لجريدة عمان:
2024-12-22@02:02:17 GMT

العالم يتخلى عن منظمة التجارة العالمية

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

ترجمة: نهى مصطفى

على مدار خمسة وسبعين عامًا مضت، أسهم نظام التجارة متعدد الأطراف في تعزيز الاستقرار والنظام في الاقتصاد العالمي. إذ جمعت الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT) وخليفتها منظمة التجارة العالمية (WTO) الدول للتعاون في خفض التعريفات الجمركية والحواجز التجارية الأخرى، مما ساعد على تعزيز التكامل الاقتصادي العالمي ووضع قواعد تحكم التجارة الدولية، وقد أثبت هذا النظام فعاليته بشكل ملحوظ، وأسهم في عصر غير مسبوق من الرخاء العالمي.

لكن اليوم، يواجه هذا النظام التجاري الليبرالي أزمة عميقة. فقد انهار التعاون الدولي في مجال التجارة بشكل كبير، بعدما تخلت الولايات المتحدة، التي لطالما كانت داعمة للأسواق المفتوحة، عن التزامها بالتجارة الحرة والتعاون المتعدد الأطراف واحترام سيادة القانون، وبدلًا من ذلك، فرضت واشنطن تعريفات جمركية وقدمت إعانات ضخمة لقطاعات صناعية متعددة، مما يمثل انتهاكًا علنيًا لقواعد ومبادئ منظمة التجارة العالمية. وفي الوقت نفسه، زادت الصين من تحوير التجارة واستخدامها كسلاح عبر الإعانات والإكراه الاقتصادي، لتجنب العقوبات، شلت الولايات المتحدة آلية إنفاذ النظام الحالي، مما هدد بتفكك النظام التجاري بأكمله.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها بعض الدول للحفاظ على التعددية والنظام التجاري القائم على القواعد، إلا أن دولًا أخرى، بما في ذلك الاقتصاديات الناشئة الكبرى مثل الهند وإندونيسيا، قوّضت هذه الجهود عبر عرقلة المفاوضات التجارية وإعاقة إنفاذ قواعد التجارة العالمية. وبدون قواعد فعالة وإنفاذ صارم لها، سينزلق النظام التجاري إلى الفوضى، لتحل الفوضى والصراع محل النظام والاستقرار اللذين كانا أساسًا لازدهار وسلام العالم خلال العقود السبعة الماضية.

الذهاب للصيد: يتمثل الهدف الأساسي لمنظمة التجارة العالمية في وضع وإنفاذ القواعد التي تنظم التجارة الدولية، وذلك من خلال تسهيل المفاوضات بين أعضائها، إلا أن مفاوضات المنظمة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية غالبًا ما انتهت إلى طريق مسدود، وهو ما اتضح بشكل جلي في فشل جولة الدوحة التي انطلقت في عام 2001 بهدف خفض الحواجز التجارية عالميًا. وقد انهارت هذه المفاوضات بشكل كبير بسبب الخلافات بين الصين والولايات المتحدة، حيث رفضت بكين خفض التعريفات الجمركية في قطاعات مثل الزراعة، والمواد الكيميائية، والآلات الصناعية، إلا إذا قامت الولايات المتحدة بتخفيض دعمها للمزارع.

أصبح إحياء مفاوضات منظمة التجارة العالمية أمرًا ضروريًا للحفاظ على التعاون الدولي في التجارة وضمان تحديث القواعد العالمية بما يتماشى مع التحديات المتغيرة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وتعد المفاوضات الجارية حول دعم الصيد اختبارًا حاسمًا لالتزام المجتمع الدولي بصياغة قواعد تجارية جديدة.

تفاقمت أزمة الصيد الجائر بسبب الإعانات الحكومية، إذ تم استنفاد أو الإفراط في استغلال نحو 90% من مخزون الأسماك العالمي. وبما أن العديد من الدول النامية تعتمد على الصيد لضمان الأمن الغذائي، وسبل العيش، والصادرات، فهي معرضة بشكل خاص لتأثيرات انخفاض مخزون الأسماك، مما دفعها إلى الدعوة لفرض قيود صارمة على هذه الإعانات.

سيكون التوصل إلى اتفاق داخل منظمة التجارة العالمية للحد من هذه الإعانات الضارة انتصارًا للتجارة، والتنمية، والبيئة في عام 2022، توصلت المنظمة إلى اتفاق أولي يحظر الإعانات المقدمة للصيد غير القانوني وغير المنظم، وصيد المخزون المستنفد، والصيد في أعالي البحار غير المنظمة. غير أن هذه الإعانات لا تمثل سوى جزء صغير من إجمالي الإعانات الضارة. وقد تُرك العمل الرئيسي، المتمثل في معالجة الإعانات التي تشجع على الإفراط في الصيد، لاجتماع رفيع المستوى لمنظمة التجارة العالمية في فبراير 2024. كاد هذا الاجتماع أن يفضي إلى اتفاق تاريخي للحد من هذه الإعانات، إلا أن الهند عرقلت الاتفاق بمطالبتها بإعفاءات شاملة، مما جعله عديم الجدوى تقريبًا. وبما أن قواعد منظمة التجارة العالمية تتطلب الإجماع، فقد انهارت المفاوضات.

نظرًا لصعوبة تحقيق الإجماع، لجأت الدول إلى إحياء دور التفاوض داخل منظمة التجارة العالمية عبر اتفاقيات متعددة الأطراف، وهي اختيارية ولا تنطبق إلا على الدول التي توافق عليها، خلافًا للاتفاقيات متعددة الأطراف التقليدية التي تلزم جميع الأعضاء، وقد تم توقيع إحدى هذه الاتفاقيات في عام 2024 من قبل 128 دولة، وتهدف إلى تحسين تسهيل الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تبسيط إجراءات الترخيص للمستثمرين.

أدت قدرة عدد قليل من الدول على عرقلة هذه المفاوضات وغيرها إلى شعور بالإحباط بين الدول الأعضاء. وعلى عكس الانقسام التقليدي بين الشمال والجنوب الذي كان يميز سياسات التجارة العالمية، فإن الدول النامية نفسها أصبحت في مواجهة بعضها البعض في كل من قضية دعم مصايد الأسماك واتفاقية الاستثمار الأجنبي. وفي تصريح غير معتاد، انتقدت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نجوزي أوكونجو إيويالا، الدول التي تبنت ما وصفته بـ«موقف تفاوضي خاسر للجميع»، قائلة إن هذا الموقف يلحق الضرر بالمنظمة من خلال منع التوصل إلى الاتفاق.

في الفراغ: يكمن التهديد الأكبر والأكثر إلحاحًا للنظام التجاري الليبرالي في إضعاف آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية، التي تعد ضرورية للفصل في النزاعات التجارية وضمان إنفاذ قواعد التجارة العالمية. لقد حققت هذه الآلية نسب امتثال عالية للغاية، حيث تلتزم الدول المخالفة بوقف الإجراءات المنافية للقواعد أو بتقديم تعويضات مناسبة. وإذا لم تلتزم بذلك، فإن الدول المتضررة مخولة قانونيًا بالرد.

ومع ذلك، خلال السنوات الأخيرة، اتخذت الولايات المتحدة خطوات متعمدة لتعطيل آلية تسوية المنازعات بهدف تمكينها من متابعة سياسات تنتهك قواعد المنظمة دون محاسبة. فمنذ عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، قامت واشنطن بمنع جميع التعيينات القضائية في هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، وهي الهيئة التي تتألف من سبعة قضاة وتختص بالنظر في الطعون على الأحكام الصادرة بشأن النزاعات التجارية. ومنذ عام 2019، لم تتمكن هذه الهيئة من العمل بسبب غياب القضاة، مما يعني أن أي دولة تنتظر عقوبة يمكنها ببساطة استئناف الحكم وتجميد تنفيذه إلى أجل غير مسمى، فيما أصبح يعرف باسم «الاستئناف في الفراغ». في ظل غياب نظام فعال لتسوية النزاعات، يواجه النظام التجاري العالمي خطر الانهيار.

تعد الولايات المتحدة المساهم الأكبر في هذه الحالة، حيث تمثل 38% من الانتهاكات، ورغم تعهدها بالتعاون الدولي وسيادة القانون، استمرت إدارة بايدن في انتهاك قواعد منظمة التجارة العالمية بشكل واضح ورفضت استعادة هيئة الاستئناف، مما مكّن واشنطن من تعطيل الأحكام المتعلقة بالتعريفات الجمركية والإعانات غير القانونية عبر استئنافها «في الفراغ».

وقد بدأت العديد من الدول الأخرى تحذو حذو الولايات المتحدة، مستغلة غياب هيئة الاستئناف لتحدي قواعد منظمة التجارة العالمية علنًا. فعلى سبيل المثال، فرضت إندونيسيا حظرًا على تصدير النيكل الخام، وهو مكون رئيسي في الفولاذ المقاوم للصدأ وبطاريات السيارات الكهربائية. أثر هذا الحظر بشكل غير قانوني على الشركات والصناعات الأجنبية بقطع إمدادات النيكل. وعلى الرغم من نجاح الاتحاد الأوروبي في الطعن في الحظر أمام منظمة التجارة العالمية، استأنفت إندونيسيا الحكم في الفراغ لمنع تنفيذه، بل ووسعت الحظر ليشمل معادن أخرى غير معالجة.

اتخذت الهند خطوات مشابهة، حيث وضعت نظامًا شاملًا من الإعانات لدعم «المناطق الاقتصادية الخاصة» بهدف تعزيز صادراتها. وقد أدى ذلك إلى إغراق الأسواق الأمريكية بواردات رخيصة مدعومة، مما أضر بصناعات الصلب والأدوية. رغم فوز الولايات المتحدة في دعوى رفعتها ضد الهند لدى منظمة التجارة العالمية، تم تعطيل الحكم عبر استئناف «في الفراغ».

هذه الحالات ليست معزولة: ثلثا أحكام منظمة التجارة العالمية حاليًا محل استئناف، كما انخفض عدد النزاعات التي تُعرض على المنظمة إلى نحو الثلث مقارنة بما كان عليه قبل انهيار هيئة الاستئناف. ويأتي هذا الانخفاض رغم تزايد التدابير التجارية الحمائية التي تتعارض مع قواعد المنظمة، مما يعكس تراجع الثقة في فعاليتها كوسيلة لفرض الحقوق التجارية.

في محاولة للحفاظ على نظام وظيفي لتسوية النزاعات وضمان استمرار إنفاذ قواعد منظمة التجارة العالمية، أطلقت مجموعة من الدول بقيادة الاتحاد الأوروبي ترتيبًا مؤقتًا للتحكيم متعدد الأطراف، بدأ بالنظر في القضايا منذ عام 2022. يحاكي هذا الترتيب دور هيئة الاستئناف، لكنه يقتصر على الدول المشاركة فقط. حتى الآن، انضمت 53 دولة إلى هذا الترتيب، منها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في حين تظل غالبية الدول الأعضاء في المنظمة (166 دولة) خارجه، مما يتركها حرة في انتهاك القواعد. ومع ذلك، إذا أفرجت الولايات المتحدة عن تعيين القضاة في هيئة الاستئناف، فسيُستعاد نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية بالكامل.

انهيار النظام: تتجاوز الأزمة التي يواجهها النظام التجاري الليبرالي مجرد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، إذ أدى تجاهل هاتين الدولتين للمعايير والمؤسسات الراسخة إلى إضعاف الدافع لدى الدول الأخرى للالتزام بهذا النظام والحفاظ عليه. باتت العديد من الدول تتبنى نهجًا «صفري النتائج» في التعامل مع التجارة، حيث تُقدم المكاسب قصيرة الأجل على المصالح المشتركة طويلة الأجل، التي تهدف إلى الحفاظ على نظام تجاري مستقر قائم على القواعد. وبينما تسعى بعض الدول جاهدة لإنقاذ هذا النظام والدفاع عنه، نجد أن دولًا أخرى تقوّض هذه الجهود من خلال تعطيل مفاوضات منظمة التجارة العالمية، وانتهاك قواعد التجارة العالمية دون عقاب، وإعاقة محاولات استعادة آليات تسوية النزاعات وإنفاذها.

وضعت الولايات المتحدة النظام التجاري العالمي على مسار خطير من خلال هجومها على هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية. فبدون الحماية التي توفرها المنظمة، تصبح الدول أكثر حرية في تبني السياسات الحمائية.

العواقب المحتملة واضحة: دعم حكومي تنافسي، وحروب تعريفات جمركية، وسياسات تزيد من التكاليف، وتفاقم التضخم، وترفع العجز الحكومي. وهذه السياسات ستضع الجميع في وضع أسوأ -سواء كانوا مستهلكين أو دافعي ضرائب أو عمالًا أو شركات- مما سيتسبب في اضطراب اقتصادي عميق. ومع مرور الوقت، ستتصاعد التوترات والصراعات بين الدول، حتى بين الحلفاء السابقين.

اشتداد القومية الاقتصادية يشكل تهديدًا صعبًا. فالعالم يواجه خطر العودة إلى بيئات التجارة التي كانت سائدة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، عندما أدى الاتجاه نحو الحمائية إلى انكماش حاد في التجارة العالمية، مما فاقم الكساد الكبير وساهم في اندلاع الحرب العالمية الثانية. وهذه الفوضى هي ما كان النظام التجاري الليبرالي القائم على القواعد مصممًا لمنعه.

العدد المتزايد من الدول التي تتحدى قواعد منظمة التجارة العالمية قد يؤدي إلى نقطة تحول يتداعى عندها النظام التجاري متعدد الأطراف بالكامل. الانسحاب من التكامل الاقتصادي العالمي سيجلب معه تصاعدًا في الفوضى والصراع في النظام الاقتصادي والدولي، وإذا حدث هذا التراجع، ولم يستعد العالم احترامه لقواعد التجارة، فإن النظام الجديد الذي سينشأ لن يكون مسالمًا.

كريستين هوبويل أستاذة ورئيسة قسم الأبحاث الكندية في كلية السياسة العامة والشؤون العالمية بجامعة بريتش كولومبيا ومديرة معهد ليو للقضايا العالمية.

نشر المقال على موقع Foreign Affairs

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قواعد منظمة التجارة العالمیة لمنظمة التجارة العالمیة الولایات المتحدة النظام التجاری هیئة الاستئناف قواعد التجارة هذا النظام فی الفراغ من الدول من خلال نظام ا

إقرأ أيضاً:

الصراع العربي- الإسرائيلي والاقتصادات العالمية (3-3)

 

عبيدلي العبيدلي

تعطيل طرق التجارة العالمية

تعتمد التجارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير على الطرق البحرية والبرية، والتي تتعرض الآن للتهديد بسبب اندلاع الحرب ضد غزة، والمنطقة المحيطة بها.

 قناة السويس:

تتعامل قناة السويس المصرية، وهي واحدة من أهم الشرايين التجارية في العالم، مع ما يقرب من 12% من التجارة العالمية و30% من شحنات النفط العالمية. ومع ذلك، أدى النزاع إلى: زيادة بنسبة 15% في تكاليف الشحن بسبب زيادة أقساط التأمين وتغيير المسار. وانخفاض بنسبة 66% في حركة السفن عبر القناة منذ بدء التصعيد في أواخر عام 2023.

وشهدت مصر، التي تعتمد على قناة السويس بنسبة 10% من ناتجها المحلي الإجمالي، انخفاضا في الإيرادات الشهرية بنسبة 40% في أوائل العام 2024، من 2.1 مليار دولار إلى 1.26 مليار دولار.

2- البحر الأحمر وخليج عدن:

يواجه البحر الأحمر، وهو طريق تجاري حيوي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هجمات متزايدة على السفن التجارية، لا سيما بالقرب من اليمن، حيث تصاعدت التوترات.

وأدت الإجراءات الأمنية الإضافية للسفن العابرة للمنطقة إلى ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة 20%، مما أثر على الميزان التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي.

3- الاختناقات اللوجستية الإقليمية:

أدى إغلاق الحدود بين إسرائيل وغزة ومصر إلى تعطيل تدفق البضائع، مما أثر بشكل خاص على واردات غزة من الإمدادات الأساسية وصادرات إسرائيل من المنتجات الزراعية التي تبلغ قيمتها ملياري دولار سنويًا.

التأثير على الاتفاقيات التجارية الإقليمية والعلاقات الاقتصادية

1- نكسات اتفاقيات إبراهام:

أدت اتفاقيات إبراهام، الموقعة في العام 2020، إلى تطبيع العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول عربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين، إلى نمو التجارة الثنائية بنسبة 25% سنويا، لتصل إلى 3 مليارات دولار في العام 2023.

وبعد تصاعد النزاع، علقت البحرين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وأوقفت ما يقدر بنحو 600 مليون دولار من التجارة السنوية.

وأفاد مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي بانخفاض بنسبة 40% في الاتفاقيات التجارية الجديدة في الربع الرابع من العام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.

2- التجارة مع الدول المجاورة:

تأثر كل من الأردن ولبنان، اللذان يعتمدان بشكل كبير على التجارة الإقليمية، وانخفضت صادرات الأردن إلى إسرائيل، التي تقدر قيمتها بـ  700 مليون دولار سنويا، بنسبة 50%. وشهد الاقتصاد اللبناني المتعثر انخفاضا في التجارة البينية بنسبة 12%، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري البالغ 3.6 مليار دولار.

3- السياحة وتجارة الخدمات:

تأثرت السياحة، التي تعد محركا مهما لصادرات الخدمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشدة؛ حيث انخفضت عائدات السياحة في مصر، التي تساهم بنسبة 9% في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 30% في الربع الأول من العام 2024 بسبب انخفاض السفر داخل المنطقة.

وشهدت إسرائيل انخفاضا بنسبة 60% في عدد السياح الوافدين؛ حيث خسرت ما يقرب من 1.2 مليار دولار من عائدات السياحة خلال نفس الفترة.

أزمات اللاجئين والتجارة الإنسانية

وخلقت الأزمة الإنسانية الناجمة عن النزاع ضغوطا إضافية على التجارة البينية الإقليمية:

1- تدفق اللاجئين؛ حيث نزح أكثر من 1.8 مليون شخص بسبب النزاع، مما أثر بشكل أساسي الواقع الاقتصادي والاجتماعي في مصر والأردن ولبنان.

ويزيد اللاجئون من الطلب على التجارة الإنسانية، مثل الغذاء والإمدادات الطبية، ولكنه يضغط أيضا على الموازين التجارية للبلدان المضيفة.

وارتفعت واردات الأردن الغذائية بنسبة 15% في العام 2024، مما أدى إلى زيادة العجز التجاري بمقدار 400 مليون دولار.

وواجه لبنان ارتفاعا بنسبة 20% في أسعار القمح، مما أدى إلى تفاقم أزمته الاقتصادية.

2- تدفقات المساعدات الإنسانية:

تكافح المساعدات الإنسانية، التي تبلغ قيمتها 2 مليار دولار سنويا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للوصول إلى غزة بسبب إغلاق الحدود والحواجز اللوجستية. وأدت اختناقات المساعدات إلى تقليص التسليم الفعال للسلع بنسبة 40%، مما أثر على الأمن الغذائي والخدمات الصحية في المناطق المتضررة.

الآثار الأوسع نطاقا على التكامل الإقليمي

كشفت الحرب على غزة هشاشة جهود التكامل الإقليمي:

1- مبادرات جامعة الدول العربية:

شهدت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التابعة لجامعة الدول العربية، والتي تهدف إلى تعزيز التجارة البينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقدما محدودا:

ونمت التجارة بين أعضاء منطقة التجارة الحرة والتجارة الحرة بنسبة 3% سنويا خلال العقد الماضي، ولكن من المتوقع أن تنخفض بنسبة 6% في العام 2024، مما يعكس سنوات من الاندماج التدريجي.

وأدت الحواجز غير الجمركية، مثل القيود الأمنية، إلى إعاقة التدفقات التجارية.

2- التعاون الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي:

تعطلت الجهود التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز سلاسل التوريد الإقليمية. وتأخرت مشاريع البنية التحتية المشتركة، مثل سكة حديد الخليج، التي تهدف إلى تعزيز الربط التجاري، بسبب زيادة انعدام الأمن الإقليمي.

3- التكاليف الاقتصادية طويلة الأجل:

يُقدِّر صندوق النقد الدولي أن عدم الاستقرار الذي طال أمده قد يؤدي إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بنسبة 1.2% سنويا، وهو ما يعادل خسارة نحو 65 مليار دولار من الناتج الاقتصادي على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ولا يزال استقرار الشرق الأوسط أمرًا بالغ الأهمية لصحة الاقتصاد العالمي. وتؤكد الدروس المستفادة من الحرب على غزة على الحاجة الملحة إلى نهج منهجية لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، وتحقيق التوازن بين إدارة الأزمات على المدى القصير والتنمية الطويلة الأجل، وتعزيز إطار دولي تعاوني. ومن خلال تبني المرونة والابتكار والدبلوماسية، يمكن للمجتمع العالمي أن يتغلب على هذه التحديات وتحويلها إلى فرص للنمو الاقتصادي والاستقرار المستدامين.أعلى الشكل

إنَّ الحرب على غزة، إلى جانب التوترات الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط، لها تداعيات اقتصادية بعيدة المدى على المنطقة والعالم. وفي حين تزدهر صناعة الأسلحة وسط زيادة الإنفاق العسكري، فإن مواطن الضعف الاقتصادية الأوسع نطاقًا- بما في ذلك تقلبات أسعار النفط، وتعطل سلاسل التوريد، وتراجع ثقة المستثمرين- تؤكد تحديات عدم الاستقرار الناجم عن الصراع. تتطلب معالجة هذه القضايا جهودًا دولية متضافرة واستراتيجيات اقتصادية مبتكرة والتزامًا بالتنمية المُستدامة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • خبير: مصر في قلب حركة التجارة العالمية بفضل مشاريع النقل والموانئ الاستراتيجية
  • الصراع العربي- الإسرائيلي والاقتصادات العالمية (3-3)
  • منظمة الصحة العالمية تدعو إلى تمويل إعادة بناء النظام الصحي في لبنان
  • الصحة العالمية: النظام الصحي في لبنان أمام طريق صعب وينتظره مستقبل مجهول
  • منظمة الصحة العالمية: مستقبل صعب ومجهول للنظام الصحي في لبنان
  • أستاذ علاقات دولية: منظمة الدول الثمان لها ثقل كبير في النظام العالمي (فيديو)
  • نص كلمة "أبو الغيط" في قمة منظمة الدول الثمانية للتعاون الاقتصادي
  • إندونيسيا: منظمة الدول الثماني النامية ثالث قوة اقتصادية في العالم
  • قائمة “سكوبس العالمية تصنف مجلة “الهندسة والعمارة” بجامعة أم القرى ضمن قواعدها العلمية
  • الرئيس السيسي: التحديات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تتطلب تضافر الجهود وتعزيز التعاون