكاً وفي الأصل عمل مدير مبيعات أو سائقاً لشاحنه أو بص وكان قبل ذلك يعمل بتكنلوجيا المعلومات أو محامي أصبح سمساراً للعقارات أو فناناً أصبح طبيباً وهكذا، كل يسعي للعمل في المجال الذي يحقق رغبته . الشهادات الأكاديمية لا تلعب دوراً أساسياً في هذا المجتمع . عند وصولي الي كندا كان وزير التعليم بالولاية شخص أكمل الثانوية العامة . التحقت بالكورس الذي كان معظم الطلاب والطالبات فيه ذو خلفية ومعرفة بلغة الكومبيوتر والطباعة السريعة الا شخصي الضعيف حيث كانت معرفتي بعلم تكنلوجيا المعلومات لا تتعدي الطباعة علي الآلة الكاتبة وبصعوبة ، ناهيك عن التخاطب مع هذا الجهاز بلغة أقرب الي الهوليغرافية وتسمي في علم الحاسوب بالكودنق . عانيت في دراسة هذا العلم الجديد أكثر من التحضير للدكتوراة وأوشكت أن أتخلي عن الكورس ، معظم من كانوا معي في الفصل الدراسي أعمارهم في سن أبنائي . ومن نافلة القول ، التشبيه الأقرب لدراسة هذا الكورس والخوض في هذه المخاطرة كشخص درس القانون ثم أنتقل لدراسة علم الصيدلة أو شخص درسة تجارة أعمال ثم قرر أن يدرس علوم الفضاء . العقبة الوحيدة التي وقفت في طريقي ومنعتني من الأنسحاب من هذا الكورس بكرامتي كانت الأستدانة التي تمت من البنك ودفعت للدراسة وأصبحت معلقة في عنقي . وبعد حلول العام تم أكمال الكورس بحمده تعالي ونلت الشهادة وتدربت في شركة براتب لفترة ثلاثة أشهر ثم أمتد العمل في هذه الشركة لفترة عام تقريباً وللمرة الثانية يتم تخفيض للعمالة .
ذكرت في بداية هذه الحلقات أني من مرتادي المواصلات العامة وصادف في يوم من رجوعي الي المنزل أن جلس في المقعد المجاور لي أخ فلسطيني لا أعرف حتي أسمه تعودت أن أراه في هذا البص . تحادثنا في الرحلة وذكر أنه خلال هذا الأسبوع سيرحل من هذه المدينة الي مدينة أخري حيث وجد فرصة عمل أفضل في مجال الكومبيوتر. ومن غرائب الصدف أن المحطة التي تنتهي فيها رحلته هي نفس المحطة التي تنتهي فيها رحلتي . وعلي الرغم من أن الساعة قد قاربت الخامسة مساءً ، الأ أنه اصر أن أرافقه الي منزله الذي يقع علي الجانب الآخر من الشارع لمشاركته فنجاناً من القهوة . قبلت الدعوة وولجنا المنزل سوياً . كان مستأجراً لمنزل عادي ووجدت بداخل المنزل طفله الذي يبلغ من العمر حوالي الأربعة أعوام وزوجته اليابانية الأصل . رحبت بي وشرح لها ملابسات تعرفنا واني أبحث عن عمل في مجالي . ذكرت أنها قبل فترة رأت في الصحيفة أعلاناً بالتوظيف في الحكومة في مجال تكنلوجيا المعلومات حينما كانت الوظائف تنشر في الصحف وبدأت تبحث عن الصحيفة في كومة الصحف والأوراق المبعثرة ولحسن الحظ وجدتها وناولتني لها . صحيح بها الأعلان الأ أن نهاية تاريخ التقديم لهذه الوظيفة مضي عليه يوم أو يومين . علي الرغم من أنتهاء تاريخ التقديم أرسلت طلبي وتم أخطاري بمواعيد الجلوس لأمتحان في وزارة الخدمة والرعاية الأجتماعية . حضرتُ للاختبار في المواعيد المحددة وعند أستلام ورقة الأمتحان وبعد الأطلاع عليها شعرت بأن أجوبتي ضعيفه ولا تستحق مضيعة الوقت في الأستمرار ، وقبل أن أقرر ترك هذه المنافسة والخروج منها حضر الممتحنين وفحصوا أجاباتي وسألوني بعض الاسئلة . لم تمضي فترة طويلة حتي تم أتصال بي يفيد بأني نجحت في الأمتحان أضافة الي أن ترتيبي كان الأول مع المتنافسين الآخرين . وتم سؤالي علي الهاتف هل ما زلت لي رغبة بقبول العمل في هذا الديوان الحكومي بصورة دائمة أم طرأت ظروف جديدة أستدعت تغير رأي .
بدون تردد قبلت العرض وأنتظرت وصول خطاب التعيين بالبريد وتم تعيني بتاريخ 29 يناير عام 2001 . رحلة البحث عن العمل الدائم أستغرقت عشرة أعوام عجاف . أما زوجتي التي بدأت البحث بعدي أستغرقت رحلتها سبعة أعوام . التحقت بالخدمة الدائمة في الحكومة الكندية في عمرٍ ناهز الخمسين عاماً في وظيفة جديدة أصبحت مصدر رزق لي ولآخرين بعضهم نازحين والبعض الآخر يعيش بين مطرقة الجيش وسندان قوات القتل السريع .
يتبع
حامد بشري
12 أكتوبر 2024

hamedbushra6@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی مجال فی هذه عمل فی فی هذا

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: هذه ملامح معركة جباليا وخطة المقاومة

قال الخبير العسكري إلياس حنا إن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة جهّزت أرض المعركة وفقا لإمكانياتها مع "منع جيش الاحتلال الإسرائيلي من استعمال أقوى ما يملك"، في إطار سعيها لخوض معركة استنزاف طويلة.

وأوضح حنا للجزيرة أن جيش الاحتلال يريد الدخول إلى شمال القطاع لتنفيذ مهمة، مشددا على أنه "لا يمكنه البقاء طويلا بسبب نقص القطاعات العسكرية".

وأضاف أن الاحتلال اضطر في المرات السابقة إلى الانسحاب من جباليا، "وهو ما يعطي المقاومة فرصة للاستعداد من جديد، قبل أن يعود الاحتلال مجددا بناء على معلومات استخباراتية".

واعتبر حشد جيش الاحتلال ما يوازي فرقة عسكرية باتجاه مخيم جباليا يشير إلى أن لديه هدفا مهما يسعى لتحقيقه، كما يعكس أهمية المخيم أيضا.

ولم يستبعد أن يكون الاحتلال قد استغل التركيز الإعلامي على جبهة الشمال مع لبنان "لتنفيذ العملية في جباليا وبقية المناطق بشمال القطاع".

وقال إن جباليا هي مركز ثقل شمال القطاع، وكانت مستعصية تاريخيا على إسرائيل، مستدلا بإعلان جيش الاحتلال، أمس الخميس، مقتل 3 ضباط برتبة رائد في المنطقة.

وأوضح أن الاحتلال دخل إلى جباليا من الأماكن المفتوحة والزراعية، لكنه وصل إلى مناطق سكنية "وهو ما يفرض عليه الدخول عبر ممرات إلزامية".

ويعطي هذا الدخول المقاومة، وفق الخبير العسكري، فرصة استخدام ما لديها من عبوات ناسفة وقذائف مضادة للدروع وتنفيذ عمليات قنص، موضحا أن إستراتيجية المقاومة ترتكز على الاستنزاف البعيد، حيث "تربح إن لم تخسر".

وخلص حنا إلى أن هناك "مشاريع مختلفة تخص شمال القطاع حتى محور نتساريم"، مستدلا بـ"مقال وضعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر أصدقاء بصحيفة جيروزاليم بوست، ويقضي بحكم غزة عسكريا لسنتين أو 3 سنوات".

واستدل أيضا بما قاله الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي لسكان شمال غزة بشأن "ضرورة الإخلاء عبر شارع صلاح الدين نحو المواصي من أجل التفرغ للتعامل مع المقاومة".

وأعلن جيش الاحتلال، الأحد الماضي، بدء عملية عسكرية جديدة بجباليا بذريعة "منع حماس من استعادة قوتها في المنطقة".

وجاء ذلك بعد ساعات من قصف يعد الأعنف منذ مايو/أيار الماضي على المناطق الشرقية والغربية شمالي القطاع.

وحذرت وزارة الداخلية في غزة بدورها المواطنين من الاستجابة لدعوات جيش الاحتلال بـ"إخلاء مساكنهم" في جباليا وبلدتي بيت حانون وبيت لاهيا والتوجه جنوبا، معتبرة إياها "خداعا وكذبا".

وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أواخر الشهر الماضي بأن نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت صدّقا على دراسة العمليات التي يمكن تنفيذها في غزة على أساس "خطة الجنرالات".

وتنص الخطة على فرض حصار على شمال القطاع ووقف المساعدات الإنسانية وتهجير السكان.

مقالات مشابهة

  • إطلاق نار على مدرسة يهودية في تورنتو الكندية
  • ليس هناك من لحظة مملة أبدًا.. ثنائي يغادر كندا للعيش في بلد سوفييتي سابق
  • تعيين الدكتور آدم فينيش مديرا أكاديمياً جديداً للجامعة الكندية دبي
  • خبير عسكري: هذه ملامح معركة جباليا وخطة المقاومة
  • عصام كاريكا غنا معاه.. صور جديدة من حفل محمد فؤاد فى كندا
  • الخارجية الكندية:  استهداف مواقع اليونيفيل جنوب لبنان غير مقبول
  • كندا: إطلاق القوات الإسرائيلية النار على اليونيفيل غير مقبول
  • أول تعليق لـ محمد فؤاد عقب حفله بمهرجان فنون الشرق الأوسط في كندا (صور)
  • حفل جماهيري لـ محمد فؤاد بمهرجان فنون الشرق الأوسط بمدينة كندا