لجريدة عمان:
2024-10-12@20:21:10 GMT

السجل الوطني للتعليم

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

لا يمكن اليوم الحديث عن السياسات العامة المستنيرة دونما التوقف عند مسألة جودة البيانات وتوافرها وتحديثها وكفاءتها وشموليتها. ويمكن الحكم بأن كفاءة أي سياسة عامة تستصدر إنما تحتكم إلى كفاءة ونوعية البيانات (الأدلة) التي بنيت عليها، ومدى قدرة تلك البيانات على صناعة (حجج السياسة) وتوجيه مسارها، وهو ما يتطلب قدرًا من محاكمة البيانات المتاحة والتأكد من ست خصائص رئيسة لها وهي: الدقة والموضوعية والشمول، والواقعية والقابلية للاستخدام والتوظيف والحداثة.

ولذلك تتوجه الحكومات اليوم إلى الاعتماد على البيانات الضخمة في صنع سياساتها العامة، وما يميز تلك البيانات أنها تجمع أولًا بأول حول الظاهرة أو موضوع السياسة ، بمعنى أنها لا تحتاج إلى آجال زمنية دورية لاحتسابها وجمعها وتحليلها-، كما أن هذا النوع من البيانات بحجمه يمنح القيمون على التحليل فرصة للنظر في أبعاد متنوعة حول الظاهرة أو موضوع السياسة، ويحيل في الآن ذاته إلى معرفة التغيرات التي تطرأ على الظاهرة أو موضوع السياسة بشكل دقيق وتتبعي. وما يميز استخدام البيانات الضخمة في صنع السياسات العامة هو أن هذه البيانات لا تفسح مجالًا لإهمال أي عامل من العوامل التي تتأثر أو تؤثر في الظاهرة أو موضوع السياسة.

على مستوى سياسات الإصلاح التعليمي تبدو المسألة أكثر تطلبًا فيما يتعلق بالبيانات، وذلك لعدة أسباب؛ أولها أن التعليم يتعامل مع فترة ممتدة من حياة الفرد؛ إذا احتسبنا مرحلة في التعليم المبكر، ثم التعليم المدرسي، والتعليم الجامعي، وفي بعض الحالات تمتد إلى الدراسات العليا، إذن في المتوسط يتعامل التعليم مع مرحلة تمتد على الأقل لمدة (15-16) عامًا من حياة الفرد، وهذه المرحلة تتشكل فيه الشخصية والهوية الذاتية، وتختبر فيها الكثير من عمليات إندماج الفرد في المجتمع والثقافة والاقتصاد والفعل السياسي والتشكل الذاتي، وبالتالي فإن وجود البيانات الكافية حول دور التعليم في كل ذلك يوجه الكثير من السياسات المستقبلية، وينبه على عملية أولويات الإصلاح، والطرق التي يمكن أن يتفاعل فيها التعليم مع تغيرات الفرد والمجتمع. ثاني الأسباب هو أن التعليم يدور في دائرة ملتفة حول دوره في تشكيل الاقتصاد، ودور الاقتصاد في تشكيله وتوجيهه، وهذا يقود إلى الجدلية الشائعة (التي يصعب أن تحسم في تقديرنا): هل يجب أن يكون التعليم لأجل تلبية متطلبات اقتصادية، أم يجب أن يكون التعليم تهيئة للحياة بعمومها؟. أما ثالث هذه الأسباب فهو أن واقع التعليم في ذاته هو ناتج، ناتج عن فعل الاقتصاد، وفعل السياسة، وفعل الثقافة الاجتماعية، وبالتالي فإن فهم وتوجيه سياسات إصلاحه إنما يقتضي توفر بيانات كل الأطراف والفواعل التي تؤثر في التعليم وتتأثر به.

تقترح هذه المقالة إنشاء سجل وطني موحد للتعليم؛ والفكرة منه أن يكون تفاعليًا ويجمع البيانات حول التعليم والعوامل المؤثرة فيه في لحظتها، ومن خلاله يكون لكل طالب سجل أداء فيه مجموعة من العناصر التي تجمع حولها البيانات، ويمتد مع الطالب ليس فقط إلى نهاية المرحلة المدرسية، وإنما إلى غاية انخراط المتعلم في الاقتصاد، سواء في شكل وظيفة ثابتة أو أي فعل اقتصادي آخر. سيعنى هذا السجل بتسجيل أداء الطالب، والتغيرات التي تطرأ على هذا الأداء بمرور المراحل الدراسية، والأداء على مستوى المقررات والتخصصات والمناهج، والحالات المدرسية المسجلة من حالات اجتماعية أو نفسية أو سواها، ثم سيكون المنصة التي ترجح للطالب الاسترشاد في خياراته الدراسية بمجموعة هائلة من البيانات المجموعة عن المراحل السابقة، ثم في مرحلة الخيارات الجامعية سيمكن الموجهين المهنيين، وأولياء الأمور من التوجيه بناء على بيانات الأداء. والمبدأ الأساس في هذا السجل هو عدم الفصل بين بيانات المتعلم في مرحلة التعليم العام والمرحلة الجامعية وبين الدور الاقتصادي الذي سينشط فيه في سوق العمل والاقتصاد لاحقًا.

•هناك عشر منافع من إيجاد مثل هذا السجل في تقديرنا؛ فهو أولًا يمكن من توفير أدلة أكثر متانة ودقة لصناع السياسات التعليمية، وثانيًا سيكون أداة رصد للتغيرات الطارئة ليس على التعليم وحده، وإنما على التعليم والمجتمع والثقافة بوصفها فواعل مؤثرة في سياق حقل التعليم، ثالثًا سيمكن وجود مثل هذا السجل من معرفة التطورات التي تطرأ على شخصية المتعلم، والمحطات الفارقة في رحلة التعلم، والعوامل التي شكلت تلك المحطات، رابعًا سيوجه وجود مثل هذا السجل عمليات الإرشاد والتوجيه على المستوى النفسي والاجتماعي أو المهني والتعليمي وستكون تلك العمليات قائمة على الأدلة والسجلات التاريخية المعززة لها. أما خامس تلك المنافع فإن وجود مثل هذا السجل سيعزز لدى الطالب قرار الخيارات الدراسية المستنير بالأدلة، ليس فقط على مستوى الدراسة الجامعية، ولكن حتى في المراحل المبكرة من اختيار المواد الدراسية. سادسًا سيكون مثل هذا السجل أداة تقييم للحقل التعليمي بأطرافه ومكوناته المختلفة، على مستوى أداء المعلمين، والإدارات التعليمية. وسابع تلك المنافع بكون مثل هذا السجل أداة لتقييم المناهج والتخصصات الدراسية ودورها في تشكيل شخصية المتعلم. ثامنًا فإن هذا السجل سيكون أحد مداخل قياس العائد على الاستثمار في حقل التعليم وخاصة على المستوى الوطني. كما هو في المنفعة التاسعة سيمكن من معرفة أسباب وعوامل فجوات الإنجار بالنسبة للطلبة، سواء على مستوى الأداء أو الشخصية، وسيمنح الباحثين في حقل سياسات التعليم مجالات جديدة للبحث والتنقيب تتباين عن المجالات التقليدية التي تحتكم إلى توافر البيانات المحدودة. وعاشرًا سيمكن هذا السجل من تجسير الفجوة بين المهارات المكتسبة والمهارات المطلوبة وذلك من خلال فهم مسارات الطلبة بعد التخرج، والفرص المتاحة لهم، والفترات التي يقضونها للانخراط في الدورة الاقتصادية والإنتاجية، وعلاقة ما اكتسبوه وتخصصوا فيه بمساراتهم شغلهم اللاحقة.

حقل التعليم كحقل تنموي أمام فرص كبيرة فيما يتعلق باستثمار فرصة البيانات الضخمة، ذلك أنه يتعامل مع القطاع الأوسع في المجتمع، ويصل إليه بشكل يومي، ويرصد تشكل معالم الشخصيات والهويات والأفعال الاقتصادية في مرحلة عمرية مهمة من تشكل الكائن الاجتماعي، وكلما كان هناك استثمار في هذه الفرصة كلما ساعد ذلك في إنجاز سياسات تعليمية أكثر استنارة ومرونة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على مستوى التعلیم ا

إقرأ أيضاً:

أحاديث عن السياسة.. الحصافة

 

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

"إن النفس البشرية وقت الحرب هي نفس شريرة لا تتردد عن الأعمال القبيحة، ولا تراعي أي قيم للعدالة والإنسانية ولا كابح للعواطف لديها" ثيوسيديدس، كتاب "تاريخ الحروب البلوبونيزية".

***********

 

أولا وقبل الدخول في الحيثيات المتشابكة للمقال، قد تسألني ما الحصافة؟ الحصافة ياعزيزي هي جودة الرأي واستحكامه، أي أن الإنسان العاقل تفترض فيه الحصافة، وللحصافة أيضا معانٍ عدة منها الرزانة والإتزان، وعندما نتحدث عن السياسة وعوالمها ومحطاتها لا بُد هنا أن يكون السياسي حصيفا رزينا، ذا كياسة وفطنة، وتفكير عميق فارق، ونظرة بعيدة المدى، إلى هنا هل تحدثنا عن السياسة، لا ياسيدي مازلنا في أول المشوار!

تابع ما يجري في الساحات الدولية والإقليمية، وضع مقياسا للحصافة لقادة هذه المجريات، صدقني بعد تدقيق بسيط ستجد أحكامك جاهزة، هذا إن افترضنا أنك حكم نزيه وأمين مع الحقيقة.

مستلزمات الرحلة السياسة لأي قائد سياسي بأي منصب سياسي حتى لو قيادة حزب صغير، هي أن يتمتع بالحصافة التي تُنير له طريق المصلحة، ويستطيع خلالها إدارة الصراع (إن وجد) بالحصافة المطلوبة والإتزان الواقعي، كيف يتعامل مع الحلفاء، مع الأعداء، مع المتربصين، مع المناوئين، هل لديه طاقم استشاري كفء يعينه ويمهد له طرق الدبلوماسية للسير قدما في تحقيق سياساته ومخططاته بحصافة؟

مستلزمات الظروف تحتاج سياسيا يدركها، ومستجدات الأوضاع في ضوء ما يحدث تستحق سياسيا يتناغم معها ويؤقلمها لصالحه، فالسياسة التي ليس بها توازن وذكاء ودهاء لا تحقق سلما، ولاتنجي من الحرب!

في السياسة غالباً، قل لي من مستشارك أقل لك من أنت!

في الدول ذات المشاركة السياسية الشعبية يوجد غالبا ما يسمى بمجموعات الضغط، وهي مجموعة يتفق أعضاؤها على هدف سياسي أو مصلحة معينة، وبالعادة تتكون لأجل هدف مؤقت، تنفرط بعده عراها، وكثيرا ما تتكون هذه المجموعات من ذوي نفوذ سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، فتمارس مثل هذه المجموعات الضغط على الحكومة المستهدفة بغية الحصول على المنافع المطلوبة، وحتى نضع النقاط فوق السطور كثير ممن يلعب أدوارا في مثل هذه المجموعات يفتقر للمبدأ، وتحكمه المنفعة الآنية، لذلك نجد كثيرا ما يتم تفكيك أو اختراق هذه المجموعات خاصة عندما يتم اللعب معها وفق خذ وهات، وتحت مبادئ مصلحية تتم من خلالها استقطابات، وتوازنات، هنا ستجد اللعب وإمكانياته، والأوراق وتفاعلها في الاستخدام، ويبرز هنا اللاعب الذكي الذي يقود مباراة السياسة وفق حذافيره، ويفرض أسلوبه، ويسجل أهدافه بمرونة، ليحقق مراد سياساته، ويعزز مواقفه في خضم الساحة السياسية. في مثل هذه الأحوال يحتاج السياسي لمستشارين ذوي نظرة ثاقبة، وخطة فارقة.

اقرأ التاريخ وستجد عشرات الأحداث التي لولا حصافة قادتها لما نجحوا وحققوا الأهداف، ولاتنسى انتهت الحرب الباردة بلا حرب، وتذكر أحداثا عديدة في ظاهرها بين عنصر 1 وعنصر 2، لكنها في الحقيقة بين عنصرين بعيدين عن ساحة المعركة، لكنهما يتحكمان بخيوط اللعبة، ويديرانها من خلف الستار، وإن كان غالباً ستارا شفافا!

يقول الشاعر الأمير تركي بن حميد:

من لا يدوس الراي من قبل ما ديس

عليه داسوه العيال القرومي..

ومن لا يقلطّ شذرة السيف والكيس

 تبدا عليه من الليالي ثلومي..

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • أحاديث عن السياسة.. الحصافة
  • الملك: نشكر كل الدول التي تتعامل اقتصاديا واستثماريا مع الأقاليم الجنوبية كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني
  • الجهاز الوطني للتنمية يفتتح مدرستين لتعزيز التعليم في الجنوب الليبي
  • الكيلاني: مشروع السجل الاجتماعي الموحد خطوة محورية نحو تعزيز كفاءة النظام الاجتماعي
  • لولا مصر لما عرف السودانيين السياسة ولا الثقافة ولا الفنون
  • وزير التعليم العالي يُثمن أعمال التطوير والتوسع التي تشهدها جامعة الأقصر
  • مركز البيانات الوطني يطلق خدمة منصة الأُذونات العقارية عبر بوابة أور الإلكترونية
  • «ألف للتعليم» تحصد «جائزة المُبتَكِر»
  • لجنة التعليم بـ «الوطني»تناقش «جودة حياة المدرسين»