سودانايل:
2024-12-22@22:15:57 GMT

حميدتي كنكبة!!

تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT

عبدالله مكاوي

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

اجد صعوب بالغة في الاستماع لاحاديث حميدتي المحتشدة هرطقة ونفاق ونفخة كاذبة، وكذلك خطاباته المخادعة التي يعاني لمجرد قراءتها. اما عندما يلجأ للخروج عن النص كعادته، فهنا يصل الغثيان منتهاه. ويصيبك الاشفاق علي الوطن وشعبه، وامثال هذا الكائن الموهوم يتصدر المشهد ويتحكم في وجهته.


وصحيح هذا الاسي والاسف لا يختص بحميدتي وحده، ولكنه سمة تطال اكاذيب البرهان وهترشات العطا ولزوجة مستشاري الدعم السريع وخفة الخبراء العسكريين وتبلد حس الاسلامويين. والسبب ان مجمل ذلك ينعكس بؤسا وشقاءً علي المواطنين ودمار وخراب علي الوطن. اي بوصف هؤلاء الفاقد التربوي والقيمي والمهني هم من يقودون المسيرة، الي حتفها بالطبع. والحال كذلك، تظل واحدة من عجائب وغرائب الدولة السودانية وامتها، ان اسوأ سلطة (الانقاذ) تولدت عنها انبل ثورة (ديسمبر) لتنتهي باسوأ فاجعة (الحرب الراهنة).
ويبدو ان ما راكمته القوي السياسية والمدنية من جهود ونضالات، تجاوب مع تطلعات القوي الشبابية، لانجاز مشروع الدولة المدنية والتحول الديمقراطي. وهذا الاختمار والتفاعل قاد في آخر المطاف للانفجار الثوري. ولسوء الحظ صادف ذلك اردأ نسخ الانقاذ في تحوراتها (تحالف المليشيا وقادة الجيش)، اضافة لتآمر اقليمي يستهدف اجهاض الثورات. والحال ان القوي السياسية والثورية لم تقدر خطورة وقدرات اعداء الثورة والي اي مدي علي استعداد للدفاع عن مصالحهم. ليحصل الانقلاب علي حكومة الثورة، ومن بعده تصدُّع قوي الانقلاب، ودخولها في صراع دموي علي السلطة. وهو صراع رغم كلفته العالية علي كافة الاصعدة، إلا انه يستفحل يوما بعد يوم، نتيجة لاصرار كلا الجنرالاين الدمويين وداعميهما علي حسمه صفريا مهما كلف الامر.
وما يهم، ان ظاهرة حميدتي، الذي وصل لاعلي مراتب الدولة، وحاز علي جل مواردها، واصبح يتصرف كالحاكم بامره من دون (تابلت) او في استطاعة احد ان يقول له (تلت التلاتة كم). ترجع الي انه عمل كاداة قذرة لخدمة سلطة الكيزان ومن بعدهم لحماية قادة الجيش للبقاء في سدة السلطة. اي للاسف كانت وسيلة الوصول كم هائل من دماء الابرياء، بعد الابادات التي مارسها في دارفور واكملها بقمع هبة سبتمبر 2013م. ليستمر مسلسل الجرائم وسفك الدماء، بدءً من ساحة الاعتصام وليس انتهاءً بالحرب الراهنة. فماذا نتوقع من شخص هذه كل مؤهلاته، اضافة الي استقواءه بمليشيا بربرية لفرض وجوده كامر واقع. ومن ثمَّ يطرح نفسه كسيد علي كامل البلاد ليقتل شبابها ويستحيي نساءها ويبصق علي كامل تجربتها السياسية وتاريخها الحضاري (ظل يكرر بكل غرور ووقاحة منذ حضوره الكارثي بعد الثورة، صبرنا عليكم، وهو يستبطن تهديد الجميع!).
اما المفارقة الصادمة، عندما توهم اهليته لهكذا منصب سيادي، بعد ان عايش جنرالات الجيش ولمس كم ضعفهم وخوارهم، وتهالك وتهلهل نظام الانقاذ، الذي اصبح يعتمد عليه في البقاء. وكعادة كل المتآمرين مارس كل فروض المسكنة والتذلل والمداهنة عندما كان ضعيفا، وعندما نما سلطانه وتوسع نفوذه، تحول الي ممارسة الابتزاز، واستمر في هذا المسار الناجح حتي بلغت به الجرأة الاستيلاء علي السلطة منفردا، لتقع واقعة هذه الحرب اللعينة. والحال كذلك، مؤهلات الابادة والمليشيات والتاتشرات في الصعود الي سدة السلطة، لا تجلب الدماء والدمار فقط، ولكن قبل ذلك قدر من المهانة والمسخرة والاستفزاز لا حد له. بدليل طوال وجود حميدتي في سدة السلطة او ظهوره المتقطع بعد الحرب، يجعل المرء يضع يده علي قلبه مخافة ان تصدر عنه خطرفات او تصرفات تحدث فضائح تثير الرثاء، وكاننا في حفلة عريسها عبيط، كل ما يشغل بال اسرته متي تنتهي هذه المهزلة. بل اكاد اجزم ان ما يسمي مستشاروه، هم اكثر من يكره ظهوره وعلي الاخص عفويته، لصعوبة لملمة خرمجاته وصناعة شربات من فسيخه! بل احتمال هو اول من ادخل (القوالات) في العمل السياسي وصراع السلطة وهو يلمز شمال ويمين (كانو معاي، وقالو وغشوني...الخ ثم يجعل الامر معلق في الفراغ)! ولو ان ذلك لا ينفي ان هنالك تطور تدريجي في اداءه، ولكن بالطبع في حدود فقر مؤهلاته.
ومؤكد ان صعود مجرم قاتل نهَّاب مثل حميدتي الي قمة السلطة وفرض السيطرة، لهو اكبر دليل علي مدي الانحطاط الذي اصاب الدولة والانهاك الذي تعرضت له القوي السياسية، نتيجة لاستيلاء الاسلامويين علي السلطة انقلابيا، وممارستها علي طريقة العصابات المنظمة. اي الاسلامويون خدموا السلطة بقدر ما خدمتهم السلطة، والغائب في كل ذلك المواطن والدولة التي تخدمه. لذلك ليس مستغرب ان السلطة التي جمعت بين المليشيا وقادة الجيش والاسلامويين، هي نفسها من فرقتهم ودفعتهم لهذه الحرب العدمية، وبالطبع المواطن والدولة كالعادة هما من يدفع الثمن.
ورغم ان صراع السلطة هو ما حكم المشهد السياسي منذ الاستقلال وجعل الدولة تنحدر من سيئ لاسوأ، نسبة لعدم التكافؤ بين الطبقة السياسية والجيش، الذي تورط في هكذا صراع سلطوي وانحرف به نحو العسكرة والاستبداد والفساد. وبدخول عامل مليشيا الدعم السريع بقدراتها الي توازي الجيش، اصبح الوضع اكثر خطورة، ومن ثمَّ اكثر احتياج للحكمة لتفادي الصراع. ولكن من اين للمليشيا وقادة الجيش والاسلامويين قدر ولو يسير من الحكمة، وهم بكل هذا الغرور والشبق السلطوي والاصرار الطفولي علي اكل كل الكيكة.
ومن سخرية القدر، ان الاسلامويين استخدموا كافة الاساليب لابعاد القوي السياسية والحركات المسلحة من السلطة. وبعد ان نجحوا في ذلك بامتياز يحسدون عليه، انتقل الصراع لداخل النظام للاستفراد بالسلطة، لامتلاكهم نفس التركيبة والدوافع. لتندلع اسوأ انواع الحروب (حرب الاخوة الاشرار) علي جماجم السودانيين.
وبما ان الاسلامويين يفتقرون لقيم وادوات الصراع النظيف، والاستعاضة عنها بالقيم والادوات القذرة دون وازع من خطوط حمراء. كان لابد لهذه البيئة التآمرية الفوضوية الاجرامية، ان تنتج مسخ كحميدتي ومليشيات همجية كمليشياته، قبل ان تساهم في صعوده بالزانة لاعلي الرتب والمراتب، بعد اتقانه اصول اللعبة القذرة، بل وتفوقه علي اساتذته. لكل ذلك ليس هنالك فارق جوهري بين حميدتي ومليشياته والكيزان وقادة الجيش، إلا علي مستوي كم الفوضي والنهب والدمار الذي يلحقونه بالدولة، والانتهاكات الي تطال المواطنين. ومؤكد حول الانتهاكات الاخيرة، ان الاستاذ نفسه بكل شروره احتار في تلميذه، الذي جمع لتربية الاسلامويين كل تراث الهمبتة والهمجية.
وحميدتي كتلميذ شاطر في مدرسة الاسلامويين، فانه يحمل مجمل ما يتعارض مع قيم واعراف المجتمع، كما انه يضرب بعرض الحائط كل مقتضيات وجود الدولة وشرعية السلطة وحقوق الانسان. وهذا غير انه سلك ذات النهج والمسالك التي سبقها عليه الاسلامويون ولكن بطريقة اكثر تخلف وهمجية ومخططات مفضوحة. ويتمثل ذلك بوضوح في تبني خطاب مزدوج مخادع، يخاطب الخارج بما يرضيه، علي ان يفعل في الداخل كل ما يمكنه من السيطرة علي السلطة وممارستها دون مسؤولية، وبما في ذلك اقتراف كافة الانتهاكات في حق المدنيين، والتصرف في البلاد كمزرعة خاصة. وكذلك يتوجه بخطاب رنان لجميع المواطنين، ولكنه يستمد بقاءه ورعاية مصالحه من إستنفار حواضنه الاجتماعية، وبما يذكر ايام الجاهلية الاولي، دونما مراعاة لخطورة ذلك علي تفكيك النسيج الاجتماعي الذي يعاني الهشاشة اصلا (كأن السودان بكل مكوناته وتنوعه ينحصر في صراع الرزيقات والمسيرية والزغاوة والشوايقة والجعليين!). ويوازي هذا الخطاب مغالطات وانكار واكاذيب وتبريرات فطيرة، لاخفاء حقيقة الصراع والتنافس الذي يتمحور حول السيطرة علي السلطة بصورة مطلقة، علي حساب المصالح والحقوق العامة.
اما ما لم يسبق حميدتي احد عليه في مستوي التدني القيمي والتجرد من كل ما يخص البشر، فهو عدم الاستنكاف بالمتاجرة بدماء البسطاء من البشر (ثمن الحوجة، التي تسبب بها، ما ينهبه امراء الحرب امثال حميدتي). لدرجة تحويل معسكراته لمزارع تسمين (اعداد المقاتلين)، حتي يتم تصديرهم لامراء الخليج ليخوضون بها حروبهم، دون المساس بدماء مواطنيهم، وما يجره ذلك من ضغوط علي ملكهم! فهل بعد ذلك يحق لحميدتي الحديث عن التهميش والعنصرية واولاد المصارين البيض، وهو تحول لنخاسة لسادته في الخليج، الذين يلعق عقالهم كما سبق ولعق حذاء البشير! وهو من شدة جهله يعتقد انهم يحترمونه، ويفوت عليه انه مجرد تاجر رقيق وخنجر مسموم في خاصرة البلاد، ينتهي دوره بنهاية مهمته، وبعدها يلفظ كالنواة! (ويا ليتنا نملك تسجيلات لما يتفوهون به خلف ظهره لسمعنا العجب العجاب). وللحقيقة والتاريخ، سبق حميدتي في هذا الطريق البشير ومن بعده البرهان، الذين حنوا ظهورهم لامراء الخليج ليمتطونهم لانفاذ رغباتهم، بل ويمطرونهم اهانة (من يهن يسهل الهوان عليه) وهم يستدعونهم كالمجندين، فيهرع هؤلاء لتلبية الاوامر نظير بعض المكرمات! دون ان يتكرم عليهم اولئك الكفلاء ولو بزيارة يتيمة لزوم حفظ ماء الوجه. وليس هنالك ادل علي احتقار اولئك الامراء والملوك لهؤلاء الجنرالات، من الاحترام والتبجيل الذي يعاملون به الجنرالات المصريين في الجوار، وهم يتزاورون ويتبادلون المصالح كانداد.
وحتي ما يسمي حاضنته الاجتماعية التي يستعين بشبابها لخوض مغامراته السلطوية، ويحشد مقاتليها بعد شحنهم ضد قبائل بعينها. هل حقا هو معني بهم ويبحث عن مصلحتهم؟ وغض النظر عن مصلحتهم التي هي جزء من المصلحة العامة، وارتباطها كالسوار بالمعصم بالدولة المدنية والتحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، كما ظل يلهج الديمقراطيون والمدنيون والحقوقيون والنشطاء والعقلاء، منذ امد بعيد دون مجيب. فلو كان حميدتي وما حصل عليه من ثروة تغطي عين الشمس، معني بحاضنته الاجتماعية كما يزعم، لوظف تلك الثروة في مشاريع تنموية وخدمية في تلك البيئات! وهكذا تنمية وخدمات اذا ما احسن القيام بها، لكانت كفيلة باحداث نقلة نوعية وحضارية، تمنح هؤلاء المقاتلين حياة كريمة بدل تحولهم لوقود حرب سلطوية لا تعنيهم في شئ، بل كل ما تفعله تسليمهم للموت المجاني! وكذلك تقدم للحاضنة الاجتماعية مستوي من الرفاه، يحسدهم عليها بقية مكونات القطر التي يكيل لها التهم الجاهزة كالمعلبات منتهية الصلاحية! إلا انه فضل الاستثمار في اثيوبيا وكينيا والامارات والله اعلم اين غيرها، ومد عطاءه لدعم رؤساء النيجر وكينيا وكأنه القذافي! وكذلك في محاكة للاسلامويين توجه للانشطة التجارية الطفيلية والاقتصادية الريعية، لتعظيم مكاسبه علي حساب التنمية الاجتماعية المستدامة. والاسوأ من ذلك ركز كل جهوده وانشطته نحو شراء السلاح وتقوية موقفه العسكري، كشرط شارط لصراع السلطة الذي يشغله حصرا. وبعد ذلك ياتينا من حاضنته الاجتماعية من يحمل درجات علمية عليا، وغيرهم ممن يمهتن الكتابة، وسلخ عمره في معارضة الانقاذ والتبشير بالحرية ودولة الحقوق والقانون والمؤسسات، ليصدق ادعاءات حميدتي المفضوحة، ومن ثمَّ يقدم لهذا المجرم الجهلول المتطلع للسلطة كامل فروض الولاء! بل بعضهم يجهد نفسه وقريحته ويحشد كل ما تحصل عليه من مصطلحات او سمع به من اكليشهات، ليجري عيها كافة انواع السمكرة والالتواء والاخراج من السياق لتخدم هذه الاغراض السلطوية، وإن بكلفة دموية وتدميرية هائلة، وذلك فقط لانه يعد الحاضنة بالسيطرة علي كامل البلاد وإهانة قبائل الشمال!
اما ما يجعل الخشية والحياء تضيق بهما الارض من شدة التجني، فهو جرأة حميدتي علي اتهام الجيش باستهداف المدنين؟! وغير ان حميدتي كان اداة الجيش لارتكاب كافة الانتهاكات ايام الشراكة، إلا ان جرائمه في حق المدنيين تفوق جرائم الجيش وبما لا يقاس، ليس من جهة تعمد قتل المدنيين العزل عن سابق اصرار (ود النورة وام درمان والفاشر وسنار والحبل علي الجرار) ولكن لانه جعل من استباحة حياة واملاك المدنيين حوافز لمقاتليه! والحال كذلك طرق مثل هذا الباب، لهي مزايدة في غاية الغباء، بل سلاح يرتد الي عنقه. وبدلا عنها لتكف قواته الهمجية عن استهداف المدنيين والبنية التحتية بحق وحقيقة، اقلاه لانه لا يجني منها اي مكاسب بل خسائر بالجملة! اما جرائم الجيش في حق المدنيين فلها الجهات الحقوقية والعدلية والمنظمات الدولية، وهي كفيلة بها.
وعموما، يحسب للجهات الداعمة والمخططة لحميدتي انها تعلم هدفه ومقدراته ومؤهلاته واستعداداته، ولذلك اصر حميدتي علي الاحتفاظ بمليشياته وزيادة سطوتها ونفوذها، كفرصته الوحيدة للبقاء منافسا في صراع السلطة ضد الاسلامويين. والمفارقة ان بقاء المليشيات يتناقض مع بقاء الدولة التي يسعي لفرض سطوته عليها، وكذلك مع الشرعية التي تحتكم لصناديق الاقتراع وليس صناديق الرصاص والبنادق! وحتي عندما حاول حميدتي بناء حاضنة سياسية لاضفاء مسحة شرعية علي مخططه، لجأ لشراء الادارات الاهلية الآفلة، كاقصي افق يطمئن اليه ويستسيغه في ادارة الدولة! اي اهلنة الدولة لتصبح تحت طوعه طالما هو من يغدق علي نظارها وعمدها الاموال.
وذات الشئ انطبق علي مليشياته عندما حاول الاسلامويون وقادة الجيش اضفاء نوع من الشرعية والمؤسسية علي وجودها وعملها. إلا ان الوقائع علي الارض ظلت تضحك ساخرة من كل هذا الطلس، بعد ان اتثبت الاحداث والتجارب المعاشة ان الاصل هو صاحب النفوذ والسيادة مهما اضيف من بهارج خارجية او محاولة انكار الحقيقة! وبتعبير آخر، في كل المحكات والمنعطفات تظهر حقيقة المليشيا الهمجية الارتزاقية، لتعيد انتاج جرائم دارفور في كل السودان، عندما سمح لها جنرالات الجيش بالتمدد ومنحوها السطوة والنفوذ. وفي الذاكرة الطازجة بعد الثورة، وكما سلف ذكره، مجزرة فض الاعتصام، والتفلتات طوال فترتها، مرورا بالمشاركة في الانقلاب، ووصولا للحرب الهمجية الراهنة، التي اعادة للاذهان ذكريات الجهادية والحملات الانتقامية البربرية.
وبناء علي اعلاه، وكما انه ليس هنالك من مسوغ للمفاضلة بين الكيزان ومليشيا الدعم السريع، بوصف حقيقتهما الاجرامية التي تستحق الادانة والتجريم. ولكن لو أُجيزت هذه المفاضلة لكانت سلطة الكيزان كفوضي، افضل من سيطرة المليشيا التي تجسد الفوضي الشاملة. بدلالة ما يحدث في اماكن سيطرتها، والعودة القهقرية بها الي عهود الظلام والتخلف والوحشية! وقياسا علي ذلك لو افترضنا كل السلطة وكامل البلاد اصبحت طوع بنان شخصية كشخصية حميدتي الموصوفة اعلاه، ماذا نتوقع؟ اليس مسح خريطة ووجود دولة اسمها السودان من الوجود، واحلالها بدويلات متنافرة تخضع بقوة السلاح، وتُفرض عليها الضرائب الباهظة، وتُستحل فيها الجرائم والانتهاكات؟ اليس اقامة سلطة كاريكاتورية يقبع فيها الامبراطور حميدتي بكامل صولجانه، علي جماجم كافة الشعب، ومن حوله ينتشر الخراب علي كامل تراب البلاد؟
والمحصلة ان حميدتي شخصية اجرامية مغامرة، ورغم طموحاته السلطوية التي يضحي بكل شئ من اجلها، إلا انه في الحقيقة لا يملك لا مؤهلات رجل الدولة ولا شرعية الحكم، ولا حتي قدرة علي قيادة الجيش. كما ان تدني منسوب القيم الايجابية واحترامه لاعراف المجتمع، يجعله في مصاف العدو لكليهما. والاهم لنا تجربة مع تسنمه السلطة، اظهر فيها ضعف الخبرة والمعرفة بشئون ادارة الدولة، الشئ الذي جعله لقمة سائغة لخدمة مخططات الخارج. وفوق كل ذلك، اتته كم هائل من الفرص للوفاء بتعهداته التي يتشدق بها الآن (كدعم خط الثورة المدني والتصدي للكيزان واعداء الثورة في الخارج) ولكنه فعل العكس، بالتآمر علي الثورة والتحالف مع قادة الجيش الكيزان، ليشارك في الانقلاب عليها، بل وكمل خيانته للثورة بخوض هذه الحرب الوحشية للاستيلاء علي كامل البلاد، بالتنسيق مع الخارج في واحدة من احط درجات العمالة، اي كمعادل طبيعي لطبيعته الارتزاقية. والدافع لكل ذلك رغبته في السلطة التي تتعارض مع شعارات الثورة ورغبة الثوار (الجنجويد ينحل، وما في مليشيا بتحكم دولة)! وما يحير ان هذه الحقائق العارية التي يعلمها اطفال الروضة، نجدها تنطلي علي من يدعمه او هذا ما يدعونه بكل قوة عين!!
لكل ذلك وبعيدا عن السفسطة والمغالطات غير المجدية، ليحتكم الجميع لثورة ديسمبر وشعاراتها في الحرية والعدالة والسلام ومطالب القوي السياسية في الدولة المدنية والتحول الديمقراطي. وهو ما يعني بدوره دعم خطاب الثورة والتغيير وانصارهما. وصحيح ان الطريق الي انجاز تلك المطالب صعب ومعقد ودونه خرط القتاد، لتعارضه مع مصالح ومطامع اقوياء الداخل الذي يحتكمون علي السلاح، واقوياء الخارج الذين يمتلكون السطوة والنفوذ والتحكم في حلفاءهم في الداخل. اضافة الي ان ظروف الحرب التي خلطت الاوراق، ازاحت تلك المطالب الموضوعية الي الهامش، مع زيادة المخاطر التي تهدد بقاء الدولة ذاتها.
وبما ان هكذا تحديات جسام لا تعني الاستسلام كما لا تعني دعم طرفي الحرب، إلا ان الطريق الي ذلك المشروع (اليوتوبي) هو قدر النخبة الوطنية او صخرة سيزيف الي يقع علي عاتقهم حملها، عسي ولعل المستقبل يحمل الفرج، طالما الصخرة محمولة ولم تسقط! وكما انه طريق يبدأ بالاعتراف بموازين القوي الحاكمة، إلا انه يتاسس ويترسخ بتسمية الاشياء بمسمياتها. اي ان حميدتي والبرهان والبشير وقوش والعطا واضربهما من قادة الجيش وجهاز الامن وكيان الاسلامويين، جميعهم مجرمون اجرموا في حق هذه البلاد ومواطنيها ويستحقون المحاسبة والعقاب وليس التطبيل والسلطة. وان قوات الدعم السريع هي مليشيا يجب حلها. وان الجيش طوال تاريخه لم يؤدِ واجبه المنوط به، وتسبب انحرافه عن هذا الدور وسيطرته علي السلطة، الي عدم بناء الدولة المرجوة، وقطع الطريق علي نضوج التجربة الديمقراطية كحل لعقدة السلطة المستحكمة، والاسوا من ذلك هو السبب لما نحن فيه الآن من مأساة وجودية. وان الاسلامويين يقع علي عاتقهم دفع ثمن تجربتهم التخريبية النهبوية الاجرامية، ومن ثمَّ احترام النهج الديمقراطي كوسيلة لتداول السلطة حتي يمكن قبولهم. وان القوي السياسية ادمنت اضاعة فرص الثورات بعد مهرها بتضحيات جسيمة. وان الثوريين تاخذهم الحماسة لدرجة الاستهانة بحجم التحديات والمصاعب ومصالح النظم القديمة. وفي ذات السياق ياتي مطلب نزع شرعية الحرب من كليهما، كما ظلت تنادي المحترمة الوطنية رشا عوض.
وبما انه كما سلف، الممر الي هذه الحلول المثالية يمر بعقبات ليس بمقدور القوي المدنية مجابهتها منفردة، في ظل هذه الظروف العسيرة، التي تضيق فيها النفوس ومساحة الحرية والحوار والعمل السلمي. يبدو ان السبيل المتاح هو التشديد علي مطلب ايقاف الحرب باي ثمن، وكما ظللنا نكرر دون ملل او كلل علي وجود الامم المتحدة، للمساعدة علي اتفاق الايقاف ومراقبته واستدامته، وذلك بالتوازي مع اعادة الاعمار وبناء دولة حديثة ونظام سياسي مستحدث ومنظومة عمل جديدة.
واخيرا
كل التضامن مع الاستاذة رشا عوض التي تتعرض لاستهداف ممنهج. لمنهجيتها الواضحة مواقفها المشرفة المنحازة للمواطن والدولة المدنية والتحول الديمقراطي، وهو ما يمر عبر المطالبة بايقاف هذه الحرب اللعينة. الشئ الذي يجعل استهدافها هو في حقيقة الامر استهداف لما ظلت تطالب به، ومن ثمَّ تمهيد الارضية لتكريس القيم والمشاريع المناهضة لها من استبداد وفساد وعسكرة واستثمار في الحروب. وبكلمة واحدة رشا عوض ترجح في ميزان البر بالوطن ومواطنيه، بكل اولئك المجرمين الذين استولوا علي السلطة بقوة البندقية، ثم شرعوا في استباحة البلاد واذلال اهلها.
وفي الختام، لابد من ذكر شئ محير لا اعرف هل هو استثناء من القاعدة؟ ام ان الشر المطلق كمليشيا الدعم السريع يمكن ان يوجد بينها او تحمل داخلها اشياء خيرة؟ وهي رواية محكية علي لسان امراة، كغيرها من الروايات التي اصبحت مصدر للمعلومات في هذه الحرب الملغزة التي لا تشبه الحروب! اما ما يحمل علي التصديق انها لا تتعرض لمضايقات واخطار المليشيا بعد مغادرتها الخرطوم. والرواية حدثت في حي المزاد بالخرطوم بحري، وهي انها طوال اقامتها ولمدة عام وربع (سبب المغادرة زيادة الاشتباكات)، لم تتعرض إلا لمضايقات محتملة من جنود المليشيات، ولكن ما يحير وبعد مرور فترة معينة، ويبدو ان اوصر الثقة بين الطرفين قد توثقت، اصبحت تاتيهم ماكولات مجانية كالارز من الجنود، وعندما تذهب للدكان المجاور تجد كل احترام، بل وتقديمها لاخذ اغراضها قبل الآخرين اذا وجدو. والاغرب من ذلك انهم في نقطة الارتكاز القريبة منهم، يطلبون من الاهالي عدم التصدي للصوص لوحدهم حتي لا يتعرضون للمخاطر، ولكن تبليغهم في نقطة الارتكاز. وهم كانوا علي قدر التحدي وقبضوا علي عديد من اللصوص وترحيلهم الي سلاح المظلات الذي يبدو انهم يتخذونه كسجن او نحوه. فماذا نسمي مثل هذه الرواية؟ اهي جزء من مسرح اللامعقول الذي تجري علي خشبته هذه الحرب المجنونة؟ ام هي جزء من الشئ غير المفهوم الذي يكتنف الشخصية السودانية، ويجعلها تستعصي علي الاستجابة لكل مناهج التحليل والمعرفة المعروفة؟! نسال الله ان تقف هذه الحرب، وتتبدل احقادها الي محبة، فالوطن واسع ويسع الجميع، واوسع منه قلوب اهله الطيبن، الذين لا يبحثون عن شئ سوي سترة الحال وراحة البال، فهل هذا كثير عليهم؟ ودمتم في رعاية الله.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوی السیاسیة الدعم السریع وقادة الجیش صراع السلطة کامل البلاد علی السلطة ان حمیدتی هذه الحرب علی کامل إلا انه إلا ان کل ذلک ومن ثم کما ان

إقرأ أيضاً:

أصحاب العقول الصغيرة يمتنعون!

 

أصحاب العقول الصغيرة يمتنعون!

رشا عوض

نتائج المعارك على الارض لن تغير شيئا في وجهة نظري الكلية حول جذور حرب الخامس عشر من ابريل! حكاية ان الجيش دخل الولاية الفلانية ويقترب من تحرير المكان العلاني لا تعني لي شيئا سوى اننا ما زلنا في محرقة الحرب! رأيي الذي ظللت اجهر به منذ اليوم الاول لهذه الكارثة وساظل اجهر به حتى لو نجح الجيش في القضاء على الدعم السريع وطرده من السودان نهائيا، وحتى لو دخل الجيش فاتحا للدولة التي لجأت إليها هو ان الجذر العميق لهذه الحرب وللازمة الوطنية اجمالا هو فساد وعطب المؤسسة العسكرية وعلى رأسها الجيش، أما الدعم السريع فقد أصبح جزءا من هذه المؤسسة العسكرية قبل ١١ سنة فقط، ، وبالتالي فهو  من تجليات الازمة ونتائجها وليس هو اس الازمة وجذرها العميق والوحيد كما يحاول الضلاليون اقناعنا بوسائل الارهاب والغوغائية، لأن وجود الدعم السريع كجيش موازي بهذا الحجم كان نتيجة للخلل البنيوي في الجيش ممثلا في عدم قدرته على خوض المعارك بنفسه واعتماده على اخرين للقتال نيابة عنه حتى يتفرغ الجنرالات لاتقان فنون السياسة والبزنس بدلا من اتقان فنون القتال وتعليمها لجنودهم!

بمعنى ان عجز الجيش هو السبب الذي  ادى الى الحاجة للدعم السريع ، والخلل السياسي في نظام الكيزان وصراع السلطة بين اجنحتهم هو السبب في الاحتفاظ للدعم السريع بمساحة استقلال تام عن الجيش وتتويج ذلك بقانون اجازه بالاجماع برلمان بني كوز الذي اسقط من القانون  مادة تعطي الحق لوزير الدفاع بتعيين قائد الدعم السريع، وعمر البشير مكن الدعم السريع بهدف استخدامه كفزاعة لتخويف قيادات الجيش الكيزانية من الاطاحة به فقال قولته الشهيرة (حميدتي حمايتي)!

إذن معضلة الدعم السريع نتجت عن فشل الجيش في مهامه العسكرية وعن فشل نظام الكيزان في ادارة الصراع السياسي بعيدا عن البندقية!

لم يهبط الدعم السريع من السماء صبيحة الخامس عشر من ابريل ٢٠٢٣ ولم يبدأ تاريخ السودان في ذلك اليوم بتصدي ملائكة الرحمة من الجيش السوداني لشياطين الجنجويد!

الازمة عميقة ومركبة ولا يصلح لمقاربتها عقل صغير تبسيطي وغوغائي يراهن على فقدان الذاكرة الجماعي!

مشكلة الجيش قديمة وسابقة لتكوين الدعم السريع!

ففي حرب الجنوب اعتمد الجيش على الدفاع الشعبي ومهاويس الحركة الاسلامية!

وفي حرب دارفور اعتمد الجيش على مليشيات موسى هلال ثم الدعم السريع، وفي هذه الحرب يعتمد الجيش على مليشيات مناوي وجبريل وعقار ومليشيات البراء بن مالك والبنيان المرصوص والبرق الخاطف وغيرها، وبدأت مليشيات مناوي وجبريل قبل ان تضع الحرب اوزارها في حجز مقاعد السلطة والمطالبة بالضمانات التي تجعلها وريثة للدعم السريع في المستقبل!!

وكل ذلك يدل على ان حل ازمة السودان يجب ان يبدأ باعادة بناء الجيش وتأهيله وطنيا وفنيا ليصبح جيشا مهنيا وقوميا قادرا على حماية حدود البلاد ويتوقف عن صناعة المليشيات.

الجيش بحالته الماثلة لا تنطبق عليه مواصفات المهنية والقومية!

الدعم السريع بحالته الماثلة ايضا لا تنطبق عليه مواصفات المهنية والقومية!

كلاهما لا يصلح ان يكون جيشا للسودان!

الدعم السريع على المستوى النظري يطرح خطابا فيه اعتراف بان المؤسسة العسكرية مأزومة وتحتاج إلى اصلاحات، وعندما تتوجه وسائل الاعلام لقيادته بسؤال مباشر: هل الدعم السريع هو بديل للجيش السوداني؟ تكون اجابته بالنفي القاطع، أما الجيش فما زال بعيدا كل البعد عن اي اعتراف بخطأ أو اعتذار عن جريمة وما زال متمسكا بانه من القلاع المقدسة في الدولة السودانية ولا يجوز لكائن من كان ان يفتح فمه بكلمة مطالبا باصلاح الجيش ناهيك عن اعادة بنائه، بل يتحدث قادة الجيش بروح الوصاية الكاملة على الدولة واختزال الوطنية في التسليم بوصايتهم، ومحور خطابهم هو تجريم وتخوين القوى المدنية الديمقراطية. والابواق الكيزانية تستميت في تكريس قدسية الجيش وتمارس ارهابا غليظا على كل من تحدث عن مشاكله لسبب وحيد هو انها تريد الاحتفاظ به على حاله المائل هذا حتى تستخدمه كحصان طروادة للوصول الى السلطة.

 

الوسومالأزمة السودانية الجيش السوداني الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • الموسوي من حورتعلا: ثبات المقاومة مع الجيش والشعب هو الذي يقدم الحماية
  • كيف يستغل نتنياهو الحرب للبقاء في السلطة؟| أستاذ علوم سياسية يجيب
  • شاهد بالفيديو.. قبل سقوطها على يد الجيش والمشتركة.. حميدتي يتحدث في مقطع نادر عن أهمية قاعدة الزُرق بالنسبة لهم.. بها أكبر مركز تدريب ومقر عملياتهم العسكرية وتجمع استنفارهم القبلي
  • معاوية عوض الله: العقوبات التي تصدر تجاه قادة الجيش لن تزيدنا إلا قوة وصلابة
  • في عكّار.. ما الذي ضبطه الجيش؟
  • أصحاب العقول الصغيرة يمتنعون!
  • ما الذي يريده محمود عباس من مطاردته لرجال المقاومة بعد كل تلك الملاحم؟!
  • ما الذي يجري وراء الكواليس!!
  • قائد الجيش: لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحميه
  • هل يكسب البرهان الحرب بسبب عقوبات بايدن المحتملة على حميدتي ؟؟