خطاب خطير ثم بيان حاد.. لماذا انفجر غضب حميدتي من مصر فجأة؟
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
وجهت قوات الدعم السريع في السودان تحذيرا شديد اللهجة لمصر، وكشفت لأول مرة عن وجود "أسرى مصريين" لديها حاليا، قالت إنهم شاركوا إلى جانب الجيش السوداني في الحرب الحالية.
وتكررت اتهامات الدعم السريع لمصر بالتدخل في الحرب لمساندة الجيش السوداني في أكثر من مناسبة، وزادت حدتها في الفترة الأخيرة، ما أثار تساؤلات بشأن الأسباب وراء تصاعد التوتر بين الطرفين.
وقال الخبير السياسي السوداني، محمد الصالح، لموقع "الحرة" إن الخطاب الأخير لقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، مساء الأربعاء، لاقى اهتماما محليا ودوليا لما يحمله من رسائل شديدة الأهمية في وقت حرج من الحرب، مع تحقيق الجيش السوداني، بقيادة عبدالفتاح برهان، انتصارات مهمة، كما تم تفسيره وتحليله بطرق مختلفة.
وأضاف أنه "رغم تكبد قوات الدعم السريع هزائم في الفترة الأخيرة، لكن خطاب حميدتي يعتبر الأخطر على الإطلاق منذ بداية الحرب، وليس كما يعتقد البعض أنه إعلان استسلام، لأنه تحدث بطريقة مختلفة عن المعتاد، واعترف بهزيمة قواته في منطقة جبل موية الاستراتيجية".
وقال بيان للدعم السريع، مساء الجمعة إن "سلاح الجو المصري شارك في القتال إلى جانب الجيش السوداني في قصف معسكرات قوات الدعم السريع". وهو الأمر الذي نفته مصر.
وقال "ظلت مصر تدعم الجيش بكل الإمكانيات العسكرية، وسهلت عبر حدودها دخول إمدادات السلاح والذخائر والطائرات والطائرات المسيرة، إذ قدمت خلال شهر أغسطس الماضي (8) طائرات k8 للجيش وصلت القاعدة الجوية في بورتسودان، وتشارك الآن في القتال، وآخرها في معركة جبل موية".
وأضاف " كما ساهم الطيران المصري في قتل مئات المدنيين الأبرياء في دارفور والخرطوم والجزيرة وسنار، ومليط، والكومة، ونيالا، والضعين. وكذلك وفرت مصر للجيش إمدادات بقنابل 250 كيلو أميركية الصنع كانت سبباً في تدمير المنازل والأسواق والمنشآت المدنية".
وتطرق البيان إلى "أسر عدد من المقاتلين المصريين"، قائلا "لم يكن خافياً أسر قواتنا ضباط وجنود مصريين في قاعدة مروي العسكرية، وسلمتهم لاحقاً للحكومة المصرية عبر الصليب الأحمر الدولي".
وأضاف البيان، المنشور على حسابات الدعم السريع مواقع التواصل الاجتماعي، "ضبطت قواتنا مرتزقة مصريين شاركوا إلى جانب الجيش في الحرب الحالية، وهم أسرى الآن لدى قواتنا".
دعم مصر للجيش فجر غضب حميدتيوبشأن أسباب هجوم حميدتي على القاهرة مؤخرا، يرى المحلل السوداني أن "قائد الدعم السريع تجنب العداء المباشر مع مصر طوال الأشر الماضية لأنه ليس من مصلحته ذلك نظرا لأهميتها وقوتها في المنطقة، ولذلك فإن هذا الانتقاد الحاد يحمل دلالات مهمة، أبرزها غضبه الشديد مما يحدث في أرض المعركة خاصة مع تدخل مصر لصالح لجيش، وكذلك استعداده للدخول في معارك قادمة أكثر شراسة وعنفا".
وتابع أنه "رغم النفي المصري، إلا أن حميدتي أكد أن الطائرات المصرية ظلت عشر ساعات تضرب قواته في جبل موية، وهي مجموعة قرى صغيرة بولاية سنوار الاستراتيجية".
وأكد أن "الجميع في السودان يعلم مساندة الجيش المصري للبرهان"، مشيرا إلى أنه "في بداية الحرب، تم اكتشاف وجود قوات مصرية في قاعدة مروي العسكرية، وبعد أن هاجمتهم الدعم السريع، تم أسر الجنود المصريين، ثم تسليمهم للقاهرة، ومع ذلك حاول حميدتي عدم معاداة مصر بشكل مباشر".
لكن الصالح يرى أنه "بجانب التدخل العسكري، فإن التحالفات الدبلوماسية الجديدة التي تقودها القاهرة مع الدول الأفريقية تثير غضب حميدتي، مع ظهور محور إقليمي جديد يضم مصر وإريتريا والصومال".
وأشار إلى أن "خطاب حميدتي الأخير حمل تهديدات واضحة ومباشرة قد تكون لها تبعات خطيرة في الفترة المقبلة، محليا وإقليميا، ومن المتوقع أن يشهد السودان تصعيدات عسكرية كبيرة من الدعم السريع والجيش".
"ورد الفعل العنيف الذي يخطط له حميدتي يحاول استباقه بقلب الرأي العام المحلي والدولي على الجيش بإظهاره بمظهر الضعيف والعميل الذي يستعين بدول أجنبية، مثل مصر"، بحسب الصالح.
ونفت القاهرة مزاعم قائد قوات الدعم السريع السودانية بضلوعها في الحرب الدائرة بالسودان، في رد على تصريحات، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي اتهم فيها مصر بالمشاركة في ضربات جوية على قواته.
وتدعم مصر الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح برهان. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي انعقد في مصر، يوليو الماضي، في سبيل إنهاء الصراع الدامي الممتد منذ أكثر من سنة، إن أي حل سياسي "لا بد أن يستند إلى رؤية سودانية خالصة، دون ضغوط خارجية"، مشدداً على أهمية " وحدة الجيش ودوره" في حماية البلاد.
ونفى الجيش السوداني، في سبتمبر الماضي، حصوله على طائرات من نوع K-8 من مصر، مؤكدا امتلاكه أسرابا من هذا الطراز من الطائرات منذ أكثر من 20 عاما.
ويشهد السودان، منذ 15 أبريل من العام الماضي، معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص وتشريد الملايين داخل وخارج والبلاد.
دبلوماسية القاهرة تؤثر على حلفاء حميدتيوقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، كريم أبو المجد، والمتخصص في الشأن الأفريقي، لموقع "الحرة" إن "حميدتي توقع من خلال التقرب من رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ومحاولته التودد إلى رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، أن يتمكن من الانتصار محليا وكسب القبول الإقليمي والدولي، لكن الأمور لم تسر لصالحه".
وأضاف أن "حميدتي كان يتمنى أن يعامل كرجل دولة، وأن يتم الاعتراف به إقليميا ودوليا، وأن يتخلص من لقب قائد ميلشيات، لكن هذا لم يحدث، وهو ما أثار غضبه تحديدا تجاه مصر بسبب تحركاتها الأخيرة سياسيا ودبلوماسيا في منطقة القرن الإفريقي، والتي أثرت بدورها عليه بشكل سلبي".
وأوضح أنه "بالنسبة للإمارات، فزيارة (الرئيس محمد) بن زايد، الأسبوع الماضي، لمصر، وحضوره حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية، تهدف لإرسال رسالة تتمثل في أن العلاقات بين مصر والإمارات لم تتأثر رغم الاختلافات في بعض الملفات، ومنها السودان".
وأشار إلى أنه "لحماية مصالحها في السودان، حاولت الإمارات مساعدة حميدتي بالأسلحة والأموال، لكن يبدو في الفترة الأخيرة أنها تراجعت عن دعمه بعد الخسائر التي لحقت بميليشياته، مقابل تعهد مصر والجيش السوداني حماية مصالحها في السودان، وهو ما أثار غضب حميدتي تجاه القاهرة".
والجيش السوداني يتهم أبوظبي بتقديم دعم عسكري ولوجستي ومالي لقوات الدعم السريع، الأمر الذي يسمح لها بمواصلة الحرب، كما أن الإمارات تمارس نفوذها على عدد من دول الجوار، وفي مقدمتها تشاد وإفريقيا الوسطى وخليفة حفتر في ليبيا، من أجل أن تفتح أراضيها لإيصال الدعم لقوات الدعم السريع.
وتنفي الإمارات هذه الاتهامات، وقال مستشار الرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، إن بلاده مهتمة بوقف الحرب في السودان والعودة إلى المسار السياسي.
ورفض قرقاش، في تدوينة على حسابه على منصة إكس، في 19 يونيو الماضي، اتهامات مندوب الخرطوم، لدى الأمم المتحدة، لبلاده بالمسؤولية عن استمرار الحرب في السودان.
وكتب قرقاش: "في الوقت الذي تسعى الإمارات إلى تخفيف معاناة الأشقاء السودانيين يصر أحد أطراف الصراع على خلق خلافات جانبية وتفادي المفاوضات وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية ...اهتمامنا ينصب على وقف الحرب والعودة للمسار السياسي. اهتمامهم يشدد على تشويه موقفنا عوضا عن وقف الحرب".
وكان سجال كلامي قد وقع، في 18 يونيو الماضي، بين مندوب الإمارات، محمد أبو شهاب، ونظيره السوداني، الحارث إدريس، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، خصص لبحث الوضع في السودان. وفي الجلسة جدد المندوب السوداني اتهام بلاده للإمارات بدعم ميلشيات الدعم السريع بالسلاح قائلا إن بلاده تملك أدلة على ذلك.
أما بالنسبة لرئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الذي يدعم حميدتي، فيرى أبو المجد أن "التحركات المصرية الأخيرة في القرن الأفريقي تضعه في موقف حرج وتزيد عزلته عن الدول المجاورة، كما تبعده عن الاستمرار في مساندة ودعم حميدتي في السودان".
واتضح التقارب بين آبي أحمد وحميدتي، في سبتمبر 2023، عندما توجه حميدتي، في ثاني جولة إقليمية له منذ اندلاع الحرب بين قواته والجيش السوداني، إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، على رأس وفد يضم عدداً من مساعديه. واستُقبل استقبالاً رسمياً من قبل نائب رئيس الوزراء، دمقي مكونن، وآبي أحمد.
وتطرق الخبير السياسي أبو المجد إلى التحركات المصرية الأخيرة والتي أثرت سلبا على آبي أحمد نفسه، قائلا إن "السيسي توجه، منذ يومين، لزيارة عاصمة إريتريا، أسمرة، بدعوة خاصة من الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، والذي كان سابقا من أقرب حلفاء وداعمي آبي أحمد. واتفق الزعيمان مع الصومال على تعزيز العلاقات العسكرية والاقتصادية في منطقة القرن الأفريقي، وهذا سيشمل تمكين الجيش الصومالي من التصدي للإرهاب، وحماية حدودها البرية، وطرد القوات الأثيوبية من أرض الصومال".
وفي زيارة لافتة بتوقيتها، توجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في ١٠ أكتوبر، إلى العاصمة الإريترية أسمرة، حيث كان الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، على رأس مستقبليه، وفقا لوكالة "فرانس برس".
وفي قمة ثلاثية انعقدت في أسمرة، التقى رؤساء مصر وإيتريا والصومال على خلفية التوترات المتزايدة في المنطقة القرن الأفريقي. ويأتي تصاعد التوتر في المنطقة بعد أن وقعت الجارة إثيوبيا في يناير اتفاقا مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية يمنح الدولة المغلقة منفذا بحريا.
وأثار الاتفاق البحري غضب مقديشيو وسلط الضوء على الخصومات الإقليمية مع توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال المجاورة وكذلك مصر.
وجاءت زيارة السيسي لإريتريا بعد أسابيع قليلة من زيارة أجراها كل من رئيس المخابرات المصرية، اللواء عباس كامل ووزير الخارجية، بدر عبد العاطي، إلى أريتريا لبحث استعادة الملاحة عبر باب المندب وتطورات الأوضاع في الصومال.
ويذكر أن العلاقات المتوترة تاريخيا بين الصومال وإثيوبيا تدهورت منذ الإعلان في الأول من يناير عن توقيع مذكرة تفاهم بين أديس أبابا وأرض الصومال الانفصالية، نددت بها مقديشو ووصفتها بأنها "اعتداء" على سيادتها.
وتنص المذكرة على تأجير 20 كيلومترا من ساحل أرض الصومال لإثيوبيا غير الساحلية لمدة 50 عاما. وكان إقليم أرض الصومال أعلن استقلاله من جانب واحد عام 1991.
وردت الصومال بتعزيز علاقاتها مع مصر.
ومنذ يناير، عزّزت مقديشو علاقاتها مع القاهرة، منافسة إثيوبيا التي تعارض خصوصا سد النهضة الكهرومائي الضخم الذي بنته أديس أبابا على نهر النيل.
واتخذ التعاون منحى عسكريا مع توقيع في 14 أغسطس اتفاق دفاع، لم يتم الكشف عن محتواه.
وتحدث أستاذ العلوم السياسية عن أهمية هذه الخطوة بالنسبة لإثيوبيا وكذلك السودان ومصر، قائلا إن "أديس أبابا أرسلت سابقا عدة قوات للصومال، وتحديدا أقاليم، جيدو، وجوبا لاند، وأرض الصومال، الذي يخضعون لحكومات مستقلة ويريدون الانفصال".
وأضاف أنه "في يناير القادم ستنتهي صلاحية اتفاقية تعاون بين أديس أبابا ومقديشيو، وفي حال رفض آبي أحمد إخراج قواته من أراض الصومال، فمن المتوقع أن تندلع حربا كبرى مباشرة بين إثيوبيا والصومال، التي بدورها ستسلح المتمردين الإثيوبيين مثل ميلشيات فانو الأمهرية، التي نجحت مؤخرا في السيطرة على مناطق حدودية بين إرتريا والسودان، أي ستندلع حربا إقليمية في القرن الإفريقي".
وتابع أن "قوات فانو، التابعة للأمهرة بأثيوبيا، أعلنت منذ قليل سيطرتها على بلدة بلشي شيو، الإستراتيجية، اللي تبعد 38 ميل عن العاصمة الأثيوبية، أديس أبابا، ووقعت اشتباكات عنيفة بين الجيش ببلدات على مدخل العاصمة الأثيوبية، بمناطق مختلفة، تبعد عن العاصمة بمسافات مختلفة بين400 كم، و200 كم، و100 كم".
وأشار أبو المجد إلى أن "تصريحات حميدتي بقيام الطائرات المصرية بضرب قواته لساعات طويلة في سنوار والتي بالمناسبة تبعد عن سد النهضة في إثيوبيا حوالي 250 كم أو 300 كم، أربك حسابات آبي أحمد، لأن ذلك يعني أن الطيران المصري يمكنه الوصول إلى سد النهضة بسهولة".
وبشكل عام، يرى الخبير السياسي المصري أن هجوم حميدتي الحاد على مصر يرجع إلى "إحساسه بتخلي حليفيه الأساسيين عنه، الإمارات وإثيوبيا، ودور القاهرة في ذلك، فضلا عن تكبده خسائر على الأرض".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجیش السودانی أرض الصومال أدیس أبابا فی السودان أبو المجد فی الفترة فی الحرب آبی أحمد إلى أن
إقرأ أيضاً:
معارك الخرطوم… انهار «الدعم السريع» أم انسحب باتفاق؟
دخلت الحرب السودانية مرحلة جديدة، حقق خلالها الجيش السوداني انتصارات كبيرة و«سريعة» في وسط البلاد، بينما يتراجع «الدعم السريع» بوتيرة متسارعة، بدأت بانسحابه من مدينة ود مدني، ثم عمليات العاصمة الخرطوم التي استعاد خلالها الجيش مقر قيادته العامة، ومناطق «حاكمة»، خصوصاً في أم درمان والخرطوم بحري.
التغيير ــ وكالات
وأثارت «انسحابات الدعم السريع» المتسارعة أسئلة عدة؛ من بينها: هل «قواته» دخلت «مرحلة الانهيار»، أم إن ما حدث كان نتيجة «اتفاق غير معلن» يهيئ طاولة التفاوض عبر «السماح» بتحسن «موقف الجيش التفاوضي»، أم هل اختارت قيادة «الدعم» التراجع عن الانتشار الواسع «تكتيكياً» لتقليل خسائرها أمام الجيش الذي عزز قواته وجدد تسليحه؟
بدأت عمليات الجيش لاسترداد مناطق استراتيجية وسط البلاد، باستعادة منطقة جبل موية الحاكمة لـ3 ولايات: النيل الأبيض، وسنار، والجزيرة، في أكتوبر الماضي، وبعد ذلك، استجمع مع حلفائه قوتهم، ووجهوها نحو مدينة ود مدني، واستعادوها في 11 يناير الحالي «دون قتال يُذكر»، وقالت «قوات الدعم السريع» إنها «انسحبت»، بينما قال الجيش إنه دخل المدينة «عنوة»، وذلك بعد أكثر من عام من سيطرة «الدعم» على المدينة الاستراتيجية «دون قتال» أيضاً.
ومهدت عملية استعادة ود مدني لعمليات الخرطوم بحري، ووصول جيوش أم درمان وشمال الخرطوم بحري، إلى قيادة قوات سلاح الإشارة والقيادة العامة الواقعة تحت حصار «الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
بدأت العملية في 26 سبتمبر الماضي بعبور القوات الآتية من أم درمان جسر الحلفايا، واستمرت في التقدم شمالاً وجنوباً ببطء، لكنها كثفت وسرّعت عملياتها بعد استرداد مدينة ود مدني.
وفوجئ الناس السبت الماضي بالجيش يعلن عبور جسر النيل الأزرق ويصل إلى مقر «القيادة العامة»، وبالقائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يخاطب جنوده «المحاصرين» داخل «القيادة العامة»، معلناً فك الحصار عنها وعن مقر «قيادة قوات سلاح الإشارة»، وقرب «تحرير» الخرطوم من قبضة «الدعم السريع».
بث الجيش مقاطع فيديو من داخل «القيادة العامة» و«قيادة قوات سلاح الإشارة»، ومع ذلك نفت «قوات الدعم» بشدة «فك الحصار» عن «القيادة العامة»، وعدّت فيديوهات الجيش دعايةً حربيةً، معلنة أن قوات محدودة «تسللت»، وأنه ليس هناك «التحام» للجيوش، ونشرت، الاثنين، مقاطع فيديو من على جسر «المك نمر» باتجاه الخرطوم، ومن جسر «كوبر» باتجاه الخرطوم بحري، ومن جسر «توتي» قرب النيل الأزرق، وقالت إنها لا تزال تسيطر على مواقعها، وإن «إمداداً» كبيراً وصل إليها لتشديد الحصار على المناطق المذكورة.
كما تتداول وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للجيش تقارير عن انسحابات واسعة لـ«قوات الدعم» من مناطق جديدة في الخرطوم، وتقدم ملحوظ للجيش، وهو ما تنفيه «قوات الدعم» بإصرار، بينما تتضارب المعلومات الصادرة عن الطرفين بشأن الأوضاع الميدانية والعسكرية في الخرطوم.
وفي تحليله أوضاع ما بعد دخول الجيش مقر القيادة العامة، نفى اللواء المتقاعد كمال إسماعيل فكرة «انهيار الدعم السريع»، وعدّ، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الأمر «مجرد عمليات كرّ وفرّ»، وأضاف: «سيطرة أي من الطرفين ستكون وقتية، والحرب لن تتوقف ما دامت هناك بندقية واحدة مرفوعة».
وأكد اللواء إسماعيل أن الحرب لن تنتهي إلا بـ«التفاوض» الذي يوقف إطلاق النار، ويؤدي إلى الفصل بين القوات، وأضاف: «السلاح منتشر في كل جهات البلاد بيد الأفراد والميليشيات. ومع وجود مجموعات تسعى إلى الانتقام من قوى (ثورة ديسمبر/ كانون الأول)، فلن تنتهي الحرب»، وتابع: «وجود السلاح بيد الناس خارج القانون ووجود نيات انتقامية، يصعبان عودة الناس إلى مناطقهم. لذلك؛ فلن تقف الحرب إلا بإرادة قوية، وليس بأمنيات».
ودعا اللواء المتقاعد طرفَي الحرب إلى العودة للتفاوض «والذهاب إلى جدة (بالسعودية) لمناقشة الإشكالات المترتبة على الحرب». كما دعا القوى السياسية المدنية إلى الاجتماع من أجل وقف «الشقاق» الوطني «الذي تعيشه البلاد، ويهدد وجودها»، وأضاف: «ما لم تتوحد القوى السياسية، فلن يكون هناك سلام».
وأرجع تراجع «الدعم السريع» إلى ما سماه «إنهاك طرفَي الحرب»، وقال إن نتيجته هي «عمليات الكرّ والفرّ» التي أشار إليها سابقاً، وأضاف: «الجيش والميليشيات الموالية له، حتى لو استردوا الخرطوم، فهذا لا يعني السلام. والحرب قد تمتد لأكثر من 20 عاماً، ولا يمكن حسمها عسكرياً».
واستبعد المحلل السياسي، محمد لطيف، افتراض «انهيار (قوات الدعم السريع)»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوصف الدقيق أن هناك تراجعاً عسكرياً لـ(الدعم السريع)، لكن الحديث عن انهياره غير دقيق، فهو لا يزال منتشراً في مناطق واسعة من السودان. لذلك؛ من الصعب الحديث عن بداية انهيار».
وفي سياق الاحتمالات التي حددها لطيف لتفسير الأوضاع، أشار إلى «أحاديث متداولة عن انسحابات متفق عليها بين الطرفين… والتحول السريع في طبيعة السيطرة من دون مواجهات عسكرية، يعزز من فرضية الاتفاق».
لطيف قال إن «انسحابات (الدعم السريع)» جاءت «منظمة» دون أن يتعرض لمطاردات أو ملاحقات؛ مما يعزز فرضية «الاتفاق غير المعلن»، وتابع: «أيضاً غابت الحملات الإعلامية المعتادة حال سيطرة طرف على مناطق جديدة بعرض فيديوهات الضحايا والأسرى والغنائم؛ مما يقلل من فرضية الضعف العسكري لـ(الدعم السريع) أو التفوق العسكري للجيش».
ورجح لطيف أن تكون «انسحابات (الدعم) تكتيكية يريد عبرها إعادة تموضعه في مناطق محددة تكفيه شر الانتشار الواسع والمسؤولية المترتبة على قدراته وحركته».
نقلاً عن الشرق الأوسط ــ أحمد يونس
الوسوماتفاق الجيش الخرطوم الدعم السريع