العرب وقدرات الكيان الخارقة..!
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
منذ حدثت عملية تفجير (البيجرات) وأجهزة اللاسلكي في لبنان مستهدفة قيادات وقواعد المقاومة الإسلامية اللبنانية ممثلة بحزب الله، ووسائل الإعلام العربية وخاصة تلك التي تتبع أنظمة مرتهنة وتابعة لأمريكا والكيان الصهيوني، تتحدث عن عملية (اختراق الصهاينة) للمقاومة وأنها- أي المخابرات الصهيونية- استطاعت اختراق قيادة وقواعد المقاومة، بل وتتحدث هذه الوسائل عن قدرات تجسسية صهيونية طالت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقياداتها ورموزها السيادية.
قد يكون طبيعيا وجود حرب استخبارية بين العدو وفصائل المقاومة والدول والأنظمة المعادية للكيان، فهذا شيء طبيعي، لكن ما هو غير طبيعي هو هذا التهويل الذي يسوق ويظهر الكيان وكأنه يعرف الصغيرة والكبيرة عن المقاومة وعن محور المقاومة وهذا التضخيم يسوقه الكيان ليرعب به خصومه ويزرع الشكوك في أوساطهم ليخلق حالة من الارتباك وزرع بذور الشك في أوساط أعضاء الفصائل المقاومة وجعل كل فرد يشك بالأخر وهذا ديدن الكيان الصهيوني منذ تأسس وهو يعتمد هذه النظرية وهي نظرية التضخيم الوهمية لقدراته الاستخبارية..؟
لا شك في أن هناك حالة اختراق قد حدثت إلى جانب القدرات الاستخبارية التي سخرت لخدمة الصهاينة من قبل أمريكا وبريطانيا وأجهزة الاستخبارات الغربية، ناهيكم عن الأقمار التجسسية والطائرات بدون طيا، مضاف إلى كل هذا جواسيس على الأرض مجندين لخدمة أجهزة استخبارية عربية وأجنبية وصهيونية وهؤلاء تم تجنيدهم لخدمة الصهاينة في نقل المعلومات عن المقاومة ورموزها وتحركاتهم، وخاصة في مجتمع مفتوح كالمجتمع اللبناني الذي تنشط فيه الكثير من أجهزة الاستخبارات العربية والدولية، وهذا ليس فعلاً من معجزة حققها الصهاينة، بل هو ظاهرة يمكن حدوثها في ظل مواجهة تدور بين المقاومة والعدو، الذي نفترض انه تمكن من اختراق المقاومة بما نسبته 20 ٪ تزيد النسبة قليلا أو تقل، فهذا فعل يمكن حدوثه، لكن هذا السلوك لا يعني نهاية المقاومة ولا يعني قدرة العدو وسيطرته، إذا ما قارنا قدرات العدو وشركائه وحلفائه وإمكانياتهم مقابل قدرات وإمكانيات المقاومة التي نحني لها الهامات، لأنها تنازل عدواً تراجعت أمامه كل جيوش الأمة وأجهزتها ومع ذلك علينا أن نعرف أن هؤلاء الذين يتحدثون عن قدرات العدو التجسسية عليهم أن يدركوا أن دولهم وانظمتهم وجيوشهم وأجهزتهم الأمنية والاستخبارية ومجتمعهم مخترقون صهيونيا وبنسبة، 100 ٪ إن كانت المقاومة مخترقة بنسبة 20٪ تزيد أو تقل هذه النسبة لكنهم وهم دول وجيوش مخترقون بطريقة أن العدو يدرك أدق التفاصيل لكل ما يجري في تلك الدول والأنظمة..!
ثم إن العدو الصهيوني اعتاد أن يضخم قدراته التجسسية، وكلما يسقط شخص عدو له حتى وإن سقط قضاء وقدر يعمل هذا الكيان على تسريب معلومات بأنه كان وراء رحيل هذا القائد أو ذاك، حتى يرعب ويرهب البقية من خصومه ويزرع في الوعي الجمعي هالة من أساطير زائفة مهمتها ردع الخصوم واشعارهم بقدرات الكيان التجسسية وهذه القضايا تفصل ويشرف عليها علماء نفس وأطباء متخصصون في مجال الدعاية والحرب النفسية وبما يتسق مع نفسية المجتمع المراد تخويفه بقدرات الاستخبارات الصهيونية التي بالمناسبة تعد من أكثر الأجهزة الاستخبارية فشلا في كثير من المهام، بدليل طوفان الأقصى وحرب أكتوبر قبل ذلك وفي كثير من المحطات التي هزمت بها الاستخبارات الصهيونية.
إن ما حدث في لبنان نعم اختراق تقني غير مسبوق، وحدث اختراق عن طريق أجهزة التجسس ونظام التجسس الصهيوني الشهير (باجسوس) أو هكذا يطلق عليه..
لكن الأكثر من ذلك كان التجسس البشري، ففي لبنان قوى معادية للمقاومة وتنشط لحساب أكثر من نظام إقليمي ودولي وقد لعب هؤلاء دورا في تقديم معلومات للعدو وخاصة عن البنية التحتية لحزب الله ومقراته والتي هي معروفة لكل أبناء لبنان، وكذلك عناصر الحزب السياسية تحديدا وهي معروفة لكل أبناء لبنان بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، وما نشاهده اليوم من استهداف للبني التحتية التابعة للحزب وهي منشآت خدمية وتنموية واجتماعية..
مؤسف وفق هذا السياق أن نجد بعض _الناطقين بالعربية _يتحدثون بقدر من التهويل والتضخيم لقدرات الكيان العسكرية والأمنية والاستخبارية وهذا التسويق التهويل عن قدرات العدو الاستخبارية وهذا ما يعمل على تسويقه العدو ويرحب به بل ويعمل على تغذيته وفق استراتيجية (كي الوعي) وزرع في الذاكرة العربية الجمعية مثل هذه الأساطير الخارقة عن قدرات الكيان كجزء من حرب نفسية وثقافة ردع وتخويف لكل خصوم الكيان، وكأن العدو في السابق دفع يدفع تكاليف هذه الشائعات وينفق عليها ملايين الدولارات، فيما اليوم يحصل على هذه الخدمة مجانا ويقوم بها بعض العرب للأسف، مع العلم أن هذا الكيان يتعرض لعملية اختراق امني واستخباري أكثر إيلاما له ولمجتمعه وعجز عن التصدي لها مثل العمليات الاستشهادية التي قامت بها المقاومة ولا تزال داخل العمق الصهيوني، وتعرض لعمليات اختراق غير معلنة رغم خطورتها وعلى يد المقاومة في فلسطين ولبنان ويخوض معركة استخبارية شرسة مع سوريا وإيران وحزب الله مسارحها مدن العالم، قطعا لا يعلن عنها، فحرب الاستخبارات لا يتم الإعلان عنها لا من قبل الفاعل ولا من قبل المفعول به، بل تظل مثل هذه العمليات طي الكتمان لعقود طويلة..!
وقد تكون عملية طوفان الأقصى أكبر ضربة استخبارية توجهت للعدو وأسقطت هالته الوهمية وكل أساطيره الزائفة، ولهذا جاء رد العدو متجاوزا كل القيم والأخلاقيات القانونية والإنسانية التي عكست نفسها بردود انتقامية غير مسبوقة تجاوز فيها العدو كل المعايئر لدرجة استهانته ليس بالقوانين الدولية وأخلاقيات الحروب وتقاليدها، بل أهان المنظمات الدولية وبوقاحة سافرة وظهر وكأنه فوق العالم وقوانينه.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
عقدة “بيت العنكبوت” تطارد نتنياهو
أول سطر في كتاب التحرير “بيت عنكبوت”، خطه القائد المقاوم بأحرف من نور النصر، مفتتحًا زمن الانتصارات معلنًا وأد زمن الهزائم، بضع كلمات حفرت عميقًا في وجدان الأمة، أنهضتها من سباتها العميق فانبعثت آمالها من جديد باستعادة الحقوق التاريخية المسلوبة قسرًا، يوم شهدت وشهد العالم معها مصداق التحرير في جنوب لبنان من رجس الاحتلال وكيف فرّ جيش صوروه بأنه “لا يقهر” هاربًا تاركًا خلفه كل شيء.. شاهدوا يومها نثر الأرز والزغاريد والأناشيد وسمعوا الشكر والحمد على التحرير (“الحمد الله اللي تحررنا”) .. يومها فقط رأوا بأم أعينهم الفرحة العارمة التي لا توصف لشعب حقق عزته وكرامته بسواعد مجاهديه، ولم ينتظر قمم العرب ومبادراتهم ومؤتمراتهم، ولا مساعداتهم المرهونة بتوقيع اتفاقات الذل والاستسلام.
خمسة وعشرون عامًا تقريبًا وصدى عبارة “بيت العنكبوت” التي وصّف بها سماحة الشهيد القائد السيد حسن نصر الله “إسرائيل” تتردد على مسامعنا، مذ أطلقها سماحته من بنت جبيل في خطاب النصر والتحرير في 25 أيار 2000، دخلت التاريخ من بوابته الواسعة، كونها خطت بدماء وتضحيات المقاومين، وأسست لمرحلة مفصلية دخل فيها لبنان ومعه المنطقة كلها زمن الانتصارات، بعدما ولى زمن الهزائم.
أبدع بعض العرب ربما بابتداع مصطلحات هزيمتهم، فخط المفكر القومي قسطنطين زريق مصطلح “النكبة” بعد تأسيس الكيان على هياكل الشعب الفلسطيني عام 1948، كذا فعل “صحفي القرن” الراحل محمد حسنين هيكل يوم تلاعب بعبارة الهزيمة فاجترع مصطلح “النكسة” للتخفيف من وطأة انكسار العرب كي لا تتحول هزيمتهم نكبة ثانية لا تقوم لهم قائمة بعدها، لكن سيكتب التاريخ أن أول من كتب أسطر النصر بالخط العريض كان سماحة السيد حسن نصر الله بعبارته الشهيرة:”والله، إسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت”.
وإذا كانت مصطلحات “النكبة” و”النكسة” أسست لمرحلة طويلة من الانهزام العربي، ودفعت أصحاب القضية من الدول المعنية للتنازل عن خيار المقاومة والاستسلام لخيار الخنوع بمسمى “السلام” في “كامب ديفيد” و”أوسلو” و”مدريد”، فإن لبنان ومعه سورية لم يدخلا قط في قطار الهزيمة، فكانت المقاومة وتعاظمت وكبرت لتحقق في العام 2000 أول نصر وتحرير لأراضٍ عربية بقوة المقاومة والسلاح، ولتكتب بعد ذلك صفحات من العز والكرامة كانت الأمة بأمس الحاجة إليها لتستنهض من جديد وتحيي شعلة آمالها بأن تحرير فلسطين لم يعد خيالاً أو بدعة، بل صار قابلاً للتحقق كما حصل في جنوب لبنان.
ولأن عقدة “بيت العنكبوت” كانت بحجم الأمة وأخرجتها من حالة “كي الوعي” إلى حالة “قمة الوعي” بحتمية النصر بحال سلوك خيار المقاومة، فإن وقعها كان أقسى وأشد وطأة على كيان العدو، وليس غريبًا أن نرى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو مهجوسًا بها، كأنها تتلبسه إلى حد الهوس، فتكاد لا تغيب عن لسانه من بوابة السعي لمحو تلك الصورة الهشة التي رسمها سيد المقاومة عن كيانه، لعل نتنياهو يدرك عميقًا في صميم ذاته أنها استحالت واقعًا لا مفر منه، فيحاول جاهدًا بين الحين والآخر تصوير كيانه على أنه “ليس بيت عنكبوت إنما بيت من فولاذ”، كما ردد منذ أسابيع قليلة، مكرراً ما قاله منذ تسعة أشهر أيضًا..، ليعيدنا بالذاكرة إلى حرب تموز عام 2006 يوم سعى جيش العدو إلى رد اعتباره بعد هزيمة عام 2000، فأطلق عملية “إسرائيل خيوط من فولاذ” التي هدف من خلالها للوصول إلى مدينة بنت جبيل ورفع العلم داخل الملعب الذي أطلقت منه عبارة “بيت العنكبوت”، وحينما فشل بالوصول، طلب من جنوده الوصول إلى أقرب نقطة من الملعب على بعد كيلومتر واحد. وبمجرد رفع العلم فوق منزل هناك، استُهدفوا بقذيفة مباشرة.
العدو الذي هزته ولا تزال تهزه حتى يومنا هذا، كلمتان لسماحة السيد نصر الله، قد يكون وضع من صلب أهدافه في الحرب القائمة حاليًا أيضًا الدخول الى مدينة بنت جبيل والسعي لمحاولة زرع العلم “الإسرائيلي” من جديد في المكان الذي أطلق منه سيدنا العبارة الشهيرة، ولعل هذا جائز فعلاً باعتبار أنه لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف في حرب تموز 2006، وفق ما وثّق كتاب صدر آنذاك للمراسل العسكري في “هآرتس” “عاموس هرئيل” وزميله “آفي يسخاروف” اللذين كشفا خلاله أن السبب الوحيد للحرب “الإسرائيلية” على لبنان كان رغبة المجتمع والجيش “الإسرائيلي” الجامحة والمكبوتة في “إسرائيل” بنفي نظرية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”. إذ يقر الكتاب بأن “إسرائيل” خرجت للحرب من أجل هذه الغاية، لكن حصاد الحرب رسخ في وعي المجتمع والجيش في إسرائيل نظرية “بيت العنكبوت”.
ولعل عبارة “بيت العنكبوت” كانت موفقة إلى الحد الذي يجعلنا نتصور هشاشة ذلك البيت عند كل فعل مقاوم يهزأ بالعدو ويظهر ضعفه.. ظهر تجسيد العبارة جليًا في أحداث السابع من أوكتوبر 2023، حينما حطّم بضع مئات من المقاومين كل المنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية على تخوم غزة في ثلاث ساعات فقط، وتكرر المشهد على مدى عام ونيف في صليات صواريخ المقاومين اللبنانيين ومسيراتهم التي تصول وتجول في أرجاء الكيان وتدخل صالة طعام جنوده في “بنيامينا” وغرفة نوم نتنياهو في “قيسارية” ورأيناه بعدما عجزت “إسرائيل” عاماً كامل عن اغتيال قائد “حماس” يحيى السنوار الذي أذلها في حياته وفي استشهاده يوم استهزأ بتكنولوجياتها المتطورة وضربها بعصاه وواجه جيشها حتى آخر رصاصة .. رأيناه في الضربات الإيرانية الصاروخية التي شلت ولعثمت قادة العدو وجنرالاته.. وشاهدناها بالتصدي البطولي الذي يخوضه بضع مئات من المقاومين الذين صدوا أكثر من 5 فرق مؤلفة من 65 ألف جندي ومنعوها من دخول قرى أمامية تعرضت لمسح عن الخارطة لكنها ما زالت ثابتة تقاوم .. ولولا المظلة الأميركية لانهارت “إسرائيل” منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، لكن ما أبقاها على قيد الحياة هو أوكسجين الدعم العسكري والمادي اللا محدود بأحدث أنواع الذخائر والأسلحة، وآخرها قاذفات “B2” ومنظومة “ثاد” الدفاعية، عقب فشل القبة الحديدية، وقبلها البوارج وحاملات الطائرات التي لم تغادر بحَارنا و”تحالف حارس الازدهار” الذي رافقها لمواجهة اليمن.
يكفي تكرار رأس هرم قادة العدو لعبارة سيد المقاومة التي أطلقت قبل حوالي 25 عامًا لنكتشف حجم ارتدادات هذه العبارة التي استحالت كابوساً لقادة العدو في يقظتهم ومنامهم، ودليلاً على أن العدو كان يعد العدة منذ ذلك الزمن للانتقام من المقاومة وقادتها.. قد يحاول العدو جاهدًا مسح صورة “بيت العنكبوت” عنه، لكن الميدان سيعاود تذكيره بها عند كل حي وبلدة وطريق ومفترق.. ولئن استشهد سيد المقاومة فقد غدت كلماته ثقافة جهادية عملية يصعب محوها من الكتب والسجلات بل يستحيل انتزاعها من قلوب وعقول ملايين المحبين في الأمة الذين باتوا يؤمنون بها وينتهجونها في مسارهم العملي المقاوم، بل بات يصعب ويستحيل انتزاعها من عقول المستوطنين الصهاينة الذين باتوا موقنين من مصير كيانهم المحتوم وبأن بيتهم “أوهن من بيت العنكبوت”.. وستظل تلك العبارة تلاحقهم وتطاردهم وتؤرقهم حتى يحزموا حقائبهم ويغادروا آخر شبر من فلسطين المحتلة.