الوضع في المنطقة على حدّ السكين، كما تراه واشنطن. فبعد غزة والمواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، الوضع في جنوب لبنان يصبح أكثر خطورة، خصوصاً بعد استهداف إسرائيل مواقع قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الـ«يونيفيل» على مدى يومين متتاليين، ما يجعل العلاقة بين إسرائيل والمجتمع الدولي، خصوصاً دول قوات الـ«يونيفيل»، تغلي من التوتر.
تصاعد استفزاز إسرائيل للـ«يونيفيل»، عبر ما وصفته القوة الدولية بوضع إسرائيل لقواتها العسكرية بمحاذاة القوات الدولية، ما يعرضها للخطر خلال المواجهات بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله». وتأتي هذه الأزمة الجديدة بين الأمم المتحدة وإسرائيل بعد سنة من التوتر مع المنظمة الدولية، كان آخرها تصنيف وزير خارجية إسرائيل للأمين العام للأمم المتحدة بأنه شخص غير مرغوب فيه في إسرائيل، ومحاولات إقفال مكاتب الـ«أونروا»، الهيئة الأممية التي تهتم بأمر اللاجئين الفلسطينيين.
لمواجهة الأخيرة في جنوب لبنان لها أبعاد سياسية وعسكرية وجيواستراتيجية
لكن هذه المواجهة الأخيرة في جنوب لبنان لها أبعاد سياسية وعسكرية وجيواستراتيجية. فإسرائيل تطلب من القوة الدولية أن تنسحب عن الحدود اللبنانية؛ حيث تقوم إسرائيل بما تسميه «عملية محدودة» لكي تبعد، حسب قولها، مسلحي «حزب الله» عن الحدود الإسرائيلية لما بعد نهر الليطاني، لكي تتمكن من إعادة سكانها الذين هجرهم قصف «حزب الله» من منازلهم لمدة سنة حتى الآن.
السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة قال إن على هذه القوات أن تنسحب خمسة كيلومترات من أجل سلامتها. لكن المسألة ليست مسألة كيلومترات، بل عدم وجود ثقة بإسرائيل وأهدافها من التوغل ومداه ومدته، والتخوف من أن يتحول إلى احتلال دائم، كما حدث بعد اجتياح عام 1982، عندما احتلت إسرائيل بيروت بعد «عملية محدودة»، كما احتلت جنوب لبنان لمدة 18 سنة.
تأتي العملية هذه المرة وسط جو دولي منقسم ومأزوم، وفقدان الثقة، كما تقول واشنطن، بينها وبين إسرائيل، وحملة انتخابية يستغلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أقصى درجة، لكي يحقق جميع أهدافه الاستراتيجية في وجود رئيس أمريكي فقد كل قوته السياسية، بعدما أشرف عهده على الانتهاء، وهو غير قادر، أو لا يريد أن يغضب إسرائيل، خوفاً على خسارة حزبه الانتخابات الرئاسية. فرئيس الوزراء الإسرائيلي بكل بساطة لا يستمع إلى ما يقوله الرئيس الأمريكي، وهناك مَن يتهمه بأنه لا يريد فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
واشنطن تؤيد التوغل الإسرائيلي في جنوب لبنان، وما تصفه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأن تستمر في هجماتها البرية والجوية على «حزب الله»، كما قال الناطق باسم الخارجية الأميركية، ولكنه اعترف بوجود خطر توسع العملية أبعد من أهدافها الحالية.
وعندما سُئل عن مدى حجم هذه الحملة، أجاب بأنه من الصعب التنبؤ بذلك، وحتى إسرائيل لا تعرف، ومن المستحيل معرفة كم ستستغرق إسرائيل لتحقيق أهدافها، للتخلُّص من البنية التحتية لـ«حزب الله» في جنوب لبنان، وإعادة الإسرائيليين إلى بيوتهم. ولكنه ذكّر بأنه عندما شنَّت إسرائيل عملية محدودة من قبل تحولت إلى احتلال طويل الأمد. في هذا الوقت تزداد الهجمات الإسرائيلية على بيروت، وجميع المناطق اللبنانية، وتحصد المئات من المدنيين.
الجميع يدعو إلى وقف لإطلاق النار. أعضاء مجلس الأمن خلال آخر جلسة طالبوا بوقف إطلاق نار فوري، خصوصاً غالبية الدول الخمس الكبرى، لكن المندوب الأمريكي اكتفى بالقول إن الحل الدبلوماسي هو الطريق الوحيد لإعادة الهدوء.
هذا يعني أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار الآن، أي لم يحن أوانه، خصوصاً إذا تذكرنا أمرين: الأول أنه حتى اليوم، وبعد مرور سنة على الحرب على غزة، فشل مجلس الأمن في التوافق على وقف دائم لإطلاق النار وحل سياسي.
الانقسام الحالي في مجلس الأمن مستمر وسيحول دون وقف النار
والأمر الثاني، وهو متصل، هو أن الانقسام الحالي في مجلس الأمن مستمر، وسيحول دون وقف النار، ونحن رأينا في آخر جلسة عن لبنان هذا الأسبوع كيف تبادل مندوبو أمريكا وروسيا الاتهامات بخرق القانون الدولي في أوكرانيا للروسي، والشرق الأوسط للأميركي. وسط هذا الجو في المجلس، من المستحيل توقع التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
لكن لبنان يمكنه أن يحصل على وقف للقتال، عبر الإصرار على تطبيق قرار مجلس الأمن «1701»، الذي يضم كل الشروط المطلوبة لوقف النار، ويوفر خريطة طريق لانسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب، وأن يكون هو القوة العسكرية الوحيدة الموجودة في هذه المنطقة.
ويجب التذكير بأنه منذ تم التوصل إلى القرار «1701» بعد انتهاء حرب تموز 2006، لم يكن الهدوء النسبي الذي عاشته المنطقة هو نتيجة وقف لإطلاق النار. الذي كان سارياً، وحسب القرار، هو «نهاية الأعمال العدائية» بين الطرفين، ولا ذكر لكلمة وقف النار، لأن إسرائيل رفضت وقف النار، وطالبت بشروط موجودة في القرار اعتبرت أن لبنان لم ينفذها، وهي أيضاً لم تتمسك بتنفيذ القرار كاملاً، فاستمرت في خروقاتها الجوية والبحرية والبرية للأراضي والسيادة اللبنانية.
وهناك آلية متوفرة، هي اللجنة الثلاثية التي تضم عسكريين من قبل إسرائيل ولبنان والأمم المتحدة، والتي يمكن تقويتها وتوسعتها لتضم دولاً كبرى ونافذة للتحقق من انسحاب إسرائيل وانتشار الجيش اللبناني، وأن يكون وحده القوة العسكرية على الأرض، لكن دون كل هذا عراقيل، أولها قبول إسرائيل بإعادة الوضع إلى ما كان عليه لجهة الهدوء على جبهة الجنوب، وسحب قواتها خارج الأراضي اللبنانية، وقدرة لبنان على نشر الجيش وضمان عدم وجود قوات عسكرية غير الجيش في المنطقة، ما يعني ذلك الحصول على موافقة «حزب الله» سحب قواته إلى ما بعد نهر الليطاني.
وهذا لا يبدو متوفراً حتى الآن، وأخيراً هو أن كل تقدم للقوات الإسرائيلية داخل لبنان يجعل نافذة الحل السياسي تقفل أكثر. لهذا فإن الوقت أيضاً هو على حد السكين في لبنان.
الشرق الأوسط
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان حزب الله لبنان الولايات المتحدة حزب الله الاحتلال التهدئة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة تكنولوجيا رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقف لإطلاق النار فی جنوب لبنان مجلس الأمن وقف النار حزب الله
إقرأ أيضاً:
قتيل في قصف اسرائيليي على جنوب لبنان
بيروت - قتل شخص الأربعاء 16ابريل2025، جراء ضربة اسرائيلية استهدفت سيارة في جنوب لبنان، وفق ما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، فيما قال الجيش الاسرائيلي إنه استهدف مقاتلا في حزب الله.
ورغم وقف إطلاق النار منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر، تواصل إسرائيل شنّ ضربات بشكل شبه يومي على أهداف تقول إنها تابعة لحزب الله خصوصا في جنوب لبنان.
وأوردت وزارة الصحة اللبنانية أن "الغارة التي شنها العدو الإسرائيلي بمسيرة على سيارة في وادي الحجير أدت إلى سقوط شهيد" الأربعاء.
في المقابل، قال الجيش الاسرائيلي إنه استهدف "إرهابيا يعمل في قوة الرضوان في حزب الله اليوم في منطقة القنطرة في جنوب لبنان"،القريبة من وادي الحجير.
وجاءت الغارة غداة مقتل شخصين بضربة إسرائيلية على سيارة أيضا، وفق الوزارة التي ذكرت بأن أحد الأشخاص الثلاثة الذين أصيبوا في غارة الثلاثاء في بلدة عيترون في الجنوب، وهو شاب يبلغ من العمر 17 عاما، توفي متأثرا بجروحه.
وقال الجيش الإسرائيلي الثلاثاء إنه "قضى على قائد خلية في منظومة العمليات الخاصة في حزب الله".
وأعلنت الأمم المتحدة أنها أحصت مقتل 71 مدنيا على الأقل بنيران اسرائيلية منذ سريان وقف اطلاق النار بين حزب الله واسرائيل.
والأسبوع الماضي، أفاد النائب عن حزب الله حسن فضل الله خلال مؤتمر صحافي بمقتل 186 شخصا وإصابة 480 آخرين بجروح، منذ بدء وقف إطلاق النار، من دون أن يحدد عدد قتلى حزب الله بينهم.
ولم ترد وزارة الصحة اللبنانية على طلبات فرانس برس لتأكيد حصيلة الضحايا.
ويطالب لبنان المجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لوقف هجماتها الدامية والانسحاب من خمسة مرتفعات "استراتيجية" أبقت قواتها فيها، بعد انقضاء مهلة انسحابها في 18 شباط/فبراير.
ونص الاتفاق على انسحاب مقاتلي حزب الله من المنطقة الحدودية الواقعة جنوب نهر الليطاني، وتفكيك بناه العسكرية فيها، في مقابل تعزيز الجيش وقوة الأمم المتحدة الموقتة (يونيفيل) لانتشارها قرب الحدود مع اسرائيل.