هل تخلت ايران عن أذرعها في لبنان وسوريا واليمن ضمن صفقة مع الغرب لتحقيق مكاسب في الملف النووي والعقوبات ؟
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
تتمسك الجماعة الحوثية الارهابية بالتصعيد ضد إسرائيل على الرغم من الضربات العنيفة التي وجهتها الأخيرة لـ«حزب الله» اللبناني، إلا أن الكثير من المؤشرات يوحي بأن الجماعة لجأت إلى المزيد من الحذر خوفاً من مواجهة المصير نفسه، مع استمرار طموحها للحصول على مكاسب من جولة الصراع الحالية في المنطقة.
وشهد الأسبوعان الماضيان؛ أي بعد مقتل أمين عام «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، استمرار الجماعة في إطلاق صواريخها ومسيراتها باتجاه إسرائيل، لكن على فترات متقطعة، بالتزامن مع هجماتها ضد السفن التجارية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، في حين اكتفت إسرائيل بعملية هجومية وحيدة ضد الحوثيين.
وتعود آخر عملية حوثية ضد إسرائيل إلى السابع من الشهر الحالي، حين أعلنت الجماعة عن «تنفيذ عمليتين عسكريتين؛ الأولى استهدفت منطقة يافا بصاروخين باليستيين، والأخرى استهدفت منطقتي يافا وأم الرشراش بعدة طائرات مسيرة نوع (يافا) و(صماد4)»، وهو الهجوم الذي اعترفت إسرائيل بحدوثه بالتزامن مع هجمات أخرى من غزة ولبنان.
وبينما يذهب الكثير من المراقبين الغربيين، ومنهم مايك نايتس، وهو باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن الجماعة الحوثية تبدو وكأن لا شيء قد أوقفها، يزعم الكثير من المتابعين والمراقبين لصراع المنطقة أن إيران تخلت عن أذرعها في المنطقة ضمن صفقة لتحقيق مكاسب في الملف النووي والعقوبات الاقتصادية.
وينفي الباحث الاقتصادي اليمني يوسف شمسان المقطري أن تكون هناك صفقة غربية مع إيران تلزمها بالتخلي عن أذرعها في المنطقة، ويرجح أن يكون ما يحدث لـ«حزب الله» اللبناني من ضربات عنيفة ناتجاً عن سوء تقدير إيران للموقف منذ البداية، وأن ما يجري حالياً هو مقدمة لانهيار منظومتها في المنطقة مجاناً.
وستخسر إيران بعد ذلك حتى التفاوض على ملفاتها الاقتصادية والأمنية والسياسية والنووية، بما فيها رفع العقوبات، وفقاً لما قاله المقطري لـ«الشرق الأوسط»، وبسبب خسائرها في محور المواجهة المباشرة مع إسرائيل في فلسطين ولبنان، فإنها ستبحث عن الربح في الملف اليمني الذي سيبقى عالقاً بين مطامع أميركا وتهديدات إيران، لتكون شروط التهدئة صفقة مع إسرائيل، وأخرى مع المجتمع الدولي.
ويُبدي العديد من اليمنيين خشيتهم من أن تستغل الجماعة الحوثية مواجهتها مع تل أبيب لتحقيق المزيد من النفوذ، وفرض المزيد من الجبايات على السكان الذي يعيشون إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، إضافة إلى انتهازها الفرصة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين، خصوصاً من الأطفال، وفق ما دأبت عليه.
تعويض في اليمن
يرى المقطري، وهو باحث يمني متخصص في اقتصاد الحرب، أن هذه الصفقة ستسمح ببقاء الجماعة الحوثية عامل ابتزاز لدول الجوار في هذا الملف، ليدفع اليمنيون ثمن انهيار الوجود الإيراني في لبنان وسوريا، وبحث إيران عن تعويض خسائرها، والذي لن يكون متاحاً مع الانهيار الدراماتيكي المتسارع لـ«حزب الله»، والذي أفقدها قوة التفاوض في الوقت الحالي في ظل الضربات الاسرائيلية الناجحة ضد حزب الله .
ويعدّ الكثير من المتابعين الأراضي اليمنية الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية ساحة أثيرة لإيران لإعادة ترتيب وموضعة صفوف أذرعها في المنطقة، في حال استمرت مساعي العدو الإسرائيلي نحو تصفية «حزب الله» وإنهاء نفوذه في لبنان.
وينبه الأكاديمي اليمني محمد الحميري، الباحث في العلاقات الدولية، إلى أن الفترات الزمنية المتباعدة بين الهجمات التي تنفذها الجماعة الحوثية ضد إسرائيل، لا تعني أنها تخلت عن المعركة؛ إذ إنها أعلنت عن مراحل متعددة ومتصاعدة من الهجمات، وتهديدها بالمزيد من المفاجآت والتصعيد.
وبحسب إجابات الحميري عن تساؤلات «الشرق الأوسط»، فإن مواجهة الجماعة الحوثية مع إسرائيل لا تقتصر على استغلال الموقف لصالحها دعائياً وإعلامياً، بل يتجاوز ذلك إلى إثبات وجودها وتعزيز نفوذها، خصوصاً أن الجماعة تثبت مع الوقت امتلاكها الكثير من القدرات التي لم تتمكن التحالفات الدولية من القضاء عليها، ما سيعزز من رغبتها في تحقيق المزيد من المكاسب.
وكان زعيم الجماعة الحوثية أعلن أن الهجوم الصاروخي الذي نفذته جماعته، منتصف الشهر الماضي، بصاروخ على تل أبيب، يأتي في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد، متوعداً بالمزيد.
وأعلنت إسرائيل حينها عن إسقاط الصاروخ في منطقة بعيدة عن الأحياء السكنية، لكنها اعترفت بتسببه في حرائق واسعة، وتوعدت حينها على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الجماعة بدفع «ثمن باهظ»، مذكّراً إياها بالضربات على ميناء الحديدة في 20 يوليو (تموز) الماضي.
أولويات إسرائيل
توعدت إسرائيل الجماعة الحوثية أكثر من مرة، آخرها كان بعد مقتل نصر الله والهجوم الحوثي بصاروخ باليستي استهدف عاصمتها تل أبيب، وحينها أعلن الجيش الإسرائيلي أن وقت الجماعة سيأتي، واستهدف عقب ذلك التهديد بأقل من يوم منشآت عدة تحت سيطرة الجماعة، غالبيتها ذات طابع اقتصادي مدني، مثل محطات الوقود والكهرباء.
ويتوقع المحلل السياسي اليمني فارس البيل بأن الجماعة الحوثية تسعى، من خلال هجماتها على إسرائيل، إلى إثبات استمرارها في معركتها المزعومة معها، بعد أن شعرت بضغوط من أنصارها نتيجة تراجع هجماتها ضد إسرائيل بعد استهداف الطيران الإسرائيلي ميناء الحديدة في يوليو الماضي، إلى جانب محاولة رد الدَّيْن لـ«حزب الله» الذي قدم لها الكثير من المساعدات والخبرات.
وينفي البيل أن تكون الجماعة الحوثية بصدد الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، لكنها في موازاة ذلك تسعى لحفظ ماء وجه محور المقاومة أمام الضربات الإسرائيلية المتواصلة.
وينوه الباحث اليمني صلاح علي صلاح، إلى أن هناك فرقاً بين إعلان الجماعة عن هجماتها، واعترافات إسرائيل بهذه الهجمات؛ فالأولى تتحدث عن امتلاكها صواريخ فرط صوتية، بينما تنفي الثانية وجود هذه الصواريخ مع الجماعة الحوثية، وهو ما يوحي بدخول المواجهة مرحلة الحرب التكنولوجية.
ويرجح صلاح في إفادته أن يتأخر الرد الإسرائيلي على الجماعة الحوثية إلى مرحلة ما من المواجهة مع أذرع إيران في المنطقة، بحسب أولويات إسرائيل التي لن تدع هجمات الجماعة عليها تمر دون انتقام.
فبحسب صلاح، لدى إسرائيل مهام منظورة في فلسطين وغزة ولبنان، قبل الانتقال إلى تصفية الجماعات الموالية لإيران والتابعة لها في سوريا، ثم الانتقال بعد ذلك للتعامل مع مثيلاتها في العراق، قبل أن تتجه فعلياً نحو اليمن، وذلك بحسب القرب الجغرافي، ما لم يحدث ما يستدعي تغيراً في هذا النهج.
واستبعد أن تكون العمليات الحوثية مجرد استعراض فقط، بل إن الجماعة تسعى فعلاً لمساندة «حزب الله» الذي قدم لها الكثير من الخدمات على المستوى اللوجيستي والخبرات التدريبية، إلى جانب الخدمات السياسية والإعلامية، فضلاً عن إدراكها أن إضعاف «حزب الله» سيؤثر عليها بالتبعية، وأن إسرائيل ستتفرغ للانتقام منها لاحقاً.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
شعوب تستنهض دولا وحكومات تعول عليها الكثير
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
القارئ لتاريخ العالم والبشرية جمعاء ونشأته وبقائه ووجوده حتى اليوم، يرى أنه لم تكن هناك على الإطلاق مصالحة وقناعة ورضا تاماً بين البشر، وما حدث ويحدث بينهم من صراع وحقد وكراهية وعداء وغيرة، يقود في أحيان إلى ارتكاب الجرائم، كما حدث في قصة ابني آدم هابيل وقابيل، وأول جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد، تحدُث في عالم الإنسان ارتكبها قابيل ضد أخيه هابيل.
لتتوالى بعد ذلك الويلات واللعنات والخيبات على البشر أنفسهم، والسخط والطعنات عليهم، والغدر والخيانة والظلم بينهم، من بعضهم البعض، وبما كسبت أيديهم، وجنت نفوسهم.
ولا يوجد دين أو شريعة أو مذهب أو ملة، يستطيع أن يوقف الصراع بين الحق والباطل، ويكبح جماح الشعوب الثائرة وتمرد الحكومات والسلطات على الإنسان؛ فمن الممكن أن تكون هناك زوابع وقلاقل ومشاكل وفوضى وهرج ومرج وثورات.
وهنا نجد أن الدين الإسلامي جاء لينظم عملية التقاضي والحقوق والواجبات، وتبصير النَّاس بالحلال والحرام وبما يجب عليهم عمله وفعله أثناء المطالبة بالحقوق، وما على الحكومات فعله تجاه شعوبها، وحقهم عليها وواجباتها تجاههم، ويمنع الجور والظلم والاستبداد وكل ما يقود إلى الفساد واستشراء نار الفتنة وظلم العباد والكفر والإلحاد والشرك بالله.
وإذا أمعنا النظر في الوطن العربي ودوله التي أصبح الكثير منها مبعثرًا بفعل النزاعات والتدخلات الخارجية والداخلية والمعارضين والمؤيدين والحروب التي انهكت الأمم وفتت العضد الواحد، وبات بعض الدول غير آمنة وليست مستقرة وهزيلة وضعيفة وغير مُنظمة وتفتقد لأدنى مقومات العيش الكريم، بسبب غياب الإيمان والوازع الديني والرادع الأخلاقي والكثير الكثير.
ومع ذلك نستطيع القول إن دول مجلس التعاون الخليجي اليوم أفضل من غيرها؛ لأنها لم تشهد ما شهدته ليبيا والعراق وسوريا واليمن والسودان وفلسطين، من حروب ومشاكل ونزاعات مسلحة ودمار شامل.
وسلطنة عُمان جزء من هذا الوطن العربي الممتد، ومنذ القدم نجدها راعية للسلام ومع السلام واستقرار الشعوب، ونيل حقوقهم في الحرية والعيش الكريم. والسلطنة على مر التاريخ مُناصِرة للقضية الفلسطينية، وليست في موضع تحتاج إلى تذكير بهذا الواجب من الغير.
عُمان قدمت للشعب الفلسطيني وقضيته المشروعة الكثير، وتجسد ذلك في دعم مختلف ومنوَّع سواء بالمال أو بالكلمة.
فالرماح تأبى تكسرا إذا اجتمعت، وإذا تفرقن تكسرت آحادا، وهذا مثال أن الاتحاد يأتي بقوة ويشكل ضربة موجعة وقاتلة للعدو.
وإذا أردنا النصر على عدونا وتحقيق مآربنا في دنيانا تجاه من نريد، علينا أن نأخذ بالأسباب الشرعية والسلمية وامتثال أوامر الله تعالى الذي يقول: "إنَّ اللهَ لا يُغيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"؛ أي إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ من النعمة والإحسان ورغد العيش، حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها.
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تركت فيكم شيئين او أمرين لن تضلوا بعدهما إن اعتصمتم بهما كتاب الله وسنتي"؛ فالخلافات والنزاعات قبل أن تحدث، يجب أن نحتكم قبلا بالعقل والمنطق إلى كتاب الله وسنته، لنستنبط منهما الحلول وما يحافظ على الود والإخاء والتقدير والاحترام بيننا، وأن ينال كل منَّا حقه من الآخر بوجه شرعي وحسن.
إنَّ عُمان وأبناءها البررة مسيرة أُخوَّة وتلاحم ووطن وأرض وانتماء وولاء ووفاء لا يمكن للآخر أن يكون بمعزل عن توأم روحه وشقيقه؛ فالعُمانيون لبعضهم البعض.
حفظ الله عُماننا وسلطاننا المفدى من كل سوء.