لجريدة عمان:
2025-04-26@04:45:56 GMT

السجل الوطني للتعليم

تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT

لا يمكن اليوم الحديث عن السياسات العامة المستنيرة دونما التوقف عند مسألة جودة البيانات وتوافرها وتحديثها وكفاءتها وشموليتها. ويمكن الحكم بأن كفاءة أي سياسة عامة تستصدر إنما تحتكم إلى كفاءة ونوعية البيانات (الأدلة) التي بنيت عليها، ومدى قدرة تلك البيانات على صناعة (حجج السياسة) وتوجيه مسارها، وهو ما يتطلب قدرًا من محاكمة البيانات المتاحة والتأكد من ست خصائص رئيسة لها وهي: الدقة والموضوعية والشمول، والواقعية والقابلية للاستخدام والتوظيف والحداثة.

ولذلك تتوجه الحكومات اليوم إلى الاعتماد على البيانات الضخمة في صنع سياساتها العامة، وما يميز تلك البيانات أنها تجمع أولًا بأول حول الظاهرة أو موضوع السياسة ، بمعنى أنها لا تحتاج إلى آجال زمنية دورية لاحتسابها وجمعها وتحليلها-، كما أن هذا النوع من البيانات بحجمه يمنح القيمون على التحليل فرصة للنظر في أبعاد متنوعة حول الظاهرة أو موضوع السياسة، ويحيل في الآن ذاته إلى معرفة التغيرات التي تطرأ على الظاهرة أو موضوع السياسة بشكل دقيق وتتبعي. وما يميز استخدام البيانات الضخمة في صنع السياسات العامة هو أن هذه البيانات لا تفسح مجالًا لإهمال أي عامل من العوامل التي تتأثر أو تؤثر في الظاهرة أو موضوع السياسة.

على مستوى سياسات الإصلاح التعليمي تبدو المسألة أكثر تطلبًا فيما يتعلق بالبيانات، وذلك لعدة أسباب؛ أولها أن التعليم يتعامل مع فترة ممتدة من حياة الفرد؛ إذا احتسبنا مرحلة في التعليم المبكر، ثم التعليم المدرسي، والتعليم الجامعي، وفي بعض الحالات تمتد إلى الدراسات العليا، إذن في المتوسط يتعامل التعليم مع مرحلة تمتد على الأقل لمدة (15-16) عامًا من حياة الفرد، وهذه المرحلة تتشكل فيه الشخصية والهوية الذاتية، وتختبر فيها الكثير من عمليات إندماج الفرد في المجتمع والثقافة والاقتصاد والفعل السياسي والتشكل الذاتي، وبالتالي فإن وجود البيانات الكافية حول دور التعليم في كل ذلك يوجه الكثير من السياسات المستقبلية، وينبه على عملية أولويات الإصلاح، والطرق التي يمكن أن يتفاعل فيها التعليم مع تغيرات الفرد والمجتمع. ثاني الأسباب هو أن التعليم يدور في دائرة ملتفة حول دوره في تشكيل الاقتصاد، ودور الاقتصاد في تشكيله وتوجيهه، وهذا يقود إلى الجدلية الشائعة (التي يصعب أن تحسم في تقديرنا): هل يجب أن يكون التعليم لأجل تلبية متطلبات اقتصادية، أم يجب أن يكون التعليم تهيئة للحياة بعمومها؟. أما ثالث هذه الأسباب فهو أن واقع التعليم في ذاته هو ناتج، ناتج عن فعل الاقتصاد، وفعل السياسة، وفعل الثقافة الاجتماعية، وبالتالي فإن فهم وتوجيه سياسات إصلاحه إنما يقتضي توفر بيانات كل الأطراف والفواعل التي تؤثر في التعليم وتتأثر به.

تقترح هذه المقالة إنشاء سجل وطني موحد للتعليم؛ والفكرة منه أن يكون تفاعليًا ويجمع البيانات حول التعليم والعوامل المؤثرة فيه في لحظتها، ومن خلاله يكون لكل طالب سجل أداء فيه مجموعة من العناصر التي تجمع حولها البيانات، ويمتد مع الطالب ليس فقط إلى نهاية المرحلة المدرسية، وإنما إلى غاية انخراط المتعلم في الاقتصاد، سواء في شكل وظيفة ثابتة أو أي فعل اقتصادي آخر. سيعنى هذا السجل بتسجيل أداء الطالب، والتغيرات التي تطرأ على هذا الأداء بمرور المراحل الدراسية، والأداء على مستوى المقررات والتخصصات والمناهج، والحالات المدرسية المسجلة من حالات اجتماعية أو نفسية أو سواها، ثم سيكون المنصة التي ترجح للطالب الاسترشاد في خياراته الدراسية بمجموعة هائلة من البيانات المجموعة عن المراحل السابقة، ثم في مرحلة الخيارات الجامعية سيمكن الموجهين المهنيين، وأولياء الأمور من التوجيه بناء على بيانات الأداء. والمبدأ الأساس في هذا السجل هو عدم الفصل بين بيانات المتعلم في مرحلة التعليم العام والمرحلة الجامعية وبين الدور الاقتصادي الذي سينشط فيه في سوق العمل والاقتصاد لاحقًا.

•هناك عشر منافع من إيجاد مثل هذا السجل في تقديرنا؛ فهو أولًا يمكن من توفير أدلة أكثر متانة ودقة لصناع السياسات التعليمية، وثانيًا سيكون أداة رصد للتغيرات الطارئة ليس على التعليم وحده، وإنما على التعليم والمجتمع والثقافة بوصفها فواعل مؤثرة في سياق حقل التعليم، ثالثًا سيمكن وجود مثل هذا السجل من معرفة التطورات التي تطرأ على شخصية المتعلم، والمحطات الفارقة في رحلة التعلم، والعوامل التي شكلت تلك المحطات، رابعًا سيوجه وجود مثل هذا السجل عمليات الإرشاد والتوجيه على المستوى النفسي والاجتماعي أو المهني والتعليمي وستكون تلك العمليات قائمة على الأدلة والسجلات التاريخية المعززة لها. أما خامس تلك المنافع فإن وجود مثل هذا السجل سيعزز لدى الطالب قرار الخيارات الدراسية المستنير بالأدلة، ليس فقط على مستوى الدراسة الجامعية، ولكن حتى في المراحل المبكرة من اختيار المواد الدراسية. سادسًا سيكون مثل هذا السجل أداة تقييم للحقل التعليمي بأطرافه ومكوناته المختلفة، على مستوى أداء المعلمين، والإدارات التعليمية. وسابع تلك المنافع بكون مثل هذا السجل أداة لتقييم المناهج والتخصصات الدراسية ودورها في تشكيل شخصية المتعلم. ثامنًا فإن هذا السجل سيكون أحد مداخل قياس العائد على الاستثمار في حقل التعليم وخاصة على المستوى الوطني. كما هو في المنفعة التاسعة سيمكن من معرفة أسباب وعوامل فجوات الإنجار بالنسبة للطلبة، سواء على مستوى الأداء أو الشخصية، وسيمنح الباحثين في حقل سياسات التعليم مجالات جديدة للبحث والتنقيب تتباين عن المجالات التقليدية التي تحتكم إلى توافر البيانات المحدودة. وعاشرًا سيمكن هذا السجل من تجسير الفجوة بين المهارات المكتسبة والمهارات المطلوبة وذلك من خلال فهم مسارات الطلبة بعد التخرج، والفرص المتاحة لهم، والفترات التي يقضونها للانخراط في الدورة الاقتصادية والإنتاجية، وعلاقة ما اكتسبوه وتخصصوا فيه بمساراتهم شغلهم اللاحقة.

حقل التعليم كحقل تنموي أمام فرص كبيرة فيما يتعلق باستثمار فرصة البيانات الضخمة، ذلك أنه يتعامل مع القطاع الأوسع في المجتمع، ويصل إليه بشكل يومي، ويرصد تشكل معالم الشخصيات والهويات والأفعال الاقتصادية في مرحلة عمرية مهمة من تشكل الكائن الاجتماعي، وكلما كان هناك استثمار في هذه الفرصة كلما ساعد ذلك في إنجاز سياسات تعليمية أكثر استنارة ومرونة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على مستوى التعلیم ا

إقرأ أيضاً:

فضيحة التجسس على المساجد.. هيئة هولندية تأمر الحكومة بإتلاف البيانات

أمرت هيئة حماية البيانات الشخصية في هولندا وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بإتلاف بيانات شخصية جُمعت سرا وبشكل غير قانوني عن أفراد من الجالية المسلمة، خلال مدة لا تتجاوز الشهرين.

وأوضحت الهيئة -في بيان نشر هذا الأسبوع- أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل خالفت القانون بجمعها تلك البيانات في إطار التحقيقات السرية التي أجرتها بين عامي 2016 و2019، والتي راقبت خلالها مسلمين ومؤسسات إسلامية.

واستعانت الوزارة بوكالة تحقيقات خاصة قامت بإرسال موظفيها متنكرين لزيارة المساجد وجمع معلومات عن المسلمين، وتبين أنهم ركزوا في تحرياتهم على ما لا يقل عن 31 شخصا.

وقال رئيس هيئة حماية البيانات الشخصية أليد وولفسن -في البيان- إن "جمع البيانات الشخصية في هذه التحقيقات تم من دون أساس قانوني، ولم تكن الوزارة شفافة بشأن ذلك، ومن ثم، فإن التحقيق غير قانوني".

وأضاف: "كما أن التركيز على المنحدرين من أصول مسلمة يجعل الأمر تمييزيا".

وكانت صحيفة هولندية قد كشفت عن هذه الفضيحة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقالت إن ما لا يقل عن 10 بلديات هولندية استأجرت وكالة تحقيقات خاصة لجمع معلومات عن المسلمين والمساجد والمؤسسات الإسلامية بشكل غير قانوني.

الحكومة الهولندية أرسلت مخبرين من وكالة خاصة لجمع معلومات عن المصلين (الأوروبية- أرشيف) الدولة "تصنف المسلمين"

وقالت المحامية سميرة صابر -في تصريح لوكالة الأناضول- إن وزارة الشؤون الاجتماعية جمعت وعالجت بشكل غير قانوني بيانات شخصية لأئمة ومديري مساجد ووعاظ ينشطون في المجتمعات المسلمة بهولندا.

إعلان

وأضافت أن الوزارة "صنفت هؤلاء الأشخاص على أنهم من التيار السلفي أو من جماعة الإخوان المسلمين، وشاركت هذه التصنيفات".

وأوضحت المحامية أن "هدفنا هو إتلاف كل البيانات. لكن علينا أولا أن نعرف المعلومات الموجودة ومع من تمت مشاركتها. لا نعرف بعد مدى انتشارها، ولهذا نحن مصرون على المضي قدما في الإجراءات القانونية حتى النهاية".

وأكدت أن هذه الأحداث "حطمت تماما قناعة المسلمين في هولندا بأن التعاون مع الدولة والشفافية والحوار قد يحول دون تعرضهم للتمييز".

ثقة مسلمي هولندا بمؤسسات الدولة تراجعت بعد فضيحة التجسس على المساجد (الأوروبية) انعدام الثقة

من جانب آخر، قال النائب عن حزب "دينك" دوغوكان أرغين إن إجابات وزارة الشؤون الاجتماعية عن الأسئلة البرلمانية بشأن هذه القضية لم تكن مرضية.

ورأى أرغين أن الدولة الهولندية "تبنت سياسة تعسفية تجاه المسلمين، مبنية على انعدام الثقة واستبعادهم".

وتابع: "قالوا لنا لا نعرف كيف حدث هذا، ولم يكن هذا هدفنا، كنا فقط نحاول مراقبة الشباب الذين يسافرون إلى سوريا".

وحذر النائب الهولندي من أن مؤسسات حكومية قد تواصل استخدام هذه البيانات رغم الأمر الصادر عن هيئة حماية البيانات الشخصية، وقد تؤثر هذه المعلومات سلبا على فرص المسلمين في التوظيف بالقطاع العام، وقد يتعرضون لاستجواب غير مبرر في البنوك، حسب قوله.

مسلمون خارج أحد المساجد بمدينة روتردام (الأوروبية) اندساس بين المصلين

بدوره، قال رئيس "مجلس الاتصال بين الدولة والمسلمين" محسن كوكطاش إن التحقيقات بين عامي 2016 و2019 أجريت سرا بالتعاون بين البلديات وهيئة التنسيق الوطني لمكافحة الإرهاب.

وأوضح أن "الباحثين ذهبوا إلى المساجد من دون أن يقولوا إنهم يجرون أبحاثا، وتصرفوا كما لو كانوا من المصلين. أجروا تحقيقات دقيقة جدا، مثل من يتحدث مع من، ومن على خلاف مع من".

إعلان

ووصف تلك التحقيقات بأنها أشبه بالتجسس، مشيرا إلى أن الوزارة لم تعلن عنها من تلقاء نفسها، بل كشفت عنها صحيفة هولندية.

ورأى كوكطاش أن إتلاف البيانات وحده لا يكفي، داعيا إلى معالجة انعدام الثقة الذي خلفته القضية لدى المسلمين.

وقال: "يسود الآن شعور لدى المسلمين بأنهم جميعا تحت المراقبة. لم نعد نعامل بوصفنا مواطنين عاديين، بل نشعر بأنه مهما فعلنا سنتعرض للتمييز".

مقالات مشابهة

  • السياسة والأماني الضالة
  • هولندا تحذّر من Meta AI: هيئة الخصوصية تطالب بحماية البيانات الشخصية
  • عون: السياسة لخدمة الإنسان لا الحاكم
  • تحرروا من السياسة
  • فضيحة التجسس على المساجد.. هيئة هولندية تأمر الحكومة بإتلاف البيانات
  • «الوطني للتعليم الإلكتروني»: إيقاف تراخيص 4 جهات لمخالفتها الضوابط والمعايير التنظيمية
  • خطوات وطريقة استخراج القيد العائلي 2025.. من الهاتف المحمول
  • مراكز البيانات بالصين.. سباق رقمي في مواجهة تحديات المناخ
  • تكريم الطلبة المجيدين بمدرسة الخوض للتعليم الأساسي (9-12)
  • لا تدع السياسة تُفسد نومك.. استعن بهذه النصائح من خبراء