لجريدة عمان:
2025-03-18@05:58:40 GMT

ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

بات جلّيا أن التحول الرقمي يعدّ محركًا رئيسًا للتغيير الاقتصادي والاجتماعي في العالم، وسلطنة عُمان ليست استثناءً؛ ففي ظل التقدم التقني والرقمي السريع، تزايدت أهمية ريادة الأعمال الرقمية باعتبارها أداة أساسية لدعم النمو الاقتصادي وتحقيق تنوّعه الذي تعمل رؤية «عُمان 2040» على تنفيذه؛ إذ تتيح هذه الرؤية السامية إطارًا واضحًا لتسخير الابتكار الرقمي والتقنيات الحديثة من أجل تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة تتماشى مع مستجدات النمو العلمي واحتياجاته، ومن السهل أن نعتبر ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان فرصة ذهبية وفقَ الآراء الداخلية والخارجية للمستثمرين؛ لأسباب متعددة منها بيئة خصبة تعتمد على مجموعة من العوامل الداعمة التي تشمل البنية التحتية الرقمية المتطورة والسياسات الحكومية الداعمة للابتكار التقني والرقمي، ولا غرو أن نؤكد على ذلك استنادا إلى المؤشرات العالمية لقياس الأداء التقني للدول؛ ففي عام 2024م ارتفع التصنيف العالمي لسلطنة عُمان 9 مراكز لمؤشر الحكومة الإلكترونية؛ لتحل في المركز 41 عالميا، وترتفع 26 درجة في مؤشر البنى الأساسية للاتصالات؛ لتحتل المركز 22 عالميا بعد قفزة كبيرة من المرتبة 48، وكذلك في العام الحالي نفسه، صُنّفت سلطنة عُمان من ضمن القائمة الأولى للدول الأكثر جاهزية في الأمن السيبراني.

يعزى هذا التفوق التقني والرقمي بكل أنواعه إلى الرؤية السامية التي حدد معالمها جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-، فقد أولت رؤيته السامية عناية خاصة بالتطوير الرقمي ودعم مشروعاته الابتكارية، وهذا ما ترجم واقعا في البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي الذي تبنّى عدة أهداف رقمية وطنية منها دعم الابتكار الرقمي وربطه بالمشروعات الاقتصادية؛ فأظهرت الحكومة العُمانية التزامًا قويًا بتطوير الاقتصاد الرقمي عبر مشروعات البنية التحتية مثل توسعة شبكات الاتصال وتوفير الإنترنت عالي السرعة في مختلف أنحاء البلاد، ويمكن أن يعتبر هذا الاستثمار في البنية التحتية حجر الأساس الذي يمكن لرواد الأعمال الرقميين الاعتماد عليه لتطوير مشروعاتهم التي ستنهض بالاقتصاد الوطني وترفع من مؤشرات التنافسية العالمية.

أطلقت سلطنة عُمان مجموعة من المبادرات لدعم ريادة الأعمال الرقمية، منها: برنامج «إثراء»، وبرامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم تأسيسها وتطويرها، والتي تستهدف توفير الموارد اللازمة لرواد الأعمال لبدء مشروعاتهم ومواصلة تطويرها. كذلك من ضمن هذه المبادرات «الصندوق العماني للتكنولوجيا» الذي يهدف إلى دعم الابتكار التقني بأنواعه وخصوصا التقنيات الرقمية الحديثة عبر عدد من البرامج التدريبية والتمويلية للمشروعات الرقمية الناشئة، وتمويل الشركات الناشئة ذات التوجه الرقمي؛ ليعكس الاهتمام الجاد بتحقيق اقتصاد رقمي متنوع وصُلب، وتتمثل إحدى أبرز الفرص المتاحة لرواد الأعمال الرقميين في سلطنة عُمان في التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة الذي يواكب التوجه العالمي ومستجداته، وتقدم الأدوات الرقمية وحلولها دافعا فعّالا لتحسين استدامة القطاعات وتنميتها، مثل: الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية والزراعية، وقطاع الصناعات المتقدمة. في ظل تسارع الوعي المجتمعي بعمومه في سلطنة عُمان بأهمية التفاعل الرقمي والبحث عن سبل تحقيق الاستدامة الاقتصادية؛ فإننا نرى ثمّة فرصًا كبيرة للشركات الرقمية الوطنية الناشئة التي يمكن التعويل عليها في تحقيق هذه الاستدامة، وهذا ما يمكن أن نراه واقعا في عدد من الدول الصناعية المتقدمة التي تعتمد في استدامة اقتصادها على مساهمات الشركات الناشئة خصوصا في قطاع التقنيات.

رغم هذه الفرص الكثيرة والواعدة؛ فإننا لا يمكن أن نغفل عن التحديات المصاحبة التي تتطلب من رواد الأعمال التغلب عليها للمضي قدما في تحقيق مشروعاتهم الرقمية بنجاح، ومن هذه التحديات نقص المهارات التقنية المتقدمة التي يتطلبها سوق العمل؛ إذ ما يزال هناك فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات الشركات الرقمية، ولهذا فالعديد من رواد الأعمال يواجهون تحديات في إيجاد الكفاءات الوطنية القادرة على دعم الابتكارات التقنية ومواصلة تطويرها، ما يحدّ من قدرتهم على النمو والتوسع المنافسات العالمية وخوض غمارها، ولعلّ من اليسير مواجهة هذا النوع من التحديات عبر إعادة تشكيل المناهج التعليمية بجميع مستوياتها المدرسية والجامعية لتواكب التقدم التقني ومتطلباته الملحّة، ويمكن التركيز على مضاعفة المدخلات الوطنية في البرامج التقنية والرقمية الجامعية، وهذا ما سبق الحديث عنه وعن آلية تنفيذه في مقالات سابقة. يتمثّل التحدي الآخر في التمويل الذي لم ننكر الدور الحكومي في تنفيذه ودعمه، ولكن مع نمو الاقتصاد الرقمي ومشروعاته الناشئة ما يزال الوصول إلى التمويل المناسب يشكّل تحديًا لرواد الأعمال الرقميين، وخاصة في المراحل المبكّرة من تطوير مشروعاتهم؛ فتتطلب المشروعات الرقمية استثمارات كبيرة في مجال البحوث والتطوير، ولهذا يعتبر توفير هذا التمويل عقبة رئيسة أمام العديد من المبتكرين، ومن الحلول المقترحة لهذا التحدي فتح المزيد من أبواب الدعم والتمويل عبر مؤسسات القطاع الخاص وعبر المستثمرين أصحاب رأس المال وتشجيعهم على الاستثمار ورفد هذه المشروعات الوطنية.

لا تأتي كل هذه الحلول دون بلوغ مستويات عالية من الثقافة الرقمية والوعي بريادة الأعمال في جميع المستويات المجتمعية التي تشمل الفئة المستثمرة، والمشغّلة، والمستهلكة، ويتطلب تشجيع الشباب على تبني روح الابتكار وريادة الأعمال تحولات جذرية في النظام التعليمي؛ لضمان تطوير مناهج ترفد مهارات التفكير النقدي والتقني والتشجيع على الابتكار. كذلك يمكن الدفع بالمزيد من جهود الدعم عن طريق توفير بيئة حاضنة لرواد الأعمال عبر مضاعفة مسرّعات الأعمال الرقمية وحاضناتها، وعبر إنشاء صناديق استثمار تركّز على الشركات الرقمية الناشئة، وتقديم المزيد من الدعم الفني والمالي والمشورة الإستراتيجية على غرار البرامج الوطنية التي ذكرناها آنفا مثل «إثراء» و«الصندوق العُماني للتكنولوجيا»؛ إذ تسهم مثل هذه الحاضنات في تقديم بيئة آمنة لتجربة الأفكار والابتكارات وممارستها، وتسهيل الوصول إلى السوق وتوسيع نطاق العمل. في محيط خارجي، يبرز دورٌ كبيرٌ لكبرى شركات التقنية العالمية التي يمكن لمشروعات ريادة الأعمال الرقمية في سلطنة عُمان الاستفادة من خبراتها عبر التفاعل المباشر وتأسيس الشراكات؛ فيمكن لرواد الأعمال العمانيين الاستفادة من الخبرات العالمية وتطوير أفكارهم عن طريق التعاون مع شركات دولية رقمية كبيرة؛ للدفع من إمكاناتهم التنافسية، ويمكن عبر القنوات الحكومية ومؤسساتها المعنية التفاوض على توسيع اتفاقيات الشراكة مع دول أخرى؛ لتسهيل وصول الشركات الناشئة العُمانية إلى الأسواق الإقليمية والدولية. كذلك يمكن أن نرى أبعادا أخرى للدعم يمكن أن تقدّم إلى المشروعات الوطنية الرقمية الناشئة عبر منحهم الأولوية في العقود الممنوحة لتنفيذ المشروعات الرقمية سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص؛ ليكون وسيلة من وسائل الدعم تضمن استمرارهم وتطورهم.

يحمل المستقبل فرصًا كبيرة لرواد الأعمال الرقميين في سلطنة عُمان، وخاصةً مع الجهود المبذولة للتوجّه نحو التحول الرقمي والمنافسة على المستويات العالمية والإقليمية؛ فتوفّر التحولات الجارية نحو الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتقنيات المالية فرصًا كبيرة للأفراد والشركات الناشئة لتقديم حلول مبتكرة تلبّي احتياجات السوق المحلية والإقليمية، وما نراه من تركيز حكومي عُماني على التنوّع الاقتصادي عبر التحول الرقمي؛ سيؤتي ثماره ولو بعد حين، وسيتسع لدعم القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والخدمات اللوجستية والزراعة؛ فيفتح الأبواب أمام مزيد من الابتكارات الرقمية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ریادة الأعمال الرقمیة الشرکات الناشئة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

انطلاق شركة AI جديدة كل 48 ساعة بأبوظبي خلال 6 أشهر

رشا طبيلة (أبوظبي)

أخبار ذات صلة العمالقة الـ 7 يهيمنون على حياتنا بابتكاراتهم المذهلة «ستاندرد تشارترد  فينشرز»: 6% نمو اقتصاد الإمارات في 2025

مع وجود أكثر من 330 شركة ناشئة تكنولوجية في 24 قطاعاً في Hub71، (20% من تلك الشركات مهتمة بالذكاء الاصطناعي)، أطلقت Hub71 التي تأسست عام 2019، مبادرة Hub71 +AI لتوفير الموارد والفرص للشركات الناشئة بأبوظبي في مجال الذكاء الاصطناعي، بحسب أحمد علي علوان، الرئيس التنفيذي لـ Hub71.
وقال علوان لـ «الاتحاد» إنه بجانب الشركات الناشئة الـ 330.. «لدينا أكثر من 150 شراكة تدعم الشركات في تعزيز إيراداتها وجذب الاستثمار واستقطاب الموارد البشرية لمساعدتها على النمو في أبوظبي». ويبلغ إجمالي رأسمال الـ 330 شركة الجديدة نحو 7.2 مليار درهم، وحققت عائدات تتجاوز قيمتها 4.3 مليار درهم منذ عام 2019.
وأكد علوان: «اليوم تعد أبوظبي أحد المراكز العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوجد شركات كبيرة عدة في أبوظبي ركزت على هذا القطاع في عملياتها».
 وتؤكد منصّة Hub71+AI الالتزام بدعم المؤسسين الطموحين والرواد، ودعم الشركات الناشئة بفرص غير مسبوقة للوصول إلى الموارد والتوجيه والتعاون مع عمالقة التكنولوجيا والشركات الوطنية الرائدة، كما أنها تهدف إلى توسيع نطاق الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، وزيادة تأثيره العالمي انطلاقاً من منظومة التكنولوجيا النشيطة في أبوظبي.
وخلال الفترة ما بين عامي 2021 و2023، ارتفع عدد شركات الذكاء الاصطناعي في أبوظبي بمعدل نموّ سنوي مركب بلغ 67%. كما تشير الدراسات أيضاً إلى أنه، في المتوسط، تمّ تأسيس شركة ذكاء اصطناعي واحدة كل يومين في أبوظبي خلال النصف الأول من 2024. ومن المقرر أن تعمل Hub71+ AI على تسريع هذا الزخم عبر دعم الشركات الناشئة وتطوير البنية الأساسية اللازمة لاعتماد الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات.
وأطلقت Hub71، في ديسمبر الماضي، منظومة التكنولوجيا العالمية الرائدة في أبوظبي، منصّة Hub71+ AI المتخصّصة والمصمّمة لدعم الشركات الناشئة في الاستفادة من ابتكارات الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات، وستقوم المنظومة الجديدة التي تمّ إطلاقها خلال أسبوع أبوظبي المالي، بتزويد الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بالبنية التحتية والموارد اللازمة للازدهار على صعيد الاقتصاد العالمي سريع النموّ.

مقالات مشابهة

  • النماذج اللغوية الكبيرة تدعم الابتكار بالشركات الناشئة
  • لماذا يستثمر سيلكون فالي وسي آي إيه في شركات إسرائيلية ناشئة؟
  • الحكومة الرقمية تُطلق قياس التحول الرقمي 2025
  • التعليم العالي: السياسة الوطنية للابتكار المستدام تتماشي مع رؤية الدولة لدعم ريادة الأعمال
  • انطلاق شركة AI جديدة كل 48 ساعة بأبوظبي خلال 6 أشهر
  • تدريب وتأهيل 1500 شاب على ريادة الأعمال والشمول المالي ببني سويف
  • تدريب وتأهيل 1500 متدرباً على ريادة الأعمال والشمول المالي بتعليم بني سويف
  • نيجيريا تطلق صندوقا استثماريا لدعم الشركات الناشئة بتمويل ياباني
  • مبادرات لدعم ريادة الأعمال
  • "عُمان داتا بارك" تُبرم شراكات استراتيجية لتعزيز المستقبل الرقمي في عُمان