آخر تحديث: 13 أكتوبر 2024 - 9:26 صبقلم:ادهم ابراهيم لطالما كان المذهب الشيعي ، مصدرًا للهوية الدينية والسياسية للعديد من المسلمين في جميع أنحاء العالم . وداخل المذهب الشيعي، هناك اختلافات بين العقيدة العربية والفارسية (أو الإيرانية)، وقد تشكل كلاهما من خلال التاريخ والثقافة والجغرافيا السياسية. وفي حين أن كلا من الشيعة العرب وشيعة ايران يشتركان في المعتقدات الدينية الأساسية، فقد استخدمت إيران هويتها الشيعية كأداة لتوسيع نفوذها وتأكيد هيمنتها في العالم العربي، وغالباً ما يكون ذلك على حساب الزعماء والحركات الشيعية العربية المحلية .

بدأ ارتباط إيران بالمذهب الشيعي في القرن السادس عشر، عندما تبنت السلالة الصفوية المذهب الشيعي الاثني عشري كدين للدولة. وكان هذا الحدث حاسماً في تشكيل الهوية المميزة للمذهب الشيعي الإيراني، حيث ربط المعتقد الديني بالقومية الفارسية وبناء الدولة . واليوم، تعد إيران أكبر دولة ذات أغلبية شيعية في العالم، وتعتبر نفسها حامية الشيعة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن هذا الدور غالباً ما يخدم المصالح الاستراتيجية لإيران أكثر من مصالح المجتمع الشيعي الأوسع، وخاصة الشيعة العرب الذين يعيشون في مناطق سياسية متنوعة ومجزأة . إن الاختلافات بين التشيع العربي والايراني متجذرة في الثقافة واللغة والديناميات الإقليمية. ويميل الشيعة العرب، الذين يعيشون في الغالب في بلدان مثل العراق ولبنان والبحرين واليمن، إلى اتباع تقاليد دينية أكثر محلية. وتعكس مراجعهم الدينية، سياقاتهم الاجتماعية والسياسية الخاصة. ففي العراق، على سبيل المثال، تعمل مدينتا النجف وكربلاء المقدستان كمراكز رئيسة للعلوم الشيعية والمراجع الدينية، بشكل منفصل عن المؤسسة الدينية الإيرانية . في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979 طور المذهب الشيعي في ايران بنية دينية خاصة ، حيث تبنت الدولة الإيرانية بقيادة الخميني عقيدة ولاية الفقيه ، والتي تمنح رجل الدين سلطة سياسية عليا. وقد رفد هذا المبدأ المؤسسة الدينية في إيران قوة سياسية غير مسبوقة، وهذا النموذج لم يتبعه أو يتبناه العديد من زعماء الشيعة العرب بالضرورة . ومن هذا المنطلق ، استخدمت إيران المذهب الشيعي كوسيلة سياسية قومية لتصدير ثورتها وتوسيع نفوذها الجيوسياسي. لقد صورت إيران نفسها على أنها المدافع عن المجتمعات الشيعية . وقد شمل ذلك دعم الجماعات المسلحة والحركات السياسية في جميع أنحاء العالم العربي، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، ومختلف الميليشيات في العراق وسوريا. إن الجهود التي تبذلها إيران لإنشاء وكلاء لها في العالم العربي تخدم غرضين: تعزيز هيمنتها الإقليمية والحفاظ على منطقة عازلة استراتيجية ضد القوى الأجنبية. ومع ذلك، فإن هذه السياسة التوسعية غالباً ما تأتي بتكلفة كبيرة على عاتق الزعماء الشيعة العرب، ومعاناتهم من خضوع تطلعاتهم السياسية لهدف إيران الشامل المتمثل في تأمين نظامها ومصالحها . وكان العراق، محورا رئيسيا للنفوذ الإيراني منذ سقوط النظام السابق عام 2003. فقد دعمت طهران مجموعة من الأحزاب السياسية الشيعية وميليشياتها، التي أصبح بعضها لاعبين أقوياء في حكومات ما بعد الاحتلال في العراق. . ومع ذلك، غالبا ما تجد هذه المجموعات نفسها في مواجهة الاستياء بشكل متزايد من قبل شرائح كبيرة من السكان العراقيين، بما في ذلك العديد من الشيعة الذين ينظرون إلى إيران باعتبارها قوة أجنبية مهيمنة على مقدرات العراق . وقد سلطت انتفاضة تشرين التي اندلعت في العراق عام 2019 الضوء على هذه الهيمنة، حيث أعرب العديد من العراقيين عن إحباطهم من حكومتهم العميلة ، ونفوذ إيران المتزايد . وكشفت شعارات مثل “إيران بره بره” والهجمات على القنصليات الإيرانية عن معارضة عميقة الجذور بين العديد من الشيعة العرب للتدخل الإيراني . وكان رجال الدين الشيعة العراقيون الذين يتمتعون بنفس القدر من النفوذ، مثل السيد علي السيستاني، حريصين على إبعاد أنفسهم عن النموذج السياسي لطهران، مفضلين اتباع نهج وطني عراقي على سلطة ولاية الفقيه . وفي لبنان، أصبح حزب الله، المنظمة السياسية والمتشددة الشيعية، اللاعب الأقوى في سياسة البلاد. وفي حين تأسس حزب الله في الأصل في الثمانينيات كمجموعة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فقد تطور منذ ذلك الحين ليصبح وكيلاً رئيسياً لإيران في المنطقة. لقد تعهدت قيادة حزب الله باستمرار بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني، مما يوضح كيفية إعطاء الأولوية للمذهب الشيعي الفارسي على المذهب الشيعي العربي في عمليات حزب الله . لكن هذا الولاء لإيران يأتي على حساب سيادة لبنان، وقد ساهم ذلك في الشلل السياسي الذي تعاني منه البلاد. وقد أصبح العديد من اللبنانيين، بما في ذلك البعض داخل الطائفة الشيعية، ينتقدون بشكل متزايد دور حزب الله في جر لبنان إلى صراعات إقليمية – مثل الحرب الأهلية السورية – نيابة عن إيران. إن طموحات إيران الإقليمية كثيراً ما تعني التضحية بالشيعة العرب من أجل حماية نظام طهران . وسواء من خلال التدخلات العسكرية أو التلاعب السياسي، أظهرت إيران استعدادها لتقويض ، او تطويع الزعامات الشيعة المحلية عندما لا تتوافق افكارهم اوعقائدهم مع مصالح طهران. ففي اليمن، على سبيل المثال، حظي الحوثيون بدعم إيران، على الرغم من أن فرع الحوثيين الزيدي من المذهب الشيعي يختلف تمامًا عن المذهب الشيعي الاثني عشري الذي يمارس في إيران .إن تحالف الحوثيين مع طهران ليس له علاقة بالمعتقدات الدينية المشتركة بقدر ما يتعلق بالمصالح الجيوسياسية ، حيث تستخدمهم إيران كبيدق لتحقيق اهدافها في المنطقة .وكذلك الحال بالنسبة للعلوين في سوريا .لقد كشفت الحقائق السياسية في المنطقة عن خلافات كبيرة في العقائد والنفوذ بين التشيع العربي والتشيع الفارسي ، وتسعى الحركات الشيعية العربية، وخاصة في العراق ولبنان، بشكل متزايد إلى الاستقلال عن إيران .إن التوتر بين الشيعة العرب وشيعة ايران هو انعكاس لصراع ارادات ، حيث تأتي أجندة إيران التوسعية في كثير من الأحيان على حساب الشيعة العرب ومجتمعاتهم.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: المذهب الشیعی العدید من فی العراق حزب الله

إقرأ أيضاً:

الشعر للتعبير عن الألم: مقاربة أدبية لأعمال هان كانغ بعد فوزها بجائزة نوبل للآداب 2024

مسقط - الرؤية

في عام 2024، حققت الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ إنجازًا إنسانياً كبيرًا بفوزها بجائزة نوبل للآداب، وهو إنجاز تاريخي ليس فقط للأدب الكوري، ولكن للأدب العالمي. لقد عُرفت هان كانغ بأسلوبها الأدبي الفريد الذي يمزج بين الشاعرية والقسوة في معالجة موضوعات إنسانية عميقة، مثل الألم والصدمة والذاكرة، لذا فإن فوزها بهذه الجائزة لم يكن مجرد اعتراف بتميزها الأدبي، بل أيضًا تقديرًا لجرأتها في التعبير عن تجارب إنسانية مؤلمة بطرق غير تقليدية، تجمع بين اللمسة الشعرية والتحليل الفلسفي.

الاحتفال في ظل المعاناة: الصمت في مواجهة الحروب

من اللافت في قصة فوز هان كانغ بجائزة نوبل هو رفضها عقد مؤتمر صحفي أو الاحتفال بفوزها بسبب المآسي العالمية والألآم الإنسانية مع اشتعال الحرب بين روسيا أوكرانيا وللإبادة الجماعية في غزة ولبنان. من هنا رأت "الإنسانة" هان أن الاحتفال في ظل هذه الأحداث المأساوية سيكون غير لائق. توضح ذلك في رسالة نقلها والدها الروائي هان سونغ وون، حيث صرّحت هان: "مع تصاعد الحرب وقتل الناس كل يوم، كيف يمكننا أن نحتفل أو نعقد مؤتمرًا صحفيًا؟".

هذا الموقف يعكس التزام هان كانغ الشخصي بمبادئها الإنسانية التي تظهر جليًا في أعمالها الأدبية. إن قرارها بعدم الاحتفال بفوزها يعكس فلسفتها العميقة في تناول الألم، حيث تعتبر أن الفن والأدب يجب أن يكونا انعكاسًا للعالم الذي نعيش فيه، ويجب أن يكون لهما دور في مواجهة المعاناة الإنسانية بدلًا من الاحتفاء الشخصي بالإنجازات.

الألم كموضوع محوري: بين الفردي والجماعي

الألم هو المحور الذي تدور حوله الكثير من أعمال هان كانغ. ففي روايتها الشهيرة "أفعال البشر"، تتناول هان واحدة من أحلك الفصول في تاريخ كوريا الجنوبية، وهي مذبحة غوانغجو عام 1980. في هذه الرواية، تعرض هان الألم الجماعي الناجم عن هذه الصدمة التاريخية، والتي أثرت في أجيال عديدة من الكوريين وذلك عبر سرد متعدد الأصوات والشخصيات. تعكس هذه الرواية كيف يمكن للألم الجماعي أن يتحول إلى جزء من الهوية الثقافية، وكيف يمكن أن تمتد تأثيرات الصدمة لعقود طويلة بعد الحدث. إن رواية "أفعال البشر" ليست مجرد تأريخ للمأساة، بل هي استكشاف عميق لكيفية تأثير الصدمات على الأفراد والمجتمعات. من خلال تسليط الضوء على قصص الشخصيات المختلفة، تقدم هان تحليلًا لكيفية تأثير الألم على الذاكرة والتاريخ، وتعيد تعريف العلاقة بين الحاضر والماضي.

الصدمات الجماعية والذاكرة الثقافية

تتعامل هان كانغ مع الصدمات الجماعية ليس فقط كمجرد أحداث تاريخية، بل كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للشعوب. في الرواية "أفعال البشر"، تستعرض هان تأثير مجزرة غوانغجو على الذاكرة الجماعية لكوريا الجنوبية، حيث تتحول هذه الصدمة إلى جزء من الهوية الوطنية. تقدم الرواية رؤية حول كيفية تأثير الأحداث التاريخية على الأفراد والمجتمعات، وكيف يمكن للذاكرة الثقافية أن تلعب دورًا في تشكيل الهوية الجماعية. إن تسليط الضوء على الصدمات الجماعية في أعمال هان كانغ يعكس اهتمامها العميق بالعلاقة بين التاريخ والذاكرة. فهي تسعى إلى استكشاف كيفية تأثير الصدمات على الأفراد والمجتمعات عبر الأجيال، وكيف يمكن للأدب أن يكون وسيلة لتوثيق هذه التجارب والتأمل فيها.

الجسد كرمز للصراع والتمرد

في روايتها الأخرى "النباتية"، تستخدم هان كانغ الجسد كرمز للتمرد الشخصي والصراع الداخلي. البطلة يونغ هاي تقرر التوقف عن تناول اللحوم كرفض رمزي للنظام الاجتماعي والأسري المحيط بها. من خلال هذا القرار البسيط، تبدأ رحلة تمرد داخلية، حيث يتحول جسدها إلى ساحة للصراع بين رغباتها الشخصية وضغوط المجتمع. ما يجعل "النباتية" رواية فريدة هو استخدامها لجسد البطلة كرمز لأبعاد أعمق من الصراع البشري. فالجسد، بالنسبة لهان كانغ، ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الرغبات أو المشاعر، بل هو أداة للمقاومة. تتعامل البطلة مع جسدها كوسيلة للتعبير عن الألم والصراع الداخلي، وتعكس التحولات الجسدية التي تمر بها حالة التمرد النفسي والروحي التي تعيشها. بهذه الطريقة، تسلط الرواية الضوء على العلاقة المعقدة بين الجسد والنفس، وبين الفرد والمجتمع.

الصمت كلغة: الأدب كتعبير عن الفراغات

من السمات البارزة في أسلوب هان كانغ الأدبي هو استخدامها للصمت كأداة للتعبير عن الألم والفراغات التي تعجز الكلمات عن ملئها. ففي رواية "الكتاب الأبيض"، التي تُعتبر إحدى أكثر أعمالها شاعرية، تستخدم هان الصمت كرمز للفقدان والحزن. هذه الرواية تستند إلى قصة شخصية، حيث تكتب عن فقدان شقيقتها الكبرى بعد ساعات قليلة من ولادتها. هنا تعبر هان عن هذا الألم من خلال ملاحظات قصيرة عن أشياء بيضاء، مثل الثلج والحليب والقطن، حيث يصبح اللون الأبيض رمزًا للحزن والصمت. في "الكتاب الأبيض"، يتجاوز الصمت دوره التقليدي كفراغ بين الكلمات، ليصبح جزءًا من النص نفسه. هذا الصمت يعبر عن حالة من الحزن العميق الذي يتعذر التعبير عنه بالكلمات. يعكس هذا الاستخدام المبتكر للصمت قدرة هان على تحويل الفراغات إلى مساحات مليئة بالمعاني والمشاعر.

نجاحها العالمي: الأدب كلغة عالمية

لقد أتى نجاح هان كانغ على الساحة الأدبية العالمية من خلال ترجمة أعمالها إلى لغات مختلفة، وخاصة روايتها "النباتية" التي حازت على جائزة مان بوكر الدولية عام 2016. هذه الرواية لم تكتسب شهرة عالمية فقط بسبب موضوعها الفريد، بل أيضًا بسبب قدرة المترجمين على نقل روح النص وجماله الشعري إلى اللغات الأخرى. لذا يعد نجاح هان كانغ على الصعيد العالمي دليلاً على قوة الأدب في تجاوز الحدود اللغوية والثقافية. إن تناولها لموضوعات إنسانية شاملة مثل الألم والصدمة يعكس قدرة الأدب على التواصل مع جمهور عالمي، حيث يجد القراء من مختلف الثقافات صدى لتجاربهم الإنسانية في أعمالها.

الختام: فوز مستحق وأدب خالد

إن فوز هان كانغ بجائزة نوبل للآداب لعام 2024 ليس فقط تكريمًا لمسيرتها الأدبية، بل هو اعتراف عالمي بقوة الأدب في معالجة القضايا الإنسانية الكبرى. لقد استطاعت هان من خلال كتاباتها أن تجعل الأدب وسيلة للتعبير عن أعماق الألم الإنساني، وأن تقدم رؤية شعرية وفلسفية للمعاناة والذاكرة. إن أعمال هان كانغ لا تتوقف عند حدود السرد القصصي، بل تقدم دعوة للتأمل في التجارب الإنسانية الأعمق، وتدعو القراء للمشاركة في رحلة استكشاف الذات والهوية. فوزها بجائزة نوبل هو تتويج لمسيرة أدبية استثنائية، وهو تذكير بأهمية الأدب في مواجهة التحديات الكبرى للعالم والبحث عن معانيها الأعمق.

 

مقالات مشابهة

  • لتدمير ما تبقى من البلد..الصحة النيابية تدعو إلى تعيين النازحين اللبنانيين الشيعة في دوائر الدولة
  • باسيل: أي محاولة لعزل الطائفة الشيعية هو تخريب للبنان
  • الشعر للتعبير عن الألم: مقاربة أدبية لأعمال هان كانغ بعد فوزها بجائزة نوبل للآداب 2024
  • إيران حذّرت حلفاء أمريكا العرب من مساعدة {إسرائيل}
  • هل تُعادي إيران العرب؟
  • الحرارة المرتفعة مستمرة في 5 محافظات
  • أكتوبر في التاريخ العربي المعاصر
  • النفط يواصل الارتفاع وسط مخاوف جيوسياسية وعاصفة أمريكية
  • المندلاوي:نرفض استهداف إيران ويجب إيقاف الحرب في غزة ولبنان