سودانايل:
2024-10-13@12:16:10 GMT

تقديم كتاب “بعد الرحيق”

تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT

تقديم كتاب "بعد الرحيق"
النيل ..السفر . والبرج العالي: في شأن الشاعر محمد المكي ابراهيم

لم يكن غريبا أن أقابله آخر مرة على مرمى حجر من النيل. قناعتي أنه لا ، شيء يأتيك مكانيا في هذه الدنيا. على شاطيء القدر كانت يومها في ذلك اليوم مفردتان تسيطران على مشهد لقائي للشاعر الكبير محمد المكي ابراهيم وحرمه المصون.

المفردتان هما النيل والسفر. أما النيل ، فقد كان حاضرا للقاء حيث تم في برج الفاتح على مقربة من النيل والشاعر يقف في صف مقهى . كنت أمامه حيث لكزني بعصاه لالتفت وأراه ببسمة ناصعة وكلام عن مجيئه للمكان للحجز مسافرا الى القاهرة. قفزت مفردة السفر الى المشهد مثلما قفزت مفردة النيل الذي كان يواصل سيره نحو الشمال على مقربة منا . في حالة محمد المكي ابراهيم قفزت الى الخاطر فكرة أن النيل سيرافق الشاعر الى مصر . لكن بالنسبة الى محمد المكي فإن مرافقة لنيل أمته له ، بدأت منذ عقود طويلة فهو حاديه الذي غني له عبر تجليات الغابة والصحراء ومغزى الارتواء الذي يزيد الغابة اخضرارا ويمنح الصحراء أملا في التجدد والارتواء. أريد أن أقول أن خواطر كثيرة تناثرت حولي ذلك اليوم وبعد رحيل الرحيق منها عراقة النهر في ضمير الأ مة بكل ما حوله من أشجار وأزهار وعذوبة وخصوبة متعددة الاشكال والأنواع. أنه أذن يقرر السفر لتتلاطم هنا في الذهن أبعاد هذه المفردة ومعانيها من رحيل ومغادرة فأى رحيل يا ترى كان مكتوبا؟. بالطبع فرحيلنا من هذا العالم ومكانه أمر يعرفه الله ، وما ظنه الشاعر الراحل رحيلا لأرض الكنانة ، كان أمرا مقضيا بأنه أيضا رحيل للدار التي لا ترقى إليها الأباطيل. لماذا قابلته في برج يا ترى؟؟ وكيف لا ينساب معنى البرج الشاهق الى مجمل أفكاري حول ذلك اللقاء وأنا بصدد عمارة شاهقة من الابداع الفكري والفني والثقافي المعرفي في وطننا؟
في تلك المقابلة السريعة ، وبعد أن نلت سلاما صافيا من الشاعر الكبير بعد جفوة ، قبيل نذر تلك الحرب الدامية ، أخبرني بأنه مهتم بجمع ما كتب عنه. توقفت عند ذلك كثيرا فليس من عادة الشاعر الحديث عن أمريخص ما كتب عنه بأى شكل من الأشكال وهذا أمر ظللت ألمسه فيه منذ أن تعرفت عليه في منتصف السبعينات قبل أن تجمعني به رفقة العمل والحياة في مدينة مونتري ، وعملنا سويا بادارة التعليم المستمر بمعهد الدفاع للغات في برنامج الترجمة وسفرنا جيئة وذهابا بين ولايتي كاليفورنيا وساوث كارولاينا لنفس الغرض. بعد أن علمت بمرض الشاعر الكبير وبقائه في المستشفى طويلا، بدأت أتلمس داخل مشاعري ما قد كان كامنا في وجدان الشاعر كونه ينوي جمع ما كتب عنه بعد تعرضه لداء مهلك كان يستشفي منه.
تنساب أنهار الذكريات في شأن الشاعر الكبير ففي أول الثمانينات أثناء عمله بقنصلية السودان بجدة . خرج وفي فمه سيجارة لأقدم له مخطوطة ديواني الأ ول"أعناب في زمن الشوك". أذكر تركيزه على قصيدة عنوانها "حديث هامس لبعض العيون" . ذلك هو الاصدار الذي تم نشره عام 1990م في الرياض بالسعودية ومن أبيات تلك القصيدة:
ويفصلنا عنك ليل حزنك
هذا الظلام البهيم
فكان رأيه أن يكون البيت:
ويفصلنا عنك في ليل حزنك
هذا الظلام البهيم
حيث تظلين للضوء معنى
وتستأثرين بكل النسيم
وهنا لاحظت عمق نظرته الى رحابة الليل وسعته كونه كان مصدر وحي وإغواء وإلهام للكثير من الشعراء. كان أول لقاء لي بالشاعر عام 1977م عندما زرته مع الخال عبدالغني الطيب في منزله بمدينة بحري . كان في معيته الشاعر الكبير الراحل سيد أحمد الحردلو فكانت أمسية للايلام والكرم وأحاديث الكبار. هيأ لي القدر فيما بعد وبعد عقود من ذلك التاريخ العمل مع الشاعر الراحل محمد المكي والسكن في حى المايقوما مع الشاعر الحردلو...كلاهما رحلا وبقى وهج الذكريات ودفء الترحم والدعاء لهما بالمغفرة وحسن القبول.
بالنسبة لي ،كانت أزمنة اللقاءات مع الشاعر الراحل تمر عبر منعطفات "أعناب في زمن الشوك" في جدة علىالبحر الأحمر الى "من ذاكرة الريح" الصادر عام 2005م على ساحل المحيط الهادي في مدينة مونتري وسعدت بتقديمه من محمد المكي ابراهيم. ومما أبهجني وملأني بالدهشة أيضا ، أن ذلك التقديم ساعدني الى الدنو من أغوار نفسي أيضا بصورة رأيتها مطابقة للعلاقة بيني وبين تلك الأغوار ، وبيني وبينه اذ يشير الى علاقتي بالطنبور والعو د كحواس موسيقية رآها تسللت الى أشعاري. كما سعدت أيضا بمخاطبة جمع احتفى به في مكتبة مدينة مارينا بكاليفورنيا، كذلك اجراء حوار طويل معه قبل ذلك بكثير عام 2004 بالاشتراك مع الأستاذ بابكر فيصل وذاك حوار نشرته يومها صحيفة الراية القطرية. كلا المادتين يشملهما هذا السفر الذي اخترت له "بعد الرحيق" باعتباره لمسات وفاء لمحمد المكي بناء على رغبته.
من الصعب جمع كل ما كتب عن الشاعر موضوع تحريرنا لهذا الكتاب فتلك مواد غزيرة وكثيرة، ولكنني تخيرت ما كتب بعد رحيله باعتبار أن ما كتب يحتوي على إضاءات صادقة وثرية للعديد من أعماله الشعرية. انني بهذا أريد بعض الوفاء بما طلبه الراحل وتعبيرا عن حبي وحب الآخرين له وحزنيوحزنهم على رحيله.
إنني أتضرع الى المولى سبحانه وتعالى أن يشمل الاستاذ محمد المكي ابراهيم برحمته وقبوله ومغفرته، وأن يجعل الخير والبركة في أبنائه وبناته ويمد في عمر رفيقة دربه الأستاذة سمية الياس التي رافقته في محطات ودروب الحياة فكانت خير رفيق وملهم ومساند.
وللسادة القراء أطيب مشاعر الشكر والود والتقدير ولمن ساهموا في هذه اللمسات الوفية ، كل الحب والوفاء.
المحرر
12 أمتوبر 2024
مونتري
كاليفورنيا

د عبدالرحيم عبدالحليم محمد

abdelrmohd@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: محمد المکی ابراهیم الشاعر الکبیر ما کتب عن

إقرأ أيضاً:

لطفي بوشناق يتألق بعلم فلسطين في مهرجان الموسيقي العربية

شارك الفنان الكبير لطفي بوشناق في حفل افتتاح مهرجان الموسيقي العربية بدورته الـ 32 ، والمقام في دار الاوبرا حاليا ، وقد ارتدي الكوفية الفلسطينية  . 
 

وقال لطفي بوشناق : حابب أحيي اخواتنا في غزة وفلسطين ولبنان، وهقول كلمات وكمان هحيي مصر، الكلمات كتبها الشاعر الكبير ماجد يونس مصري"، وقال في جزء منها "خليك صامد يا فلسطيني رد إيماني ويقيني إن الحق طريقه القوة".

 

ليست ذكاء اصطناعي.. محمد سيف يكشف تفاصيل جلسة تصوير شيرين عبدالوهاب الجديدة فاطمة الكاشف: زوجي رفض العمل السينمائي مع فنانة كبيرة من أجلي


وعن مصر قال "عمار يا مصر عمار ساعة الخطر بتصدي الريح .. يا مصر يا أم الحضارات يا قصة غناها ثوار، يا حمامة بتغرد في الدوح، عمار يا مصر يا مصر عمار".

 

كما كرم وزير الثقافة ورئيسة الأوبرا ١٩ شخصية ساهمت في إثراء الحياة الفنية في مصر والوطن العربي بتسليمهم درع المهرجان وشهادات التقدير وهم  " اسم الشاعر حسين السيد (مصر) ، اسم الشاعر مأمون الشناوي (مصر) ، اسم المطرب والملحن احمد الحجار ، وفنانى الخط العربى الدكتور خليفة الشيمي ومحمد حسن احمد  (مصر) ، الأستاذة الدكتورة انعام لبيب العميد الاسبق للمعهد العالى للموسيقى العربية (مصر) ، الأستاذ الدكتور محمد السيد شبانة أستاذ الموسيقى الشعبية بالمعهد العالي للفنون الشعبية (مصر) ، الشاعر إبراهيم عبد الفتاح (مصر) ، عازف العود حازم شاهين(مصر) ، عازف الكولة عبد الله حلمى (مصر) ، الموسيقار ممدوح سيف (السعودية) ، الموسيقار خالد بن حمد البوسعيدي (عمان) ، الفنان محمد محسن ، الموسيقار صلاح الشرنوبي (مصر) ، المطرب فؤاد زبادي (المغرب) ، المطرب لطفى بوشناق (تونس) ،  الموسيقار زياد الرحباني (لبنان) ، النجم محمد منير ، الأستاذة الدكتورة إيناس عبد الدايم ( وزير الثقافة الأسبق) .

مقالات مشابهة

  • إطلاق كتاب “الشيخ راشد: محطات وصور في الصحافة العربية”
  • بعد 16 عامًا من “بوشكاش”.. زينة تبدأ تصوير “الدشاش” مع محمد سعد
  • “الزعيم مبسوط”.. هشام ماجد يعيد تقديم فيلم “البحث عن فضيحة”
  • مدحت صالح يتألق في حفل افتتاح مهرجان الموسيقي العربية |صور
  • لطفي بوشناق يتألق بعلم فلسطين في مهرجان الموسيقي العربية
  • بدء حفل افتتاح مهرجان الموسيقى العربية في دورته الـ32
  • “المنفي” يستقبل رئيس الاتحاد الإفريقي
  • تقديم كتاب مذكرات الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد
  • إطلاق “واحات شما الخضراء” لتعزيز الوعي البيئي بمدارس العين