أن مسالة سعي القوى الشبابية في تجاوز الاتفاق الإطاري وصناعة مستقبل سياسي للدولة السودانية هذه من القضايا الجوهرية الهامة لابد أن نناقش هذا الامر بحيادية وإعادة هذا المر الي الواجهة , في ظل التحديات المعقدة التي تواجه السودان اليوم، تسعى القوى الشبابية إلى تجاوز الاتفاق الإطاري، معتبرة أنه لا يعبر بشكل كامل عن تطلعات الشعب ولا يحقق العدالة التي ثار من أجلها الشباب خلال السنوات الماضية.

هذه القوى تدرك أن المستقبل السياسي للدولة السودانية لا يمكن أن يُبنى على التسويات التقليدية التي كانت دائمًا تستفيد منها الأحزاب المتكلسة وسماسرة الحشود، بل يتطلب رؤية جديدة تستند إلى التحولات الجذرية في المشهد السوداني بعد الحرب، وإلى إعلاء مصلحة الشعب فوق المصالح الفردية والضيقة.
الشباب السوداني بات مدركًا بأن الاعتماد على نفس اللاعبين السياسيين القدامى، أو على الناشطين قليلي التجربة الذين ظهروا في ظل الحراك الثوري، لا يمكن أن يقود إلى التغيير الحقيقي الذي يطمحون إليه. الصراعات التقليدية التي سبقت الحرب كانت دائمًا تدور في فلك المصالح الشخصية والنفوذ القبلي والإثني، وهو ما جعل السودان يغرق في دوامة من التخوين المتبادل والفشل في بناء دولة حقيقية تعتمد على السلام المستدام والاستقرار السياسي.
التحديات التي تواجه الحراك الشبابي
أمام هذه القوى الشبابية عقبات كبيرة، ليس أقلها القمع الذي تمارسه القوى المتحاربة، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل الحياة اليومية تحديًا مستمرًا. إلا أن الشباب الذين لم يخرجوا من السودان خلال الحرب، والذين يعيشون واقع المعاناة بشكل يومي، يمتلكون رؤية حقيقية للمستقبل تستند إلى تجربتهم المباشرة مع القمع والفقر، ويؤمنون أن لديهم القدرة على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل.
كيف يتجاوز الشباب الاتفاق الإطاري؟
بناء حركة شعبية مستقلة: تعتمد القوى الشبابية على تنظيم أنفسهم كحركة شعبية مستقلة عن التحالفات السياسية التقليدية. يسعى هؤلاء الشباب إلى تقديم أنفسهم كصوت بديل للشعب، معتمدين على خبرتهم المباشرة في مواجهة التحديات اليومية، من خلال صياغة مطالبهم بشكل واضح وفعال. على عكس الأحزاب المتكلسة، التي غالبًا ما تكون منشغلة بالمناورات السياسية، يركز الشباب على القضايا الجوهرية مثل العدالة الانتقالية ومحاربة الفساد وتحقيق التنمية المستدامة.
استخدام الإعلام البديل: تعتبر منصات الإعلام الرقمي وسيلة فعّالة لهذه التجمعات لطرح رؤيتها المغايرة عن الخطاب الرسمي أو المناقشات السياسية التقليدية. من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات والمنصات الإعلامية المستقلة، يمكن للشباب توصيل صوتهم إلى الجمهور السوداني بشكل مباشر دون الحاجة إلى المرور عبر الوسائل الإعلامية المملوكة للنخب السياسية.
. المطالبة بالعدالة الانتقالية: يسعى الشباب إلى إعادة تعريف مفهوم العدالة في السودان، بحيث لا تقتصر على المساءلة الجنائية فقط، بل تشمل العدالة الاجتماعية والاقتصادية. يطالبون بعملية عدالة انتقالية شاملة، تتناول جميع انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال العقود الماضية، وتضمن محاسبة كل من تورط في الفساد أو القمع، بغض النظر عن انتمائه السياسي.
إعادة تشكيل النقاش حول التحول الديمقراطي: لا يقبل الشباب بالتحول الديمقراطي الذي يعتمد على تقاسم السلطة بين القوى التقليدية، بل يدفعون نحو نموذج جديد للتحول السياسي، يقوم على اللامركزية والتمثيل الشعبي الحقيقي. هذه القوى تؤمن بأن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تبدأ من القواعد الشعبية، وتمكين المجتمعات المحلية في عملية صنع القرار السياسي.
دفع عملية السلام نحو الاستدامة: السلام الذي يتطلع إليه الشباب لا يعتمد على اتفاقيات سياسية بين الأطراف المتحاربة فقط، بل يهدف إلى السلام المجتمعي والتنمية الشاملة التي تعالج الجذور العميقة للصراع. تجمعات الشباب تسعى إلى إنشاء حوار مجتمعي يشمل جميع السودانيين، خاصة المتضررين من النزاعات، لإيجاد حلول عملية ومستدامة لقضايا الفقر والتهميش والتمييز العرقي.
إبراز القيادات الشابة
من بين أهم أولويات هذه الحركات الشبابية هو إبراز قيادات جديدة، تعرف الواقع السوداني جيدًا ولم تترك البلاد رغم كل الظروف الصعبة. هذه القيادات تنبثق من صلب المجتمع المحلي وتعبر عن تطلعاته بشكل حقيقي. هذه الشخصيات القيادية الشابة يمكنها أن تعيد الثقة بين الشعب والحكومة، وتضع أسسًا جديدة للإدارة والحكم تعتمد على النزاهة والشفافية، وتنبذ المحاصصة التي كانت دائمًا سببًا في الفشل السياسي.
التحالفات الجديدة والدبلوماسية الشعبية
تسعى التجمعات الشبابية إلى بناء تحالفات مرنة مع منظمات المجتمع المدني والنقابات والحركات الاحتجاجية الأخرى التي تتبنى نفس القيم والمبادئ. كما تعمل على تقديم قضيتها في المحافل الدولية والإقليمية كجزء من الدبلوماسية الشعبية، التي تهدف إلى تعزيز الدعم الدولي لعملية التحول الديمقراطي في السودان بعيدًا عن التدخلات الخارجية الضارة.
نحو مستقبل سياسي جديد للسودان
الشباب السوداني اليوم لا يسعى فقط إلى تجاوز الاتفاق الإطاري، بل يتطلع إلى صياغة مستقبل سياسي جديد للبلاد يقوم على التنمية الشاملة، العدالة الحقيقية، والتمثيل السياسي النزيه. هذا المستقبل لا يعتمد على تسويات النخب التقليدية، بل يبنى من خلال قوة الحراك الشعبي الذي يضع في صميمه مصالح الشعب السوداني ككل، ويرفض أن تكون السلطة أداة لتقسيم الغنائم بين الأطراف السياسية.

ومن خلال تجاوز الصراعات التقليدية التي استنزفت البلاد، يمكن للشباب السوداني أن يحقق السلام المستدام والاستقرار الذي طالما حلموا به، ويبني دولة سودانية قوية وديمقراطية، تعتمد على قيادة شبابية جديدة تضع الشعب في المقدمة، بعيدًا عن الصراعات الشخصية والمصالح الضيقة.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

السوداني يوجّه بالإسراع بالتحقيق في الجريمة التي ارتكبت بحقّ عائلة بمدينة الصدر

شبكة أنباء العراق ..

وجّه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، بالإسراع بالتحقيق في قضية الجريمة التي ارتكبت بحقّ عائلة بمدينة الصدر.

وذكر بيان لمكتبه الإعلامي أن “السوداني وجه الأجهزة الأمنية المختصة في وزارة الداخلية، الإسراع بالتحقيق في قضية الجريمة التي ارتكبت بحقّ عائلة بمدينة الصدر شرق العاصمة بغداد، وأدت إلى مقتل 8 من أفرادها، وتقديم الجناة إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل”.

user

مقالات مشابهة

  • السوداني: لا مجال لربط التغيير في سوريا بتغيير النظام السياسي بالعراق
  • السوداني:النظام السياسي في العراق لن يتغيير بوجود “المقاومة الإسلامية الشيعية”!
  • السوداني: الإنجازات أكبر وأكثر في نظامنا السياسي المستند الى دستور يمثل جميع العراقيين
  • السوداني: لا مجال لمناقشة تغيير النظام السياسي في العراق
  • العلامة الخطيب: لمراجعة المراحل الماضية من الأداء السياسي
  • اليمن ومعادلة القوة .. قراءة في إسقاط 18 طائرة إمريكية MQ-9
  • اليمن ومعادلة القوة: قراءة في إسقاط 18 طائرة إمريكية نوع MQ-9
  • مصدر إطاري:السوداني سيزور طهران الأربعاء المقبل لدعم الاقتصاد الإيراني وتعزيز وحدة الموقف السياسي
  • السوداني يوجّه بالإسراع بالتحقيق في الجريمة التي ارتكبت بحقّ عائلة بمدينة الصدر
  • رؤيتان للقيادة••• قراءة في إرث كارتر وترامب ما بين الاتفاق الإبراهيمي وكامب ديفيد