خطاب حميدتي تحت مبضع جراحي التحليل السياسي

فيصل محمد صالح

وجد الخطاب الذي وجّهه الجنرال حميدتي، مساء الأربعاء الماضي، اهتماماً كبيراً من جمهور الداخل والخارج والمراقبين والمحللين المحليين والإقليميين، بجانب أطراف الحرب والقوى المنخرطة فيها. ورغم دعوات تجاهل الخطاب التي ظهرت في جانب من معسكر الحرب، والادعاء بأنه لم يعد مهماً، فإن ردود الفعل عليه تثبت أنه تمتع بمشاهدة ومتابعة عاليتين.

بعد لحظات من نشر الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي، انهالت على المنصات والمنابر محاولات قراءة الخطاب وتحليله، بقدرات وإمكانيات مختلفة بالتأكيد؛ بعضها دخل إلى عملية التحليل ولديه موقف مسبق؛ مؤيد أو معارض، وأجندة معدّة مسبقاً. رغم ذلك فإن هناك نقطة اتفاق وإجماع بين الكثيرين؛ إما أنها مكتوبة بشكل مباشر وإما بشكل غير مباشر، وهي أن التساؤلات حول حياة وموت حميدتي قد توارت بعيداً أو اختفت تماماً. في المرات السابقة كانت السوشيال ميديا تنفجر بالجدال والنقاش حول حياته وموته، ويعود للناس الحديث عن الذكاء الاصطناعي والروبوتات. هذه المرة ابتدأ المعارضون والمخالفون والمؤيدون والمحايدون من نقطة أنه حميدتي، ثم سجلوا مواقفهم.

ولعل ما ساهم في ذلك أن حميدتي تخلى هذه المرة عن الخطابات الجامدة والمكتوبة باللغة الفصحى، والتي كان يجد صعوبة في قراءتها، وفضّل الرجل الخروج عن ذلك والحديث بطريقته البسيطة غير المرتبة والمرتبكة أحياناً، فعرفه السودانيون وقالوا إنه هو بشحمه ولحمه.

اختلف الناس حول تلخيص الخطاب ومغزاه، وحاول البعض القول إنه إعلان بالهزيمة والاستسلام، ودليل على ضعف وتراجع قدرات «قوات الدعم السريع»، والحقيقة أنه واحد من أخطر الخطابات منذ بداية الحرب، بغض النظر عن التقييمات المختلفة لموقف «الدعم السريع» على الأرض.

الرجل أقر بالهزيمة في منطقة «جبل موية»، وهي قد تبدو مجموعة قرى صغيرة، لكنها نقطة تلاقي طرق ذات أهمية استراتيجية، لكنه انطلق من ذلك لمرحلة جديدة في إعلان المواقف، فقد تبنى خطاباً قبلياً وجهوياً غير معهود، أو كان يتجنبه من قبل، ثم وجّه بعض الاتهامات لأفراد بالاسم من الحركة الإسلامية والقيادة العسكرية، وعبر عن غضب شديد قد ينعكس في مغامرات عسكرية خلال الأيام المقبلة، ثم خرج من الحذر الذي كان يغلف مواقفه من بعض القوى الإقليمية والدولية فوجّه اتهامات لمصر بالمشاركة في الحرب ضده كما انتقد بعض القوى الإقليمية والدولية.

المؤكد أنه ليس خطاب استسلام وإعلان الهزيمة، ربما تكون تلك رغبة البعض، لكن الاتكال على الرغائبية لن يقود للقراءة الصحيحة، وربما تعقب الخطاب عملياتٌ عسكرية كبيرة، وحتى انتحارية تزيد من تعقيد الأوضاع على الأرض ومن معاناة السكان المدنيين. كما أن عملية التجييش القبلي والإثني ستزداد وتيرتها بدرجة تزيد من خطورة الأوضاع وتؤدي لانقسام مجتمعي أكبر يكون مقدمة للتقسيم السياسي أو الإداري، خاصة مع غياب أي إشارة للتفاوض والسلام.

واتهام حميدتي مصر بالمشاركة في الحرب عبر سلاح الطيران المصري، يمثل نقطة تحول في علاقات «الدعم السريع» الإقليمية والدولية. لدى حميدتي تحفظات على الدور المصري الذي ظل داعماً للبرهان طوال الفترة الانتقالية، لكنه لم يرغب في الدخول في صراع مباشر، وربما ليس قادراً على ذلك. وحتى بداية الحرب فقد ارتبطت بوجود القوات المصرية في قاعدة مروي العسكرية، وهي قصة معروفة انتهت بأسر الجنود المصريين مع بداية الحرب، ثم تسليمهم لبلادهم.

وظل حميدتي يشكو في اللقاءات الخاصة من الدعم المصري لبرهان، لكنه احتفظ في الوقت نفسه بشعرة معاوية مع مصر، ولم ينتقدها علناً إلا هذه المرة. لكن حميدتي يتحدث الآن عن مشاركة في القتال بطلعات سلاح الجو المصري، وهو أمر يحتاج لأدلة وبراهين لم يقدمها حتى الآن.

نحن أمام مرحلة جديدة سيصاحبها تصعيد عسكري من الجانبين، وخفوت صوت الدعوات للسلام والتفاوض، وارتباك في العلاقات مع الأطراف الإقليمية والدولية، وربما تغيير في التحالفات مع ظهور محور إقليمي جديد «مصر – إريتريا – الصومال». وإذا جمعنا ذلك مع انزواء الدور الأميركي مع الدخول في المرحلة النهائية للانتخابات الرئاسية، وانشغال المجتمع الدولي بالأحداث في لبنان وغزة، فإن السودان سيواجه مرحلة مخيفة وسط تجاهل إعلامي كبير. وإن لم تتحرك الكتلة المناهضة للحرب باستراتيجية وشعارات جديدة وعمل على الأرض وحراك إقليمي ودولي كبير، فلن يفعل ذلك طرف آخر، وسيصبح السودان غنيمة لأحد طرفي الحرب.

* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

الوسومالبرهان الدعم السريع السودان الشرق الأوسط جبل موية حميدتي سلاح الطيران فيصل محمد صالح مصر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البرهان الدعم السريع السودان الشرق الأوسط جبل موية حميدتي سلاح الطيران فيصل محمد صالح مصر الإقلیمیة والدولیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

هذا هو حميدتي .. خطاب إعلان الإفلاس

أول ملاحظة في خطاب حميدتي هي خروجه لمخاطبة الناس بشكل مباشر على غير العادة حيث كان يخرج بخطاب معد ومكتوب يعبر عن رؤية محددة هي رؤية التحالف السياسي للمليشيا وقحت.

لقد جاء الخطاب هذه المرة بشكل تلقائي وحميدتي (نسبة إلى حميدتي نفسه) للغاية. خطاب يعبر عن غياب المشروع وغياب الرؤية. لقد حصر حربه في الدفاع عن النفس وعاد مرة أخرى إلى المظلومية والتبرير والندم، كعادته دائما.

إذا قرأنا هذا مع حديث الناطق باسم حلفاء المليشيا بكري الجاك وحديث ياسر عرمان والاثنين أظهرا تراجعا واضحا في الموقف من الجيش، وكذلك الكلام الذي خرج من إعلام المليشيا، هجوم عبدالمنعم الربيع العنيف على قحت، وكذلك “جوج ماجوج” أحد القادة الميدانيين، كل ذلك يدل على أن التحالف بين المليشيا وقحت قد تصدع وربما انهار. فقد فشل كل طرف في توفير ما يريده الطرف الآخر؛ فشلت المليشيا عسكريا وفشلت قحت في توفير الغطاء السياسي داخليا وخارجيا.

في نفس السياق فقد هاجم حميدتي الاتفاق الإطاري وقال إنه سبب الحرب. في حين أنه في بداية الحرب وفي اليوم الأول قال إن حربه هي من أجل تنفيذ الاتفاق الإطاري. وهذا الكلام هو تماما عكس ما كان يقوله قبل الحرب. والتسجيلات موجودة.

لقد خرج حميدتي ليقول لمقاتليه أنهم يقاتلون بلا مشروع وبلا رؤية ولا أهداف. فلا أدري كيف يريدهم أن يستمروا في القتال!

لذلك فهذا الخطاب هو خطاب إعلان الإفلاس. لقد أعلن فشل الاتفاق الإطاري وأنه تسبب في الحرب. وألقى باللوم على الدول التي كانت تقف وراء الاتفاق الإطاري وحملهم المسئولية فيما وصلت إليه البلد. ويبدو أن حميدتي يبحث كعادته عمن يعلق عليه فشله مثل كل مرة.
السؤال الطبيعي هو إذا كان حميدتي يرى أن الإطاري سيتسبب في الحرب، فلماذا كان يدافع عنه بتلك القوة ولماذا ظل يحشد قواته لشهور في الخرطوم استعدادا لهذه الحرب؟ أما كان الأفضل عدم المضي في هذا الاتفاق؟

لم يقل لنا حميدتي من الذي أقنعه بالاستمرار في دعم هذا الاتفاق وحشد القوات لشهور في الخرطوم وإعداد مسرح الحرب.

بربك ما الذي كنت تتوقعه وأن تدعم اتفاقا تعرف أنه سيشعل الحرب وسيدمر البلد وبالتزامن مع ذلك كنت تعمل على تجهيز قواتك للحرب. فأنت شاركت في الإتفاق وأنت أعددت للحرب. فهذه الحرب ليست بين الجيش وقحت، ولكنها بين الجيش والدعم السريع. أنت طرف في الحرب وطرف أساسي، فكيف تتكلم عنها وكأنها شيء خارج عن إرادتك تسبب فيه الاتفاق الإطاري. أنت قررت أن تحارب بدليل استعدادك لها مع دعمك لسببها الرئيسي، وأنت كنت تعلم أن الوسيلة الوحيدة لتنفيذ الاتفاق الإطاري هي الحرب وعملت لها.

منتهى الغباء مع الجبن والهروب من المسئولية. الإطاري هو سبب الحرب ولكن أداة الحرب هي الدعم السريع، وبدون الدعم السريع لا يمكن للإطاري أن يتسبب في الحرب؛ لأن قحت لا تملك السلاح.

أنت دمرت قواتك ودمرت أهلك ونفسك ودمرت البلد والشعب السوداني. ولكنك أجبن من أن تواجه هذه الحقيقة، لذلك تبحث عن شماعات لفشلك.

الحقيقة هي أن حميدتي أراد أن يحكم. وحارب لأجل ذلك؛ وحارب بكل قوة وبكل جدية؛ إستعد لهذه الحرب لفترة طويلة وتلقى دعما هائلا بالمال والسلاح والمرتزقة وعقد تحالفات سياسية وتلقى وعود خارجية بالدعم والمساندة. حارب بكل ما يملك ولكنه فشل وخسر الحرب. هذه هي الحقيقة.

والآن جاء يتكلم بهذا الارتباك والضعف تحت وطأة الهزيمة الأخيرة في جبل مويا. رغم أنها ليست الهزيمة الوحيدة التي تلقتها المليشيا في الأيام الأخيرة. ولكن لأن خطابه انفعالي ولحظي فقد تجاهل بقية محاور القتال. لم يتطرق أبدا إلى الخرطوم ومعركة عبور الجسور إلى الخرطوم وبحري وتمدد الجيش في العاصمة. ترى ما هي الرسالة التي تتلقاها بقايا المليشيا في العاصمة ودارفور والجزيرة وهي ترى القائد حميدتي يتجاهل حتى وجودها. ربما ظنوا أن القائد قد نسيهم ونسي وجودهم وأنه لا يملك ما يقدمه لهم.

لقد تكلم كشخص مهزوم يستجدي جنوده كي يقاتلوا من أجل هدف غير موجود. إذا كنت قائد عسكري في المليشيا وأملك القليل من العقل لماذا أستمر في هذه الحرب؟ فهي حرب خاسرة بالمقاييس العسكرية باعتراف القائد نفسه وبلا هدف سياسي وتضعني في مواجهة شعب كامل وجيش يملك سلاح طيران فتاك؟ لماذا أقاتل؟

أخيرا، ما دامت هذه حرب بلا مشروع ولا أهداف كما هو واضح من خطاب قائد المليشيا، وقد خسرتها المليشيا باعتراف قائدها، أتمنى أن يجدد القائد العام للجيش مرة أخرى النداء لمن تبقى من المليشيا لكي يستسلموا ويسلموا أنفسهم، مع عفو عام عن كل من لم يرتكب جريمة بحق المواطن. كفرصة أخيرة.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • خطاب خطير ثم بيان حاد.. لماذا انفجر غضب حميدتي من مصر فجأة؟
  • خطاب حميدتي الفضيحة
  • حميدتي محبط ويائس ومخذول
  • محللون: خطاب حميدتي إعلان هزيمة وفشل لمشروعه السياسي
  • حميدتي.. خطاب خلط الأوراق
  • هذا هو حميدتي .. خطاب إعلان الإفلاس
  • حميدتي ينعي الدعم السريع بطريقة حزينة
  • بعد التقدم المفاجئ والسريع .. حميدتي يتهم الجيش المصري بقصف الدعم السريع ... والقاهرة ترد
  • حميدتي يتهم الجيش المصري بقصف الدعم السريع.. والقاهرة ترد (شاهد)